الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

هو أفصح مني لسانا

هناك نوع من البشر انتكست فطرتهم ودخل إلى قلوبهم الداء العضال وظن عجزا أنه يستطيع القيام بالأعمال منفردا ويرى النقص الشديد في غيره

هو أفصح مني لسانا
إيهاب شاهين
الأحد ٢١ ديسمبر ٢٠١٤ - ١٣:٤٤ م
2228

هو أفصح مني لسانا

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لا يوجد كمال في البشر، وكل ناقص ينفر عن نقصه ويسعي إلى كماله وهذا في حد ذاته يقودنا إلى القول بوجود مدبر كامل خالق عليم خلق البشر بصفات يختلف كل واحد منهم عن غيره فيها ويري البعض في غيرهم كمالا يحبون أن يكملوا به النقص عند أنفسهم وهذه طبيعة بشرية وفطرة بدهية،  فلا يمكن لأحد أن يجمع كل الصفات ويقوم بجميع الأعمال فالبشر يكمل بعضهم بعضا، فالقدرات متفاوتة والأفهام كذلك والإدراك العقلي يختلف بين الأقارب والأباعد ، فتجد البيت الواحد يخرج منه عالم وآخر جاهل وبيت يخرج منه قويم وآخر معوج والمجتمع بأسره كذلك ، ولذلك نبهنا الله عز وجل على هذا الأمر بقوله "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" ، وجاء الأمر من الله تبارك وتعالى بقوله وتعاونوا على البر والتقوى ، فهناك من الأعمال ما لا يطيق المرء القيام بها وحده ، فيحتاج من إخوانه من يكمل النقص الذي عنده وبذلك تتكامل الأعمال وتتسع وتنمو ، لكن هناك نوع من البشر انتكست فطرتهم ودخل إلى قلوبهم الداء العضال وظن عجزا أنه يستطيع القيام بالأعمال منفردا ويرى النقص الشديد في غيره ، خاصة عند دخول أمر الدنيا والهوى فتعمي العين عن رؤية مزايا الآخرين ، ويرى الفضل والكمال في نفسه فقط ، وهذا داء إبليسي خطير ومزلة أقدام إذا وصل إلى شخص كان هذا إيذان بهلكته إلا أن يشاء الله، وإذا دب في الأمم أدي إلى سقوطها، بسببه تنشأ الحروب والصراعات والتنافس على الدنيا والشهرة والظهور ، يطعن الرجل في أخيه ولا يري له فضلا ويظن أن الدنيا ستنصلح إذا غاب أخاه أو مات ، ولا يعرف هذا المسكين أن هذا داء إبليس اللعين ، حينما فضل الله عليه آدم عليه السلام وأمره بالسجود له مع الملائكة الكرام ، ظهر المرض الدفين في قلبه ، على لسانه ، وظهر العجب بنفسه والنقيصة من غيره فعمي عن فضائل آدم  عليه السلام ولم يذكر له مزية ، فقال بقلبه ولسانه "أنا خير منه " هذه الكلمة التي جعلته يتكبر عن قبول الحق والنصح لأنه لا يري له مزية بل يري فيه كل رزية ، إلى أن وصل به الحال إلى التكبر على أمر الله فرد الأمر على ربه وناصب العداء لآدم طيلة عمره ، وهذا نتاج هذه النظرة الخبيثة النظر إلى النفس بعين الكمال والإكبار والنظر إلى الآخرين بعين النقص والاستحقار والسخرية ،وإذا دب هذا الداء في المجتمعات والاجتماعات ذهبت به كل مزية وحطت به كل رزية وامتلأت القلوب بالحقد والحسد وترتب عليه موبقات منها:
1- التقليل من قدرات الآخرين عند ذكرهم .

2- عدم التعاون معهم في أمر دين أو دنيا .

3- محاولة إقصائهم واتهامهم بما ليس فيهم .

4- إثارة البلابل من حولهم لكي يأتي بشريك معه في النظرة إليهم .

ويؤدي هذا الأمر إلى نتائج سيئة سلبية منها:

1- ضعف العمل في هذا المكان .

2- نشوء حالة من الاضطراب بين العاملين .

3- الانشغال بالنفس وترك العمل .

4- عدم بروز كفاءات في المجالات المختلفة لوجود من يعمل على إماتتها .

5- سوء الظن .

6- الغيبة والنميمة .

7- تمني زوال النعمة من أخيه .

فهذا داء إبليسي خطير يحتاج إلى وقفات ومراجعات ، نحتاج إلى مراجعة خلق الأنبياء والصالحين والبعد عن خلق الأبالسة والشياطين .

"الاعتراف بمزايا الآخرين من مزايا الأنبياء وإنكارها من مزايا الشيطان"

خُلق الأنبياء والصالحين معرفة قدر النفس وإبراز مزايا الآخرين ،فهذا نبي الله موسي عليه السلام يقول عن أخيه هارون عليه السلام " هو أفصح مني لسانا " كلمة افتقدناها في مجتمعاتنا الصغيرة والكبيرة ، افتقدنا من يدل على ميزة غيره ، افتقدنا من يقول أخي أفصح مني في هذا المجال يجب أن يدفع به ، المجتمعات لا تقوم إلا بالتكامل بين أفرادها واستخراج الطاقات الكامنة  داخل أفراد هذا المجتمع ، المر جد خطير يحتاج إلى أخ  قائد يستخرج الطاقات ويوظفها في مكانها المناسب يحتاج إلى جنود يبذلون حيث يكونون كل حسب قدرته وطاقته دون أن يحقر أحد أحدا، كل منا يقف على ثغر يحتاج إلى تجويد ، نحتاج إلى إشاعة جو الألفة والمحبة والأخوة ،لا أريد أن أبالغ وأقول افتقدنا كلمة "أنا" أقصد أخي ، لما فقدت معاني الأخوة ضاعت معاني المحبة وهذه متلازمة. يقول الرافعي رحمه الله لا يصحّ الحب بين اثنينْ إلا إذا أمكن لأحدهما أن يقول للآخر يا أنا.الانشغال بالنفس وعيوبها ، والأعمال المنوطة بنا ومدى التقصير فيها ، هذا يساعدنا على النهوض والسعي إلى الكمال الحقيقي بالعمل الصالح والسلوك المستقيم .

يقول ابن القيم رحمه الله شهود العبد ذنوبه وخطاياه موجب له أن لا يرى لنفسه 
على احد فضلا ولا له على احد حقا فإنه يشهد عيوب نفسه وذنوبه فلا يظن انه خير من مسلم يؤمن بالله ورسوله ويحرم ما حرم الله ورسوله وإذا شهد ذلك من نفسه لم يرى لها على الناس حقوقا من الكرم يتقاضاهم إياها ويذمهم على ترك القيام بها فإنها عنده أخس قدرا واقل قيمة من أن يكون له بها على عباد الله حقوق يجب عليهم مراعاتها أو له عليهم فضل يستحق أن يكرم ويعظم ويقدم لأجلها فيرى أن من سلم عليه أو لقيه بوجه منبسط فقد أحسن إليه وبذل له مالا يستحقه فاستراح هذا في نفسه وأراح الناس من شكايته وغضبه على الوجود وأهله فما أطيب عيشه وما انعم باله وما أقر عينه وأين هذا ممن لا يزال عاتبا على الخلق شاكيا ترك قيامهم بحقه ساخطا عليهم وهم عليه أسخط . فهلم إلى خطة رشيدة ننبذ بها خلق الشيطان ونعود بها إلى خلق الأنبياء والصالحين . والحمد لله رب العالمين .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة