السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

(كان و أصبح.. (الغفلة و النسيان

ضعف إيمانه جفت عيونه الباكيات ، سريع الانفعال ضيق الصدر كثير اللوم و السخط على حاله دنيويا وحشة بينه وبين ربه و وحشة بينه و بين الخلق لا يريد أن يرى أحد و النصيحة أثقل عليه من جبل أحد

(كان و أصبح.. (الغفلة و النسيان
محمود الشرقاوي
الأحد ٢١ ديسمبر ٢٠١٤ - ١٣:٢٧ م
1425

كان و أصبح

(الغفلة و النسيان)

كتبه/ محمود الشرقاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

كان يقوم الليل ويصوم النوافل ويحافظ على صلاة الضحى ونوافل الصلاة المؤكدة وغير المؤكدة ، طالب للعلم مواظب على سماعه والقراءة في كتب العلم ،حريص على صلاة الفجر في جماعة و الجلوس للشروق و قراءة وحفظ القرآن و أذكار الصباح والمساء ،ومهتم بإتباع الجنائز والصلاة عليها و زيارة المقابر وبر الوالدين وصلة الرحم، حريص على الصدقة وكثرة الاستغفار والصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم والتسبيح والتحميد والتهليل ،متفكر في ألاء الله ،حريص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متجنب لمجالس اللغو و الغيبة و النميمة و بعيد عن مواطن الشبهات غاض لبصره عفيف عن شهوة البطن والفرج...الخ

وبالتالي أسعد الخلق وأرض الناس لين الجانب بشوش يمتلك سعادة تملأ مابين السماء و الأرض صابر شاكر مُخبت أواب أواه إذا قرأ القرآن بكى وإن صلى انهمرت عيونه وإن دعى حَري أن يٌستجاب له يصدق فيه قول ابن عباس : إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسعة في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق (الداء و الدواء لابن القيم ) هذا داعية بفعله قبل قوله لو رآه أولاده و زوجته و أهله وجيرانه وإن لم يفعلوا فعله علموا أثر الطاعة ، به يحفظ البلاد و العباد قَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: إِنَّ اللَّهَ لَيَحْفَظُ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَالدُّوَيْرَاتِ الَّتِي حَوْلَهُ فَمَا يَزَالُونَ فِي حِفْظٍ مِنَ اللَّهِ وَسِتْرٍ.( جامع العلوم والحكم)

ولكن طال عليه الأمد أصيب بالغفلة و النسيان 

أصبح متكاسل عن الصلاة، هاجر للقرآن مفرط في النوافل استثقل صيام النهار ترك قيام الليل لم تتحرك شفتاه بالذكر ولا أذكار الصباح و المساء يرى المنكر فيسكت بل يستمع أحيانا للأفلام والموسيقي والأنغام مغرم لمشاهدة الكرة و المباريات و انشغل عن  العلم والطاعات ويتحجج بحجج أوهي من خيط العنكبوت يجلس أمام شاشات النت بالساعات يلمز المطوعين و يعيب المشايخ ، يرى و يشاهد المواقع الإباحية ......... الخ   

وبالتالي : ضعف إيمانه جفت عيونه الباكيات ، سريع الانفعال ضيق الصدر كثير اللوم و السخط على حاله دنيويا وحشة بينه وبين ربه و وحشة بينه و بين الخلق لا يريد أن يرى أحد و النصيحة أثقل عليه من جبل أحد

يصدق فيه قول ابن عباس : وإنّ للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغِضةً في قلوب الخلق (الداء و الدواء لابن القيم )

احذر النسيان:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ )قال السعدي : وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة.

والحرمان كل الحرمان، أن يغفل العبد عن هذا الأمر، ويشابه قوما نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه، وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها، فلم ينجحوا، ولم يحصلوا على طائل، بل أنساهم الله مصالح أنفسهم، وأغفلهم عن منافعها وفوائدها، فصار أمرهم فرطا، فرجعوا بخسارة الدارين، وغبنوا غبنا، لا يمكنهم تداركه، ولا يجبر كسره، لأنهم هم الفاسقون، الذين خرجوا عن طاعة ربهم و أوضعوا في معاصيه، فهل يستوي من حافظ على تقوى الله ونظر لما قدم لغده، فاستحق جنات النعيم، والعيش السليم - مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين - ومن غفل عن ذكر الله، ونسي حقوقه، فشقي في الدنيا، واستحق العذاب في الآخرة، فالأولون هم الفائزون، والآخرون هم الخاسرون.

احذر الغفلة : تغلق على العبد أبواب الخير و تُولد الحسرة

 قال الله تعالى: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرْضَ وَمَنْ عليهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُون) قال السعدي: وأي حسرة أعظم من فوات رضا الله وجنته، واستحقاق سخطه والنار، على وجه لا يتمكن من الرجوع، ليستأنف العمل، ولا سبيل له إلى تغيير حاله بالعود إلى الدنيا؟! فهذا قدامهم، والحال أنهم في الدنيا في  غفلة عن هذا الأمر العظيم لا يخطر بقلوبهم، ولو خطر فعلى سبيل الغفلة، قد عمتهم الغفلة، وشملتهم السكرة، فهم لا يؤمنون بالله، ولا يتبعون رسله، قد ألهتهم دنياهم، وحالت بينهم وبين الإيمان شهواتهم المنقضية الفانية.

فالدنيا وما فيها، من أولها إلى آخرها، ستذهب عن أهلها، ويذهبون عنها، وسيرث الله الأرض ومن عليها، ويرجعهم إليه، فيجازيهم بما عملوا فيها، وما خسروا فيها أو ربحوا، فمن فعل خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا  يَلُومَنَّ  إلا نفسه.

 قال الله تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) قال ابن كثير رحمه الله: هَذَا تَنْبِيهٌ مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى اقْتِرَابِ السَّاعَةِ وَدُنُوِّهَا، وَأَنَّ النَّاسَ فِي غَفْلَةٍ عَنْهَا، أَيْ: لَا يَعْمَلُونَ لَهَا، وَلَا يَسْتَعِدُّونَ مِنْ أَجْلِهَا.

و قال السعدي:أي هذا تعجب من حالة الناس، وأنه لا ينجع فيهم تذكير، ولا يرعون إلى نذير، وأنهم قد قرب حسابهم، ومجازاتهم على أعمالهم الصالحة والطالحة، والحال أنهم (فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) أي: غفلة عما خلقوا له، وإعراض عما زجروا به . كأنهم للدنيا خلقوا، وللتمتع بها ولدوا، وأن الله تعالى لا يزال يجدد لهم التذكير والوعظ، ولا يزالون في غفلتهم وإعراضهم، ولهذا قال: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} يذكرهم ما ينفعهم ويحثهم عليه، وما يضرهم ويرهبهم منه {إِلا اسْتَمَعُوهُ} سماعا، تقوم عليهم به الحجة، {وَهُمْ يَلْعَبُونَ. لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} أي: قلوبهم غافلة معرضة لاهية بمطالبها الدنيوية، وأبدانهم لاعبة، قد اشتغلوا بتناول الشهوات والعمل بالباطل، والأقوال الردية ، مع أن الذي ينبغي لهم أن يكونوا بغير هذه الصفة، تقبل قلوبهم على أمر الله ونهيه، و تستمع استماعا، تفقه المراد منه، وتسعى جوارحهم، في عبادة ربهم، التي خلقوا لأجلها، ويجعلون القيامة والحساب والجزاء منهم على بال، فبذلك يتم لهم أمرهم، وتستقيم أحوالهم، وتزكوا أعمالهم.

أخي  :  كم من ميت الآن وهم بعدُ في قبورهم يندمون و على ما فرَّطوا يتحسرون و لئن سألتهم ليقولون (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعلى أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) ، فعن عائشة «ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها إلا حسر عليها يوم القيامة» . (حسن :الصحيحة 2197)  وعن معاذ. «ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها»  (أقرب للضعف صحيح الجامع : 5446)

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل) (حسن الصحيحة : 1272) أي من عاش في البادية أصابه الجفاء لبعده عن العلم و أهل العلم ومن اتبع الصيد غفل لأن قلبه يشتغل به، ويستولي عليه، حتى يصير فيه غفلة، وربما يغفل عن الجمعة والجماعة، فضلا عن العلم و الطاعات فكيف بمن ترك صفوف الدعوة وأنشغل عن العلم و الطاعة بالدنيا و المُباحات فضلا عمن انشغل عن ذلك باقتراف المحرمات .

فلنبدأ من جديد ( إنَّ الله تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها ) رواه مسلم .

وَقَالَ على بْنُ الْحُسَيْنِ: " كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ حُسَيْنِ بْنِ على رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا: عَلِمْتَ فَاعْمَلْ "

فهدانا الله، وثبتنا على سواء الصراط.

 

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً