الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

(أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (5) رابعًا : القطبية (3

نتناول شخصية محمد قطب كأحد أهم رموز التيار القطبي وأكثرهم تأثيراً ، وأعمقهم أثراً

(أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (5) رابعًا : القطبية (3
أحمد الشحات
الأربعاء ١٧ ديسمبر ٢٠١٤ - ١٢:٠٨ م
3589

نبذة تعريفية بأهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (5)

رابعًا – وقفات أخرى مع القطبية

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تناولنا في المقال السابق الحديث حول منهج الأستاذ عبد المجيد الشاذلي باعتباره أحد منظري الفكر القطبي عموماً ، ولأن اسمه ارتبط بجماعة التوقف والتبين على وجه الخصوص ، وفي هذا المقال نتناول شخصية محمد قطب كأحد أهم رموز التيار القطبي وأكثرهم تأثيراً ، وأعمقهم أثراً ، وذلك يرجع لعدة أسباب منها ؛ ما من الله به عليه من طول حياة ووافر صحة ومزيد أمن ، لأنه فور خروجه من السجن سافر إلي السعودية وهناك استطاع أن يروج لمنهجه ويدعو لأفكاره بحرية وسلاسة ، ثم أتاحت له الإقامة هناك سهولة التحرك والانتقال والالتقاء مع الرموز والشخصيات مما ساهم في انتشار فكره على نطاق أوسع ، وأخيراً فقد هيأت له الظروف كتابة عدد كبير من المؤلفات والكتب التي أوضح فيها فكره ومنهجه بعيداً عن الضغوط  والصعوبات ، وقد كانت لهذه العوامل سالفة الذكر أثر كبير على التحول الفكري في التيار الصحوي بالسعودية كما سيأتي.

1)  محمد قطب من الميلاد حتى الرحيل عن البلاد :-

قليلة هي الكتابات التي تتحدث عن شخصية محمد قطب ، ربما لأن طبيعته الشخصية كانت تحب الكمون ولا تميل إلي التواجد العلني والظهور الدائم ، وربما لأن شخصية أخيه قد طغت عليه فتوجهت معظم الدراسات والبحوث إلي دراسة شخصية سيد ومراحل حياته واكتفت بذلك ، وربما تكون هناك أسباب أخري ، لكن  ما يهمنا إثباته هنا أن هناك فقر شديد في التراجم المتوفرة عن محمد قطب وربما تكون الترجمة الوحيدة شبه المعتمدة عنه هي ترجمة الأستاذ محمد المجذوب في كتابه " علماء ومفكرون عرفتهم " ، ومما قد يساهم في جبر هذا الخلل هي كثرة كتابات محمد قطب ووضوحها ، والتي توفر للباحث – غالباً - مادة غنية وثرية يتعرف من خلالها على ملامح فكره وطبيعة منهجه. 

وفيما يلي عرض مجمل لحياة محمد قطب والمراحل الأساسية التي مر بها :-

ولد محمد قطب في عام 1919 في بلدة موشا بمحافظة أسيوط ، وبخلاف سيد فقد كانت دراسته في القاهرة بجميع مراحلها ، حيث درس فيها المرحلة الابتدائية  والثانوية ، وتخرج في جامعة القاهرة التي أخذ منها الإجازة في اللغة الإنجليزية  وآدابها عام 1940، وبعد تخرجه من الجامعة بدأ يهتم  بالتعليم والتربية  فاتجه نحو معهد التربية العالي للمعلمين بالقاهرة ، وحصل منه على شهادة دبلوم في التربية  وعلم النفس عام 1941، ثم عمل بعد ذلك أربع سنوات في التدريس ، ثم في دار الكتب المصرية ، وبعدها أصبح مترجما في وزارة المعارف المصرية ، ثم انتقل إلى الإدارة العامة للثقافة في وزارة التعليم العالي بمصر.

اعتقل محمد قطب للمرة الأولي مع أخيه عقب حادث المنشية  في عام 1954 ولكنه خرج بعدها بفترة قصيرة بينما حكم على سيد بالسجن 15 عاماً ، ثم تم اعتقاله في المرة الثانية عام 1965 في قضية تنظيم 65 وظل في السجن 6 سنوات ليخرج منه  في مطلع عهد السادات عام 1971 ، ثم يغادر من مصر إلي الأراضي السعودية.

2)  محمد قطب خارج الديار المصرية :-

من هنا تبدأ قصة مثيرة أخري من حياة محمد قطب ، فرجل مفكر مثله لا يمكن أن يكتم فكره أو يسكت عنه ، خصوصاً إذا سبقت شهرته خطوته ، وعم ذكره في الآفاق ، وتوفر له الأمن والأمان ، ومن خلال هذا المقال والذي بعده نتتبع حياة محمد قطب من لحظة خروجه من السجن ثم رحيله إلي المملكة السعودية حاملاً معه تجربته الفكرية والحركية ليتأثر بها على الفور عدد لا بأس به من طلاب وأبناء الصحوة الإسلامية هناك .

السعودية تحاول إنقاذ سيد من الإعدام وتعرض على محمد قطب الإقامة :-

لما انتشرت الأنباء بحكم الإعدام على سيد ، أرسل الملك فيصل رحمه الله إلي جمال عبد الناصر برقية يطلب منه فيها عدم تنفيذ حكم الإعدام على سيد ، وقد كانت السعودية في هذا الوقت تريد أن تكون قبلة لكل الدعاة والمفكرين الإسلاميين ، وكان بينها وبين " سيد " سابق معرفة ، فقد اتفقت الإذاعة السعودية مع سيد على نشر حلقات إذاعية لفقرات من تفسير الظلال ، بالإضافة إلي أن سيد في ذلك الوقت كان من مشاهير العالم الإسلامي.

 ولكي تتفادى الحكومة المصرية حدوث أزمة سياسية مع الدولة السعودية  ، قامت بإعدام سيد في جنح الظلام قبيل الفجر حتى تتعلل بأن البرقية وصلت متأخراً ، وأن الحكم تم تنفيذه قبل وصولها.

شعرت السعودية بالتقصير الشديد تجاه سيد قطب رحمه الله ، فعرضوا على " محمد " القدوم إلي السعودية ثم عينوه رئيساً لقسم العقيدة بجامعة أم القرى ، على الرغم من أنه ليس متخصص في العقيدة ، كما أن المنصب حساس ، لأن جامعة أم القرى هي الجامعة المسئولة عن تخريج القامات العلمية بالمملكة ، وبالتالي كان وجود محمد قطب في هذا المكان له بالغ الأثر على السعودية ككل حيث انتقل فكر سيد قطب وعبد المجيد الشاذلي إليها بهذه الطريقة.

ومن الطريف أيضاً أن عبد المجيد الشاذلي بعد خروجه من السجن سافر إلى المملكة السعودية ، وطلب العلم هناك على يد كبار علمائها ، وأصدرت له جامعة أم القرى كتابه المثير "حد الإسلام وحقيقة الإيمان".

وتعد الفترة من (1971 - 1990)  هي فترة الازدهار والنشاط التي عاشها محمد قطب في السعودية ، حيث كان يؤم المحاضرات والندوات ، ويتنقل  بين دول الخليج لحضور الفعاليات والأنشطة ، إلي أن حدثت أزمة حرب الخليج عام 90 ، حيث وقفت جماعة الإخوان المسلمين بمصر موقفا مؤيدا لغزو صدام للكويت ، وهاجمت دول الخليج لأنها استعانت بقوات أجنبية ومكنتها من أراضيها ، فأثر هذا الموقف على أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المقيمين في الخليج ، وتسبب في انحسار نشاطهم ، ومنذ هذا التوقيت اعتزل محمد قطب النشاط العام إلي أن توفي في أبريل 2014 بمكة المكرمة.

تأثير محمد قطب في الصحوة بالسعودية  :-

انطلاقا من منصبه في الجامعة كرئيس لقسم العقيدة ، قام قطب بالإشراف على عدد من الرسائل العلمية الهامة ، والتي كان لبعضها دور في انتشار الأفكار القطبية ، وكان من أشهر تلامذته  الشيخ سفر الحوالي ، فقد أشرف قطب على رسالته في الماجستير بعنوان: " العلمانية : نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة " وأشرف أيضا على رسالته للدكتوراه بعنوان " ظاهرة الإرجاء في العالم الإسلامي " ، والتي أثارت لغطاً كبيراً بين أبناء الصحوة الإسلامية لما تضمنته من مفاهيم قطبية خالصة ، فمثلت بذلك صدمة عنيفة لمحبي الشيخ سفر من التيار السلفي.

كما أشرف أيضاً على عدد من الرسائل العلمية الأخرى في نفس السياق الفكري ، منها رسالة " الولاء والبراء " لمحمد بن سعيد القحطاني ، ورسالة " أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية والرد على الطوائف الضالة فيه " لعلي لعلىاني ، كما أشرف على رسالة علمية ليوسف الأحمد بعنوان " الوثنية الحديثة وموقف الإسلام منها "، ورسالة " منهج الدعوة النبوية في المرحلة المكية " لعلى الحربي، ورسالة " فكرة القومية العربية في ضوء القرآن " لصالح العبود ، وآخرين.

كما قام أيضاً بتكليف من وزير المعارف بوضع مقرر التوحيد  لطلاب المرحلة الثانوية ، وقد صدرت الطبعة الأولى للمنهج عام 1977، وبعد إيقاف تدريسه في المدارس السعودية أعاد محمد قطب إصداره في كتاب بعنوان " ركائز الإيمان " عام 1997، كما فاز بجائزة الملك فيصل العالمية  عام 1988بعد صدور كتابه " منهج التربية الإسلامية ".

3)  قراءة في بعض أفكار محمد قطب ونتاجه الأدبي :-

1.   بداية الطريق والتأثر بسيد :-

الجدير بالذكر أن سيد قطب كان له تأثير كبير على كل أفراد أسرته بنيناً وبناتاً ، وكان محمد قطب من أشد المعجبين به والمتأثرين بشخصيته لدرجة أنه تشبع بأفكاره وحاكي طريقته في الكتابة وتأثر بأسلوبه الأدبي وأصبح سيد بالنسبة له هو مصدره الأول وقبلته الأساسية ، يقول محمد قطب في ذلك :-

" لقد عايشت أفكار سيد بكل اتجاهاته منذ تفتح ذهني للوعي ، ولما بلغت المرحلة الثانوية أصبح يشركني في مجالات تفكيره ، ويتيح لي فرصة المناقشة لمختلف الموضوعات ، فامتزجت أفكارنا وأرواحنا امتزاجا كبيرا ، بالإضافة إلى علاقة الأخوة والنشأة في الأسرة الواحدة ، وما يهيئه ذلك من تقارب وتجاوب ".

ومن ذلك أنه سار على نفس طريق سيد بحذافيره ، حيث مر بنفس المراحل  تقريباً ، وتعمقت في قلبه نفس المشاعر والأحاسيس ، حيث اهتم في بداية حياته بالشعر والأدب ، ثم تحول إلي الوجهة الإسلامية بتأثير من أخيه ، ثم انضم إلي جماعة الإخوان ، ثم كان عضواً في تنظيم 65 الذي كان يقوده سيد ، وبعد موت سيد أخذ " محمد " على عاتقه نشر أفكار أخيه وتأصيلها وتقريرها وتقريبها لأبناء الصحوة مما شكل تأثيراً كبيراً على أفكار كثير من التيارات الإخوانية والمتفرعة منها يقول محمد قطب :-

" أول تجربة من نوعها كانت من العنف والضراوة بحيث يمكن لي القول إنها غيرت نفسي تغييرا كاملا ، كنت أعيش من قبلها في آفاق الأدب والشعر والمشاعر المهمومة ، أعاني حيرة عميقة ، وكانت تلك الحيرة تشكل أزمة حقيقية في نفسي استغرقت من حياتي عدة سنوات ، غير أن الدقائق الأولى منذ دخولي ذلك السجن ، والهول الذي يلقاه نزيله ، بدلت ذلك كل التبديل. لقد أحسست إذ ذاك أنني موجود ، وأن لي وجودا حقيقيا ، وأن الذي في نفسي حقيقة وليس وهما ، وهذه الحقيقة هي السير في طريق الله ، والعمل من أجل دعوته ، وعرفت حينها حقيقة المؤامرة الضارية ضد الإسلام ، وانتهت الحيرة الضالة ، ووجدت نفسي على الجادة ".

نأمل من من يتبنون مبدأ " مواجهة الفكر بالعنف " أن يقرأوا هذه التجارب لكي يعرفوا كم يكون السجن من أشد عوامل التشبث بالفكرة والتعصب لها بدلاً من التخلي عنها أو معرفة حقيقتها ، إن الهول الذي يصفه محمد قطب في مقالته هذه ومدي الشعور بالظلم والاضطهاد يعمي النظر عن أخطاء الجماعة أو أخطاء الشخص ، ويغلق الطريق إلي أي مراجعات فكرية أو وقفات تحولية ، وينمي لدي المظلوم – خصوصاً مع قلة العلم – شعور المؤامرة الكونية لسحق الإسلام وأن سجانيه ورؤسائهم ليسوا إلا قطعاً من الشطرنج في أيدي الماسونية العالمية ، هذه الأفكار المحلقة كان منبتها الأساسي في السجون ، لذا فلابد أن يراجع المسئولون  عن الأمر فلسفة عمل هذه المعتقلات وآليات تعاملها ، وإلا تحولت إلي قنبلة موقوتة يوشك أن تنفجر في وجه المجتمع بأكمله.

2.   محمد قطب من العزلة إلي المشاركة في التنظيم :-

ذكرنا قبل ذلك أن محمد قطب كان يحب العزلة وبالتالي لم يختلط بأنشطة الإخوان كثيراً حتى أنه خرج من المعتقل سريعاً كما أسلفنا رغم علاقة القرابة بينه وبين سيد إلا أنه في قضية 65 كان له دور آخر ، فما هو هذا الدور ؟

تروي زينب الغزالي  في مذكراتها " أيام من حياتي " تفاصيل هامة عن طبيعة التنظيم خارج السجن وعن دور محمد قطب في هذا التنظيم فتقول :-

" لما كانت جماعة الإخوان المسلمين معطلا نشاطها بسبب قرار الحل الجاهلي لسنة 1954، كان ضروريا أن يعود إحياء هذا النشاط ، لكنه بالطبع سيكون سرياً ، وقد تكثفت تحركات مجموعة من الكوادر الإخوانية الذين لم تطلهم حملة الاعتقالات ، من أجل إعادة تنظيم صفوف الجماعة من جديد ، من أبرزهم عبد الفتاح إسماعيل ، وعلى عشماوي ، وأحمد عبد المجيد ، ومحمد فتحي رفاعي ، وعوض عبد العال وآخرون ، ضمن ما عرف بتنظيم  سيد قطب ، أو تنظيم 1965".

ثم تحكي زينب الغزالي تفاصيل هذا النشاط السري الذي ظنوا أنهم يحاكوا به تجربة النبي صلي الله عليه وسلم في مكة قبل أن تستقر دولته في المدينة  حتى أنهم اختاروا نفس المدة التي مكثها النبي في مكة وهي 13 عاماً ، فتقول :-

" بتعليمات من الإمام سيد قطب ، وبإذن الهضيبي ، قررنا أن تستمر مدة التربية والتكوين والإعداد ثلاثة عشر عاما – عمر الدعوة في مكة – على أن قاعدة الأمة الإسلامية الآن هم (الإخوان) الملتزمون بشريعة الله وأحكامه ، فنحن ملزمون بإقامة كل الأوامر والنواهي الواردة في الكتاب والسنة في داخل دائرتنا الإسلامية ، والطاعة واجبة علينا لإمامنا المبايع ، على أن إقامة الحدود مؤجلة ، مع اعتقادها والذود عنها ، حتى تقوم الدولة ، وكنا على قناعة كذلك بأن الأرض اليوم خالية من القاعدة التي تتوافر فيها صفات الأمة الإسلامية الملتزمة التزاما كاملا، كما كان الأمر في عهد النبوة والخلافات الراشدة ، ولذلك وجب الجهاد على الجماعة المسلمة ، حتى يعود جميع المسلمين للإسلام ، فيقوم الدين القيم ، لا شعارات ولكن حقيقة عملية واقعة ".

لا غرابة إذن أن يتولد من هذا الفكر المنحرف جماعة تزعم أنها هي وحدها جماعة المسلمين في الدنيا بأسرها ، وأن الناس كلهم قد ارتدوا عن الدين ونفضوا أيديهم من الإسلام عدا جماعتهم فقط ، ومن هذا يتبين أن أفكار التكفير كانت معشعشة في عقول هذا الجيل من الإخوان ، وأن جماعات التكفير التي انبثقت عن هذا التنظيم  كانت تطبق مفاهيم وأفكار درستها وتربت عليها لا أنها فهمتها خطئاً كما تحاول الجماعة أن توهم الناس بذلك .

تقول الغزالي وهي تصف جماعتها بأنها " جماعة الله " ، وتشرح خطة التحرك الفكرية للجماعة ، بالإضافة لرؤية الجماعة للمجتمعات الإسلامية والدول الإسلامية :-

 " درسنا كذلك وضع العالم الإسلامي كله ، بحثا عن أمثلة لما كان قائما من قبل بخلافة الراشدين ، والتي نريدها نحن في جماعة الله الآن ، فقررنا بعد دراسة واسعة للواقع القائم المؤلم أنه ليست هناك دولة واحدة ينطبق عليها ذلك ، واستثنينا السعودية مع تحفظات وملاحظات يجب أن تستدركها المملكة وتصححها ، وكانت الدراسات كلها تؤكد أن أمة الإسلام ليست قائمة ، وإن كانت الدولة ترفع الشعارات بأنها تقيم شريعة الله! ، وكان في ما قررناه بعد تلك الدراسة الواسعة ، أنه بعد مضي ثلاثة عشر عاما من التربية الإسلامية للشباب والشيوخ والنساء والفتيات ، نقوم بمسح شامل في الدولة ، فإذا وجدنا أن الحصاد من أتباع الدعوة الإسلامية المعتقدين أن الإسلام دين ودولة ، والمقتنعين بقيام الحكم الإسلامي قد بلغ 75 في المائة من أفراد الأمة رجالا ونساءً ، أعلنا قيام الدولة الإسلامية ، وقيام الحكم الإسلامي ، أما إن وجدنا الحصاد 25 في المائة ، جددنا التربية والإعداد لمدة ثلاثة عشر عاما أخرى ، وهلم جرا ، حتى نجد أن الأمة فد نضجت لتقبل الحكم بالإسلام ".

يروي أحمد عبد المجيد في مذكراته "  الإخوان وعبد الناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965" طبيعة التوجيهات التي تأتي من داخل السجن ، والأهمية التنظيمية لكتاب معالم في الطريق فيقول :-

" بدأت التحركات للم شتات الإخوان من جديد ، على مستوى محافظات مصر كلها ، بتوجيهات وتعليمات تصل من داخل السجن ، وفي قصاصات يكتبها سيد قطب تحت مسمى «خيوط خطة»، صدرت في ما بعد ضمن كتابه الشهير «معالم في الطريق» ".

 ثم يوضح طبيعة الدراسات الفكرية والمناهج الحركية التي كان الإخوان في الخارج ملزمون بقراءتها وتدارسها وأن معظم هذه الكتابات كانت من تأليف محمد قطب فيقول :-

" كنا نركز أساساً على العقيدة ، ثم الحركة بهذه العقيدة في تنظيم حركي ، ثم الدراية والمعرفة بالمخططات الصهيونية والصليبية وأعوانها لضرب الإسلام ووسائلهم في ذلك ، فوضع لنا الأستاذ سيد قطب منهجًا دراسيًا وتربويًا للسير عليه مع إخواننا ، ومن أهم الكتب والمراجع التي احتواها هذا المنهج : (منهج التربية الإسلامية) ، (جاهلية القرن العشرين) ، (هل نحن مسلمون؟) ، (معركة التقاليد) لمحمد قطب، إضافة إلى كتب من تأليفه ، وأخرى لأبي الأعلى المودودي وآخرين ".

توضح زينب الغزالي طبيعة نشاط أعضاء الجماعة الفاعلين خارج السجون ، وتبرز دوراً خاصاً لمحمد قطب خلال هذه الفترة فتقول :-

" رأينا خلال فترة الإعداد التربوي أن يكون هناك مستشار يشرح ويوضح لنا توجيهات سيد قطب وتعليماته ، ولذلك قررنا ورأينا أن يكون الأستاذ محمد قطب هو مرجعنا ، وبإذن من المرشد الهضيبي كان الأستاذ محمد يأتي بشكل دوري إلى بيتي في مصر الجديدة ، ليوضح للشباب ما غمض عليهم فهمه ، وكان الشباب يستوضحونه ويسألونه أسئلة كثيرة يجيب عنها ".

خلاصة ما سبق أن محمد قطب كان له الدور الفكري الأبرز في صياغة أفكار تنظيم 65 حيث كانت كتبه هي المنهج التربوي لأعضاء التنظيم ، وكان هو من يقوم على تدريسها وشرحها ، وكما ذكر غير واحد من مؤرخيهم أن هذا التنظيم شمل ربوع مصر كلها ، وكان معظم أفراد الإخوان موجودين داخل التنظيم ، حيث كان المرشد العام يرعاه ويقره ، فلم يبقي إذن من أفراد الإخوان إلا القلة القليلة التي لم تتحول فكرياً إلي الفكر القطبي الذي رأينا كيف يفكر وكيف ينظر إلى المجتمع.

3.   المنهجية الحركية لمحمد قطب :-

إطلالة سريعة لكتاب هام من كتب " محمد قطب " وهو كتاب " واقعنا المعاصر " ، الذي صدر في عام 1986 أي بعد خروجه من السجن بـ 15 عام ، وفيه يقدم قطب رؤيته للحركية المعاصرة ، والموقف من مخططات الاستعمار، ووسائل تغريب المرأة ، والتعليم ، والإعلام والفكر والأدب، ومعالم الغزو الفكري والصليبي على بلدان المسلمين  وغيرها ، وسوف نلتقط منه بعض المقاطع التي توضح رؤيته للمنهج الحركي في صورته الأخيرة :-

يشرح قطب في مقدمته أسباب تأليفه للكتاب بما يؤكد أن الكتاب منهج حركي ورؤية فكرية ، وليس مجرد نصيحة عابرة أو رؤية تحليلية :-

" هذه محاولة لدراسة الصحوة الإسلامية ، وما تحمله من دلالة تاريخية.. ماذا أنجزت ، وماذا ينبغي أن تنجز حتى تجتاز أزمتها الحالية ، وتصل إلى التمكين الذي وعد الله به المؤمنين.. أردت بمحاولاتي تلك الرد على تساؤلات الشباب المتطلع إلى تحقيق الإسلام في عالم الواقع: لماذا طالت المسيرة؟ لماذا تأخر التمكين؟ ما منهج الدعوة؟ ما الطريق الصحيح؟ ".

ولنقفز سريعاً إلي الربع الأخير من هذا الكتاب ، فقد عرض فيه قطب الحل الأمثل لمواجهة الواقع المعاصر – من وجهة نظره - ، والمنهج الأصلح لتحقيق التمكين والوصول إلى الحكم ، وهو عن طريق " بناء قاعدة إسلامية صلبة " تكون النواة الرئيسة الأولى للمواجهة مع " السلطة الجاهلية القائمة " ، والسند الفعلي الداخلي لأبناء الحركة أمام مخططات أعداء الإسلام ، وأعداء الحكم الإسلامي.

يطرح قطب سؤالاً ثم يجيب عليه ، يقول كيف يمكن إذن بناء " القاعدة الإسلامية "؟ :-

يجيب قائلاً : " لا بد من ارتياد الطريق الطويل ، المجهد الشاق المستنفد للطاقة ، وهو طريق التربية ، التربية من أجل إنشاء (القاعدة الإسلامية) الواعية المجاهدة التي تسند الحكم الإسلامي حين يقوم ، وتظل تسنده لكي يستمر في الوجود بعد أن يقوم ، فهل يمكن أن يقوم حكم الحركة الإسلامية قبل أن توجد القاعدة المؤمنة التي تواجه النتائج المترتبة على إعلان الحكم الإسلامي ، وأولاها تحرش الصليبية الصهيونية كما حدث في أفغانستان والسودان؟!.. إن حكم الحركات والأحزاب العلمانية والشيوعية داخل بلاد المسلمين تجد سندها من القوى الغربية ، وتدعمها أمريكا وروسيا ، ولذلك تصل بسهولة للحكم ، أما الحكم الإسلامي فإنه لن يواجه من القوى الغربية إلا العداء، ولن يجد سنده الحقيقي إلا من الداخل ، من القاعدة الإسلامية الصلبة المجاهدة! ".

وعلى خلاف ما قرروه في تجربة 65 ، فإن محمد قطب بعدما هدأت العاصفة ، وانقشع غبار التجربة ، نجده هنا يحذر من التعجل في قطف الثمرة والوصول السريع للنتائج ، أو تحديد مدي زمني يتحقق فيه الأمل ، فيقول أن أي استعجال في التحرك من أجل التمكين، أو الصدام مع السلطة قبل تكوين القاعدة المسلمة المجاهدة يعد " عملية انتحارية لا طائل من ورائها ، إلا إعطاء الطغاة حجة لتقتيل المسلمين وتذبيحهم ، والناس غافلون عن حقيقة المعركة وكون هؤلاء الطغاة إنما يعملون ما يعملون عداء للإسلام ذاته ، وولاء للصليبية الصهيونية التي تحارب الإسلام في كل الأرض " ، ثم يقول " أما الذين يسألون إلى متى نظل أن نربي دون أن نعمل؟ فنقول لا نستطيع أن نعطيهم موعدا محددا ، فنقول لهم عشر سنوات من الآن أو عشرين سنة ، فهذا رجم بالغيب ، إنما نستطيع أن نقول لهم : نظل نربي حتى تتكون القاعدة المطلوبة بالحجم المعقول ".

بعد هذه النقول يتضح لنا أن الانطلاق من قاعدة " حكام المسلمين إنما يعملون ما يعملون عداء للإسلام ذاته ، وولاء للصليبية الصهيونية التي تحارب الإسلام في كل الأرض " لن يؤدي إلا إلي تكفيرهم بالجملة ، والذي تطور بعد ذلك إلي تكفير من يحكمونهم لرضاهم عنهم ، ثم اعتبار هذه الديار ديار كفر ، وهذه المسألة أحد نقاط الخلاف الجوهرية بين الدعوة السلفية وبين تيارين كبيرين متعارضين ؛ الأول هو التيار القطبي وكما رأينا فإنه يقف على أعلى درجات السلم تطرفاً ، رغم أننا لا يمكننا  - على الأقل -  تعميم فكرة " العمالة للغرب " على كل الحكام ، ولو عممناها فلا يمكن اعتبار كل صور العمالة " ردة عن الدين " ، و" حرباً على الإسلام وأهله " ، فضلاً عن النتائج التي رتبوها على ذلك وهي أكثر غلوا وتطرفاً.

وعلى الجانب الآخر ، يقف أيضاً فريق من الناس على أعلى درجات السلم تهاوناً ، فيعتبرون حكام اليوم –  ومعظمهم  متلبسون بأنواع كثيرة من الظلم والجهل والفساد – إلا أنهم يعتبرونهم ولاة أمور شرعيين ويوجبون على الجميع طاعتهم في كل شيء ، ويعتبرون أن مجرد نقدهم أو نصيحتهم في العلن تعد خروجاً عليهم وتهييج العامة على حكمهم ، والتوسط في جميع الأمور خير وعدل كما أوضحنا قبل ذلك.

4.   فروق بين محمد وسيد :-

كما قدمنا من قبل فإن المهمة الأساسية التي حملها " محمد " على عاتقه هي صياغة أفكار سيد في مشروع تربوي حركي مفصل قابل للتطبيق العملي ، إلا أن هناك ثمة خلافات وفروق بين كل من منهج سيد – الذي ربما وافته المنية قبل أن يكتمل – وبين منهج محمد – الذي طالت به الحياة ليستكمل ملامح مشروعه – منها تأكيده الدائم على ضرورة الانخراط في " المجتمع الجاهلي" من أجل التأثير فيه ، فهو وإن كان يتفق مع سيد حول فكرة " الحاكمية " و" جاهلية المجتمعات "، فإنه يختلف معه في فكرة " المفاصلة والعزلة "، إذ يقرر أن الوصول إلى إقامة " المجتمع الإسلامي المنشود " يكون عبر عملية تربوية طويلة من خلال بناء " قاعدة صلبة " تتغلغل داخل " المجتمع الجاهلي " حتى يتغير وتجد الحركة لها ثقلا جماهيريا قويا بين الشرائح كافة ، وكذلك يفترق معه في مسألة تقسيم المجتمعات الإسلامية ، حيث أضاف محمد قطب قسماً ثالثاً لم يكن مذكوراً في كتابات سيد.

5.   محمد قطب يقسم المجتمع إلي ثلاثة أقسام بخلاف سيد :-

يقوم فكر سيد قطب على تقسيم المجتمعات إلى نوعين كما ذكر ذلك في عدد من كتبه ، " مجتمع إسلامي ، ومجتمع جاهلي " ، وقد وضع تعريفاً لكل مصطلح منهما فقال في كتاب " معالم في الطريق " :-

" المجتمع الإسلامي هو المجتمع الذي يطبق فيه الإسلام عقيدة وعبادة ، وشريعة ونظاما ، وخلقا، وسلوكا ، أما المجتمع الجاهلي ، فهو الذي لا يطبق فيه الإسلام ولا تحكمه عقيدته ولا تصوراته وقيمه وموازينه ، ونظامه وشرائعه ".

ويوضح الأمر أكثر ، ويدفع الاعتراض القائل بأن هؤلاء مسلمون ويقيمون الشعائر الإسلامية فيقول :-

" المجتمع الإسلامي ليس هو الذي يضم أناسا يسمون أنفسهم مسلمين  بينما شريعة الإسلام ليست هي قانون البلد ، وإن صلى وصام وحج البيت الحرام ،  فليس هذا هو المجتمع الإسلامي الذي يبتدع لنفسه إسلاما من عنده ، ويسميه (الإسلام المتطور)". ثم يقول موضحاً طبيعة المجتمع الجاهلي : " لا يشترط بالضرورة أن يكون أهله ينكرون وجود الله ، فالمجتمع الجاهلي هو الذي يبيح للناس أن يتعبدوا في المساجد ، ولكن يحرم عليهم أن يطالبوا بتحكيم الشريعة في حياتهم".

وقد انتهي من خلال المقدمات السابقة إلي نتيجة مفجعة سطرها في كتابه " في ظلال القرآن " فقال :-

" إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ، ولا مجتمع مسلم ، قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله، والفقه الإسلامي " ، ويقول أيضاً : " فلقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين ، فارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان ، البشرية بجملتها بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات (لا إله إلا الله) بلا مدلول ولا واقع ،  وهؤلاء أثقل إثما وأشد عذابا يوم القيامة ؛ لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد من بعد ما تبين لهم الهدى، ومن بعد أن كانوا في دين الله ".

هذا هو منهج سيد قطب بوضوح تام وبجلاء شديد ، لا يحتمل تأويلاً ولا يكتنفه غموض ، ثم أتي من بعده أخيه محمد قطب ، ليؤكد على نفس هذه المفاهيم وليضيف إليها أيضاً إضافة أخري من صنعه ومن إنتاج قلمه ، يقول في كتاب " جاهلية القرن العشرين " :-

"  البشرية جمعاء تعيش في جاهلية شاملة : فالطاغوت الحاكم في الأرض وصل لحد حاسم ، وانقلب الخير حسيرا لا يملك أمرا في ظل الطاغوت ، وقد اقتربت تدخلات الإرادة الإلهية الحاسمة ، فالناس يختارون لأنفسهم إما التدمير الشامل إن ظلوا فيما هم فيه من شرود عن منهج الحق، وإما الهدي إلى دين الله.. فلا بد من إفراد الحاكمية لله ". ويقول أيضاً : " تلك الجاهليات التي تقول إنها تعرف الله ، وتظن أنها تؤدي العبادة الحقة لله.. كل هذه الجاهليات تجادل في الأمر وتظن أنها على حق ، لكن كيف يعقل ، وكيف يعبدون الله – في زعمهم – وهم يأخذون نظام حياتهم من غير الله ".

وبعبارات شبيهة بعبارات أخيه ولكنها أكثر تعبيراً عن المقصود فيقول عن المجتمعات الإسلامية أنها :-

" أدركتها بالتدريج جهالة الجاهلية ، ففصلت العقيدة عن الشريعة ، وأخذت الدين عقيدة مستسرة في القلب منقطعة عن الواقع ، بينما الواقع يحكمه منهج الله ، لكن اليوم لم يعد دين الله هو المحكم في واقع الأمة الإسلامية ومن ثم لم تعد أمة مسلمة ، حتى وإن كانت لا تزال تتسمى بأبناء المسلمين وتصلي أحيانا وتصوم "! ثم يردف قائلاً : " قد انحلت أخلاقها ، فلم تعد تصدق ، ولا تخلص ، ولا تستقيم في المعاملة ، ولا تقوم بينها روابط الإنسان ، ثم زادت فانزلقت في تيار الجنس الجارف ، وفي مصائد اليهود ، وبذلك خرجت عن كل الإسلام ".

ونأتي في ختام هذه القضية إلي الطرح الخاص به والذي اختلف به عن طرح أخيه سيد ، يقول محمد في كتابه " واقعنا المعاصر" في فصل بعنوان " قضية الحكم على الناس" :-

" أولئك الناس الذين لم ينضموا إلى صفوف الحركة ، ويصبحوا من أفراد القاعدة الصلبة التي تتلقى الإعداد والتربية : " هل نحكم عليهم بأنهم مسلمون أم كفار؟ ".

وكان الجواب كما يلي :-

" حول هذه القضية ذهب أناس حد التطرف من الجهتين ، بين من يقول إن الأصل في الناس الإسلام ما داموا يقولون لا إله إلا الله ، وبين من يقول بأن الأصل في الناس الكفر ما لم يثبت العكس ، وكلا الفريقين متطرفان ، فالأولون يحكمون على الناس بالنية وحدها دون العمل ، والآخرون يحكمون على العمل وحده بصرف النظر عن النية ".

ثم قال : " إن الجواب الذي يحسم هذه القضية حسما كاملا ، هو أن من وصلته دعوة الحركة الإسلامية فأبى وأصر – بعد البيان والتعليم – فهو الكافر بلا شبهة ، وأما من أجاب الدعوة فهو المسلم بلا شبهة " ، ثم تكلم عن طبقة ثالثة سماها الطبقة المتميعة ، وقد تقدم الكلام عن هذه الأقسام في المقال السابق.

6.   وقفة سريعة مع مؤلفات محمد قطب :-

كان محمد قطب من المكثرين في الكتابة وقد بلغت كتبه نحو 36 كتاب ورسالة ، وقد قال في الإجابة عن سؤال حول كتبه :-

" من المعتاد أن يقول المؤلف أن كتبه كلها أبناؤه ، وكلهم عزيز عليه ، وأنا أيضاً أقول هذا ، ومع ذلك فقد يكون (الإنسان بين المادية والإسلام) وهو باكورة كتبي ، وأحبها إلي ، فضلاً عن كونه الابن البكر فهو يشتمل على الخطوط الرئيسية التي انبعثت منها عدة كتب تالية في مجال التربية وعلم النفس ، كما أن كتاب (جاهلية القرن العشرين) له موضع خاص في نفسي كذلك ، ولعل السبب أنه يمثل رؤيتي لحقيقة الجاهلية ، وأنها ليست محدودة بفترة معينة من الزمن ، وإنما هي حالة يمكن أن توجد في أي زمان ومكان ، وأن البشرية تعيش اليوم أعتى جاهلية عرفتها ، كذلك كتاب (دراسات قرآنية) فإنه يحكي قصة حياتي مع القرآن منذ الطفولة حتى النضج ، وأخشى أن يستدرجني السؤال إلى أن أوثر كل واحد من كتبي على إخوته ، فيضيع معنى السؤال.

أما من حيث الأهمية في تقديري فقد أقدم (الإنسان بين المادية والإسلام) و(منهج التربية الإسلامية) و(التطور والثبات في حياة البشرية) و(جاهلية القرن العشرين) وأخيراً كتاب (المذاهب الفكرية المعاصرة ) ".

ويمكن تقسيم الفترة الزمنية التي ألف قطب فيها كتبه إلي ثلاث مراحل كما يلي :-

المرحلة الأولي : قبل دخوله السجن من عام (1951 - 1965) :-

وهي الفترة التي بدأها أديباً إسلامياً ثم أصبح بعد ذلك منظراً لتنظيم 65، حيث كانت كتبه ورسائله تُدرس لأعضاء التنظيم خارج السجن وداخله ، ومن أهم كتب هذه الفترة : الإنسان بين المادية والإسلام (1951) - قبسات من الرسول (1957) - هل نحن مسلمون؟ (1959) - جاهلية القرن العشرين (1965) - شبهات حول الإسلام - في النفس والمجتمع - معركة التقاليد - منهج التربية الإسلامية (الجزء الأول) - منهج الفن الإسلامي - التطور والثبات في حياة البشرية - دراسات في النفس الإنسانية.

المرحلة الثانية : فترة بقاؤه في السجن من عام (1966 - 1971) :-

في هذه الفترة انقطع قطب عن التأليف والكتابة ، ولم يؤثر عنه أنه كتب شيئاً في أثناء وجوده بالسجن ولمدة أربع سنوات بعد خروجه أيضاً.

المرحلة الثالثة : باقي حياته التي قضاها في السعودية من عام (1971 - 2014) :-

وهي الفترة الأكثر ثراءً في حياته والتي كتب فيها معظم كتاباته ، ومن أهم كتب هذه الفترة : دراسات قرآنية - منهج التربية الإسلامية (الجزء الثاني) - كيف نكتب التاريخ الإسلامي؟ - مفاهيم ينبغي أن تصحح - المستشرقون والإسلاممغالطات - دروس من محنة البوسنة والهرسك - الجهاد الأفغاني ودلالاته - رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر - واقعنا المعاصر - لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهج حياة - حول تطبيق الشريعة - كيف ندعو الناس؟ - العلمانيون والإسلام - لا يأتون بمثله! - حول التفسير الإسلامي للتاريخ.

4)  المودودي والقطبية ... معاً على الطريق :-

ذكرنا قبل ذلك أن المعين الذي استقي منه سيد قطب أفكاره هي كتب أبي الأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان ، وقد كتب عدة كتب تأصيلية وضع فيها خلاصة أفكاره عن الحاكمية ، وعن المجتمعات الجاهلية ، وعن الصراع مع السلطات ، وعن استخدام العنف وغير ذلك من الأفكار المتطرفة التي قام سيد بنقلها هو وأخيه في عامة كتبهم .

يقول المودودي في كتابه " المصطلحات الأربعة في القرآن : الإله والرب والدين والعبادة " عن فكرة العزلة والمفاصلة :-

" لا بد من وجود جماعة صادقة في دعوتها إلى الله ، جماعة تقطع كل صلاتها بكل شيء سوى الله وطريقه ، جماعة تتحمل السجن والتعذيب والمصادرة ، وتلفيق الاتهامات ، وحياكة الأكاذيب ، وتقوى على الجوع والبطش والحرمان والتشريد ، وربما القتل والإعدام ، جماعة تبذل الأرواح رخيصة ، وتتنازل عن الأموال بالرضا والخيار".

وعن منهج مصادمة الحكومات وإمكانية استخدام القوة يقول :-

" الإسلام يضاد ويعارض الممالك القائمة على المبادئ المناقضة للإسلام ، ويريد قطع دابرها ، ولا يتحرج في استخدام القوة الحربية لذلك ، وهو لا يريد بهذه الحملة أن يكره من يخالفه في الفكرة على ترك عقيدته ، والإيمان بمبادئ الإسلام ، إنما يريد أن ينتزع زمام الأمر ممن يؤمنون بالمبادئ والنظم الباطلة ، حتى يستتب الأمر لحملة لواء الحق، وعليه فإن الإسلام ليس له – من هذه الوجهة – دار محدودة بالحدود الجغرافية يذود ويدافع عنها ، وإنما يملك مبادئ وأصولا يذب عنها ، ويستميت في الدفاع عنها، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ".

وحتى لا نطيل النقل ، فمعظم أفكار سيد قطب التي ذكرها في الظلال وفي المعالم موجودة تقريباً في كتابات المودودي التي قرأها سيد في بداية انضمامه للدعوة الإسلامية ، بالإضافة إلي التواصل الذي كان قائما بين المودودي وقطب عبر كتابات أو مقابلات أو وسطاء ، وقد اعترف سيد أمام المحكمة أن كتاباته وكتابات المودودي تخرج من مشكاة واحدة ، والله المستعان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة