الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

من أخلاق النصر في جيل الصحابة (3)

... يا رسول الله، إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا...

من أخلاق النصر في جيل الصحابة (3)
أحمد فريد
الثلاثاء ٠٢ ديسمبر ٢٠١٤ - ١٤:٢٠ م
1995

من أخلاق النصر في جيل الصحابة (3)

كتبه/ أحمد فريد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: لما كان يوم اليرموك كنا أربعًا وعشرين ألفًا أو نحوًا من ذلك، فخرجت لنا الروم بعشرين ومائة ألف، وأقبلوا علينا بخطى ثقيلة كأنها الجبال حركها أيدٍ خفية، وسار أمامهم الأساقفة والبطارقة والقسيسون يحملون الصلبان وهم يجهرون بالصلوات، فيرددها الجيش من ورائهم، ولهم هزيم كهزيم الرعد، فلما رآهم المسلمون على حالهم هذه هالتهم كثرتهم، وخالط قلوبهم شيء من خوفهم؛ عند ذلك قام أبو عبيدة بن الجراح يحضُّ المسلمين على القتال، فقال: عباد الله، انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. عباد الله، اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر، ومرضاة للرب، ومدحضة للعار، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالتروس، والزموا الصمت إلا من ذِكْر الله – عز و جل – في أنفسكم حتى آمركم إن شاء الله.

قال سعيد عند ذلك: خرج رجل من صفوف المسلمين وقال لأبى عبيدة إني أزمعت على أن أقضي أمري الساعة، فهل لك من رسالة تبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فقال أبو عبيدة: نعم، تقرئه مني ومن المسلمين (السلام)، وتقول له: يا رسول الله، إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا.

قال سعيد: فما إن سمعت كلامه ورأيته يمتشق حسامه ويمضى إلى لقاء أعداء الله حتى أقحمت إلى الأرض وطعنت أول فارس أقبل علينا، ثم وثبت على العدو، وقد انتزع الله كل ما في قلبي من الخوف، فثار الناس في وجوه الروم، وما زالوا يقتلونهم حتى كتب الله للمؤمنين النصر.

لما كان يوم اليرموك تقدم خالد إلى عكرمة بن أبى جهل، والقعقاع بن عمرو أن ينشئا القتال، فبدرا يرتجزان، ودعا إلى البِراز وتنازل الأبطال، وتجرأوا وحميت الحرب وقامت على ساق، فنادى عكرمة: قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مواطن، وأفر منكم اليوم، مَن يبايع على الموت؟ فبايعه أربعمائة من وجوه الناس وفرسانهم، فبايعه عمه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور، فاستبسلوا وقاتلوا أمام فسطاط خالد، حتى أثخنوا جميعًا جراحًا، وأتى خالد بعكرمة جريحًا فوضع رأسه على فخذه، وبعمرو بن عكرمة، فوضع رأسه على ساقه، وجعل يمسح على وجهيهما، ويقطر الماء في حلقيهما.

وقال أبو إسحاق السبيعي: نزل عكرمة يوم اليرموك فقاتل قتالًا شديدًا ثم استشهد فوجدوا به بضعًا وسبعين طعنة ورمية وضربة.

كان عدد المسلمين عشرين ألفًا وعدد الكفار عشرين ومائة ألف في فتح أفريقيا، وقائد المسلمين عبد الله بن أبى سَرْح في خلافة عثمان رضي الله عنه، ورأى عبد الله بن الزبير جُرَيجر ملك أفريقيا وراء عسكره على بُرْذون أشهب، ومعه جاريتان تظلانه بريش الطواويس، وبينه وبين عسكره أرض بيض فاختار ثلاثين فارسًا من المسلمين، وأخذهم معه، ثم حمل في الوجه الذي فيه جريجر، وخرج صامدًا له وما يظن هو وأصحابه إلا أن ابن الزبير رسولٌ إليه، حتى دنا منه فعرف الشر، فثنى برذونه مواليا، ولكن ابن الزبير أدركه فطعنه ودافه بالسيف، وحَزَّ رأسه، ونصبه في رمح وكبر، فحمل المسلمون من الوجه الآخر، فانهزم العدو من كل وجه، ومنح الله المسلمين أكتافهم.

في يوم اليمامة أغلقت بنو حنيفة أنصار مسيلمة الكذاب الباب عليهم، وأحاط بهم الصحابة: فقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين، ألقوني عليهم في الحديقة؛ فاحتملوه فوق الجحف ورفعوها بالرماح، حتى ألقوه عليهم من فوق سورها فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه، ودخل المسلمون الحديقة من حيطانها وأبوابها، يقتلون من فيها من المرتدة من أهل اليمامة حتى خلصوا إلى مسيلمة "لعنه الله".

وقال الذهبي: بلغنا أن البراء يوم حرب مسيلمة الكذاب أمر أصحابه أن يحتملوه على تُرس على ألسنة رماحهم، ويلقوه في الحديقة فاقتحم إليهم، وشد عليهم، وقاتل حتى افتتح باب الحديقة، فجرح يومئذٍ بضعة وثمانون جرحًا؛ ولذالك قام خالد بن الوليد عليه شهرًا يداوي جراحه.

عن جعفر بن عبد الله بن أسلم قال: لما كان يوم اليمامة؛ واصطف الناس، وكان أول من جرح أبو عقيل، رمى بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده في غير مقتل، فأخرج السهم، ووهن له شقه الأيسر في أول النهار، وجر إلى الرحل، فلما حمى القتال وانهزم المسلمون، وجاوزوا رحالهم وأبو عقيل واهنٌ من جرحه سمع معن بن عدى يصيح: يا للأنصار الله الله، والكرة على عدوكم، قال عبد الله بن عمر فنهض أبو عقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد؟ ما فيك قتال. قال: قد نوه المقاتل باسمي.

قال ابن عمر: فتحزم أبو عقيل، وأخذ السيف بيده اليمنى، ثم جعل ينادى يا للأنصار كرة كيوم حنين، فاجتمعوا رحمكم الله جميعا تقدموا، فالمسلمون رديئة دون عدوهم، حتى اقتحموا على عدوهم الحديقة فاختلطوا، واختلفت السيوف بينهم. قال ابن عمر: فنظرت إلى أبى عقيل وقد قطعت يده المجروحة من المنكب فوقعت إلى الأرض  وبه من الجراح أربعة عشر جرحًا، كلها قد خلصت إلى مقتل وقتل عدو الله مسيلمة.

قال ابن عمر: فوقفت على أبى عقيل وهو صريع بآخر رمق. فقلت: يا أبا عقيل، قال: لبيك – بلسان ملتاثٍ – لمن الدبرة؟ فقلت: أبشر قد قتل عدو الله فرفع إصبعه إلى السماء، ومات يرحمه الله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة