السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

لا يضر السحاب نبح الكلاب

هذه العداوة التي ظهرت على ألسنتهم وأفعالهم إنما هي جزء يسير مما تخفيه قلوبهم

لا يضر السحاب نبح الكلاب
إيهاب شاهين
السبت ١٧ يناير ٢٠١٥ - ١١:٤٥ ص
2898

لا يضر السحاب نبح الكلاب

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

 فما فعلته صحيفة" شارلي ابدو" الفرنسية من تكرار نشر رسومًا مسيئة لرسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم أمرا ليس جديدا على أمثالهم بل هي عداوة  قديمة من يوم أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم فقلوبهم مملوءة حقدا وغيظا للإسلام وأهله فهذه العداوة التي ظهرت على ألسنتهم وأفعالهم إنما هي جزء يسير مما تخفيه قلوبهم كما قال الله تبارك وتعالى" قد بدت البغضاء من أفواههم وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ" , وهذه الإساءة والبذاءة الذي يوجهونها إلى نبينا صلى الله عليه وسلم قد وقع فيها أسلافهم قبل ذلك فقسمهم الله عز وجل وما يفعلونه الآن لا يضر نبينا صلى الله عليه وسلم في شيء  فكما قال القائل لا يضر السحاب نبح الكلاب- فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قد رفع الله عز وجل ذكره فلا يضره صلى الله عليه وسلم -  نبح الكلاب فإن الله تعالى قال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم " وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ".

و قال تعالى {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} وقال تعالى  {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} فهذه الإساءة تضر أصحابها لا محالة وهذا نذير شؤم عليهم بهلاكهم وهلاك دولتهم- فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم:

" وقد كان المسلمون إذا حاصروا أهل حصن واستعصى عليهم، ثم سمعوهم يقعون في النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويسبونه، يستبشرون بقرب الفتح، ثم ما هو إلا وقت يسير، ويأتي الله تعالى بالفتح من عنده انتقاماً لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  " الصارم المسلول" (ص 116-117). فهذا اختبار لكل مسلم غيور على دينه وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يظهر غضبه وحبه للنبي صلى الله عليه وسلم. فيجب أن تكون الغضبة ملتزمة بشرع الله عز وجل كما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون .

أما إظهار المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم  فتكون أولا : بتحقيق قضية الولاء والبراء -  الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين وذلك يكون بالتمسك بكتاب الله علما وعملا وسلوكا  وإتباع هدى النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا وإلا كانت محبته ادعاء كما قال الله تبارك وتعالى" قل إن كنتم تحبون  الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم"  فالحب في الحقيقة إتباع وإلا كان إدعاء. تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بعيد لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع. وتكون للمؤمنين بحبهم والدعاء لهم والتعاون معهم على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ورفع الظلم عنهم ومنعهم من ظلم غيرهم وغير ذلك من حقوق أهل الإيمان , ثم البراءة من أعداء الله تبارك وتعالى باعتقاد كفرهم وعدم إيمانهم -  فالإيمان الواجب هو الإيمان بالرسل والأنبياء جميعا  ، ومن أنكر نبوة من أثبت الله نبوته كفر بالله فضلا عمن يسيئ إلي أحدهم، و الكفر برسول أو نبي واحد كفر بجميع المرسلين, والتكذيب برسول واحد يعدّ تكذيباً بالرسل كلِّهم، ذلك أنَّ الرسل حملة رسالة واحدة، ودعاة دين واحد، ومرسلهم واحد، فهم وحدة، يبشر المتقدم منهم بالمتأخر، ويصدق المتأخر المتقدم.
ومن هنا كان الإيمان ببعض الرسل والكفر ببعض كفراً بهم جميعاً، وقد وسم الله من هذا حاله بالكفر" {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً} .وقد أمرنا الله بعدم التفريق بين الرسل والإيمان بهم جميعاً {قُولُوَاْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىَ وَعِيسَىَ وَمَا أُوتِيَ النّبِيّونَ مِن رّبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} . ومن سار على هذا النهج فقد اهتدى" فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ، والذي يخالفه فقد ضلَّ وغوى {وّإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ} . وقد مدح الله رسول هذه الأمة والمؤمنين الذين تابعوه لإيمانهم بالرسل كلهم، ولعدم تفريقهم بينهم، قال تعالى:  {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}  " ووعد الله الذين لم يفرقوا بين الرسل بالمثوبة والأجر الكريم {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}.  وقد ذم الله أهل الكتاب لإيمانهم ببعض الرسل وكفرهم ببعض {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ} . وبهذا البيان فاليهود والنصارى لا يؤمنون بعيسى ولا بمحمد ولا بموسي عليهم الصلاة والسلام.

ثانيا: الثبات على دين الله تبارك وتعالى والدعوة إليه عز وجل وإظهار محاسن الشريعة وأن الزمان المكان لا يصلحان إلا بالإسلام.

ثالثا : رسالة إلي حكام وقادة العالم الإسلامي، باتخاذ مواقف واضحة، والتحرك الجاد من أجل الدفاع عن رسول الإسلام وإيقاف هذه الإساءات وبيان، أننا – نحن المسلمين – لا نرضى أبداً أن يمس ديننا ورسولنا أو ينال منه. ومثل هذه الإساءات تؤجج مشاعر الغضب للمسلمين وإثارة للعنف في كل مكان .

وأخيرا وليس آخرا نقول والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

ولمثل هذه الإساءات وقف الصحابة الكرام مدافعين كما قال حسان ابن ثابت رضي الله عنه

هجوتَ مـحـمدا فأجـبتُ عنه               وعند الله في ذاك الجزاءُ

أتهـجوه ولســتَ له بـكـفء                فشركما لخيركما الـفـداءُ

هـجـوتَ مباركا بـرا حـنيفا                 رسول الله شيمته الوفاءُ

فمن يهجو رسول الله منكم                 ويمـدحه وينصره سـواءُ

فـإن أبي ووالده وعرضي                   لعرض محمد منكم وقـاءُ

لساني صـارم لا عـيب فيه                 وبـحـري لا تكدره الـدلاءُ

نسأل الله عز وجل أن يجمع قلوب المسلمين على حب النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته إنه ولى ذلك والقادر عليه . الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة