السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

المرأة صاحبة الشرعية (موعظة الأسبوع)

الوقوف على الدروس المستفادة من قصة المرأتين اللتين خطف الذئب ابن إحداهما

المرأة صاحبة الشرعية (موعظة الأسبوع)
سعيد محمود
الأربعاء ١٠ ديسمبر ٢٠١٤ - ١٢:٠٦ م
1517

المرأة صاحبة الشرعية (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الموعظة:

- الوقوف على الدروس المستفادة من قصة المرأتين اللتين خطف الذئب ابن إحداهما.

- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتِ الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ- فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لاَ تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى) (متفق عليه).

الدروس المستفادة

1- جواز العمل بالقرائن والاستدلال بالأمارات وعدم الوقوف عند انعدام البينات:

- الشاهد من القصة: قال النووي -رحمه الله-: "توصل سليمان -عليه السلام- بطريق من الحيلة والملاطفة إلى معرفة باطن القضية، فأوهمهما أنه يريد قطعه؛ ليعرف مَن يشق عليها قطعه، فتكون هي أمه".

- استدلال الشاهد من أهل المرأة في قصة يوسف على كذبها وصدق يوسف -عليه السلام-: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ . فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (يوسف:26-28).

2- جواز نقض القاضي لحكم قاض آخر -ولو كان أفضل منه- إذا خالف نصًّا أو إجماعًا:

- الشاهد من القصة: (فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ- فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لاَ تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى).

- مثال آخر: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ . فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) (الأنبياء:78-79).

3- الفطنة والفقه لا يتعلق بالسن:

- الشاهد من القصة: انتبه سليمان الابن إلى ما لم ينتبه إليه داود الأب.

- مثال آخر: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يفقه جواب سؤال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون كبار الصحابة وفيهم أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما-، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟) فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَادِيَةِ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا بِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هِيَ النَّخْلَةُ) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي، فَقَالَ: (لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا) (متفق عليه).

4- الحاكم والقاضي والعالم المجتهد مثاب أخطأ أو أصاب:

- الشاهد من القصة: ثناء الله على الاثنين في واقعة شبيهة (وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا).

- دليل آخر: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ) (متفق عليه).

5- إن الله لا يضيع اجر المحسنين:

- تنازلت المرأة عن حقها الشرعي في ولدها رحمة به، فكان الجزاء من الله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى).

- صبر النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون على ظلم وإيذاء المشركين، وسعى بالتغيير من القاعدة، فكان أعظم فتح وأعظم مجتمع: قال الله -تعالى-: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) (الفتح:1)، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران:110).

6- بيان لبعض القواعد الشرعية:

- شاهد القصة للقواعد الشرعية: لقد قام عمل الصغرى على القواعد الشرعية وإن لم تعرفها اصطلاحًا، ومنها: "احتمال اخف الضررين - دفع المفسدة الأكبر باحتمال المفسدة الأصغر - مراعاة المآل واعتباره".

- الإشارة إلى أن أكثر الناس يتصرفون في حياتهم الشخصية من خلال هذه القواعد، وإن لم يعرفوها اصطلاحًا: مثال: "إذا خيره لص أو ظالم بين أخذ ماله أو قتله، فسيترك المال؛ لأنه أخف الضررين".

- بل الأطفال يطبقونها فطريًّا: إذا قيل له: إذا فعلتَ كذا عاقبتك بكذا، فسيترك محبوبه خشية الضرر الأشد.

- لكن المشكلة في كثير مِن المتدينين الذين يتصرفون بهذه القواعد في حياتهم الشخصية، ولكن يرفضونها في حياتهم الدينية، ظنًّا أنه من التمسك بالدين، ولو كان ذلك سيؤدي إلى انهيار مجتمع المسلمين بالكلية، وستغرق السفينة بالركاب جميعًا ويضيع كل شيء!

- تنبيه في الختام: الحياة ليست دائمًا اختيار بين خير خالص وشر خالص، بل إن الإنسان كثيرًا ما يجد نفسه مخيرًا بين خير وخير، أو شر وشر، أو بين شيء فيه بعض الخير وبعض الشر، فماذا يفعل؟!

الجواب: يرجع إلى الكتاب والسنة من خلال القواعد الشرعية التي قعَّدها أئمة الأمة على مر الزمان.

فاللهم اهدنا لما اختلف فيه مِن الحق بإذنك، إنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مستقيم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة