السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

(موعظة الأسبوع) الدعوة الإسلامية والتحديات المعاصرة (2) الحروب الفكرية (1)

التنبيه والتحذير من آثار الحروب الفكرية وخطرها على بلاد المسلمين، من خلال بيان الوسائل والحيل التي يَعتمد عليها أعداء الإسلام في إبعاد المسلمين عن الإسلام

(موعظة الأسبوع) الدعوة الإسلامية والتحديات المعاصرة (2) الحروب الفكرية (1)
سعيد محمود
الثلاثاء ٠٦ يناير ٢٠١٥ - ١١:٣٩ ص
1469

(موعظة الأسبوع) الدعوة الإسلامية والتحديات المعاصرة (2)

الحروب الفكرية (1)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الموعظة:

التنبيه والتحذير من آثار الحروب الفكرية وخطرها على بلاد المسلمين، من خلال بيان الوسائل والحيل التي يَعتمد عليها أعداء الإسلام في إبعاد المسلمين عن الإسلام.

تعريف الحروب الفكرية وبيان خطرها على المسلمين:

- المقصود بالحروب الفكرية: هي الوسائل غير العسكرية التي اتخذها أعداء الإسلام لإزالة مظاهر الحياة الإسلامية، وصرف المسلمين عن التمسك بتعاليم الإسلام.

- أداة الحروب الفكرية: هي الفكرة والكلمة، والرأي والحيلة، والنظريات والشبهات، وبراعة العرض، وشدة الجدل، وتحريف الكلم عن مواضعه، وغير ذلك مما يقوم مقام السيف والصاروخ في أيدي الجنود (الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام، عبد الستار فتح الله).

- الحروب الفكرية أخطر من العسكرية: "تتسلط على القلوب والعقول - ناعمة التدمير - طويلة المدى - واسعة المجالات - قاعدتها المستهدفة عامة وليست الجنود فحسب - آثارها صعبة الإزالة وتمتد - خداعة حتى يصير حال المهزوم الشكر والتبعية لمن يقتله!".

- الحروب الفكرية قديمة وإن اشتدت ضراوتها حديثًا بسبب التقدم الحضاري، ومن أمثلتها:

1- الحرب الإعلامية لتشويه النبي -صلى الله عليه وسلم- والإسلام في مكة "الاتهام بالكذب والسحر والكهانة والجنون - التشويش على القرآن بالقصص والحكايات": "لما قرب موسم الحج، وعرفت قريش أن وفود العرب ستقدم عليهم، فرأت أنه لا بد من كلمة يقولونها للعرب، في شأن محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى لا يكون لدعوته أثر في نفوس العرب، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة يتداولون في تلك الكلمة، فقال لهم الوليد: أجمعوا فيه رأيًا واحدًا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا، ويرد قولكم بعضه بعضًا، قالوا: فأنت فقل، وأقم لنا رأيًا نقول به. قال: بل أنتم فقولوا أسمع. قالوا: نقول: كاهن. قال: لا، والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزَمْزَمَة الكاهن ولا سجعه. قالوا: فنقول: مجنون. قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، ما هو بخَنْقِه ولا تَخَالُجِه ولا وسوسته. قالوا: فنقول: شاعر. قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رَجَزَه وهَزَجَه وقَرِيضَه، ومَقْبُوضه ومَبْسُوطه، فما هو بالشعر. قالوا: فنقول: ساحر. قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنَفْثِهِم ولا عقْدِهِم. قالوا: فما نقول؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أصله لعَذَق، وإن فَرْعَه لجَنَاة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عُرف أنه باطل! وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر؛ جاء بقول هو سحر يفرِّق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك، وبعد أن اتفق المجلس على هذا القرار أخذوا في تنفيذه، فجلسوا بسبل الناس حين قدموا للموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره".

وكان النضر بن الحارث أحد شياطين قريش قد قدِم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم واسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجلسًا للتذكير بالله والتحذير من نقمته خلفه النضر، ويقول: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثًا منه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثًا مني! وفي رواية عن ابن عباس أن النضر كان قد اشترى قَيْنَةً -مغنية وراقصة- فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه، هذا خير مما يدعوكَ إليه محمد! وفيه نزل قوله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) (لقمان:6) (الرحيق المختوم، المباركفوري).
2- إرجاف المنافقين في المدينة بمحاولة إحياء نعرات القومية ونبذ الإسلام وتشويه الدعاة: "(يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) (الأحزاب:13)، وقولهم عن حملة القرآن: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغبَ بطونًا، ولا أكذبَ ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء!".

3- محاولات اليهود بالدسائس والمؤامرات لإحياء النعرات العرقية "الأوس والخزرج" لإشاعة الفرقة: سبب نزول قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) (آل عمران:100).

لماذا الحروب الفكرية على المسلمين؟

- عداوة عقائدية قديمة ومستمرة: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلاً) (الإسراء:62)، (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:217).

- يقول المستشرق جاردنر: "إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوروبا!".

- ويقول جلادستون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق في مجلس العموم: "ما دام هذا القرآن موجودًا في أيدي المسلمين؛ فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان!".

- الحقد على الإسلام لما له من خصائص ليست لغيره "الربانية - الشمولية - المثالية - العالمية": (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50)، (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) (النساء:82)، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)، (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام:38)، (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة:3).

- الدين الوحيد في العالم الذي لا يزال أهله يتمسكون بتعاليمه وعقيدته في الجملة ويعتزون بانتسابهم إليه: قال "ريتشارد نيكسون" الرئيس الأمريكي الأسبق: "إننا لا نخشى الضربة النووية، ولكن نخشى الإسلام والحرب العقائدية التي قد تقضي على الهوية الذاتية الغربية!" (هموم داعية، محمد الغزالي ص 94).

- قدرة الإسلام الفائقة على الانتشار "الإسلام يعم الجزيرة في سنوات قليلة - امتداد الخلافة ووصولها إلى مملكتي الفرس والروم حيث وصل الإسلام إلى بلاد السند شرقًا، وأرمينية والروس شمالاً، والشام ومصر وشمال إفريقيا، وأجزاء من أوروبا والأندلس": قال عقبة بن عامر القائد المسلم لما فتح شمال إفريقيا ووقف على شاطئ المحيط: "ورب هذا البحر، لو علمت أن وراءه أرضًا لخضته أبلِّغ دعوة الإسلام"، وقال الخليفة العباسي هارون الرشيد يخاطب السحابة من شرفة قصره: "أمطري حيث شئتِ؛ فسوف يأتيني خراجك!".

- أعداء الإسلام يحاولون منع هذا الدين من الانتشار بالحروب العسكرية المتتالية: وقد باء أكثرها بالفشل، بل كانت تحيي في قلوب المسلمين روح الجهاد، وشدة العداوة للغازي.

المعاني العامة التي تقوم عليها الحروب الفكرية:

1- محاصرة الدين من كل الجهات وإلصاق التهم به، وإلقاء الشبهات حول تعاليمه وثوابته، وتنفير الناس منه بتشويه سمعة علماء الدين وكل مَن ينتمي إلى التدين.

2- هدم الدين في نفوس المسلمين ليس بهدم المساجد، وإنما بهدمه في قلوبهم، فتخرَّب المساجد وتهدم وهي مشيدة.

3- التركيز على أن الإسلام انتهى عصره، وما بقي منه "الصوم - الصلاة - الحج - الأحوال الشخصية" سيخضع للقانون!

4- العمل على إحياء النعرات القومية والعرقية تمهيدًا للتقسيم.

5- إفساد الأخلاق وغرس الإلحاد والإباحية.

وهذا يتم تنفيذه مِن خلال وسائل مختلفة يأتي الكلام عنها في حديث منفرد -إن شاء الله- بعنوان: "وسائل الحروب الفكرية".

اللهم احفظ المسلمين مِن شر الأشرار، وكيد الفجار.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة