الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواقف حزب النور.. وقائع وكواليس (8) الإخوان من إدارتهم للدولة إلى إدارة أزمتهم كجماعة ضد الدولة

انتقل الإخوان بعد يوم (٢ / ٧) وتحديدا بعد وضع د. مرسي في الإقامة الجبرية انتقلوا من إدارة الدولة والتعامل مع أزماتها إلى إدارة أزمتهم مع الدولة

مواقف حزب النور.. وقائع وكواليس (8) الإخوان من إدارتهم للدولة إلى إدارة أزمتهم كجماعة ضد الدولة
محمد إبراهيم منصور
الأربعاء ٢٤ ديسمبر ٢٠١٤ - ١٢:٥٩ م
2257

مواقف حزب النور.. وقائع وكواليس (8)
الإخوان من إدارتهم للدولة إلى إدارة أزمتهم كجماعة ضد الدولة


كتبه/ محمد إبراهيم منصور

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

انتقل الإخوان بعد يوم (٢ / ٧) وتحديدا بعد وضع د. مرسي في الإقامة الجبرية انتقلوا من إدارة الدولة والتعامل مع أزماتها إلى إدارة أزمتهم مع الدولة.

ولكي نتبين معالم إدارة جماعة الإخوان لأزمتهم مع الدولة لا بد أن نقف أولًا مع أمور:

1- إن الفشل الإداري الذريع، وخطاب العنف والتكفير، وما تم رصده من تجاوزات ممن ينتمون إلى التيار الإسلامي كفيلة لأن تستخدم كذريعة لاستئصال التيار الإسلامي كله والقضاء على جميع مكتسباته سواء كانت دستورية أو مجتمعية في أرض الواقع، وإن التيار الإسلامي لو أنه تخندق جميعه مع خندق الإخوان خاصة مع عنادهم وعدم استجابتهم لنصح الناصحين وجمعهم لأصحاب الانحرافات الفكرية والسلوكية حولهم للاستقواء بهم- فلو اجتمع الجميع في هذا الخندق لخسر الجميع كل شيء؛ لأن هذا سيتخذ ذريعة لإلصاق التهم بجميع الإسلاميين، بل وللتشكيك في المشروع الإسلامي نفسه، وفي الشريعة نفسها؛ لأنه سيقول القائل: "حكمتم سنة فجوعتم الشعب وقسمتموه ثم كفرتموه وقاتلتموه، كل هذا باسم الإسلام والشريعة والمشروع الإسلامي فتبًّا لكم جميعًا ولما تحملون من منهج ومشروع"، ومع ضخامة الآلة الإعلامية المتربصة بكل ما هو إسلامي سيروج الأمر وتصعب كثيرًا مدافعته خاصة أنه يستند إلى دلائل واقعية وأخطاء فادحة وقع فيها الإسلاميون.

٢- إن تقسيم المجتمع إلى إسلاميين يتخندقون في خندق خاص بهم وغير إسلاميين في خندق آخر؛ ليحشد كل فريق حشوده ويجمع أتباعه وأشياعه مع وجود المتهورين من الشباب المتحمس في الخندق الإسلامي وفي المقابل ينضم البلطجية إلى الخندق الآخر - هذا التقسيم بهذه الصورة لو أن جميع الإسلاميين وقعوا في فخه وانجرفوا فيه لقاد هذا إلى حرب أهلية لا محالة ليفني الفريقان بعضهم بعضًا بمباركة من القوى الدولية التي تنتظر هذا اليوم منذ سنوات طويلة لتعيد تقسيم الشرق الأوسط بما يضمن الهيمنة الإسرائيلية على الشرق الأوسط بأكمله من جهة الوسط والغرب، والهيمنة الفارسية المؤقتة من جهة الشرق؛ ليعاد تقسيم المنطقة من جديد.

٣- لا بد أن نقر أيضًا أن الإخوان بعنادهم المتواصل أضاعوا فرصًا ذهبية كان من شأنها أن تجنبهم هذه النهاية المروعة.

٤- كما ينبغي ألا يتجاهل الإخوان الواقع الجديد وهو أنهم تحولوا من موقع إدارة الدولة وإدارة أزماتها إلى موقع إدارة أزماتهم كجماعة مع الدولة بعد يوم ٢/٧ ، وهو اليوم الذي وُضع فيه د. مرسي تحت الإقامة الجبرية؛ لأنه لا يمكن أن يتخيل عاقل عنده أدنى دراية بطبيعة مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش والشرطة خاصة في مثل هذه الظروف وبعد اتخاذها قرارًا كهذا وبدعم شعبي ثم تتراجع؛ وذلك لأن ثمن تراجعها باهظ جدًّا بالنسبة للمجتمع ككل، وبالنسبة لتلك المؤسسات نفسها بل وللدولة بكاملها.

ولذلك فإن مواجهتها لكي تتراجع عنه ستقود حتمًا إلى أحد احتمالات ثلاثة:

أ - إما هدم مؤسسات الدولة لإجبارها على التراجع، وهذا لا يمكن حدوثه إلا بالاستعانة بأعداء الأمة المتربصين بها ليحقق لأعداء مصر ما يريدون من هدمها دون تعب أو عناء.

ب - وإما أن يكون الأمر سجالا بينهما حتى تنهار الدولة في النهاية.

جـ - وإما أن يفشل هذا الطرف ويتم استئصاله.

ولذلك نقول إنه ما كان ينبغي لجماعة الإخوان أن تستمر في عنادها بعد ٣/٧ ، بل كان ينبغي أن تبحث عن مخرج بأقل الخسائر، وقد كان هذا ممكنا في مراحل متعددة، لكنها (جماعة الفرص الضائعة) التي تعتمد على (المعادلة الصفرية) التي تصر على أخذ كل شيء؛ وهذا يستحيل حدوثه في الواقع، فتكون النتيجة أن تخسر كل شيء.

العجيب أنها هي الطرف الأضعف في المعادلة والذي لا يمر يوم إلا ويخسر فيه شيئًا من عوامل قوته، ومع ذلك فهي مصممة ألا تتزحزح عن معادلتها الصفرية، والذي يتدبر عناصر معادلة الإخوان الصفرية التي تنص على (عودة د. مرسي -سيحكم من؟! وبأي أدوات سيحكم؟!،وعودة الدستور، وعودة مجلس الشورى، ومحاكمة قادة الجيش والشرطة)، الذي يتدبر بنود هذه المعادلة يتبين له أمور في غاية الوضوح:

ا- استحالة تحققها؛ مما يجعل كل التضحيات التي تبذل في سبيلها دماء وأموالا ومشقة على الناس، وصناعة مناخ للعنف والتكفير، وصداما مع المجتمع وإضعافا للبلاد، كل هذه خسائر ومفاسد بلا أي مصلحة يغلب على الظن تحقيقها، فكيف يجوز الإقدام عليها أصلًا؟! وكيف يتهم من رفض الانضمام إليها بأنه باع الدين والدم وتخلى عن إخوانه؟!

٢- هذه البنود تدفع الطرف الآخر (الدولة) إلى معادلة صراع البقاء (إما الإخوان وإما الدولة)، فماذا يُنتظر من طرف معه القوة (مؤسسات الدولة والغطاء الشعبي)؟! هل ينتظر منه أن يصبر كثيرًا ولا يستخدم كل ما يملك من قوة في صراع بقاء فرضته عليه المعادلة الصفرية التي لا تعترف بالحلول الوسط؟!

تنبيه: نحن هنا لا نناقش موقف الطرف الآخر وتجاوزاته - فبلا شك ستحدث تجاوزات خطيرة وقد حدثت بالفعل- وإنما نناقش موقف من يطالبنا باسم الإسلام أن نكون معه؛ وإلا نكون خائنين لديننا ولعقيدتنا, الطرف الذي يطالب الشباب باسم الإسلام أن يتحركوا ليستهينوا بالدماء والأموال (دماءهم ودماء قومهم)، وليهدموا بأنفسهم دولتهم.

بهاتين المعادلتين (المعادلة الصفرية من جهة، ومعادلة صراع البقاء من جهة) أدارت جماعة الإخوان أزمتها مع الدولة.

3- كان ينبغي على الإخوان يوم ٣/٧ وبعد أن تبين لهم خطأ جميع نظرياتهم (قدرتهم على إدارة الدولة منفردين، لن يخرج الناس في ٣٠/٦، والجيش معهم، ود. مرسي باق ثماني سنوات)، وكذلك بعد أن أصبحت الدولة بجيشها وشرطتها وقضائها ومخابراتها (كما صرح بذلك عصام العريان على منصة النهضة)، بل والإعلام وأطياف شعبية كبيرة في جانب، والإخوان والمتعاطفون معهم - وهم عزل- في جانب آخر، كان ينبغي عليهم أن يتسع (أفقهم) لقبول خسارة هذه الجولة (إذا كانوا هم عقلاء وتنزلنا نحن معهم واعتبرناها حربا)؛ للحفاظ على رأس مالهم لدخول جولات أخرى بدلا من الدخول به في معارك خاسرة بدأت بالقبض على الرموز شيئا فشيئًا وتجميد الأموال و... و... و... وهلم جرا)، كان ينبغي عليهم أن يوقفوا هذا النزيف بقبول حل وسط يخرجهم من الأزمة بأقل خسائر بدلًا من الإصرار على المعادلة الصفرية التي تفقدهم كل شيء، بل تجعل الطرف الآخر يضرب ويبطش بلا هوادة؛ لأن معنى المعادلة الصفرية المطروحة من الإخوان معناها صراع بقاء بالنسبة له (أي بالنسبة للدولة كدولة)، وهل يقبل عاقل هذه المعادلة أصلًا (الإخوان أو الدولة)؟! لن يتردد عاقل في الإجابة: الدولة قطعًا أبقى من الإخوان ومن غيرهم؛ لأنه بدون الدولة لن يكون هناك إخوان ولا شيء فلسنا وحدنا في هذا العالم، والمتربصون بمصر يحيطون بها من كل جانب وينتظرون مثل هذا اليوم الذي يرونها فيه تهدم بأيدي أبنائها.

4- في يوم ٤/٧ وهو اليوم التالي لإعلان خريطة (الطريق) كانت لحظة تعقل من الإخوان - ويا ليتها اكتملت- فقد اتصل شقيق أحد قادة رابعة بالمهندس جلال مرة وأخبره أنهم يريدون فض الاعتصام، وطلب منه أن يتوسط عند الجيش لضمان الخروج الآمن وعدم الملاحقة فكان الرد من الجيش بالقبول.

ثم كان يوم الجمعة ٥/٧ وكثر العدد مع الإخوان فغرتهم كثرة العدد فقالوا: إن الذي يمكن أن نسمح به هو الخروج الآمن للجيش؛ وهنا بدأت (المعادلة الصفرية) التي تبلورت بعد ذلك وهي تتكون من ثلاثة شروط لا تنازل عنها، وشرط قالوا: إنه يمكن الحوار حوله:

ا- عودة د. مرسي لرئاسة البلاد.

٢- عودة الدستور.

٣- عودة مجلس الشورى.

٤- الشرط الرابع الذي قالوا في بعض المرات: (إنه يمكن التفاوض حوله) هو محاكمة قادة الجيش والشرطة!

هذه الشروط تدفع من يتبناها إلى فاعليات تتناسب مع ضخامتها كما تدفع الطرف الآخر إلى فاعليات صراع البقاء الذي لا يبالي فيها بخطوط حمراء (وليس هذا تصحيحا للفعل وإنما هو وصف لواقع يحدث على الأرض).

فاعليات من جهة الإخوان:

لما كانت شروط الإخوان في معادلة الخروج من الأزمة شروطا شبه مستحيلة؛ كانت الفاعليات التي يتبنونها تتناسب مع هذا؛ فقاموا بفاعليات عديدة تفتح الباب على مصراعيه أمام كل صور الأعمال التخريبية للعمل على إجهاد مؤسسات الدولة لإسقاطها، وإن كان الإخوان كإخوان يتنصلون من هذا في خطابهم الرسمي، إلا أن خطاب الكثير من شبابهم والمتعاطفين معهم وبعض من يقولون عليه ليس إخوانيا (وهو إخواني) كان خطابا عنيفا جدا؛ في محاولة لجعل الشباب يكفر بالمنهج الإصلاحي المتدرج ويتبنى المنهج الصدامي ليكون وقودا لمعركة الإخوان مع مؤسسات الدولة!

فكان من هذه الفاعليات:

ا- استمرار اعتصام رابعة والنهضة، والخطاب العنيف على المنصات، والجزم بعودة د. مرسي، وأن الذي يشك في هذا يشك في قدر الله، من تخلف عن رابعة والنهضة فقد خان الله ورسوله، وتجهيز الشباب للاستشهاد في سبيل الله بلبس الأكفان والتحريض على الشهادة، والتهديد بالزحف على الحرس الجمهوري وتحرير د. مرسي.

٢- وعلى مستوى الجمهورية كان القيام بعمل فاعليات من شأنها أن تزيد عدد القتلى لزيادة الغضب الشعبي في أنحاء الجمهورية، والتي يصحبها احتكاك بالشرطة والبلطجية وسقوط قتلى كل يوم، ويتبع هذا التباهي بعدد الشهداء (قدمنا اليوم شهيدًا، وقدمنا اليوم شهيدين، والحمد لله قدمنا اليوم "١٩" شهيدًا)، بل إن بعض التصرفات كانت تنم عن الدفع باتجاه وجود قتلى في الفاعليات وزيادة عدد المعتقلين خاصة من النساء، ويدل على هذا مسيرة الجمعية الشرعية بالمنصورة والمسيرة النسائية بالمنصورة أيضًا؛ حيث أصر قادة الإخوان على أن تبدأ الفاعليات من الجمعية الشرعية التي تحيط بها منطقة يسيطر عليها البلطجية في وقت ملتهب جدًّا (١٨/ ٦)، مع أن بعض العقلاء حذرهم من هذا وطالبهم بنقلها إلى مكان آخر لكن بلا جدوى حتى حدثت الكارثة وحوصروا من قبل البلطجية ليصرخوا إثرها في وسائل الإعلام ويستثيروا عواطف الشباب المتحمس، وحين اتصل المهندس جلال مرة بأمين عام الحرية والعدالة الأستاذ حسين إبراهيم ليواسيه فقال له: "قدمنا اليوم شهيدًا"!

أما مأساة الأخوات اللاتي قتلن في مسيرة المنصورة فقد تكرر فيها نفس الخطأ (العمد في الحقيقة)، وهو إصرار الإخوان على الدخول بمسيرة الأخوات وسط البلطجية مع تحذير العقلاء لهم أن البلطجية أمامكم في الشارع وهم مسلحون، وأمامكم شارع آخر ادخلوا فيه ولا تواصلوا في اتجاه البلطجية؛ فنادى منادي الإخوان: (اثبتوا اثبتوا)! لتستمر المسيرة وتصطدم بالبلطجية وتترك لهم الأخوات ليقتلوا منهن أربعًا ويصيبوا أعدادا كبيرة، وتجري الأخوات ويتكشفن، وتستخدم هذه أيضًا في إثارة حماس الشباب في أنحاء البلاد؛ مما كان ينذر فعلًا بحرب أهلية حقيقية يكون وقودها ذلك الشباب المتحمس.

٣- عمل فاعليات مختلفة لإفشال الدولة وإسقاطها:

أولًا: فاعليات لإفشال الاقتصاد، حملة (اسحب رصيدك)، وحملة (لا تدفع فاتورة الكهرباء والمياه)، وحملة (اجمع العملة الصعبة)، بالإضافة إلى إرباك الدولة بالمظاهرات وغيرها لشل حركة الاقتصاد.

ثانيًا: فاعليات لإرهاق الشعب في حياته اليومية، حملة (عطل عربيتك وسط الطريق لتعطيله)، وحملة (اركب المترو طول اليوم بتذكرة واحدة) (اتفسح بجنيه طول النهار في المترو) لتضاعف الزحام فيه، وحملة (بلاش أضحية هذا العام).

ثالثًا: فاعليات لمحاولة إحداث انقسام في الجيش، حملات شائعات إعلامية وفبركة تصريحات، (الحمد لله انفصل الجيش الثاني، وحركة قوية داخل الجيش ترفض الانقلاب وسوف تتحرك لإسقاطه، وتصدع كبير داخل قيادات الجيش ووضع اللواء العصار في الإقامة الجبرية، واستعداد السيسي وأسرته للفرار من البلاد، ومقتل السيسي وكبار معاونيه واستعانة قيادات الجيش بدوبلير للسيسي حتى يتدبروا أمرهم)، وتزامن مع كل هذا قيام الجماعات الجهادية بتوريط الجيش في قتالهم في سيناء لإحراج الجيش وإظهاره بمظهر العاجز عن السيطرة على سيناء وإدخاله في خصومه مع أهل سناء أنفسهم.

رابعًا: فاعليات لإسقاط الشرطة، وحصار أقسام الشرطة وحرق بعضها، وحملة (حرق سيارات الشرطة)، وإرهاق الشرطة بفاعليات سريعة في أماكن متفرقة في وقت واحد، وتزامن مع هذا قيام الجماعات الجهادية بحملات لتصفية قيادات الشرطة من أول وزير الداخلية إلى من دونه، وكذلك تفجير مديريات الأمن وتصفية الجنود في الكمائن.

ولم تقصر كتائب الإنترنت في القيام بدورها فصدرت تصريحات ومقالات، بل وأحيانا فتاوَى تحرض الشباب على ترك السلمية والاتجاه إلى العنف، والشباب ينساق انسياقا خلف هذا التحريض لأنه يجد فيه استجابة لشحنة العاطفة الهائلة التي استطاع خطاب الإخوان ومن معهم أن يشعل نارها بداخله؛ وكان مما تم تداوله على النت في هذا الصدد (ما دون الأرواح مباح، وما دون الرصاص "سلمية")، وقد ورد بعد فترة في أحد البيانات لمجموعة طلاب ضد الانقلاب: (أيها الشباب، أيتها الفتيات، بادروا بامتلاك واستخدام أدوات المواجهة، وادرسوا تجارب المقاومة السلمية وطبقوها واجعلوا النوم يطير من أعين القتلة، واجعلوا الراحة لهم حلما صعب المنال، وكونوا من الآن وصاعدا مجموعات مدنية لحراسة المقاومة السلمية، ولتكونوا حراسا للوطن، واعلموا أن في هذه المرحلة كل ما دون الرصاص فهو "سلمية"، وما دون الأرواح فهو مباح، حان وقت الرعب الثوري!

وورد أيضا في البيان (وليكن معلوما للجميع أن السلمية لا تعنى الاستسلام؛ فالمقاومة السلمية هي الحق الشرعي في الدفاع عن النفس)، وقال أحمد عبد العزيز مستشار د. مرسي (نضالنا سلمى نوعى وليس استسلاما، ما دون الرصاص فهو "سلمية"؛ وفى هذا الإطار اصنعوا ما شئتم، التحرر من العبودية ليس هينا ولا رخيصا).

خامسًا: فاعليات تدويل القضية المصرية لوضع مصر تحت وصاية المجتمع الدولي.

كانت الفلسفة التي تقوم عليها هذه الفاعليات هي إسقاط تلك المؤسسات التي تقف في وجه عودة د. مرسي مهما كلف الأمر؛ وهذا له عواقب وخيمة ليس على مصر وحدها، بل على العالم العربي والإسلامي كله.

يقول الشيخ عبود الزمر في رسالته إلى الجماعة الإسلامية:

(إخواني الأعزاء إن فكرة إسقاط الدولة الحالية ثم البدء في بناء الدولة من جديد ليس له معنى آخر سوى ضياع مصر؛ لأن سيناريو الإسقاط سيمر حتمًا بحالة من الدمار والصراع المفتوح الذي تصبح فيه الدولة حطامًا ونُهبة لكل طامع على حدودنا يتربص بنا الدوائر, فعلينا أن نحقق المسألة من منظور شرعي؛ فالمصلحة العليا للوطن والحفاظ عليه من الضياع أولى مما هو دون ذلك).

فلما أجابه البعض أنهم يريدون إسقاط النظام لا الدولة؛ رد عليه الشيخ عبود في مقال آخر قائلا:

(في كلمتي للأمانة العامة لحزب البناء والتنمية حذرت من محاولة إسقاط الدولة, وقلت إن هذه المحاولة حتما ستمر بدمار وصراع مفتوح يضر بالوطن كله, فجاءني توضيح من أحد أعضاء التحالف بأن الهدف هو إسقاط النظام السياسي القائم وليس الدولة؛ فشكرته على هذا التوضيح ثم أقول للقارئ: إن هذا الفارق موجود في دول كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، أما نحن الآن في مصر فقد التحمت الدولة بالنظام, والتحم النظام بالدولة, فلا يسمح النظام بإسقاط الدولة, ولا تسمح الدولة بإسقاط النظام! فهل هناك من يتصور خلاف ذلك بعد أن رأينا تضامن الجيش والشرطة والقضاء والإعلام مع رئيس الدولة، فضلًا عن قطاع شعبي كبير يقدر بالملايين؟! إذن ما قلته صحيح, وهو أن محاولة إسقاط النظام تساوي محاولة إسقاط الدولة).ا.هـ

