السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواقف حزب النور.. وقائع وكواليس (3) إدارة الأزمات بين التجاوز والحلول

باستقراء طريقة إدارة الدولة بعد نجاح د.مرسي وجد أن سياسة التجاوز هي الأغلب لا سياسة الحلول

مواقف حزب النور.. وقائع وكواليس (3) إدارة الأزمات بين التجاوز والحلول
محمد إبراهيم منصور
الثلاثاء ٠٢ ديسمبر ٢٠١٤ - ١٣:٢٤ م
2467

مواقف حزب النور.. وقائع وكواليس (3)

إدارة الأزمات بين التجاوز والحلول

 

كتبه/ محمد إبراهيم منصور

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ثانياً: إدارة الأزمات بين التجاوز والحلول:

في تلك المرحلة الخطيرة التي كانت تمر بها البلاد والتي تميّزت بالآتي:

ا- انفراد فصيل واحد بالرؤية وأخذ إدارة البلاد في الاتجاه الذي يراه

(سواء كان صحيحاً أو خطأ).

٢- انعدام الثقة بين القوى السياسية، ووجود من يندس بينهم ممن لا يريد للبلاد استقراراً بل يريد أن تهدم على رؤوس من فيها، لأنهم لا يطيقون رؤية هذا الفصيل الذي هو موجود في الحكم يسير بالدولة في هدوء.

٣- ارتفاع سقف المطالب الشعبية مع الحالة الثورية التي تكثر معها الإضرابات والاعتصامات وغيرها لتحقيق المطالب، وفي نفس الوقت ضعف موارد الدولة التي تعرضت في ظل النظام السابق للنهب والتجريف، وفي نفس الوقت نجاح الرئيس (د.مرسي) بأغلبية غير مريحة.

4- غياب الظهير الإقليمي والدولي الذي يدعم حال الأزمات.

5- عدم تعاون مؤسسات الدولة بالقدر الكافي، فضلاً عن أنها في النهاية صار معظمها في الطرف الآخر بسبب الخلل في إدارة الدولة والذي سبق بيانه في المقال السابق.

في ظل هذه الحالة المضطربة كان ينبغي أن يكون التعامل مع الأزمات بطريقة الحلول لا طريقة التجاوز

(تجاوز الأزمات هنا نعني به القفز فوقها دون البحث عن الحلول الممكنة لها)، مما يوجد احتقانات وجيوبا مضادة، تزداد يوم بعد يوم، تستطيع المعارضة الهدامة بآلتها الإعلامية أن تلعب عليها وتجمع أوراقها لتحدث بها انفجارات في وجه النظام بين الحين والآخر، أملاً في أن يكون أحد هذه الانفجارات من الضخامة والقوة بحيث يزيل النظام بالكلية ويعيد الأمور إلى المربع صفر.

وباستقراء طريقة إدارة الدولة بعد نجاح د.مرسي وجد أن سياسة التجاوز هي الأغلب لا سياسة الحلول.

وكان من صور التجاوز:

أولا: تجاوز الأزمات بالوعود التي لا يتم الوفاء بها

في كثير من الأحيان كان تجاوز الأزمات يتم من خلال وعود، بحيث إذا مرت الأزمة لم يتم الوفاء بها، وهذا يفقد الثقة في الإدارة القائمة ويعطي المبرر للطرف الآخر أن يصطف لصناعة الأزمات لتلك الإدارة التي لا تفي بوعودها، وإذا وجدت أزمة أخرى لم يمكن حلها بمجرد تلك الوعود، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات أكثر وأكثر.

ومن أمثلة هذا ما حدث في أزمة انتخابات الإعادة.

في أزمة انتخابات الإعادة بين د.مرسي والفريق شفيق حيث إنه كانت التيارات السياسية تخشى من وصول الإخوان إلى السلطة، فيذهبون نحو الإقصاء والانفراد الذي كانت بوادره قد ظهرت في السنة السابقة، وكذلك كانت هناك أطراف لا تريد أن يصل أي فصيل ينتمي إلى التيار الإسلامي إلى السلطة.

ولعمل جبهة قوية يستطيع الدكتور مرسي بها خوض انتخابات الإعادة بنجاح؛ عقد الإخوان ثلاثة اتفاقات بثلاثة وعود لثلاث جهات مختلفة:

الوعد الأول: كان بمثابة اتفاق مع القوى الوطنية: حيث أثار إعلان اللجنة العليا للانتخابات أن الإعادة ستكون بين د.مرسي والفريق شفيق إشكالية كبيرة عند القوى الثورية، لأنهم صاروا بين خيارين أحلاهما مر، فالفريق شفيق يمثل النظام القديم، ود.مرسي مع أنه ينتسب إلى الثورة إلا أنه ينتمي إلى جماعة الإخوان والتي تخشى القوى السياسية من استحواذها وتسلطها وانفرادها بالأمر وإقصائها للجميع.

وبعد أخذ ورد كثير، عقد الإخوان اجتماعين متتاليين مع القوى السياسية أولهما في المقطم في مكتب الإرشاد.

والثاني في فندق فيرمونت، أسفر عن اتفاق بين الإخوان من جهة، وبين القوى الوطنية من جهة أخرى.

خلاصته:

1- أن يتم اختيار نائب للرئيس تتوافق عليه القوى الوطنية.

٢- تشكيل حكومة ائتلافية تمثل جميع القوى السياسية.

٣- تمثيل الشباب في فريق مساعدي الرئيس وفي الوزراء ومساعدي الوزراء والمحافظين.

(ولم يتم الوفاء بشيء من هذا بصورة توافقية احتوائية، والدليل على هذا طريقة تشكيل الحكومة التي جاءت مخيبة للآمال وسبق في المقال السابق بيان ذلك).

الوعد الثاني: كان بمثابة اتفاق بين الإخوان وبين حزب النور والدعوة: ففي بداية الانتخابات الرئاسية اتخذ حزب النور والدعوة السلفية قرارا بدعم الدكتور أبو الفتوح؛ لأنه في ذلك الوقت كان أكثر المرشحين توافقية، حيث كان يلتف حوله قوى ثورية وتيارات إسلامية مما يعطي مؤشراً أنه إذا فاز سيتمكن من جمع القوى الوطنية حوله وهذا يتوافق مع فلسفة حزب النور (توسيع دائرة تحمل المسؤولية)، لكن جاءت الإعادة بين د.مرسي والفريق شفيق.

فأعلن حزب النور والدعوة السلفية التأييد للدكتور مرسي، إلا أنهما انتظرا أن يتصل بهما الإخوان حتى توضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بأمور هامة، ومنها موقف الإخوان حال نجاح د.مرسي من الأمور الآتية:

1- هل سيعتبرونه ولي أمر شرعي؟ علماً بأن صلاحيات رئيس الدولة الدستورية تختلف عن صلاحيات ولي الأمر الشرعي في دولة الخلافة، من حيث: الصلاحيات والمدة الزمنية وطريقة الرقابة والعزل وغير ذلك، فضلاً عن أن هذا سيعد خداعاً للمجتمع حيث يتم انتخاب الرئيس على أساس صلاحياته المنصوص عليها في الدستور، ثم بمجرد نجاحه يطالب لنفسه بصلاحيات ولي الأمر الشرعي، ثم ماذا لو لم يقدر له النجاح هذه المرة، أو نجح هذه المرة ولم يقدر له النجاح في المرة التي تليها ونجح رئيس يساري قح أو علماني قح؟ هل سيكون له هو الآخر صلاحيات ولي الأمر الشرعي؟ أم سنظهر كمن يكيل بمكيالين؟ وهذا لا يليق بالإسلاميين.

٢- تصور الإخوان لإدارة الدولة في هذه المرحلة الحرجة، حيث أنه قد ظهر لنا جلياً بعد الاحتكاك بهم في العمل السياسي خلال سنة كاملة ابتداء من مرحلة ما بعد تنحى مبارك، مروراً بالانتخابات البرلمانية، ثم تشكيل لجان البرلمان، ثم محاولة سحب الثقة من حكومة الجنزوري،

وطريقة إدارة مجلس الشعب، ثم الإصرار على د.مرسي مرشحاً للرئاسة.. بات واضحاً لدينا أن تصور جماعة الإخوان لإدارة الدولة لا يختلف عن تصورهم لإدارة الجماعة، وهذا من الخطورة بمكان، فهذا تصور إقصائي انفرادي يجعل الجماعة فوق الدولة، وهذا سيؤدى حتماً إلى الفشل السريع لأن دولة ضخمة كمصر بموقعها الجغرافي ومنزلتها من العالم العربي والإسلامي وخطورة المرحلة التي تمر بها لا يمكن أن تقدر جماعة الإخوان أو حتى التيار الإسلامي ككل على تحمل مسئوليتها دون توسيع دائرة تحمل المسؤولية لتشمل جميع القوى الوطنية، حتى لا تسقط البلاد فوق رؤوس الجميع.

٣- الموقف من الكيانات الإسلامية، خاصة وأن عقيدة الإخوان قائمة على أنهم هم الجماعة الأم وأنه ينبغي تفكيك كل الكيانات الأخرى، أو جعلها تابعة للجماعة الأم بصورة أو بأخرى، وهذا من الخطر بمكان على المشروع الإسلامي كله، لأن محاولة التفكيك لهذه الكيانات لصالح جماعة عليها مؤاخذات كثيرة داخل التيار الإسلامي وخارجه سيؤدي إلى صراعات كثيرة داخل التيار الإسلامي نفسه من جهة، وبين التيار الإسلامي وبين المجتمع ككل، الذي له مؤاخذات كثيرة على جماعة الإخوان من جهة أخرى، ثم إن هذا سيؤدي إلى الانحراف بالعمل الإسلامي ككل إجبارياً بنفس درجة انحراف جماعة الإخوان عن المنهج الصحيح للمشروع الإسلامي.

العجيب أن الإخوان كانوا قد بدأوا بالفعل في مخطط تفتيت كيان الدعوة السلفية مبكراً بفعاليات سابقة، منها قانون الدعاة الذي أوقف حزب النور مناقشته في مجلس الشعب، وله قصة طويلة سنذكرها بعد ذلك، ومن الفعاليات أيضاً تشجيع إنشاء كيانات سلفية موازية ودعمها ومحاولة إضعاف وتهميش أكبر كيان سلفي متواجد في كل المحافظات وهو الدعوة السلفية.

الأعجب أنهم في هذا الوقت الحرج بالنسبة لهم وبالنسبة للتيار الإسلامي ككل، وهو وقت الإعادة بين د.مرسي والفريق شفيق، وهم في أمس الحاجة لكيانات قوية تدعمهم في هذا الوقت وفي هذا الظرف، لم يتوقفوا عن استكمال مخطط التفكيك لكيان الدعوة السلفية، فبمجرد إعلان الدعوة السلفية في الإعلام أنها ستدعم د.مرسي تركوا التواصل مع قادة الدعوة السلفية وتوجهوا مباشرة إلى القواعد في جميع القرى والنجوع لتدشين حملة دعم د.مرسي، في محاولة لاستكمال خلخلة العلاقة بين القاعدة والقادة، التي ظنوا أنهم حققوا فيها بعض النجاحات حين استمالوا بعض القواعد لدعم د.مرسي في الجولة الأولى حين كان قرار القادة دعم أبو الفتوح.

ومع أن الوقت ضيق ولا يحتمل، وهم في أمس الحاجة إلى دعم قوي إلا أنهم لم يتواصلوا مع إدارة الدعوة، واكتفوا بالتواصل مع قواعد الدعوة في القرى والنجوع طمعاً أن يُحصلوا كلا الهدفين في وقت واحد؛ الدعم الذي يريدون وفي نفس الوقت إضعاف تماسك كيان الدعوة، بالإضافة إلى الهروب من أي التزامات تلزمهم بها الدعوة إذا اضطروا للجلوس مع قادتها.

إلا أنهم بعد محاولات مستميتة مع قواعد الدعوة لمدة ثلاثة أيام فوجئوا أن الكيان متماسك، وأنهم سيخسرون قوة الدعم إذا لم يتواصلوا مع مجلس الإدارة الذي كان قد صرح بدوره أن الإخوان لم يتواصلوا مع مجلس الإدارة حتى الآن، مما اضطرهم إلى التواصل الذي تم من خلاله الاتفاق على:

١- التشاور قبل اتخاذ القرارات المصيرية وعدم الانفراد (حتى نتمكن من منع الإخوان من الانفراد وإقصاء الآخرين، وإلزامهم بتوسيع دائرة تحمل المسؤولية) وتم تشكيل لجنة مشتركة لهذا الغرض أطلق عليها اسم (الهيئة الجامعة)، وقد تم الإخلال بهذا البند بمجرد نجاح د.مرسي. ولم

يكتب لهذه الهيئة الجامعة أن ترى النور، حيث صرح مكتب الإرشاد بانقطاع صلته بالرئيس فور نجاحه، ثم بدأ الأداء الانفرادي الإقصائي لجميع القوى السياسية والوطنية والكفاءات في تشكيل الحكومة وحركات المحافظين المتتالية وفي المناصب القيادية في مختلف أوصال الدولة، دون الالتزام بالتشاور المتفق عليه مع الحليف الذي كان سبباً في النجاح، والذي قطع على نفسه وعداً

للمجتمع حين دعا الناخبين لانتخاب د.مرسي أنه سيكون هناك هيئة جامعة للتشاور ستحول دون انفراد الإخوان بالمشهد عن القوى الوطنية، وتمنع من الاستحواذ وإقصاء الكفاءات.

٢- أن د.مرسي في حالة نجاحه لن يطالب الإخوان له بصلاحيات ولي الأمر الشرعي، وإنما له صلاحيات رئيس الدولة المنصوص عليها في الدستور (رئيس إسلامي لدولة دستورية)، (وهذا البند تم الالتفاف عليه بترك بعض من ينتسب إلى الحركة الإسلامية يصرح على مرأى ومسمع من الجميع أنه ولي أمر شرعي، وطالب له بجميع صلاحياته بل وفوق صلاحياته، مما جعل البعض ينظر إلى مبادرة حزب النور على أنها خروج على ولي الأمر الشرعي.

٣- عدم محاولة تفكيك الكيانات الإسلامية لصالح جماعة الإخوان، وأن يكون التواصل مع القيادات لا مع القواعد، هذا أيضاً لم يتم الالتزام به إلا لمدة أسبوع وبعد نجاح د.مرسي تم الإخلال به، ومن ذلك: ما تم من التواصل المباشر مع القواعد في حملة المائة يوم وغيرها، بل ازدادت محاولات تفكيك كيان الدعوة بصور شتى ليس هذا مجال ذكرها.

٤- أن تدشن الدعوة السلفية وحزب النور حملة مستقلة لدعم د.مرسي، لأن الدعوة السلفية لها مصداقية كبيرة عند الناس، والحملة المشتركة مع الإخوان ستقلل من تجاوب الناس معها، وهذا البند هو الذي التزم به الإخوان إلى حد كبير.

الوعد الثالث: كان بمثابة اتفاق بين الإخوان والمجلس العسكري نيابة عن مؤسسات الدولة: فبعد أن تم الرصد الأولي لانتخابات الإعادة بين د.مرسي والفريق شفيق، وظهرت مؤشرات تفوق د.مرسي وأعلن الفريق شفيق اقترابه من الفوز، وفي حالة فوزه سيفض الميادين بنفس طريقة العباسية (حيث نسب إليه قوله أن العباسية بروفة)، وفي نفس الوقت أعلن الإخوان تفوق د.مرسي بمليون صوت ونسب إليهم أنه لو أعلنت النتيجة بخلاف ذلك سوف يكون الدم للركب، في هذه الأجواء الملتهبة تم تأجيل النتيجة، فشعر حزب النور والدعوة السلفية بخطر داهم يهدد استقرار الدولة، فكونوا لجنة انطلقت إلى الأطراف الثلاثة –الإخوان،شفيق،المجلس العسكري الذي يدير المرحلة- وأخبر المجلس العسكري لجنة الدعوة والحزب أن مؤسسات الدولة متخوفة من الإخوان أن يقوموا بتفجير هذه المؤسسات من الداخل بحجة الإصلاح.

وكذلك هناك تخوف عام من إقصاء الإخوان لغيرهم وانفرادهم بما لا تحتمله الدولة في هذه المرحلة.

وكذلك التخوف من أن يقوم الإخوان بتصرفات من شأنها أن تضر بالأمن القومي دون الرجوع إلى الأجهزة المعنية.

ومن أجل هذا اقترح الجيش وثيقة اتفاق تتضمن تأمين مؤسسات الدولة من هذه المخاوف من خلال:

١- أن يكون اختيار الحكومة بالمعايير والكفاءة لا بالولاء، وكذلك المحافظين والمناصب القيادية.

٢- التدرج في إصلاح المؤسسات وعدم تفجيرها بحجة الإصلاح.

٣- مراجعة الأجهزة المختصة فيما يتعلق بالأمن القومي.

وطلب الجيش من الدعوة السلفية التوقيع كشاهد وضامن على وثيقة التفاهم وإعلانها للمجتمع لضمان التزام الإخوان بها لأنهم لا يضمنون وفاءهم بها.

ذهب وفد حزب النور إلى الفريق شفيق لمطالبته بالتزامه إذا نجح بهذا، وبأنه لن ينتقم من الإخوان ولن يقصيهم بل يكون رئيس وزرائه منهم، وكل هذا إذا كان النجاح حقيقيا مبررا تبريرا مقنعا من لجنة الانتخابات، أما إذا أعلن النجاح غير مبرر فإن الدعوة السلفية ستكون مع المتظاهرين في الشارع.

وذهب الوفد أيضاً إلى الإخوان وأخبرهم بمطالب الجيش، فقالوا نحن موافقون عليها فلما أخبرهم أن الجيش يريد أن تكون الدعوة السلفية شاهداً وضامناً، قال المهندس خيرت الشاطر: "أعطونا فرصة للتفكير"، وكان هذا يوم الأربعاء ولم يجب إلا يوم الجمعة آخر النهار قائلاً: "لقد ذهبت إلى الجيش وخلصت معه" يعني اخرجوا أنتم من الموضوع.

وبمجرد نجاح د.مرسي ذابت جميع الوعود ولم يبق منها شيء يذكر، فأقصى الإخوان جميع القوى السياسية بعدم التزامهم بالمعايير في تشكيل الحكومة ولا في المحافظين ونوابهم ولا حتى في المناصب القيادية في الدولة، وبدأ استعداء مؤسسات الدولة وتفجيرها من الداخل ومن ذلك مؤسسة الأزهر ومؤسسة القضاء وغيرها.

وهذا الخلف للوعود يعطي من يلعب سياسة لأجل السياسة مبرراً قوياً لأن يبحث بكل ما أوتي من خبرة سياسية عن طريقة يرد بها الصفعة للإخوان ويفشلهم، ولا يستطيع أحد أن يصنف هذه الألاعيب السياسية أنه يقصد بها محاربة الإسلام، وإنما المقصود بها الإيقاع بمن خدعه وغدر به، وهم الإخوان.

إلا أن هذا الأسلوب من الطرفين لا نوافق عليه ولا نرضاه، لأن الضحية الكبرى في هذا هي بلادنا وشعبها الذي عانى طويلاً ويحتاج أن تعود إليه مقومات حياته الكريمة. وكذلك فإن هذه مبادئ سياسية مرفوضة عندنا، فنحن نتبنى مبادئ الصدق وإعلاء مصالح الوطن والمصالح العامة على المصالح الحزبية الخاصة، ولذلك إذا كنا في المعارضة فإننا نتبنى سياسة المعارضة البناءة التي تقوم على ثلاثة أمور:

1. دعم الحكومة في القرارات الصائبة.

2. تقديم النصح بكل الطرق والصور الحسنة في القرارات التي نراها محتملة.

3. المعارضة المنضبطة في القرارات غير المحتملة والتي نرى ضررها أكثر من نفعها.

ولذلك كنا حريصين أشد الحرص على تقديم النصيحة المستمرة للإخوان حفاظاً على مصلحة البلاد لأن البلاد لا تحتمل فشل الإدارة خاصة في هذه المرحلة الصعبة.

مثال آخر للوعود التي لا يوفى بها: تدخل الرئاسة عند احتجاجات مؤسسة القضاء على تعديل قانون السلطة القضائية، حيث وعدهم الرئيس بإقامة مؤتمر للعدالة يتم من خلاله التوافق على قانون السلطة القضائية، فلما هدأت الأمور صمم حزب الحرية والعدالة على مناقشة القانون بمجلس الشورى قبل مؤتمر العدالة، مما فجر الأمور مرة أخرى وحدثت كوارث سياسية مرت بها البلاد. والذي يراجع تاريخ وأحداث تلك المرحلة يتبين له حجم الهزة السياسية في ذلك الوقت.

ثانيا: تجاوز الأزمة بطول النفس السياسي في غير محله، وطول النفس والحلم على المخالف سياسياً أمر محمود لكن بشرط أن لا يكون هناك طرف ثالث متضرر خاصة إذا كان هذا الطرف هو الشعب.

مثال: الأزمة التي حدثت في يناير 2013 والتي ظهر في مشهدها البلاك بلوك والقتل وإسالة الدماء والاضطرابات والاعتصامات التي سادت حتى اشتعلت مدن القناة كلها مما اضطر الرئيس بعد طول انتظار إلى إعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال، وكان الرد من البلاك بلوك والمعارضين والمخربين الاستهانة بهذا القرار، مما كان رسالة واضحة بأن هيبة الدولة سقطت وتغولت عليها الفوضى والبلطجة، حتى خاف الناس على أموالهم وأعراضهم، وفي نفس الوقت لم تقدم الدولة حلولاُ ناجزة لهذه الحالة، بل كانت تراهن على انتهاء هذه الأزمة مع طول الوقت وهذا في غاية الخطورة؛ لأن طول النفس في الأزمات إنما يكون محموداً إذا لم يكن هناك طرف ثالث يتضرر وهو الشعب؛ لأن الشعب حينئذ سيسخط على طرفي الأزمة لكن سيكون سخطه على الطرف الذي بيده الإدارة أكثر، وذلك لأن الشعب انتخبه من أجل أن يرفع عنه الأذى لا من أجل أن يصبر ويحلم على من يؤذيه.

لذلك كانت رؤية حزب النور طرح الحلول لا طول النفس، فأطلق الحزب مبادرته الشهيرة محاولة منه لإيجاد الحلول بالحوار حول أسباب كل الأزمات التي تم تجاوزها قبل ذلك، والتي اجتمعت وكونت هذه الأزمة.

مبادرة تدعو إلى حوار صادق بنّاء للخروج من أزمة كادت أن تسقط هيبة الدولة وتراق فيما الدماء البريئة.

جاءت المبادرة في مرحلة حرجة للغاية فقد كان المشهد كالتالي:

1- حكومة ضعيفة وموارد قليلة ومطالب شعبية هائلة.

2- تربص الخصوم السياسيين وقصف إعلامي منظم يوفر له الفشل الإداري والسياسي مادة خصبة يمكنه أن يقيم عليها حفلاته الليلية، وفي المقابل الإعلام الذي ينتمي للإسلاميين يدافع ويبرر فقط، وكثيراً ما يكون على خلاف الواقع الذي يراه المواطن البسيط في حياته اليومية في الظاهر على الأقل.

3- استمرار الحكومة والإدارة في فتح جبهات خصوم كل يوم، على مستوى مؤسسات الدولة وعلى مستوى القوى السياسية.

4- شلل في الجهاز الإداري للدولة يزداد كل يوم (بسبب المسارعة الواضحة من قبل جماعة الإخوان للسيطرة على مفاصل الدولة) بالتقديم الواضح للولاء على الكفاءة، مما أفقد الكفاءات الثقة في القيادات، فأصيب الجميع بالإحباط بل تمنى الفشل للنظام القائم، الذي يرونه غير منصف ولا عادل.

5- كل هذا أدى إلى فشل ذريع في تلبيه أبسط حقوق المواطن البسيط من السولار والبنزين والكهرباء.

6- وفي نفس الوقت تصاعدت حدة الانفلات الأمني، فأصبح المواطن غير آمن على نفسه أو أولاده أو متطلبات حياته، وكل هذا الفشل استطاع الإعلام والخصوم السياسيون أن يلصقوه بالتيار الإسلامي بكل أطيافه، بل استخدم البعض هذا ذريعة للتشكيك في المشروع الإسلامي، مما أدى إلى أمر في غاية الخطورة وهو عزل شباب التيار الإسلامي شعبيا، بل أصبح كل من له سمت إسلامي هدفا للسخرية والاستهزاء في الشارع والسوق والمصنع، وصارت هناك نفرة شعبية شديدة من أبناء التيار الإسلامي على خلفية أنهم هم السبب في كل ما يحدث لأنهم هم الذين دعوا المواطنين إلى انتخاب د.مرسي، وأصبحت اللحية والنقاب في مرمى التهم والاستهزاء بل والاعتداء، وتجرأ الناس عليهم في طوابير البنزين والسولار والخبز وغيرها، وانقسم الشارع حقيقة إلى إسلاميين وشعب.

7- ثم لاح في الأفق أمر في غاية الخطورة، وهو محاولة استنساخ ثورة يناير عن طريق حراك شعبي وإن كان ضعيفاً في ذلك الوقت لكن تزامن معه محاولة إحداث حالة من الفوضى واسعة النطاق بإعلان ما يسمى بالبلاك بلوك، التي تتحرك في وضح النهار فتقطع الطرق وتهاجم الأماكن الحيوية بل واستغلت الحكم الصادر في مذبحة إستاد بورسعيد وأشعلت مدن القناة بأكملها بالحرق والتخريب وترويع الأهالي، مما اضطر د.مرسي إلى إعلان الطوارئ وحظر التجوال، فأعلنوا من جانبهم عدم الالتزام بذلك وخرجوا إلى الشوارع مع بداية حظر التجوال ليقيموا دورة كروية في تحد واستهتار، مما أظهر للجميع عجز الدولة الكامل فدعا د.مرسي القوى السياسة للحوار للخروج من الأزمة، فأطلق حزب النور مبادرته الشهيرة والتي دارت فلسفتها حول أمرين:

أ- فتح حوار مع الجميع حول كل المشاكل العالقة.

ب- خلط أوراق المشهد الاستقطابي، فبدلاً من أن يكون الإسلاميون في جهة وعامة الشعب في جهة بسبب فشل الحكومة التي تنسب للإسلاميين، يتم تشكيل حكومة ائتلافية لا تنسب إلى فصيل بعينه، فإذا نجحت كان ذلك نجاحاً للجميع وإنقاذاً للدولة وإذا فشلت طالب الإسلاميون مع الشعب بتغييرها.

ج- يتراجع الرئيس خطوة للخلف، ولا يصبح في مرمى سهام خصومه السياسيين، بل يكون هو ملاذ الشعب عند فشل الحكومة فيغيرها بحكومة أخرى إذا لزم الأمر، وفي نفس الوقت لا يكون شباب التيار الإسلامي مسئولاً أمام الشعب عن فشل الحكومة، بل يصبح هو وعامة الشعب في خندق واحد، إذا نجحت الحكومة كان بها وإذا فشلت طالب مع الشعب بتغييرها، لكن كان الرد من أصحاب الفلسفة الأخرى (الإخوان ومن معهم) أن قالوا: ما كان ينبغي أن تطرحوا هذه المبادرة لأن الزمن كفيل بإضعاف المعارضة، وكأن الشعب خارج نطاق حسابات هذه الفلسفة

(واتهم حزب النور بالخيانة والعمالة والنفاق وأجهضت المبادرة بطرق غير شريفة).

وللحديث بقية

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com