الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مصرنا بلا عنف

والمجتمع الجاهلي عندهم ينقسم ثلاثة أقسام: - مسلمون بلا شبهة. - كفار بلا شبهة. - طبقة كبيرة متميعة

مصرنا بلا عنف
ياسر برهامي
الجمعة ٢٨ نوفمبر ٢٠١٤ - ١١:٢٣ ص
1782

مصرنا بلا عنف

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقضية العنف قضية شائكة جدًّا، وخطيرة للغاية "وكذا فكر التكفير".

والمسألة لها محاور متعددة لا بد أن نكون جميعًا في "مصر" وفي غيرها على بيِّنة منها، وإغفال أحد جوانبها خطر عظيم للغاية، وإذا أردنا فعلاً مصر بلا عنف؛ فلا بد أن تكون المعالجة من جميع الجوانب.

وهناك ثلاثة محاور سنتكلم عنها، وسنفرد واحدًا مِن هذه المحاور بتفصيل أكثر بحكم أنه ألصق بنا، وأهم في توضيح هذا الباب؛ لأنه قد يُنسَب العنف عمومًا في العالم كله اليوم إلى العمل الإسلامي.

وهذه المحاور هي:

1- المحور الأول: أن هناك أسبابًا أدت إلى انحراف فكري ومنهجي لدى فصائل تنتسب إلى العمل الإسلامي، ولا بد أن يكون هناك انتباه شديد جدًّا مِن الجميع لهذه النقاط:

- هناك خطر التعميم: فهناك مَن يحاول أن يصور كل فصائل العمل الإسلامي على أنها فصائل منحرفة، وأنها في حقيقتها تكفيرية وترى العنف ضد المجتمع، وأنها سوف تمارسه، وبعضها قد سار في الطريق، والبعض الآخر سوف يسير قريبًا عندما يتمكن!

- يوجد فعلاً انحراف فكري ومنهجي لدى جماعات متعددة داخل أو منتسبة إلى العمل الإسلامي.

2- المحور الثاني: مَن لهم دور في مؤسسات الدولة، ولا أعني بالدولة الحكومة فقط؛ فالدولة: حكومة، وشعب، وإعلام، وقضاء، وشرطة، وجيش، ومؤسسات مختلفة؛ وهناك داخل هذه المؤسسات مَن يدفع في طريق العنف بممارسات وسلوكيات، وأفكار ينشرها، تؤدي إلى استمرار مسلسل العنف، بل هي في الحقيقة جزءٌ أساسي من الأزمة، وهذه الممارسات مخالفة للشرع أولاً، وللقانون والدستور ثانيًا؛ مما يترتب على استمرارها خطر عظيم جدًّا، ولا بد إذا أردنا أن نعالج أن نهتم بجميع الجوانب.

3- المحور الثالث: هو محور الدفع الخارجي في طريق العنف بطرق مباشرة وغير مباشرة من دول ومنظمات، وأجهزة مخابرات وعصابات تسليح... فهناك مخططات كبرى تُراد للمنطقة ولبلادنا؛ تمهيدًا لمزيدٍ من الانقسام.

ومن الطرق المباشرة: توفير السلاح، فكل مناطق النزاع الأسلحة فيها ليست مِن صنع المسلمين، وإيصال هذه الأسلحة يكون من خلال دول حدودها مفتوحة ومغرقة بالأسلحة، بالإضافة إلى الدفع بجماعات مدربة على إشعال الاقتتال داخل المجتمعات ثبت أنها تُدرَب في منظمات وهيئات، وأجهزة استخبارات ترعاها دول كثيرة.

والبعض يذكرنا بأحداث "محمد محمود" هذه الأيام، ويريد أن يجعلها ذكرى لمزيدٍ من الألم، فنتذكر هذه الأيام، وكيف أن هناك أيادٍ خفية من الأطراف المختلفة تدفع إلى العنف؛ ولذلك تأكدنا أن هناك مَن لا يريد الاستقرار لبلادنا، وهناك مَن يدعم الانقسامات.

وطائرات "الناتو" في ليبيا كانت تضرب قوات القذافي، وفي نفس الوقت تلقي صناديق الأسلحة والذخيرة وكانت تُلقى في الصحراء مجانًا لتقع في أيدي طوائف، وجزء من هذا السلاح تم تهريبه إلى سيناء والصعيد خلال سنوات الاضطراب في مصر؛ فهذا خطر لا بد أن نجتمع جميعًا في مقاومته، وأن نوقف التدخل الأجنبي والاستجابة له في قضية العنف، فهناك مَن لا يعبأ بأن يُقتل الملايين!

والمخططات تدفع إلى عدم استقرار البلاد العربية والإسلامية، وهدفها في النهاية تنفيذ مخططات اليهود الذين حددوا سنة 2020م لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل، ولن يتم هذا الأمر إلا مِن خلال العنف داخل البلاد العربية والإسلامية وتقسيمها، وإدخالها في صراعات؛ فلا بد أن نقف جميعًا ضد ذلك، وإلا فهل نقبل أن ينضم أبناؤنا وشبابنا باسم الثورة وباسم الحالة الثورية إلى جماعات خارجية ويتقبل المناهج الدافعة إلى العنف؟!

والفوضى الخلاقة مُعلن عنها منذ سنة 2005م، وتم التخطيط لها قبل ذلك التاريخ على الأقل بعشرين سنة حتى تصل المجتمعات إلى ذلك؛ فنحن لسنا وحدنا في المعادلة ولسنا رقمًا وحدنا.

المحور الثاني: "ممارسات الأنظمة" -وخصوصًا الإعلام الذي يشعل الحرائق والنزاعات في كل المؤسسات-: فهناك الظلم والقهر المخالف للدستور والقانون، وانتهاك حقوق الناس المنصوص عليها في دستور بلادنا -الرائع في هذا الجانب مع ضبطه بشرع الله تعالى-؛ فهناك مَن ينتهك هذه الحرمات في مؤسسات مختلفة، ولا يراعي أن القرار الذي يتخذه باستعمال العنف يترتب عليه ضرر لسنوات طويلة، وكان مِن الممكن حل كثير من المشاكل بأقل الخسائر لو تعامل الكثير ممن هو له دور في المؤسسات المختلفة بطريقة ليس فيها دفع إلى العنف، فإن العنف الذي ظهر في الستينيات وما بعدها بدأ في "سجون عبد الناصر"؛ بسبب الممارسات المنكرة التي كانت تُمارَس داخل السجون، وهكذا أيضًا خلال عهد "مبارك"، فالشباب الذي يئس من كل شيء إلا السلاح، وقال: "لا حل إلا السلاح!"، فهو مع وجود انحراف فكري لديه إلا أنه هناك سبب خطير لا بد من معالجته أيضًا، ولا بد أن تكون المعالجة من جميع الجهات وليست المعالجة الأمنية فقط، خصوصًا مع شدة الفقر والظلم الناشئ عن سوء التوزيع للثروة، والفساد الذي يعم البلاد المختلفة، واستغلال السلطة والنفوذ، والممارسات المنكرة لكثير من الجهات الأمنية التي تخالف الطريقة المنصوص عليها في تعاملها داخل السجون، وخارجها في التعامل مع الناس، ووسائل الإعلام، ومسؤولية المؤسسة القضائية والتي وإن كانت لا رقابة عليها إلا الله -عز وجل-، لكن نُذكرهم بالله أن كثيرًا ممن قد يُظلم في هذا الباب بسبب حكم غير موافق للحقيقة سوف يكون سببًا لمزيدٍ من الانحراف، ومزيدٍ من العنف.

ونؤكد هنا أيضًا على خطر التعميم: فلا نقول إن كل مَن في وزارة الداخلية، وكل مَن في المخابرات، والإعلام، والقضاء "ظلمة"؛ لأن هذا خطر عظيم جدًّا، وهو مِن الغلو، ومن أعظم أسباب الانحراف؛ لأن التعميم يترتب عليه أنواع من الأحكام العامة المجملة الخاطئة، ويترتب عليه معاملة للمجتمع كله أو لطائفة من المجتمع كالشرطة والجيش مثلاً أو القضاء بأنهم مُستباحو الحرمات بسبب أن واحدًا منهم -أو حتى مجموعة- ارتكب خطأ أو ظلمًا؛ فيُعمم الحكم بأن كل هؤلاء كفرة أو ظلمة أعداء للإسلام! وهذا التعميم استعمل بسبب وجود بذرة له، لكن استعملها مَن عنده انحراف فكري ومنهجي في إثارة "عاطفة الشباب"؛ خاصة وهذا الشباب يرى أمثلة حقيقية تدفع في هذا الاتجاه، فهناك مَن يريد هدم ثوابت الأمة ويعلن ذلك، بل يريد هدم الدين نفسه؛ فيطعن في الإجماع، والإيمان باليوم الآخر، وينكِر الالتزام بأن الإسلام هو دين الحق ولا دين عند الله سواه، وينكر البخاري ومسلم، ويطعن في الدين، ويطعن في الشريعة، وهذا له دور ويُستغل بالتعميم عند الشباب الذي عنده عاطفة تجاه دينه، فيقال له: "انظر ماذا يقولون؟!".

فنقول: هل كلهم يقولون هذا؟!

هل كل الإعلاميين يكذبون، ويشعلون النيران؟!

لا أستطيع التعميم، لكن هناك مَن يفعل ذلك.

إذن لا بد إذا كنا نريد خيرًا وإصلاحًا أن نعالج قضية العنف؛ ولا بد أن نعالجها من جميع الجوانب، وأن تقوم كل المؤسسات بدورها في إصلاح ما بداخلها، والالتزام بشرع الله -عز وجل- ثم بالدستور والقانون، والصدق والأمانة، والمراقبة لله -عز وجل-، والنظر إلى مصلحة البلد، فهناك للأسف من يُفرطون في مصلحة البلد لمصلحتهم الخاصة الشخصية أو الحزبية أو الوظيفية أو الجاه والمنزلة؛ فلا بد أن نقدِّم بعد شرع الله -عز وجل- مصلحة الوطن ككل فوق الحزب، وفوق الجماعة.

ثم هناك قضية الانحراف داخل فصائل منتسبة إلى العمل الإسلامي:

وفي هذه القضية -أيضًا- نؤكد على خطأ وخطورة "التعميم"، وأنه لا يجوز أن يُعمم الحكم على جميع الناس، قال الله -تعالى-: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الأنعام:164)، فلا يصح أن يعاقَب كل مَن ينتسب للعمل الإسلامي عقوبة جماعية دون أن يكون مرتكبًا لجريمة أو معاونًا على ارتكاب جريمة، وهذا منصوص عليه في الدستور "أن العقوبة شخصية"، ويزيد هذا الانحراف الحاصل خطورة أن الفصائل التي انحرفت هذه المرة فصائل كبيرة، وسيطر على قيادتها اتجاهات فيها انحراف فكري ومنهجي.

أهم معالم هذا الانحراف الفكري والمنهجي:  

سأضع "سبعة عناوين"، كلٌ منها يحتاج إلى دراسة تفصيلية؛ وإلا فالجهل بها خطر عظيم جدًّا، فكلنا بحاجة إلى معرفة تلك الأمور "وخاصة النساء"؛ لأن وضع النساء خصوصًا مقلق جدًّا، فجزء كبير مِن الاضطراب والفوضى والعنف تكون النساء عاملاً أساسيًّا فيه، فامرأة واحدة فقط تُجر في الطريق العام؛ فضلاً عن أن تُجرد من ملابسها فلكَ أن تتخيل كم الألم والفوضى والعنف الذي يمكن أن يحدث بسبب ذلك، وبعضهن بسبب وجود هذا الانحراف الفكري لديها تجد أنها هي التي تسعى وتحاول أن يحدث معها هذا الأمر! مثل محاولة البعض الآن في قضية "المصاحف" التي لا يجوز تعريضها بحال للإهانة، وحملها إلى مكان يغلب على الظن فيه حدوث امتهان للمصاحف.

وكذلك على مَن يواجهون هؤلاء الشباب لا بد أن يحذروا؛ لأن المطلوب مِن أجل استمرار مسلسل العنف والتكفير أن تُلتقط صورة لمصحف أُلقي على الأرض أو لجندي أو مسئول وهو يطأ المصحف، فمَن سيقول ساعتها إن هذا بقصد أو بدون قصد؟! ومَن سيقول ساعتها: هل يعلم أنه مصحف أم لا؟ لذلك أحذر مِن أن يقع أحد في هذا "الفخ"؛ لأن البعض يقصد -وهذه نية خبيثة- أن يقول بأن الآخر لا يعرف حرمة المصحف؛ فهناك فخاخ منصوبة.

فمِن أخطر محاور الانحراف لدى هذا الفكر:

1- استعمال مصطلح "المجتمع الجاهلي" مع عدم ضبط الفرق بين جاهلية الكفر وجاهلية المعصية، ثم اختلاف الفصائل المنحرفة في فهم كلمة "المجتمع الجاهلي": هذه الكلمة -المجتمع الجاهلي- مِن المعلوم أن أول مَن استعملها الأستاذ "سيد قطب" -غفر الله له-، فقد استعملها في مواضع مختلفة، وتلامذته مِن بعده اختلفوا في فهمها، وكلمة "الجاهلية" مستعملة في الشرع، فقد قال الله -تعالى-: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) (الفتح:26)، وقال -تعالى-: (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) (آل عمران:154)، وقال: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50)، وقال: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) (الأحزاب:33)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ) (رواه مسلم).

فهذه الألفاظ إذن وُجدت في الشرع، ولكن لا بد مِن الفهم الصحيح لها؛ فهناك جاهلية تُفارق الإسلام، وهناك جاهلية تُجامع أصل الإسلام، أما كلمة "المجتمع" فإنها لم تُستعمل في القرآن، ولذلك أصبح لها تفسيرات:

التفسير الأول لهذه الكلمة هو تفسير "شكري مصطفي": وكان تلميذًا للأستاذ "سيد قطب"، حيث فسر كلمة "المجتمع الجاهلي" بالمجتمع الكافر الخارج من الملة كل أفراده؛ جيشًا وشرطة وشعبًا "ماعدا أفراد الجماعة!"، وجماعات التكفير هذه ما زالت موجودة، منهم مَن يحمل السلاح، ومنهم من لا يحمل السلاح، لكن الفكر نفسه فكرٌ خرب، وبسبب هذا التفسير، وهو أن المجتمع "جاهلي" فإنهم يتحوصلون ضده؛ لأنه مجتمع كافر تُستباح فيه الدماء والأعراض، والأموال العامة والخاصة، وللأسف الشديد أن كثيرًا ممن يُمارس العنف في زماننا صار يتبنى هذا المصطلح بهذا المعنى.

التفسير الثاني لكلمة "المجتمع الجاهلي": هو التفسير الموجود داخل الفكر القطبي، وهم الذين تتلمذوا على يد "سيد قطب"، لكن صاروا يتسمون بأسماء أخرى، وقاموا بنشر هذا الكلام في كثير مِن المجتمعات وليس في مصر وحدها، وهو تفسير الأستاذ "محمد قطب" و"عبد المجيد الشاذلي" في جماعة "التوقف والتبيُّن" الذين يقولون أن "المجتمع الجاهلي" تساوي "دار الكفر"، ولا يلزم أن يكون كل أفراد المجتمع كفار.

والمجتمع الجاهلي عندهم ينقسم ثلاثة أقسام:

- مسلمون بلا شبهة.

- كفار بلا شبهة.

- طبقة كبيرة متميعة لا نشغل أنفسنا بالحكم عليها، فهذه الطبقة عندهم مجهولة الحكم ويُتوقف فيها، وقد ذكر "محمد قطب" هذا الكلام في كتابه: "واقعنا المعاصر"، وذكره "عبد المجيد الشاذلي" في كتابه "حد الإسلام".

وتلامذة الأستاذ "محمد قطب" في "الجامعات السعودية" وفي غيرها تشربوا هذا المنهج -وإن كان في بيئة سلفية-، لكن البذرة بذرة قطبية، وتشرَّب هذا المنهج "جماعة الجهاد"، وإن كنتُ أتحرج مِن استعمال هذا الاسم؛ لأنه اسم شريف، فأنا أقول إنهم "جماعة الصدام والعنف"، لكن المشكلة أنهم تسموا بهذا واشتُهروا به، فكل هذه الاتجاهات عندهم كتاب أساسي لا بد أن يُدرّس، وهو كتاب: "معالم في الطريق" للأستاذ "سيد قطب".

فهذه الفصائل الثلاث: "التكفير الصرف - والتوقف والتبين - والجهاد"، وأيضًا الذين يطلقون على أنفسهم اسم "الجبهة السلفية!" يتبنون هذا الفكر، ويعظمون رموزه ويعتبرون أنفسهم تلامذة "سيد قطب - ومحمد قطب - وعبد المجيد الشاذلي"؛ لذلك الصحيح أن يُطلق عليها "الجبهة القطبية!" وليس الجبهة السلفية.

وهذا الفكر الذي تبنته الجماعات الجهادية بما فيها "تنظيم القاعدة" و"أنصار بيت المقدس" مع استغلال واضح جدًّا مِن البعض لاسم "السلفية"، قد بدأته جهات أجنبية في وصف هذه الجماعات به، لكونها مشتركة مع المنهج السلفي والدعوة السلفية في بعض المرجعيات -لكن شتان في طريقة الفهم-؛ فتقسيم أن هناك "سلفية تكفيرية، وسلفية جهادية، وسلفية علمية، وسلفية مدخلية" - بدأته أجهزة المخابرات الأجنبية، ثم تسرَّب إلينا.

وهناك مراكز أبحاث قامتْ بنشر هذا التقسيم قبل عام 2002م، وهذا الأمر وَجد هوىً عند طوائف وجدوا أن اسم السلفية عندما يُستعمل في أفعال شديدة النكارة فهي فرصة للتخلص منهم جميعًا، وفرصة للتخلص من المنهج نفسه، والتخلص من الدين كما يريد الأعداء، وعلى الجانب الآخر هذه الجماعات وجدت أنها بالانتساب إلى السلفية تكتسب أرضية واسعة جدًّا، ولكن الدعوة السلفية الحقيقية هي جزء من المجتمع وليست مُتحوصلة ضده ولا خارجه، بل نحن نحذر مِن محاولة التحوصل ضد المجتمع أو التحوصل بعيدًا عن المجتمع.

والجواب على هذا المحور: هو التفصيل بيْن الجاهلية التي قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها لأبي ذر -رضي الله عنه-: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ) (متفق عليه)، وقال: (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ) (رواه مسلم)، فلا بد أن نفرِّق بين الكفر وبين المعصية، وبين الشرك وما دونه، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء:48).

فدراسة هذه المسألة بالتفصيل هو العلاج.

2- عدم ضبط الفرق في قضية الحكم بغير ما أنزل الله بيْن مَن يرد الشريعة ويُلزم بغيرها في التشريع العام، وبين مَن أراد التدرج في التطبيق مع كونه يلتزم بها ويُعلي مِن شأنها، لكنه يقول نتدرج مِن أجل مراعاة القدرة والعجز، ومن أجل مراعاة المصالح والمفاسد: فنحن قد ورثنا هذه القوانين منذ مرحلة الاحتلال، والاحتلال انصرف بجنوده، لكنه لم ينصرف بتأثيراته الهائلة على المجتمعات العربية والإسلامية، ونحن لسنا وحدنا -حتى في داخل بلادنا-؛ فلا بد مِن مراعاة القدرة والعجز، والمصالح والمفاسد.

وقد نختلف معهم في كيفية التدرج، وكم يستغرق من الوقت؟ لكننا في الجملة قابلون للتدرج بناءً على المصلحة والمفسدة، والقدرة والعجز، وقضية التدرج أصبح منصوصًا عليها في الدستور بضم أحكام المحكمة الدستورية إلى ديباجة الدستور بالإلزام بالالتجاء إلى أحكام الشريعة؛ ولذلك فالبناء القانوني الدستوري للدولة المصرية ليس رادًّا لشرع الله.

3- عدم ضبط الفرق بين كفر النوع وكفر العين: فهناك أنواع مِن الحكم بغير ما أنزل الله هي كفر أكبر ناقل عن الملة، وهناك أنواع من الموالاة لأعداء الله هي كفر ناقل عن الملة، وهناك أنواع من دعاء غير الله ونحو ذلك هي كفر ناقل عن الملة، لكن المعين لا بد فيه من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع بعد عرضه على قضاء شرعي أو أهل علم ليقيموا عليه الحجة، وقبْل حكم أهل القضاء الشرعي وأهل العلم على شخص بعينه بأنه مرتد عن الإسلام لا يصح لآحاد الناس أن يحكموا بكفره؛ فدراسة موانع التكفير التي نص عليها العلماء مهم جدًّا في منع انتشار فكر التكفير والعنف.

4- عدم ضبط الفرق بين التكفير بالعموم وكفر النوع "إذا سلّمنا أن هذا الفعل كفر نوع فعلاً": وهذه المسألة موجودة عند التنظيمات الصدامية المسماة بالجهادية بطريقة فجة، فإنهم وإن كانوا لا يكفرون المجتمع كله نوعًا وعينًا مثل جماعات التكفير الأخرى؛ إلا أنهم عندهم خلل خطير جدًّا في الفرق بين التكفير بالعموم -وهو نوع من التكفير بالعين- وبين كفر النوع، فالتكفير بالعموم يعني أن كل هذه الطائفة كافرة، ومسألة تكفير الشرطة والجيش نبعت مِن هذه المسألة، وتكفير أصحاب الأحزاب السياسية والذين يشاركون في الانتخابات وتكفير كل أفراد الحكومات... كل هذا نبع من هذا الباب بعد سلسلة من الإلزامات، وهذا خطر عظيم جدًّا، فالتكفير بالعموم لا يكون إلا لطوائف خرجت من الملة بالكلية ولم تدن بدين الإسلام، وخرجت عن "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، كمن يؤله غير الله أو كمن يكذب النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو يقول بنبوة بعده -عليه الصلاة والسلام-، أو يكذب القرآن أو يطعن فيه، لكن أهل الإسلام وإن وُجد في بعضهم مِن الأقوال التي نص العلماء على كفر قائلها؛ إلا أنه لا يلزم الحكم عليهم بالعموم؛ لذلك فهذه من أخطر المسائل في هذا الباب، كتكفير كل الجنود وكل مَن ارتدى زيًّا عسكريًّا، وتكفير كل من استخرج كارنيه حزب، وكل من اشترك في الحكومة... !، فكل هذا مِن ثمرات عدم وضوح هذه المسألة لديهم.

5- انعدام ضبط مسائل الولاء والبراء في أصل معرفتها ثم في درجاتها وأحكامها: فلابد من معرفة معاني الولاء والبراء، ومعرفة المعاملات التي لا تدخل في معاني الولاء والبراء، ثم لا بد من معرفة درجات الولاء والبراء، ومتى يكون كفرًا؟ ومتى يكون معصية؟ فلا بد من دراسة هذا الباب دراسة تفصيلية.

6- خلل الفهم في مسألة الطائفة الممتنعة وتوصيف الدولة المصرية بأنها طائفة ممتنعة: وهذه مِن أخطر المسائل، وكانت موجودة عند "الجماعة الإسلامية" ثم رجعت عنها في المراجعات التي قادها الدكتور "ناجح إبراهيم" -جزاه الله خيرًا-، والشيخ "كرم زهدي"، ولكن الطائفة الممتنعة عند "الجماعة الإسلامية" مختلفة عن الطائفة الممتنعة عند "جماعة الجهاد"، فهي عند جماعة الجهاد طائفة "كافرة" أما عند الجماعة الإسلامية فهي تستحق القتال، ولا يلزم كفر كل أفرادها، ورجعوا عن فكرة القتال لضوابط معينة، ولكن للأسف الشديد فإن عدم ضبط هذه المسألة والخلل في معرفة حقيقتها، وتوصيف الدولة المصرية بأنها طائفة ممتنعة بعد النص على مرجعية الشريعة والإلزام بها في دستور الدولة المصرية هو خطر عظيم، فلابد من دراسة ضوابط هذه المسألة.

7- قضية تغليب العاطفة على العلم في مسائل الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقدرة والعجز، والمصلحة والمفسدة: وهذه المسائل كلها علاجها بالدراسة الصحيحة، والعلم النافع، وضرب الأمثلة الصحيحة.

وأعود فأؤكد أننا إذا أردنا معالجة قضية العنف فعلينا أن نعالج هذين المحورين:

- ممارسات وأفكار أناس داخل مؤسسات الدولة يؤججون طريق العنف.

- مواجهة الدفع الخارجي في طريق العنف والصدام مِن: "دول - وأجهزة مخابرات - ومنظمات" تهدف إلى هدم الدول والمجتمعات في طريق الفوضى الخلاقة.

اللهم ألـَّف بيْن قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وانصرنا على عدوك وعدونا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

تصنيفات المادة