هذا من جانب الإخوان الاستمرار في فاعليات من شأنها أن تشل حركة الدولة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، مستخدمة كل الوسائل التي تمكنها. وعلى الجانب الآخر قامت مؤسسات الدولة وخاصة وزارة الداخلية بالتعامل العنيف في كثير من الأحيان أثناء تصديها لهذه الفاعليات وحدثت تجاوزات بلا شك كما في الحرس الجمهوري والمنصة وغيرها، وكذلك توسيع دائرة الاشتباه والممارسات الأمنية الخطيرة؛ مما يدفع جميع العقلاء أن يبحثوا عن مخرج من هذه الأزمة، وكان مما اقترحناه لجنة حكماء.

بيان حزب النور لإنشاء لجنة الحكماء:

"في محاولة من حزب النور لمنع إراقة الدماء المصرية والحفاظ على هوية الدولة قبل الحزب التعامل مع خريطة الطريق التي صاغتها القوات المسلحة (بعد سيطرتها الفعلية على مقاليد البلاد، ووضع الرئيس المنتخب تحت الإقامة الجبرية)، وتم بناء عليها تنصيب رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد.

وفي خلال أيام معدودة لم تنجح تلك الخطوات في منع سفك الدماء، بل زادت وزاد عليها الكثير من الإجراءات القمعية والتصرفات الاستثنائية مثل غلق القنوات الإسلامية بدون سند قانوني، وانتهاك المحرمات والقيام بمداهمات للبيوت وتصوير للرموز أثناء القبض عليهم، والحملات الإعلامية التي انطلقت على كل من يطالب بمرجعية الشريعة الإسلامية.

ثم إن رئيس المحكمة الدستورية تصرف بطريقة شديدة الانفرادية والديكتاتورية والانحياز لتيار فكري لا يحظى بقبول في الشارع المصري.

فقام رئيس المحكمة الدستورية بحل مجلس الشورى بخلاف ما تم الاتفاق عليه ألا يتم ذلك إلا بعد المناقشة المجتمعية، وكان من آخر ما قام به رئيس المحكمة الدستورية أنه أرسل لنا بمسودة إعلان دستوري يخالف ما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الذي جرى قبيل إعلان بيان القوات المسلحة، وبإقرار الجميع من الحفاظ على مواد الهوية ونعنى بها مواد (2 و 4 و 81 و 219).

ومع هذا وجدنا أن الإعلان الدستوري المزمع إعلانه قد دمج المادة (1و 2) في مادة واحدة حذف منهما الكلام على الانتماء للأمة العربية والإسلامية، وحذف النص على اللغة العربية، كما حذفت مواد (4 و 81 و 219)، بالإضافة إلى النص على آلية لتغيير الدستور تخالف ما تم الاتفاق عليه.

ونص عليه في بيان القوات المسلحة مما يجعل رئيس المحكمة الدستورية يتحكم في كل آليات تعديل الدستور.

ثم زاد الطين بلة المذبحة التي تمت أمام الحرس الجمهوري والتي لا يمكن قبولها أو تبريرها بأن القوات كانت في حالة دفاع عن النفس؛ حيث أثبتت الكثير من مقاطع الفيديو وجود اعتداء سافر من جهة قوات الحرس الجمهوري على المتظاهرين السلميين، وعلى فرض صحة هذا الإدعاء فمن المعلوم أن القوات التي تحرس منشآت في التجمعات السكنية يجب أن تلتزم بقواعد التعامل مع المدنيين والمتظاهرين السلميين، ومسئولية هذا تقع على عاتق جميع المسئولين الآن، ونذكر وسائل الإعلام أنها حملت د. مرسي مسئولية اعتداءات محدودة وقعت في عهده ولكن كيف بقتل العشرات وجرح الآلاف؟!

إن كل الأزمات والمصائب قد تبدو هينة أمام مصيبة وضع الشعب والجيش في مواجهة؛ وهو ما يحتم على كل عاقل أن يسارع إلى وأد هذه الفتنة في مهدها ليبقى جيش مصر حاميًا لأرضها حارسًا لجميع شعبها.

