السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفيون... والعدل والإنصاف

فالسلفيون شامة في أمة الإسلام هم أهل الحق لا الضلال، وأرباب العدل لا الجور، وأتباع الشرع لا الهوى، وأصحاب العلم لا الجهل، وهم وسط بين المنحرفين، وثبات بين المضطربين، وأصالة بين المتميعين

السلفيون... والعدل والإنصاف
السبت ٢٨ يونيو ٢٠٠٨ - ٠٨:٠٧ ص
4552

السلفيون.. والعدل والإنصاف

كتبه/ محمود عبد الحميد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالسلفيون شامة في أمة الإسلام هم أهل الحق لا الضلال، وأرباب العدل لا الجور، وأتباع الشرع لا الهوى، وأصحاب العلم لا الجهل، وهم وسط بين المنحرفين، وثبات بين المضطربين، وأصالة بين المتميعين.

منهجهم كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقدوتهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأسلافهم الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان، وأعلامهم أئمة الإسلام، وحياتهم نشر للحق ودفاع عن السنة، ومعاملتهم دعوة بحكمة، وإرشاد بعلم، ومقابلة بإحسان، ومواجهة بعدل.

سمتهم: الإنصاف والعدل، والتزام الحق والصواب مع الموافق والمخالف:

عاملين بقول الله -تعالى-: (وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) (الشورى:15)، وقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) (النحل:90)، وقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة:8).

وقال ابن عبد الهادي: "وما تحلى طالب العلم بشيء أحسن من الإنصاف، وترك التعصب".

وقال -تعالى-: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (النساء:58).

وكذلك من سمتهم: عدم الظلم:

عاملين بقول الله -تعالى- في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِى إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا) (رواه مسلم).

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه مسلم).

وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل؛ كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار وأهل البدع بالعلم والعدل، لا بالظن وما تهوى النفس، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ، قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ في الْجَنَّةِ، رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ، فَعَلِمَ ذَاكَ، فَذَاكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ لاَ يَعْلَمُ، فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ، فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ) (1)، فإذا كان من يقضي بين الناس في الأموال والدماء والأعراض إذا لم يكن عالمًا عادلاً؛ كان في النار، فكيف بمن يحكم في الملل والأديان وأصول الإيمان والمعارف الإلهية والمعالم العلية بلا علم ولا عدل؟!". "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/22".

ومن سمتهم: الإنصاف حتى مع الكفار، وعدم بخسهم حقوقهم، وذلك مع البراءة منهم ومن كفرهم:

 قال -تعالى-: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة:8).

وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا؛ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) (رواه البخاري).

وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر؛ ليخرص لهم الثمار، فأرادوا أن يرشوه، فقال عبد الله: (يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَىَّ قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

ومن سمتهم: العدل والإنصاف مع أهل البدع والفساق:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في تفسيره لقوله -تعالى-: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)، قال: "فنهى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفار على ألا يعدلوا، فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع متأول من أهل الإيمان؟، فهو أولى أن يجب عليه أن لا يحمله ذلك على أن لا يعدل مع مؤمن وإن كان ظالمًا له".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى ج3/245": "هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني فإنه وإن تعدى حدود الله في بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية، فأنا لا أتعدى حدود الله فيه، بل أضبط ما أقوله وأفعله، وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتمًا بالكتاب الذي أنزله الله، وجعله هدى للناس، حاكمًا فيما اختلفوا فيه...".

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: "بل كما تشهدون لوليكم؛ فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم؛ فاشهدوا له، ولو كان كافرًا أو مبتدعًا، فإنه يجب العدل فيه، وقبول ما يأتي به من الحق؛ لأنه حق، لا لأنه قاله، ولا يرد الحق لأجل قوله، فإن هذا ظلم للحق".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى ج28/209": "وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة، ومعصية وسنة وبدعة؛ استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعادات والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا".

ومن سمتهم: أنهم يعذرون العلماء فيما أخطئوا فيه، ولا يتبعونهم فيما أخطئوا فيه، ولا يسكتون عن خطأ، لكنهم لا يجرحون في أهل العلم والفضل:

قال الذهبي -رحمه الله-: "ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه؛ يغفر له زللـه، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك". "سير أعلام النبلاء 5/269".

وقال -رحمه الله-: "ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورًا له؛ قمنا عليه، وبدعناه، وهجرناه؛ لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن منده، ولا من هو أكبر منهما". "سير أعلام النبلاء" ج5.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "الفتاوى 11/15": "ومن جعل كل مجتهد في طاعة أخطأ في بعض الأمور مذمومًا معيبًا ممقوتًا؛ فهو مخطئ ضال مبتدع".

ومن سمتهم: قبول الحق ممن جاء به، ولو كان كافرًا مقتدين في ذلك بالكتاب والسنة:

 فإن بلقيس ملكة سبأ لما قالت: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً) صدق الله على كلامها، فقال: (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) (النمل:34).

وكذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة أن الشيطان لما كان يسرق من الصدقة فامسك به قال له: (دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا. قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: "إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ؛ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِي: (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ". فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟). قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ، يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. قَالَ: (مَا هِيَ؟). قُلْتُ: قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِي مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيء عَلَى الْخَيْرِ. فَقَالَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم-: (أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ). قَالَ: لاَ. قَالَ: (ذَاكَ شَيْطَانٌ).

وقال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: "اقبلوا الحق من كل من جاء به، وإن كان كافرًا أو فاجرًا، واحذروا زلة الحكيم!. قال: كيف نعلم أن الكافر يقول الحق؟ قال: إن على الحق نورًا" (رواه أبو داود، وقال الألباني: صحيح موقوف).

ومن سمتهم: التحري في نقل الأخبار وقبولها، ولو كانت عن الخصوم:

 مقتدين في ذلك بكتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات:6).

ولقوله -تعالى-: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) (النور:12).

وقوله -تعالى-: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (النور:15).

وقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ) (النور:19).

وروى مسلم في "صحيحه" عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ).

وقال الإمام مسلم في "مقدمة صحيحه": باب وُجُوبِ الرِّوَايَةِ عَنِ الثِّقَاتِ، وَتَرْكِ الْكَذَّابِينَ، والتحذير من الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وَاعْلَمْ -وَفَّقَكَ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عَرَفَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ صَحِيحِ الرِّوَايَاتِ وَسَقِيمِهَا، وَثِقَاتِ النَّاقِلِينَ لَهَا مِنَ الْمُتَّهَمِينَ أَنْ لاَ يَرْوِىَ مِنْهَا إِلاَّ مَا عَرَفَ صِحَّةَ مَخَارِجِهِ. وَالسِّتَارَةَ فِي نَاقِلِيهِ، وَأَنْ يَتَّقِي مِنْهَا مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ أَهْلِ التُّهَمِ وَالْمُعَانِدِينَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الَّذِي قُلْنَا مِنْ هَذَا هُوَ اللاَّزِمُ دُونَ مَا خَالَفَهُ: قَوْلُ اللَّهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات:6)، وَقَالَ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ-: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الْشُّهَدَاءِ) (البقرة:282)، وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (الطلاق:2).

فَدَلَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الآي أَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ سَاقِطٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَنَّ شَهَادَةَ غَيْرِ الْعَدْلِ مَرْدُودَةٌ، وَالْخَبَرُ وَإِنْ فَارَقَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي أَعْظَمِ مَعَانِيهِمَا؛ إِذْ كَانَ خَبَرُ الْفَاسِقِ غَيْرَ مَقْبُولٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا أَنَّ شَهَادَتَهُ مَرْدُودَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ، وَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى نَفْي رِوَايَةِ الْمُنْكَرِ مِنَ الأَخْبَارِ كَنَحْوِ دَلاَلَةِ الْقُرْآنِ عَلَى نَفْيِ خَبَرِ الْفَاسِقِ".

ومن سمتهم: تحريهم في الحكم بالكفر على المسلمين:

وذلك؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ؛ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا) (رواه البخاري). وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ: عَدُوَّ اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ) (رواه البخاري).

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "وأرجح من الجميع أن من قال ذلك لمن يعرف منه الإسلام، ولم يقم له شبهة في زعمه أنه كافر، فإنه يكفر بذلك، فمعنى الحديث: فقد رجع عليه تكفيره".

وقال ابن دقيق العيد: "وهذا وعيد عظيم لمن كفر أحدًا من المسلمين، وليس هو كذلك، وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق من العلماء اختلفوا في العقائد، وحكموا بكفر بعضهم بعضًا".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وليس لأحد أن يكفر أحدًا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين؛ لم يزل ذلك عنه بالشك".

وقد سئل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن الخوارج من أهل النهروان: أمشركون هم؟ قال: "من الشرك فروا". قيل منافقون؟ قال: "إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً". قيل: فما هم؟ قال: "إخواننا بغوا علينا؛ فقاتلناهم"، وإذا كان هذا في تكفير المسلم العادي، فكيف بتكفير العلماء؟!

قال شيخ الإسلام: "فإن تسليط الجهال على تكفير علماء المسلمين من أعظم المنكرات".

وقال الشوكاني -رحمه الله-: "ها هنا تسكب العبرات، ويناح على الإسلام وأهله بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر، لا لسنة ولا قرآن ولا لبيان من الله وبرهان، بل لما غلت مراجل العصبية في الدين، وتمكن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين؛ لقنهم إلزامات بعضهم ببعض بما هو شبيه الهباء في الهواء والسراب بالقيعة، فيا لله وللمسلمين من هذه المغامزة التي هي أعظم فواقر الدين".

ومن سمتهم -أيضًا-: توقير العلماء وأهل الفضل، ومعرفة قدرهم وتقديرهم:

 وذلك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

وقال -تعالى-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة:11)، وقال -تعالى-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر:9).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

والعلماء هم الذين يجب توقيرهم هم: حملة الشريعة الذين عرفوا بحسن القصد، وصالح العمل، وصحة المعتقد، واتباع منهج السلف الصالح، الذين بذلوا أعمارهم في طلب العلم ونشره، وأوتوا حظًا من الورع، الذين شهدت لهم بالإمامة والتبحر في الشريعة، وصدر الناس عن رأيهم، فهم الأئمة الكبار حقًّا، وهم المعنيون بالإجلال؛ إذا أطلق الكلام، وكل من لديه علم ممن دونهم وقر بحسب علمه وسيره على الجادة دون هضم لحق من حقوقهم.

قال الأوزاعي: "الناس هم العلماء، وما سواهم فليس بشيء".

وقال الثوري: "لو أن فقيهًا على رأس جبل؛ لكان هو الجماعة".

وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "الناس صنفان: عالم ومتعلم، وسائر الناس لا خير منهم".

وقال علي -رضي الله عنه-: "الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم".

وللحديث بقية.

www.salafvoice.com
موقع صوت السلف

الكلمات الدلالية