الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواقف حزب النور.. وقائع وكواليس (6) خطاب "مرسي" والفرصة الأخيرة!

كان الجميع ينتظر منه أن يخرج على الناس بخطاب يلم الشمل ويوقف هذا التصعيد الخطير

مواقف حزب النور.. وقائع وكواليس (6) خطاب "مرسي" والفرصة الأخيرة!
محمد إبراهيم منصور
الأحد ١٤ ديسمبر ٢٠١٤ - ١١:٢٩ ص
2624

مواقف حزب النور.. وقائع وكواليس (6)

خطاب "مرسي" والفرصة الأخيرة!

كتبه/ محمد إبراهيم منصور

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

جاء خطاب الدكتور محمد مرسي بعد أن وصلت الأزمة إلى ذروتها وكان الجميع ينتظر منه أن يخرج على الناس بخطاب يلم الشمل ويوقف هذا التصعيد الخطير، خاصة بعد أن تبين له خطأ جميع رهانات الإخوان؛ فقد راهنوا على ضعف حشد المعارضة وتبين العكس تماما، وراهنوا على بقاء الجيش معهم مهما كان منهم (هذا ما كانوا يظهرونه) وتبين العكس فانحاز الجيش إلى الجموع الشعبية؛ فكان ينبغي أن يطرح الدكتور مرسي في خطابه هذا الذي كان يعد الفرصة الأخيرة لتعديل المسار السياسي للإخوان، كان ينبغي أن يطرح حلولا تناسب الموقف، إلا أن الخطاب جاء على عكس المنتظر تماما؛ فقد كان في هذا الخطاب ملمح خطير جدًا، هذا الملمح يدل علي تهور من أعد له هذا الخطاب ومن أشار عليه به فإنه ظلم الدكتور محمد مرسي وجميع الإسلاميين به؛ ذلك الملمح هو قوله بعد أن أكد علي الشرعية وأنه جاء بانتخابات شرعية: "أن دمه فداء لهذه الشرعية"، وفي هذه العبارة أمران خطيران:

أ- أن الدكتور مرسي لم يعد رئيسًا للدولة يأمر وينهى فيأمر الجيش والشرطة بحماية الشرعية، لا لم يعد كذلك وإنما صار مناضلًا بدمه.

ب- أن هذه العبارة دعوة واضحة صريحة لكل الأتباع والموالين أن ينزلوا ويجعلوا دماءهم فداء لدمه وشرعيته؛ وهذا فيه من التهور والتغرير بالشباب الإسلامي ما الله به عليم، فإن الدكتور محمد مرسي كان يعلم أن هناك سخطا شعبيا عارما أخرج جموعًا غفيرة من الشعب وانحاز إليهم الجيش والشرطة والمخابرات، مع علم الجميع بوجود بلطجية النظام السابق الذين لا يبالون بحرمة الدماء بطريقة لا يمكن شرعًا أن يجاريهم فيها التيار الإسلامي، هذا إذا كان له قدرة علي مواجهة هؤلاء جميعًا أصلا، فضلا عن أن هذه المواجهة غير جائزة شرعا ولا تحقق أي مصلحة واقعا بل خطرها هائل على البلاد والعباد، وكان في إمكان الدكتور مرسي في هذا الخطاب أن يتحدث عن الشرعية كما تحدث أو ببعض ما تحدث ثم يقول: "جئت بإرادة الشعب وبالشرعية، أما وقد انقسم الشعب علي فأنا الآن مرة أخرى أعرض نفسي على الشعب باستفتاء حر، فإن قبلني أكملت وكنت خادمًا للشعب، وإن رفضني فأنا لا أرضى لنفسي أن أحكم شعبًا لا يريدني، ولا أرضى لشعبي أن يحكمه من لا يريد".

لو قال هذه العبارة لتغيرت المعادلة ولأمكن التفاوض بعدها للخروج من الأزمة الطاحنة وكان ذلك سيزيد من التعاطف معه ومع الإسلاميين عامة، إلا أن طرحه للخروج من الأزمة في هذا الخطاب كان مخيبًا للآمال، بل كان فيه عدم مصداقية إذ قال: "إنه عرضت عليه مبادرة من الجيش وبعض الأحزاب وإنه قبلها، لكن بعض الأحزاب لم تقبلها"، والحقيقة التي يعلمها الجميع أن هذه كانت "مبادرة حزب النور" والتي يعلم الجميع أن المعارضة قد قبلتها ولم يرفضها إلا الإخوان المسلمون، ثم إن سقف مطالب المعارضة كان قد ارتفع بعد مشهد ٣٠/ ٦ وبعد انضمام الجيش والشرطة رسميًا للمعارضة؛ ولذلك كان ينبغي أن يطرح طرحًا يناسب الظروف والموقف للخروج من الأزمة، ويعلم أن الأمر تفاقم جدًا بخروج هذه الحشود الكبيرة من أقصى البلاد إلى أقصاها، هذه الجماهير التي لم يخرج مثلها في ثورة 25 يناير والتي ملأت كثيرًا من الميادين في المدن والمراكز ووصلت إلى القرى، ومهما كثرت الحشود الموالية فإنها في هذه الظروف لن تغير موازين اللعبة لأن الجيش والشرطة والمخابرات والقضاء أصبحوا في الكفة الأخرى على حد تعبير الدكتور عصام العريان على منصة النهضة، وستحدث استفزازات ودماء وستنسب كلها للإسلاميين، ومع مرور الوقت وتسارع الأحداث سيزداد الشقاق والعداء بين الإسلاميين والشعب؛ وفي النهاية سيكون الطرف الضعيف هم الإسلاميون بعد أن يكونوا قد فقدوا كل شيء، أو ينجحوا في تحويل المشهد إلى حرب أهلية تؤدي إلى انهيار البلاد وضياعها.

نعم، حرب أهلية تكاملت مقوماتها!

كانت الأمور تسير في اتجاه حرب أهلية يكون وقودها السلفيون، لكن هل كان هذا مخططا له من قبل الإخوان في حال فشلهم في السيطرة على الدولة، أم أن الظروف هي التي قادت إلى هذا؟!

تعالَ أيها القارئ الكريم نسترجع بعض الأمور:

أولا: محاولات الإخوان السيطرة على التيار السلفي العام، مع محاولات التخلص من تأثير الدعوة السلفية وحزبها النور على التيار السلفي، بل على قواعدهما لأن المنهج الإصلاحي التدريجي من قاعدة المجتمع والذي تتبناه الدعوة السلفية يعرقل المسيرة الثورية الصدامية التي كانت أحد الحلول المطروحة بقوة؛ فعمدوا إلى:

أ - عمل تجمعات وكيانات تنتمي للتيار السلفي لتنافس الدعوة السلفية في التأثير على التيار السلفي، أو على الأقل تشوش على القرار السلفي باتخاذ قرارات مخالفة للدعوة السلفية في أكثر الأحيان كـ"الجبهة السلفية" التي يعد أفرادها على الأصابع.

ب- محاولات إحداث انقسامات داخل الدعوة السلفية وحزب النور، ومن ذلك استقطاب الشيخ سعيد عبد العظيم من خلال الاحتواء وإبلاغه معلومات كاذبة عن الحزب والدعوة لتنفره منهما وتقسم الصف، لكنهم وإن كانوا نجحوا في احتواء الشيخ سعيد بهذا إلا أنهم لم ينجحوا في استغلال تلك الورقة لشق الصف به؛ فقد أنكرت قواعد الدعوة السلفية تصرفات الشيخ سعيد ومتابعته للإخوان وعدم التزامه بالعمل المؤسسي!

ومن ذلك الدور الذي قام به الشيخ حازم أبو إسماعيل في تزكية انشقاق حزب الوطن عن حزب النور، وسيأتي بيانه.

ج- التشويه المتعمد لصورة الدعوة والحزب عن طريق الإعلام الإسلامي الذي سيطروا عليه، وعن طريق الدعاة ذوي السمت السلفي الذين تتم تغذيتهم بأخبار كاذبة عن الحزب والدعوة؛ فيخرجون للإعلام ليصبوا جام غضبهم عليهما.

هذا فضلا عن دور "كتائب الكذب الإخوانية" على النت، ودور من يسمون بـ"المحللين السياسيين" الموالين للإخوان.

د- إنشاء هيئة موازية صورتها سلفية لكن السيطرة الداخلية عليها للإخوان أو لأشخاص هم صنيعة الإخوان، وهى "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح" (هيئة سلفية بإدارة إخوانية)، ومما يثير التساؤلات أن القرارات بالمليونيات والتحركات الثورية كانت تتخذ من خلال تلك الهيئة! فهل كان هذا أمر فرضته الظروف، أم أنه كان من أجل زحزحة التيار السلفي من المنهج الإصلاحي التدريجي إلى المنهج الثوري الصدامي شيئا فشيئا لتصديرهم في الصدام الذي كان عندهم محتملا، وكانوا يعدون له العدة كما صرح بذلك جهاد الحداد المتحدث الرسمي باسم الإخوان يوم (2/7)؟!

حين قال موضحًا أن الإخوان لديهم خطة معدة سلفًا للمواجهة مع الجيش إذا استدعى الأمر: "إن تهديد الجيش بالتدخل أدى لتغير قواعد اللعبة"، وقال: "إننا نغير تكتيكنا وقمنا بإعداد سيناريو منذ فترة لمواجهة مثل هذا الموقف"، وقال أيضًا: "إذا تحرك العسكر على الأرض فإن لدينا الخطة لمواجهة ذلك"!

وهل كان "تثوير" التيار السلفي وجمع الجماعات التي تتبنى العنف في خندق واحد هو تلك العدة التي كانوا أعدوها؟!

وهذا يثير تساؤلات حول أحداث فض رابعة وما حدث في نفس اليوم على مستوى الجمهورية؛ فإنه قد تم حصار عدد كبير من مراكز الشرطة واقتحام الكثير منها وقتل أفراد الشرطة والتنكيل بهم، وقد لوحظ بوضوح عدة أمور:

لوحظ رجوع الكثير من كوادر الإخوان من رابعة على غير العادة قبل الفض بيوم أو أكثر!

بل إن إخوان بعض المحافظات القريبة من القاهرة رجعوا في أتوبيسات كاملة في الليلة السابقة للفض!

أن معظم القتلى في رابعة كانوا من التيار السلفي العام الذي نجح الإخوان في إخراجه عن المنهج الإصلاحي المتدرج من القاعدة الذي ينطلق من قواعد السياسة الشرعية إلى المنهج الصدامي  الذي ينطلق من العاطفة.

ج- حين قامت التيارات الجهادية والتكفيرية بحصار مراكز الشرطة واقتحامها لم يلحظ وجود الإخوان بالقرب من الحدث، لكن لوحظوا يراقبون أو يحرضون لكن عن بعد على عكس من كانوا من التيار السلفي العام.

 

في أثناء هذه التطورات وفى ظل الاستنفار الهائل للشباب السلفي والذي يقوم به الشيخ محمد عبد المقصود والشيخ عاصم عبد الماجد والشيخ صفوت حجازي، وغيرهم ممن يظهرون السمت السلفي الذين تولوا تأجيج نار العاطفة الهائجة في قلوب الشباب السلفي في نفس الوقت كان البلتاجي يقول متنصلا من كل هذا: (إحنا كإخوان سلميين، لكن أنا أحذر معنا أفكار أخرى)، وكأن هؤلاء فزاعة يخوفون غيرهم بها؟

فهل كان هذا مرتبا له مسبقا أم كان واقعا تم استغلاله، أم كان شيئا غير هذا وذاك؟!

ثانيا: الشيخ حازم أبو إسماعيل ودوره الخطير في تحويل قطاعات من التيار السلفي العام من المنهج الإصلاحي المتدرج من القاعدة المبنى على قواعد السياسة الشرعية إلى المنهج الصدامي  المبنى على العاطفة!

لك أن تتساءل أيها القارئ الكريم،

لماذا نزل الشيخ حازم من قطار الإخوان؟!

ولماذا توجه بخطابه فقط للتيار السلفي؟!

لماذا كان كل حرصه في العمل على الأرض أن يعمل فقط على أبناء التيار السلفي فكان أتباعه يعملون فقط على السلفيين دون الإخوان، حتى صرح أحد مسئوليه في إحدى المحافظات أنه لن يستقطب شباب الإخوان إلى "حازمون"، وإنما سيكون التركيز على السلفيين؟!

لماذا كان خطابه عاطفيا حالما يداعب به عواطف السلفيين وأحلامهم، وعند التدقيق معه يقول غير ذلك لأنه يعلم أن هذه الأحلام بعيدة المنال، والواقع يحتم التدرج في الإصلاح؟!

لماذا قام بهذا الدور الذي لا يليق بمثله حين علم أن هناك خلافات داخل حزب النور؟!

ألم يكن الواجب عليه أن يتدخل في حلها، أو على الأقل يسكت إذا كان يرى أن الأمر لا يعنيه؟!

إن الأمر كان يعنيه لكن على طريقته الإخوانية، كان يعنيه "قسم الصف" فذهب بنفسه إلى مقر حزب النور ليشارك ويشجع هذه المجموعة التي أخذت مقر حزب النور عنوة لتعلن انشقاقها عن حزب النور من خلاله! العجيب كيف يحضر الشيخ حازم هذه المهاترات وهو ممن لا ينبغي أن يفوته مثل هذا المعنى الذي لا يفوت أي أصيل ابن بلد يعرف الأصول فضلا عن رجل كان مرشحا لقيادة دولة وبالشريعة الإسلامية؟!

إن حضور الشيخ حازم كان مقصودا ليثقل ميزان هؤلاء المنشقين أمام أبناء التيار السلفي؛ ليفت في عضد حزب النور والدعوة السلفية؛ والدليل على هذا أنه حضر وحشد الكثير من أتباعه بعد ذلك بأيام إلى مؤتمر تدشين "حزب الوطن" حتى لا يظهر مؤتمر المنشقين ضعيفا، بل تمت تسريبات أن هناك تحالف سيتم بين "الحازمون" و"حزب الوطن" لإظهار قوة الانشقاق والمنشقين، إلا أن هذا كله وإن كان قد أثر في التيار السلفي العام، إلا أنه لم يؤثر في قواعد الدعوة السلفية وحزب النور!

لكن لماذا كان الشيخ حازم يفعل هذا؟!

إن الشيخ حازم كان يريد إضعاف تأثير الدعوة السلفية التي تتبنى المنهج الإصلاحي المتدرج طويل النفس والذي يصادم ما يريده الشيخ حازم والإخوان من التيار السلفي.

إنه كان يريد تحويل التيار السلفي إلى المنهج الثوري الصدامي  ليتم استخدامهم في الوقت المناسب؛ (ففي الوقت الذي كان الإخوان يثنون على الجيش كان الحازمون يقودون السلفيين إلى العباسية للصدام مع الجيش ولإيجاد ثأر بينهم وبينه، وبينما كان خطاب غير المحسوبين على الإخوان على منصة رابعة خطابا عنيفا، كان الدكتور

محمد البلتاجي يقول: "إحنا كإخوان سلميين لكن أنا باحذر معنا أفكار أخرى"!

وجه الشيخ حازم خطابه للسلفيين مهيجا لعواطفهم ومشاعرهم ليخدع بخطابه الكثير من الشباب، بل والدعاة ليضغطوا على الدعوة السلفية لتتخذ قرارا بدعمه ليصطدموا بالحائط بعد ذلك، إلا أن قيادات الدعوة والحزب بعد لقائهما بالشيخ حازم تيقنوا أنه لا يصلح بحال أن يتم دعمه كمرشح للرئاسة؛ وذلك لأمور كثيرة أخطرها:

الاستهانة بالدماء: فكان من أقواله: "ما المانع أن يموت مليون (وفى رواية أنه ذكر في حضرته فكان آخر عشرة مليون من الشعب)" دون أن ينكر هذا!

يدعون أن هذا من أجل تحكيم الشريعة الإسلامية؟! (سيحكم من بعد أن يقتل الشعب بعضه بعضا بالملايين! وأين القوى المتربصة بمصر التي تريد أن تنقض عليها؟! وهل سيكون هناك فرصة للانقضاض أفضل من هذه الفرصة التي سيهديهم إياها الشيخ حازم ومن خلفه الإخوان؟! وقبل هذا أين الله الذي يقول: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم)؟!

ومن الأمور التي منعت الدعوة من دعم الشيخ حازم أيضا "عدم تقديره للأمور حق قدرها"؛ فحين سئل عن الأزمة الغذائية قال: "بسيطة جدا .. نزرع".

"الـ165ألف فدان قمح في سيناء على المطر نحل بهم مشكلة الغذاء".

ج- وحين سئل عن إسرائيل وخطورة الوضع في فلسطين قال: "إسرائيل أمرها أسهل ما يمكن (فقط نرسل أربعة آلاف شاب - صايع- يصيفوا عند مضيق تيران يخنقوا إسرائيل من جهة البحر فتموت إسرائيل)!

من أجل هذا وأمور كثيرة أخرى امتنعت الدعوة عن دعم الشيخ حازم؛ فقامت الدنيا ولم تقعد داخل التيار السلفي العام ضد الدعوة السلفية وأبنائها؛ مما مكن الشيخ حازم من التأثير في أعداد كبيرة من التيار السلفي غير المنتمين للدعوة، ثم جاء موضوع "أم الشيخ حازم ومنعه من الترشح" بسبب جنسيتها التي كان يصرح بعض المقربين من عائلة الشيخ أن أمه حملت الجنسية الأمريكية فعلا، وأن الشيخ حازم يعلم بهذا، لكن الشيخ حازم لعب على وتر المظلومية ليثور التيار السلفي أكثر وأكثر، بل كان في كثير من الأحيان يستخدم أساليب الخداع ليثير العواطف ويبقى على حالة الثورة والغليان؛ ومن ذلك أنه أعلن أكثر من مرة أنه سوف يعلن على الملأ أدلة دامغة على صدق دعواه ويضرب لذلك موعدا، ثم لا يفعل، ثم بعد ذلك استطاع "الحازمون" قيادة السلفيين إلى العباسية!

ز- وأحيانا كان الشيخ حازم يعلن عن اعتصام ثم لا يذهب، وأحيانا كان يعلن عن اعتصام ويدعو إليه بقوة؛ فإذا اجتمع الناس أرسل إليهم من يخبرهم بالإلغاء على استحياء، وكأنه كان يريدهم أن يستمروا!

والأخطر أنه تم رصد أمرا خطيرا يتعلق بالمقربين من الشيخ حازم، وهو أن معظمهم من "الجهاديين والقطبيين"؛ فلما سألته الدعوة السلفية حين جاءها طالبا الدعم: لماذا يلتف حولك الجهاديون والقطبيون؟! قال أنا لا أعرف عن فكرهم شيئا، هم أناس جاؤوا ليدعموني فلا أستطيع إبعادهم!

فسألوه: لماذا تواجد الشيخ عبد المجيد الشاذلي معك على المنصة في أحد المؤتمرات وأنت تعلم أنه صاحب كتاب "حد الإسلام" الذي يؤصل فيه لفكر "التوقف والتبين"؟! قال: أنا لا أعرف عنه هذا، ومعرفتي به أنه كان صديق والدي!

لكن ما الدور الخطير الذي لعبه هؤلاء في تلك المرحلة؟

الواقع أنهم قاموا ببث أفكارهم في جموع هؤلاء السلفيين، بل تم تجنيد بعضهم في الخلايا الجهادية، والبعض اشترى سلاحا، بل رؤي بعض الجهاديين داخل خيام اعتصام "حازمون" في التحرير وهو يشرح للشباب كيفية تصنيع القنابل اليدوية!

هذا المناخ رفع درجة الحرارة العاطفية عند كثير من الشباب لتطغى على القواعد الشرعية والعقلية؛ لتسهل قيادتهم بعد ذلك إلى مدينة الإنتاج الإعلامي تارة، وإلى رابعة أو النهضة أو الدستورية تارات!

ثالثًا: عدم الاكتراث بالعزل الشعبي للإسلاميين في نهاية الستة أشهر الأولى من حكم الدكتور مرسي.

فلم تكد تمر ستة أشهر من حكم الدكتور محمد مرسي حتى أدت سياسته وسياسة الإخوان في إدارة الدولة والأزمات (وقد تقدم الحديث عنها باستفاضة) إلى عزل الشباب الإسلامي شعبيا عزلا تاما؛ فأصبح الناس لا يرون شابا عليه سمت التدين إلا آذوه بالتصريح أو التلميح، أو على الأقل وجهوا إليه اللوم (منكم لله إنتوا اللي جيبتوا مرسي)، بل كان الناس يطالبون المتدينين بالسولار والبنزين، وكانوا يخرجون الإخوة من طوابير البنزين، وكانت تحدث احتكاكات بالأيدي!

ومع هذا لم يكترث الإخوان لهذا، ولم يحاولوا علاج هذه الظاهرة الخطيرة!

بل زاد الأمر خطورة حين لعبوا على هذا الانقسام وعمقوه أكثر وأكثر بعمل فاعليات باسم الإسلاميين؛ مما يستفز مشاعر عامة الشعب ويزيد من نفرتهم من الإسلاميين، وفي هذه الفاعليات تم الاستدعاء والعودة إلى خطاب الشريعة الذي كان يستخدم في حملة الدكتور مرسي الانتخابية بعد أن كان قد هجره بمجرد نجاحه ولمدة تسعة أشهر، وتم استدعاؤه مرة أخرى لأنه هو الخطاب الذي يمكنهم به حشد الإسلاميين عامة والسلفيين خاصة، ووصلت الخطورة ذروتها حين اتخذ الإخوان ومن تابعهم ذلك القرار الخطير الذي هو أخطر قرار تم اتخاذه في هذه المرحلة، وهو قرار "الحشود مقابل الحشود" لينقسم المجتمع إلى معسكرين: (معسكر الموالين، وأطلقوا عليه اسم الحشود الإسلامية ليضمنوا مشاركة الإسلاميين بما فيهم التيار السلفي العام بقوة. أما المعسكر الآخر وهو المعسكر المعارض لأداء الحكومة والإخوان، فألصقوا به أفظع التهم مستغلين في ذلك بعض التصريحات المنسوبة إلى بعض المشاركين فيه، وهم تلك القلة من العلمانيين الذين كانوا يريدون ركوب الموجة فعلا)؛ فاستغل الإخوان ومن معهم تصريحات هؤلاء ليثبتوا أن هذه المعارضة إنما هي حرب على الإسلام وليست مجرد اعتراض على أداء الإخوان، وكان هذا الخطاب الخطير على منصات الحشود الإسلامية مما يزيد العاطفة لدى الشباب المتهور من الجماعات التي تتبنى العنف أصلا، والأخطر من هذا تلك الأعداد الضخمة من التيار السلفي العام الذين تمت زحزحتهم قبل ذلك عن منهجهم الإصلاحي إلى المنهج الثوري الصدامي .

وكانت هناك تحركات على مستوى الجمهورية للحشد باسم الإسلاميين مما شكل استفزازا هائلا للشعب أكثر وأكثر، ووقع الإسلاميون في أخطاء كثيرة فزاد الاستفزاز أكثر وأكثر، وصارت الفرصة مواتية لمكون خطير من مكونات الحشود المقابلة وهو "المكون الاستئصالي" الذي يريد ركوب الموجة وإعلان الحرب على كل ما هو إسلامي، مع أن الغالبية العظمى من هذا المعسكر ليس إشكالها مع الإسلام كإسلام، ولا مع الشريعة كشريعة، وإنما إشكالها مع الإخوان كإخوان ومن يساندهم بسبب الفشل في إدارة الدولة والعجز عن تلبية المطالب الحياتية للشعب، إلا أن "المكون الاستئصالي" من هذا المعسكر حاول الزج بكل الإسلاميين في المعسكر الآخر؛ فسلط 300 ألف بلطجي في أنحاء الجمهورية (هذا العدد نقلا عن تصريح للمهندس أبو العلا ماضي حين قال: إن الدكتور مرسي أخبره أنه يوجد تنظيم من 300 ألف بلطجي منه 80 ألف في القاهرة وحدها)! كان هؤلاء البلطجية يقومون باستفزاز الملتحين والمنتقبات ليل نهار في الطرقات والشوارع، ومع التشويه الإعلامي للإسلاميين خاصة مع الخطاب الاستعدائي على المنصات وفشل حكومة الإخوان؛ كان كثير من الناس يتعاونون مع البلطجية، فكان الأخ الملتحي لا يستطيع الانتقال من قرية إلى قرية فضلا عن أن يسافر إلى المدينة؛ لأن البلطجية كانوا يفتشون السيارات وينزلون الملتحين ويحلقون لحاهم، بل ويضربونهم وقد يصل الأمر إلى محاولات القتل؛ حتى اضطر الكثير إلى حلق لحاهم، وحتى صدرت بعض الفتاوى بجواز حلق اللحى في هذه الظروف! بل إنني أعرف أساتذة في الجامعة لجأوا إلى حلق لحاهم ليتمكنوا من الوصول إلى جامعاتهم، وأجبر بعض الأهالي أبناءهم على حلق لحاهم خوفا عليهم، وتعرض الشباب والنساء المتدينين لإهانات ومضايقات هائلة في الطرقات والشوارع؛ حتى صار الاحتراب الأهلي وشيكا خاصة مع الأجواء التي صنعها الخطاب الربعاوي الذي جعل الشباب في حالة من الغليان من جهة، ومن الجهة الأخرى هذا الاستفزاز المنقطع النظير خاصة لأصحاب السمت السلفي؛ مما حدا بالدعوة السلفية أن تنشئ في كل محافظة غرف متابعة للأزمة لحظة بلحظة لاحتواء أي مشكلة تحدث قبل أن تتفاقم ويمتد أثرها إلى أماكن أخرى فيفلت الأمر من أيدينا!

وأنا أذكر موقف حصار البلطجية لمقر حزب النور بالمحلة بسبب تصرف خطأ من أحد أفراد الجماعة الإسلامية، وكان ملتحيا فظنوا أنه من أفراد حزب النور فحاصروا مقر الحزب وحدث إطلاق نار وقتل شاب في مشادة حدثت، وبدأ الإعلام ينفخ في الأمر فاتصلت بأعضاء الحزب في المحلة وطلبت منهم أن يطمئنوا الناس ويهدؤوا الأمر في الإعلام حتى لا تمتد المشكلة خارج المحلة في ظل هذه الأجواء والخطاب التحريضي العاطفي الذي لم يتوقف من جهة الإسلاميين، ومع العلم أنه يوجد في صفوف الإسلاميين أعداد هائلة ممن يمكن أن يفلت زمامهم أو على الأقل

يضطرون للدفاع عن أنفسهم! فتخيل أيها القارئ الكريم، لو أن عامة المتدينين استجابوا لهذه الاستفزازات، فهل كان سيخلو شارع أو حارة من قتال خاصة وأنه لا يوجد بيت أو حارة إلا وفيها ملتحٍ أو منتقبة؟!

ما هي الحرب الأهلية إذًا إن لم تكن هذه هي الحرب الأهلية؟!

رابعًا: عدم الاكتراث بالدماء: فوجئنا بعدم اكتراث الإخوان بهذا كله، وعدم اكتراثهم بالدماء التي تراق، بل العجيب أنهم كانوا يصنعون المناخ الذي يسهل فيه إراقة الدم (ومن ذلك مسيرتا المنصورة)؛ حيث دعا الإخوان إلى مسيرة فخرجت وكان فيها نساء، فجاء الخبر لمنظمي المسيرة من الإخوان أثناء تحركها أن البلطجية أمامكم في الشارع مسلحون، وهناك شارع آخر فاسلكوه؛ فنادى منادٍ من منظمي المسيرة من الإخوان: "اثبتوا اثبتوا" حتى إذا وصلوا إلى البلطجية حدث ما كان متوقعا؛ فقتل أربع أخوات، وأصيب من أصيب منهن ولا حول ولا قوة إلا بالله!

وفى المنصورة أيضا يتكرر نفس الخطأ فقد أعلن الإخوان ومن معهم عن عزمهم على تنظيم مسيرة في المنصورة، واختاروا "الجمعية الشرعية" لتنطلق منها؛ فنصحهم الناصحون بالبحث عن مكان آخر لأن المنطقة التي تحيط بالجمعية الشرعية هي منطقة البلطجية في المنصورة؛ فصمموا على عدم تغيير المكان حتى حدث ما حدث، وحاصر البلطجية المكان فقتلوا أحد الإخوان وجرحوا آخرين، وحين سئل أحد قادة حزب الحرية والعدالة قال: "قدمنا اليوم شهيدا"!

وهنا أذكر شيئا يحتاج إلى وقفة حدثني به أحد كوادر الحزب في أحد مراكز الدقهلية قال: "إن مسئول الإخوان في المركز دعانا إلى المشاركة في مسيرة المنصورة، فقلنا له: إن الحزب اتخذ قرارا بعدم المشاركة لأن الحشود مقابل الحشود مفاسده عظيمة،

وقال: فلما كانت المسيرة وسمعنا أن هناك قتلى ومصابين؛ اتصلت بمسئول الإخوان هذا لأطمئن عليه، فقال: أنا في البيت، قلت له: ألم تذهب؟! قال: جاءتنا أوامر ألا نذهب! قلت له: جميعكم لم تذهبوا؟! قال جاءت الأوامر للبعض أن يذهب والبعض الآخر ألا يذهب! فقلت له: أعطني تليفون أحد الموجودين هناك لأطمئن؛ فلم يعطني وكأنه لم يجد!

واقرأ هذا الكلام جيدا وتدبره لأحد من كان مع الإخوان في أحداث رمسيس وقد ذكر كثير ممن كانوا مع الإخوان مواقف مشابهة له؛ فقد كتب "أحمد المغير" في تدوينة على صفحته الرسمية على "فيس بوك" يسرد فيها حكاية مسيرة الإخوان في أحداث رمسيس 2013.

فقال: "في 16 أغسطس (أحداث رمسيس) كنت مع المسيرة اللي اتحركت من مدينة نصر تجاه رمسيس، وانطلقت بعد صلاة الجمعة، ووصلت على المغرب تقريبًا دون مواجهات أو اشتباكات إلا عند غمرة تصدى لها الشباب، لما وصلنا لمسجد التوحيد، اللي كان بمثابة مستشفى ميداني أو بمعنى آخر مكانا لتجميع جثامين الشهداء- كما نحسبهم - وتوثيقهم، سألنا عن الأوضاع من الناس اللي جاية من رمسيس، فحكولنا بشاعة اللي حصل، وإن المواجهات مستمرة، لكن تقريبًا تمت السيطرة على الميدان بعد أكثر من 250 شهيدا، وكان كل اللي بييجي من هناك بيشدد على أهمية التحرك للحفاظ على الميدان، ولدعم المقاومين فيه".

و"المغير" أضاف: "وفعلا بدأنا نجمع نفسنا ونتحرك، وإذا فجأة نلاقي آلاف بترجع من الميدان أفواج وكل ما نسأل حد يقلنا: راجعين تاني ونلاقيه ماشي مروح! كدت أجن وقعدت أصرخ في الناس عشان يرجعوا وإن الناس محتاجينا في رمسيس، وكل اللي أكلمه يهز رأسه ويمشي يروح! قعدت أسأل وأتقصى لغاية ما لقيت حد بيقول: إن جالهم على التليفونات رسالة من التحالف تفيد بالانسحاب؛ افتكرناها حيلة مخابراتية لأن بأمانة مكنش ليها معنى غير كدة! أصل بعد 250 شهيدا وبعدما بدأت تسيطر على الأرض وعدوك في هزيمة تلاقي فجأة معظم اللي معاك انسحب!".

استطرد "المغير" في قوله: "قعدنا نحذر الناس على قدر ما نستطيع، وكان فيه بيستجيب والأغلبية بيمشوا وهما بيهزوا راسهم ببلاهة إنهم راجعين! عرفنا بعد كدة إن رسالة الانسحاب صدرت فعلا من قيادات الإخوان في التحالف إلى الإخوان فقط دون غيرهم؛ الأمر اللي رفض تنفيذه الدكتور صلاح سلطان والمجموعة اللي معاه، وطلع قال للناس: امشوا إنتوا وأنا قاعد مش ماشي (المجموعة اللي اتحاصرت في مسجد الفتح بعد كدة).انتهى كلام "المغير"!

وهذا يذكرني بأمور منها أن أحد الشباب المتعاطفين مع الإخوان أراني يوما رسالة من منظمي المسيرات تحتوى على مكان المسيرة والتعليمات المتعلقة بها، ثم قال لي ذلك الشاب: "لكن يا أخي الرسالة الثانية لا تأتيني أنا وأمثالي، إنما تأتى إلى الإخوان فقط"، قلت: وما هذه الرسالة؟! قال رسالة الانصراف من المظاهرة أو المسيرة، قال: فنفاجأ في كثير من المظاهرات أن الإخوان انسحبوا بالكامل ولا يبقى إلا نحن!

وقد حدثني أكثر من واحد أنه يعرف من كوادر الإخوان من ذهب إلى "رابعة" وعاد قبل إكمال المدة المعتادة، ثم فوجئنا بفض "رابعة" ولعل هذا يفسر كثرة القتلى من السلفيين في "رابعة"!

ومما يثير التساؤلات الشرعية أيضا أن الإخوان علموا بفض "رابعة" يقينا قبلها بست أو عشر ساعات، فبدلا من أن يبحثوا عن طريقة لحقن الدماء أعدوا الأكفان والأماكن التي يستقبلون فيها المصابين والقتلى!

أعود مرة أخرى وأتساءل: إن لم تكن الاستهانة بالدماء لهذه الدرجة تقود لا محالة إلى حرب أهلية، خاصة وهناك من يعلن أنه يوجد مشروع "مائة ألف شهيد"، وهناك مائة ألف يتمضمضون بالمولوتوف، وهناك مئات الآلاف في القاهرة ومثلهم ينتظرون ساعة الصفر، وهناك من يقول: "قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار"، وهناك من يدعو قائلا: "اللهم انصر الإسلاميين يوم 30/6 على الكافرين والمنافقين"!

إن لم تكن هذه هي أجواء الحرب الأهلية، فماذا نسميها خاصة إذا نجح المحرشون بين البلطجية من طرف وبين المتهورين (وهم مئات الآلاف) من طرف الإسلاميين؟!

وللحديث بقية...

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com