وإذا كان شيخ الأزهر أحد أبرز رعاة خريطة الطريق التي أعلنتها القوات المسلحة قد أعلن استنكاره للانحراف في تطبيقها ودعا العقلاء إلى تقديم مبادرات، فإننا نتقدم بمبادرة تقوم فكرتها على تكوين لجنة مصالحة وطنية تتعامل مع المشكلة من بداية تفجرها بين د. مرسي والقوى المعارضة له، على أن تتكون من حكماء وعقلاء يتمتعون بالمصداقية لدى الجميع، وبرعاية الأزهر وتكون مهمتها:

- عمل مصالحة وطنية حقيقية بين جميع القوى والمؤسسات نطوي بها صفحة الماضي ونعيد اللحمة للشعب المصري دون إقصاء لأحد.

- وضع خطة جديدة يتوافق عليها جميع القوى السياسية والقوات المسلحة وبرعاية لجنة المصالحة.

وسوف يجري الحزب اتصالاته بجميع الأطراف لتفعيل هذه المبادرة.

نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويحفظ مصرنا ويحقن دماءنا".

وبالفعل بدأ حزب النور يعمل في هذا الاتجاه؛ فتم تكليف د. بسام الزرقا والأستاذ سيد خليفة للتواصل مع القوى السياسية والإخوان ومؤسسات الدولة، وتم بالفعل بعض اللقاءات، وتم ترتيب لقاء مع د. محمد على بشر الذي كان يتفاوض عن الإخوان في ذلك الوقت، وكان اللقاء في الخامس من رمضان وحين وصل د. بسام من الإسكندرية إلى القاهرة على الموعد المحدد اتصل بالدكتور بشر فأخبره الأخير بأنه سافر، فقال د. بسام: ألم يكن من الأولى أن تخبرني بهذا قبل أن أتحرك للسفر؟! فقال د. بشر: ما رأيك أن تأتوا معنا إلى رابعة؟ فقال د. بسام: أنتم تعلمون جيدا موقفنا من هذا، وتواصلنا معكم من أجل إيجاد مخرج من هذه الأزمة، وعلى العموم هذا رقمي معك فإذا أردت اللقاء بي في أي وقت فاتصل بي آتك حيث أردت.

وظل الأمر مجمدا حتى يوم الثاني والعشرين من رمضان حين حضر الشيخ حسن مسعود أحد وجهاء الإخوان بالإسكندرية إلى د. ياسر برهامي في معتكفه لائما: لماذا لا تتحركون في هذه الأزمة؟! فقال: إن الذي أوقف الحراك هم الإخوان، وعموما سأتصل بالدكتور بسام فهو الذي يحمل هذا الملف.

وحضر د. بسام وقص عليه ما تم وأخبره أنه يتحرك من منطلق إيجاد حل يرضاه الجميع، وفى نفس الوقت لا يريق ماء وجه الإخوان حتى نتمكن من سحب الشباب من الشوارع الذين ألهب عواطفهم خطاب المنصات؛ فتحمس الشيخ حسن مسعود وأخذ يكتب رؤية د. بسام وقال: سوف أذهب غدا إلى رابعة وتذهبون أنتم إلى جهات الدولة، وتحمس لذلك الشيخ ياسر برهامي وطلب من المهندس جلال مرة أن يحدد موعدا مع الجيش؛ فتم تحديد الموعد وقطع د. ياسر اعتكافه وذهب ومعه وفد من حزب النور على الموعد المحدد، وتم عرض رؤية حزب النور وأنه لا بد من حل سلمى يرضى به الجميع ولا يريق ماء وجه الإخوان لنتمكن من حل أزمة الشباب في الشارع فقال أحد قادة الجيش: ونحن لا نريد إراقة ماء وجه الإخوان، وتم النقاش حول بعض الأمور فقال أحد قادة الجيش: اجلسوا مع القوى السياسية والذي تتوصلون إليه نحن موافقون عليه.

خرج الوفد من اللقاء لتأتيهم الرسالة من رابعة: (إذا أردتم التوبة فتعالوا لتعلنوها من على منصة رابعة، ولا توبة لكم إلا على منصة رابعة)، وأصبح حديث الساعة على منصة رابعة هو الحديث عن توبة برهامي ومن معه؛ وهكذا وجدنا إصرارًا عجيبًا من الإخوان على الاستمرار في مسار المعادلة الصفرية وكأنهم يريدون مزيدًا من النزيف ( نزيف الدم واستنزاف الدولة) لكن لمصلحة من؟!

وللحديث بقية...

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com