الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدعوة السلفية والعمل السياسي

لماذا المشاركة السياسية؟- السياسة الشرعية- المصالح المرسلة- الأمر بالمعروف والنهى عن المنكرضوابط العمل السياسي

الدعوة السلفية والعمل السياسي
محمود عبد الحميد
الاثنين ١٩ يناير ٢٠١٥ - ١٢:١١ م
2967

الدعوة السلفية والعمل السياسي

الشيخ/ محمود عبد الحميد

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله..

ثم أما بعد..


هذا تخريج محاضرة الشيخ محمود عبد الحميد من ندوة "الدعوة السلفية والعمل السياسى" بتاريخ الأول من رجب عام
1432 الموافق الثالث من يونيو 2011..

الكلام مقطوع من أوله، ثم يقول الشيخ:


علق فى أذهان الناس أن السياسة هى الغش والخداع والكذب والتزوير والاستبداد وتحقيق مصالح شخصية وفئوية والتحايل على مصالح الناس، وهذا فى الحقيقة هو معنى السياسة عند غير المسلمين، لكن السياسة كلمة شرعية عندنا وهى تعنى فن تيسير الأمور أى فن تيسر الأمور للناس ورعاية مصالح الناس ومحاولة لتحقيق مصلحة عامة للجماعة البشرية ﻷن الجماعة البشرية تتعارض مصالحها وكذلك تختلف وتتباين ولا يمكن تحقيق أغراض الناس جميعاً، فلا بد من وجود ضابط نحتكم إليه وهو المصلحة العامة الشرعية، فإذا حققنا المصلحة العامة الشرعية فنحن نكون قد حققنا مصلحة الجماعة وإن لم تتوافق مع بعض أغراض الناس؛ ﻷن هناك من يريد الشر حتى الشر لنفسه ﻷنه لا يعلم أن ذلك من الشر وقد قال الله تعالى: "
وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" البقرة 216.. إذاً هناك بعض الناس ربما يطالبون بأشياء هى شر لهم فى الحقيقة ولكنهم لا يعلمون، فالسياسي هو الذى يحاول أن يوفق بين مصالح العباد والمصلحة العامة المنضبطة بشرع الله الحكيم وهذا مفهوم السياسة عندنا: فن تيسير الأمور وتحقيق المصلحة العامة للجماعة البشرية.


أما المشاركة السياسية فهى المشاركة فى أحد الأنشطة السياسية التى تساهم فى صنع القرار الذى يعنى بالجماعة البشرية، سواء كان بالتصويت وتلك هى الصورة الأولى وقد تكون فى الاستفتاء على الدستور وقد تكون فى ترشيح رئيس الجمهورية أو اختيار أعضاء مجلسى الشعب والشورى قد تكون فى اختيار أعضاء النقابات المهنية والاتحادات العمالية والمجالس البلدية أو المحلية فهذا التصويت أو الإدلاء بالصوت هو نوع من المشاركة السياسية، الصورة الثانية من صور المشاركة السياسية هى فى تكوين جماعة ضغط، وجماعة الضغط هى جماعة تتوافق فى أفكارها وتتوافق فى مصلحتها أيضاً ولكنها لا تريد الوصول إلى السلطة لكن تريد أن توجه الرأى العام وتريد أن توجه الطائفة التى تمارس السلطة إلى توجيه يخدم مصلحتها، فهذه أيضاً نوع من أنواع المشاركة السياسية، الصورة الثالثة من صور المشاركة السياسية هى المشاركة فى المجالس المحلية أو النقابات المهنية أو العمالية وما إلى ذلك، وكل تلك الصور هى من المشاركة السياسية ﻷنه يرجو من وراء تلك المشاركة أن يساهم فى صنع القرار، سواء كان ذلك بالمشاركة الحقيقية أو أنه يدفع بالضغط صانعى القرار إلى اتخاذ قرارات تخدم المصلحة التى يتجمع فبها هؤلاء فى هذا التجمع، أما الصورة الرابعة للمشاركة السياسية هى تكوين الأحزاب والأحزاب أيضاً مثل جماعة الضغط فهى جماعة متوافقة فكرياً ولها مصلحة واحدة ولكنها تطمح للوصول للسلطة عن طريق الحزب وهى التى تصنع القرار بعد ذلك وهذا هو المعنى البسيط للحزب جماعة متوافقة فكرياً ولها مصلحة واحدة تسعى لتحقيقها لكنها تختلف عن جماعة الضغط أنها تريد الوصول للسلطة لصنع القرار بنفسها أو المشاركة فى صنع القرار بنفسها بخلاف جماعة الضغط فإنها تضغط على صانعى القرار لاتخاذ قرارات تخدم مصالح الجماعة دون المشاركة فى السلطة، أما الصورة الخامسة فهى الترشح لمجلسى الشعب والشورى، والصورة السادسة هى المشاركة فى العمل التنفيذى أى فى الحكومة نفسها كالوزارات وغيرها, أما الصورة السابعة فهى الترشح لرئاسة الجمهورية، وهناك بعض الأنشطة أيضاً يطلق عليها العمل السياسى سواء كانت سلبية أو إيجابية وسواء اتفقت أو اختلفت معها مثل الإضراب أو الاعتصام أو المظاهرات أو الكتابة فى الصحف والجرائد والظهور الإعلامى أو التحليل والنقد للموقف السياسى وهى تدخل فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر للحكومة أو الحاكم أو المجالس البرلمانية، فهذا كله يدخل فى النشاط أو العمل السياسى وهذه صور من العمل السياسى.

نحن سننتقى من هذه الصور ما يناسبنا وما يليق بنا وما هو فى استطاعتنا، نحن سنشارك بالتصويت سواء كما شاركنا فى الاستفتاء على الدستور وسنشارك أ يضاً فى المجالس المحلية أوالنقابات المهنية واتحادات الطلاب وغيرها، وتلك المشاركات ليست فيها أمر فقهى فيه خلاف ﻷنها ليست مجالس تشريعية وإنما مجالس تنفيذية وهذه سنشارك فيها بإذن الله، أما فيما يتعلق بتكوين جماعة ضغط فإننا فى الواقع أيضاً جماعة ضغط ونمتلك عدد كبير جداً من الأصوات ونمتد على مساحة كبيرة من البلاد نشارك فى جميع محافظات الجمهورية بأصوات معبرة ونستطيع أن نضغط بهذه الأصوات على صانعى القرار لاتخاذ مواقف تناسبنا أو تخدم أهدافنا المشروعة الإسلامية فهذا أيضاً سيكون من الأعمال، أما ما يتعلق بتكوين الأحزاب فالدعوة لن تكون حزباً أبداً ولن يشارك الدعاة الذين يقومون بالدعوة إلى الله فى حزب من الأحزاب وإنما نحن قد نظر فى أقرب الأحزاب إلى منهجنا ونؤيده وندعمه وهذا الحاصل الآن فى حزب النور الذى أنشأه الدكتور عماد عبد الغفور وهؤلاء المشتركون فى هذا الحزب من أبناء الدعوة السلفية سواء كانوا فى الأسكندرية أو فى جميع المحافظات هم من أبناء هذه الدعوة المباركة وهم شاركوا فى الحزب للعمل السياسى لكى يقوموا بواجب أيضاً الاحتساب والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وغير ذلك من هذا الجانب فى الاحتساب ونحن بعد الإطلاع على برنامج هذا الحزب سندعم هذا الحزب فى الانتخابات القادمة وسنقويهم بإذن الله سبحانه وتعالى ﻷن المنهج متوافق مع الدعوة لكن الدعوة ليست حزباً ولن تكون حزباً ولن يشارك الدعاة المعروفين فى أحزاب أحزاب ولا فى ترشحات سواء إن كان ذلك لمجلسى الشعب أو الشورى أو لغيرها كرئاسة الجمهورية أو غيرها إلا إذا جد جديد فيكون لكل حادث حديث.. هذا هو الأمر الأول فى صور المشاركة السياسية وموقفنا من صور المشاركة السياسية.


لماذا المشاركة السياسية؟

 

الأمر الأول الذى ربما يشغل كثير من إخواننا وهو لماذا نشارك، لماذا نشارك فى هذه العملية السياسية؟.. ينبغى أن نعرف أن مشاركة الدعوة السلفية فى العمل السياسى إنما الغرض منها نصرة دين الله سبحانه وتعالى فى ظل واقع يعاديه ويعادى التدين وهذا معروف ومُشاهد، وأنتم شاهدون أن هناك جبهة ليست كبيرة ولكنها تمتلك الإعلام وهى من الليبراليين والعلمانيين وغير المسلمين والشيوعيين وغيرهم يقفون صفاً واحداً لمعاداة الدين ومحاولة منع الإسلاميين من الوصول إلى تحقيق مكاسب تخدم أهدافهم المشروعة فى تطبيق شرع الله -سبحانه وتعالى- على العباد، فنحن غرضنا من هذه المشاركة هى نصرة دين الله فى ظل هذا الواقع، وليس انتصاراً لجماعة أو لجمعية أو لحزب أو لغيره وليس ذلك أمر فيه تحزب ولا فئوية ولا انتصار ﻷشخاص ولا غير ذلك، نحن لا نريد إلا الانتصار لدين الله سبحانه وتعالى فنحن نريد بهذه المشاركة نشر الحق ومساعدة الناس على الالتزام به وكذلك التقليل من الشر والفساد الواقع على العباد وعلى أن تتوج هذه الجهود بتحكيم شرع الله -سبحانه وتعالى- أى أن الهدف الذى نسعى إليه هو تحكيم شرع الله ولكن قد لا نصل إليه من أول جولة ولا من الجولة الثانية وقد نصل إليه بعد جولات، وكما قال الشيخ ياسر أن هذا الأمر نحن عندنا تدريج فى تنفيذه ولكن ليس عندنا تدريج فى التشريع فإن التشريع قد اكتمل بموت الرسول -صلى الله عليه وسلم- والله وسبحانه وتعالى قد منّ علينا بإكمال هذا الدين وإتمام هذه النعمة علينا، فمن ناحية التشريع التشريعات ينبغى أن تكون واضحة فالحلال حلال والحرام حرام وهذا أمر معروف لا نحيد عنه ولكن تطبيق ذلك وهو التنفيذ هو الذى يليق بالتدرج أو يسمح أو يجوز فيه أن نتدرج مع العباد فيه حتى نصل للمراد وهذا حسب القوة والضعف وحسب القدرة والعجز وهذا معروف فى الفقه الإسلامى، فنحن نسعى أن نتوج هذه الجهود المباركة بتطبيق شرع الله سبحانه وتعالى فى جميع مناحى الحياة حتى نحقق الاستسلام الكامل لله ولا يكون الاستسلام مجرد دعوة ندعيها وإنما نستسلم لله سبحانه وتعالى فى كل جوانب الحياة.


الأمر الثانى أن تلك المشاركة ليست بديلاً عن الدعوة إلى الله وإنما هى نوع من الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ورافد من روافد الدعوة فنحن لن نترك الدعوة إلى الله ﻷنها هى العمل الأصلى لنا، والمشاركة السياسية تمثل حماية الدعوة فنحن لن ننشغل عن الدعوة إلى الله بهذه المشاركة السياسية وإن كانت المشاركة نوعاً من الدعوة، وإنما سنهتم ببناء هذه الدعوة وأبناء المسلمين وتهيئتهم ليكونوا على أحسن حال من الالتزام بشرع الله -سبحانه وتعالى- حتى يستطيعون بعد ذلك المشاركة بأنفسهم سواء كان فى العمل الدعوى أو العمل السياسى.


الأمر الثالث فنحن نريد من المشاركة أن نصل لصياغة قوانين تكون موافقة للشريعة الإسلامية وأن نمنع أى قوانين تخالف الشريعة الإسلامية وأن نطهر القوانين السابقة التى كانت مخالفة للشريعة،أو أن نزيل تلك القوانين وأن نعيدها إلى الموافقة للشريعة الإسلامية.

الأمر الرابع أننا نريد أن نطبق الشريعة الإسلامية من خلال الحصول على الأغلبية، نحن والإسلاميون معاً إذا وصلنا للأغلبية فسيكون بمقدورنا تطبيق الشريعة الإسلامية بإذن الله تعالى.

الأمر الخامس هو تقليل الشر والفساد، وتقليل الشر والفساد طاعة لله -سبحانه وتعالى- ﻷنه كلما قل الشر والفساد كثرت الطاعة لله سبحانه وتعالى.

الأمر السادس هو عدم ترك الساحة للعلمانيين ﻷنهم إذا انفردوا بالساحة سنوا قوانين تخدم مناهجهم وتكون وبالاً علينا ثم بعد ذلك نجلس نولول ونكون من المهمشين والذين لا يؤخذ رأيهم فى شيء ثم تسن القوانين وتفرض علينا، نحن إذا تركناهم سنوا قوانيناً أبشع وأبعد عن شرع الله ثم فُرضت علينا فرضاً لا نستطيع أن نتخلص منها.

الأمر السابع هو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إذا دخلنا بين هؤلاء الذين يسمنا أنفسهم بالنخبة أو صانعى القرار قد نستطيع أن نحول هؤلاء بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتعلميهم دين الله سبحانه وتعالى، قد يحدث تأثير فى هؤلاء يكون فيه خير بإذن الله سبحانه وتعالى للإسلام والمسلمين.

أيضاً المشاركة المقصود منها هى حماية الدعوة بوجود أعضاء فى البرلمان يشكلون حماية للدعوة ﻷن الدعوة تحتاج إلى إطار قانونى تتحرك فيه، هذا ﻷننا كنا نعيش فيما مضى فى دولة بوليسية وقد كنا نجيد التعامل مع الأمن وكيف نلتف عليهم وكيف نقيم أنشطتنا بعيداً عن أعينهم، وكنا نستطيع فعل ذلك بفضل الله -سبحانه وتعالى- وكنا نجيده حتى أنهم يخرجون الآن يقولون أننا كنا نتوافق مع الأمن وكنا عملاء للأمن وغير ذلك نتيجة قدرة السلفيين وأنهم استطاعوا أن يتعاملوا مع هذه الدولة البوليسية فى هذه المدة طويلة ويحققون أهدافاً لم يحققها غيرهم فى الرخاء، وهذا بفضل الله سبحانه وتعالى أولاً، أما الدولة القادمة ستكون دولة قانونية أى أن كل شيء ينبغى أن يكون مقنناً، فنحن لا بد أن يكون لنا إطاراً يحمى هذه الدعوة بوجود أعضاء فى البرلمان سواء كانوا من الحزب أو أن الدعوة ترشح بعض الناس ليكونوا أعضاء فى البرلمان أو أننا نختار من غيرنا من الإسلاميين من خارج الدعوة من الناس الصالحين فنختار منهم أيضاً إذا كان فى بعض الدوائر التى ليس لنا فيها مرشحين فيها فسنختار الإسلاميين أيضاً أو الصالحين منهم إذا لم يكن فيها من الإسلاميين.

المشاركة فى العمل السياسى فى هذه المرحلة هو صناعة تاريخ وليس مجرد مشاركة؛ فالمادة 60 فى الإعلان الدستورى تنص على أنه بعد انتخابات مجلسى الشعب والشورى فى أول جلسة يختاروا 100 عضو من المنتخبين غير معينين لعمل دستور جديد للبلاد، فنحن لن نسمح أن يكون هناك من يصنع لنا دستوراً فلا بد أن نشارك ولا بد أن تكون المشاركة فعالة، وهذا الدستور ربما يحكم بعد ذلك لسنوات عديدة قادمة، فهذه المشاركة ليست مجرد مشاركة وإنما هى صناعة تاريخ لهذه الدولة من جديد، والمشاركة ليست نوعاً واحداً فعندما نقول مشاركة تذهب أذهان الناس إلى مجلسى الشعب والشورى وقد ذكرنا صور المشاركة السياسية، ونحن سنشارك فى أغلبها بإذن الله  تعالى. 

                                             ************************
قد يتبادر أيضاً إلى الأذهان ما هو المنطلق الشرعى الذى تنطلقون منه؟ فأنتم كما تعلمون لا بد أن يكون هناك أدلة شرعية على كل عمل نعمله، فنحن لا نعمل إلا إن كان هناك دليل شرعى على أعمالنا واعتقاداتنا وأقوالنا.. نحن ننطلق فى هذه المشاركة السياسية من ثلاثة منطلقات:

المنطلق الأول: السياسة الشرعية:

 فالسياسة الشرعية تعنى جلب المصالح ودفع المفاسد ومراعاة المقاصد التى جاء بها الشرع فنحن نسعى فى السياسة الشرعية إلى تحقيق المصلحة ودفع المضرة ولكن هذا ينبغى أن يكون وفق المقاصد العامة التى جاء بها الشرع؛ فالشرع جاء ليحافظ على خمسة مقاصد وهى: حفظ الدين وحفظ العقل وحفظ النفس وحفظ المال وحفظ النسل.. هذه المصالح التى تحقق هذه المقاصد وتدفع المضار تسمى بالسياسة الشرعية، وهى أيضاً العمل بما جاء فى الشرع من تنظيم العلاقات بين البشر وغير ذلك، وهناك أيضاً أمور لم تأت فى الشرع مثل الأمور الإدارية التى تسنها المجالس أو أو الحاكم وهى لا تتعارض مع الشرع مثل قوانين البناء وقوانين المرور وما إلى ذلك فتلك تدخل أيضاً فى السياسة الشرعية ﻷنها تدخل فى باب تحقيق المصلحة ودفع المضرة، وهى تكون فى الاقتصاد والاجتماع وما إلى ذلك، وكما يقول ابن عقيل: "السياسة الشرعية هى ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد”.. وذلك هو معنى السياسة الشرعية، ولكن السياسة الشرعية لها ضوابط يجب أن تنضبط بها وقواعد:

 القاعدة الأولى: لا ضرر ولا ضرار، والضرر هذا يجب أن يُدفع قبل وقوعه ويُدفع عند أول وقوعه ويُدفع عند وقوعه وُيدفع بعد وقوعه أيضاً، فهذه هى صور دفع الضرر, أما صور دفع الضرر قبل وقوعه مثل قول الله تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ" الأنفال 60، فالعدو يفكر فى مهاجمة بلادنا فنحن إذا كان لدينا فوة أعددناها حتى لا يفكر فى هذا فيقال دفعنا الضرر قبل وقوعه، أما الضرر عند أول وقوعه فهذا ما حدث فى الاستفتاء الماضى نحن وجدنا أن هناك من يتربص بالمادة الثانية فقمنا نقول نعم حتى نقطع الطريق عليه فلو انتظرنا وتمهلنا حتى يقع الضرر فإنه قد يستحفل ولا نستطيع دفعه، أما دفع الضرر عند وقوعه وهو منه حديث أبى هريرة قال: “ جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي،  قال : فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار".. فالنبى أمره أن يدفع الضرر عن نفسه وهو ما يعرف عند أهل العلم بدفع الصائل، وأما الضرر بعد وقوعه فهو فى الحقيقة له صورة وهو قول النبى صلى الله عليه وسلم أن من أفسد شيئاً فعليه إصلاحه، فإعادة الشىء إلى ما كان عليه فيه دفع الضرر.

القاعدة الثانية: أن الضرر يدفع بقدر الإمكان، وهذا ينطبق على حالة المشاركة السياسية فنحن نشارك فى دفع الضرر وقد نستطيع دفع الضرر كله وهذلك هو المرجو والمطلوب ولكن إن لم نستطع دفع الضرر كله فالقاعدة هنا أن يدفع الضرر بقدر الإمكان فإن لم نستطع أن ندفع الضرر كله فندفع ما نستطيع دفعه منه.

القاعدة الثالثة: احتمال أخف الضررين، إذا كان هناك ضرر واقع لا بد منه ونحن فى الطريق إلى دفع ضرر أكبر فنحن نفعل الضرر الأصغر فى سبيل دفع الضرر الأكبر، ونجد ذلك فى قصة الخضر مع موسى عليه والسلام أن الخضر عاب السفينة وهذا ضرر واقع ولذلك أنكره موسى عليه السلام، ولكن الخضر عليه السلام قال لموسى: “أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبا" الكهف 79.. إذاً لو لم يعب السفينة أخذها الملك كلها فهو ارتكاب ضرر أدنى لدفع ضرر أعظم منه.

القاعدة الرابعة: أنه إذا اجتمعت مصلحة ومفسدة فننظر إلى الأرجح، فإذا كانت المفسدة أكبر فلا نُقدم على الفعل،  فقد يكون هناك ونحن نسعى إلى تحصيل مصلحة نرتكب مضرة فإن كانت المضرة أصغر من تلك المصلحة فُنقدم عليها، ومثال على ذلك فداء الأسرى فالعلماء ينصون على أن الأسير إذا وقع فى أيدى الكفار فإن على إمام المسلمين أن يدفع المال من بيت مال المسلمين لفداء هذا الأسير، والمال المدفوع من بيت المال هنا مضرة ﻷنه  يؤخذ من أموال المسلمين ليُدفع للكفار ولكن ذلك لتحصيل مصلحة أعظم منها وهى فك الأسير.

القاعدة الخامسة: مراعاة المآل واعتباره، فكثير من المراهقين من طلبة والعلم مثلاً ينظر إلى الحكم فى المسألة فى وقته هذا لكنه لا ينظر لا ينظر إلى مسألة أخرى وهو ما يترتب على ذلك الحكم وبالتالى كثير من الناس يقول أليس هذا منكر؟ أليس إنكار المنكر واجب؟ إذاً لا بد أن ننكره الآن وإن ترتب عليه ما ترتب، ولكن هذا ليس من السياسة الشرعية، فإن كان إنكار هذا المنكر يترتب عليه مفسدة أعظم منه فلا يجوز كما يقول الإمام الشوكانى فى السيل الجرار: “إذا كان الإنكار باليد يترتب عليه مفسدة فى البدن أو فى الإخوان أو الأهل فإنه عند ذلك يرتفع الوجوب بل يرتفع الجواز"، فلا يجوز إنكار المنكر فى تلك الحالة ﻷننا يجب أن ننظر إلى الحكم والمآل فيما يعرف بفقه المآل، وهذا كثير جداً فى السنة فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وﻷلصقتها بالأرض، ولجعلت لها بابان باب يدخل منه الناس وباب منه يخرجون"، فهناك مصلحة فة هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم ولكنهناك مفسدة تترتب عليها فالنبى صلى الله عليه وسلم ترك هذه المصلحة للمفسدة التى تترتب عليها، وكذلك أيضاً ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قتل المنافقين وعلى رأسهم عبد الله بن أبى بن سلول وقد قال فى مرة عندما قالوا له اقتله : “ لا، لا يقولون محمد يقتل أصحابه"، فلم يقتله النبى صلى الله عليه وسلم لما يترتب عليه، فليس معنى أن هنا مصلحة الآن أو مفسدة الآن أن أنسى أو لا أراعى ما يترتب عليها، وهذا له شواهد كثيرة فى السنة، ولكن وفيه أيضاً اعتبار التوبة المحارب فقد قال تعالى: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" المائدة33، فهذا جزاء من يحارب الله ورسوله ولكن الشرع اعتبر توبتهم قبل أن نقيم فيهم حد الله عفواً ولا يقام عليهم الحد، ﻷن الشارع راعى مصلحة وهى توقف هؤلاء عن الإفساد فى الأرض وترويع الآمنين وأخذ المال، فتوقف هؤلاء عن مثل ذلك فيه منفعة أكبر من إقامة الحد عليهم وفى ذلك قال تعالى فى الآية التى تليها: “إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" المائدة34، فقد راعى الشرع فى أحكامه تقليل المضرة والفساد، فهذه كلها ضوابط تنضبط بها السياسة الشرعية.

المنطلق الثانى: المصالح المرسلة :

فهى المصالح المطلقة،  وهى مصلحة لم يأت الشرع باعتبار لها ولا بإلغاء، ولكن هى تفترق عن البدعة فى ضابط أن العلماء يقولون أنه إذا وُجد الداعى فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وامتنع المانع ولم يفعل النبى الفعل فإحداثه بعده بدعة ولا يجوز الإتيان به ويكون ومن قبيل البدعة وليس من قبيل المصلحة المرسلة ولكن هذه المصالح أيضاً لها ضوابط ينبغى أن تنضبط بها:

أولاً: أن تكون المصلحة حقيقية وليست مصلحة متوهمة؛ ﻷن المصلحة هذه إذا كان يترتب عليها فوات مصلحة أعظم منها أو تحقيق ضرر أكبر منها تكون هذه مصلحة متوهمة ليس بمصلحة شرعية أو مرسلة، فلا بد للمصلحة المرسلة أن تكون مصلحة حقيقية تحقق مصلحة أعظم من المضار التى تترتب عليها ولا تفوت مصلحة أعظم منها.

ثانياً: أن تكون المصلحة عامة وليست مصلحة شخصية لإنسان.

ثالثاً: أن تكون فى باب المعاملات، فليس هناك مصلحة مرسلة لا فى العبادات ولا العقائد.

رابعاً: ألا تتعارض هذه المصلحة مع الشرع أى مع الأدلة الثابتة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة والقياس الجلى، فإن تعارضت أصبحت مصلحة ملغاة وليست مصلحة معتبرة، و يقول الإمام مالك رحمه الله فى الكلام على المصلحة المرسلة: “ أن تكون هذه المصلحة ملائمة بين المصلحة التى تعتبر إصلاحاً قائماً بذاته وبين مقاصد الشرع، فلا تنافى أصلاً من أصوله ولا تتعارض مع دليل من أدلته بل تكون متفقة مع المصالح التى يقصدها الشارع، وأن تكون معقولة فى ذاتها، جرت على الأوصاف المناسبة المعقولة التى إذا عُرضت على العقول تلقتها بالقبول”

خامساً: أن يكون فى الأخذ بها دفع حرج لازم بحيث لو لم يؤخذ بها فى موضعها كان الناس فى حرج، ﻷن تضييق المصالح المرسلة يؤدى إلى الحرج، وفتح باب المصالح المرسلة يؤدى إلى ضياع الدين، وهذه تحتاج إلى مشرط جراح بين تحقيق المصالح المرسلة وهدم الدين، بمعنى أننا نريد أن يكون هناك ثبات على الدين وتحقيق المصالح للعباد والتوفيق بينها يحتاج إلى علماء الشريعة ولذلك ينبغى أن يكون هناك مرجعية شرعية للعمل السياسى

المنطلق الثالث الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:

ﻷن الناس يتصورون أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يكون فى المحرمات مثل الخمر والزنى والقتل وغير ذلك، ولكن أعلى درجات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هى ما يتعلق بالسياسة فالنبى صلى الله عليه وسلم يقول: “سيد الشهداء حمزة، ورجل قام عند إمام جائر أمره ونهاه فقتله”، فالأمر بالمعروف فى السياسة هو أعلى درجاته، ويقول أيضاً النبى صلى الله عليه وسلم: “أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر”.. فهى تنطلق

ايضاً من منطلقات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، يرد أيضاً سؤال فى هذه القضية أن العمل السياسى يدور فى جانب الاحتساب والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ةالبعض يقول نحن قد نشارك ولكن قد نعجز عن تحكيم شرع الله -سبحانه وتعالى- أو قد نعجز عن تحقيق المصلحة كلها أو دفع المضرة كلها، فهل ذلك يحملنا على عدم المشاركة فى العمل السياسى؟.. ننقل فى ذلك كلام شيخ الإسلام ابن تيمية يحدثنا عن واقعنا الذى نحن فيه الآن فيقول فى مجموع الفتاوى: “فمن ولى ولاية يقصد بها طاعة الله وإقامة ما يمكنه من الواجبات واجتناب ما يمكنه من المحرمات لم يؤاخذ بما يعجز عنه، فإن تولية الأبرار للأمة خير من تولية الفجار حتى وإن لم يستطيعوا أن يحكموا بكل ما أنزل الله إذا عجزوا عن ذلك” ثم يقول أيضاً فى مجموع الفتاوى: “ ومن الأصول الكلية أن المعجوز عنه فى الشرع ساقط الوجوب وأن المضطر إليه بلا معصية غير محظور، فلم يوجب الله ما يعجز عنه العبد ولم يحرم ما يضطر إليه العبد” ويقول أيضاً:” بل لو كانت الولاية غير واجبة وهى مشتملة على ظلم ومن تولاها أقام الظلم حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها ودفع أكثره باحتمال أيسره كان لك حسناً مع هذه النية، ولكان فعله لما يفعله من السيئة بنية دفع ما هو أشد منها جيداً”..وهذا مثل جمع الضرائب مثلاً فهى ولاية قائمة على الظلم، ثم يضرب مثالاً لذلك فيقول: “وهذا باب يختلف يختلف باختلاف النيات والمقاصد فمن طلب منه ظالم قادر مالاً فتوسط رجل بينهما ليدفع عن المظلوم كثرة الظلم، وأخذ منه وأعطى للظالم مع اختياره أنه لا يظلم ودفعه ذلك لو أمكن كان محسناً, ولو توسط إعانة للظالم كان مسيئاً”.. بمعنى أن رجل ظالم قادر وجاء لإنسان وقال له تعطنة 100 ألف ولن يتركه حتى يأخذ المبلغ فتوسط رجل لدى الظالم لكى يجعل المائة خمسين ألفاً، فأخذ الخمسين ظلم ولكن شيخ الإسلام يقول أن هذا رجل محسن ﻷنه خفف الظلم عن هذا الرجل، ولو كان توسط للظالم لدى المظلوم فأخذ منه ولو جنيهاً واحداً كان مسيئاً ﻷنه هنا يريد إيقاع الظلم، لكن فى الصورة الأولى يريد دفع الظلم ولذلك لم يكن كالصورة الثانية وهو إرادة ظلم العباد.. ويقول شيخ الإسلام أيضاً فى مجموع الفتاوى: “ولم يكن يوسف عليه السلام عندما تولى الأمر يمكنه أن يفعل كل ما يريد وكل ما يراه من دين الله، فإن القوم لن يستجيبوا له، لكن فعل الممكن من العدل والإحسان ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك وهذا كله داخل فى قوله تعالى: “فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ” التغابن16.

                                                ************************
أما بالنسبة ﻷمر تغير الفتوى الذى تكلم فيه الشيخ ياسرفالفتوى فى مصر مرت بمراحل كما ذكر من دستور 1923 حتى دستور 1971 وأثناء الصحوة الإسلامية حصل ضغط على الرئيس السادات فوضع أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع وكان العلماء يمنعون المشاركة فيه ﻷنه لم ينص أنها المصدر الرئيسى للتشريع، أم بعد عام 1981 عندم تم زيادة الألف واللام وأصبحت الشريعة هى المصدر الرئيسى تغيرت الفتوى وقال أهل العلم بجواز الدخول لكن كانوا يمنعون الدخول لوجود المفاسد الكبيرة وعدم وجود صورة من صور الإصلاح وكان لا يمكن الإصلاح بوجه من الوجوه، وكان ذلك سيشرعن الدولة أى يجعل لها شرعية بمشاركة الإسلاميين فيها، ولكن كانت المشاركة ستصبح ديكورية فكانوا يمنعون ليس ﻷنه لا يجوز ولكن لوجود مفاسد أكبر من المصالح التى يمكن أن تتحقق، إلى أن صدر حكم المحكمة الدستورية فى عام 1996 وأصبح العلماء يتكلمون أيضاً على جواز الدخول وصار الخلاف أضعف فى عدم الدخول، لكن كان الكلام على عدم الدخول ليس من ناحية شرعية الدخول ولكن من ناحية أن المفاسد أكبر من المصالح، إلى أن وصلنا للمرحلة الرابعة وهى سقوط الدستور كله بعد الثورة، فلم يعد هناك دستور وإنما إعلان دستورى ينص على هوية الدولة، وبالتالى قول معظم أهل العلم كان الدخول لتلك المجالس ﻷنه ليس هناك دستور ولنص المادة 60 من الإعلان الدستورى أنه سيتم عمل دستور بعد انتخابات مجلسى الشعب والشورى وبالتالى صارت الفتوى بعد ذلك على دخول ذلك البرلمان والمشاركة فيه.

الأمر الذى بعد ذلك هو ضوابط العوامل السياسى، فلا بد للعمل السياسى من ضوابط تضبطه وإلا قد ننجرف فى ذلك العمل ونضيع الطريق الذى بدأناه وسرنا فيه وهو الطريق الأصلى والأساس, وهى:

الضابط الأول: الذى نطمئن إخواننا به بإذن الله سبحانه وتعالى أن يتقيد عملنا السياسى  بمرجعية الشريعة أو أن ينضبط بضابط المصلحة الشرعية بمعنى أنه لا يضيق باب المصلحة فيفوت بعض المصالح الشرعية ولا يفتح على مصراعيه فيدخل فيه ما ليس منه.

الضابط الثانى: هو مراعاة التوازن بين المشاركة فى العمل السياسى والاشتغال بسائر الأعمال الدعوية، فالعمل السياسى ليس بديلاً عن الأعمال الدعوية وليس هو الطريق الأصلى للإصلاح بل هو مثل سور النهر وليس بديلاً عن النهر، أى أنه يشكل حماية للدعوة وهناك أيضاً انتشار من خلال العمل الدعوى فى المساجد وفى قوافل الدعوة وغيرها من صور سوف تطرح قريباً بإذن الله تعالى، فالعمل الدعوى سيسير فى طريقه كما هو بل سيزداد بإذن الله.
الضابط الثالث: ألا يفضى العمل السياسى إلا تشرذم العمل الإسلامى مما يؤدى لتفوق غيرهم عليهم، أننا لا يصح أن نعقد خصومات مع الإسلاميين ثم نجد أن الصوت الإسلامى قد تفتت وتفوق غيرنا علينا مما يحتاج إلى نوع من حسن التدبير حتى تحدث توافقات بيننا وبين الإسلاميين، وهى موجودة والحمد لله بين السلفيين جميعاً، وإن شاء الله سيمتد لبقية الإسلاميين فنحن نسعى إليه سعياً حثيثاً فلا نريد أن نفتت أصواتنا.

الضابط الرابع: ألا تتم تحالفات مع غير الإسلاميين بحيث يكون هناك إعانة على فصائل العمل الإسلامى.

الضابط الخامس: عدم الاستدراج لتقديم تنازلات لا تُقابل بمصالح راجحة، فإذا فُتح باب التنازلات فليس هناك حد تنتهي عنده، فعندنا ثوابت لن نتنازل عنها مهما كان ولن نستدرج إلى مثل تلك التنازلات.

الضابط السادس: العمل السياسى ليس شراً محضاً وليس خيراً محضاً ولكنه مما تختلط فيه المصالح والمفاسد وتزدحم فيه المنافع والمضار، فهو قد يكون من أساليب الاحتساب أى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واستصلاح الأحوال بغية تحقيق بعض المصالح ودفع بعض المفاسد ورفع بعض المظالم، فهو يدور فى فلك السياسة الشرعية، فحيث ظهرت فيه المصلحة ولم تعارض بمفسدة راجحة فلا بأس بالاشتغال به شريطة ألا تستنفذ فيه الطاقات وقد يكون واجباً إذا تعين وسيلة لتحصيل المصالح الراجحة وتعطيل المفاسد وتقليلها، وقد يكون حراماً إذا عظمت مفسدته وزاد ضره على نفعه ﻷنه ربما أدى إلى فساد فى العقيدة ولهذا فإن مسائل هذا الباب مما تتغير فيه الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال وذلك لتغير وجوه المصلحة، لذلك نحن نقول الآن أن هذا الكلام قد يتغير مستقبلاً بالسلب أو بالإيجاب حسب وجود الأحوال، فنحن نقول الفتوى فى زمن وهذا الزمن فيه رؤية معينة وإذا تغيرت الرؤية تتغير الفتوى.

الضابط السابع: هو الحرص التام على عدم الاستجابة للضغوط الإعلامية والسياسية ﻷن تلك الضغوط تضغط من أجل تغيير تلك الثوابت التى قمنا عليها

الضابط الثامن: هو التجرد التام فى قياس المصالح والمفاسد، أى لا نقول مصلحة ومفسدة بالهوى بل لا بد أن يكون هناك تجرد تام فى تقييم المصلحة والمفسدة.

- هناك بعض الاعتراضات قد يراها البعض فى المشاركة السياسية فيقول أنتم تشاركون فى الديمقراطية ولقد فرق الشيخ بين الديمقراطية الغربية وبين آليات الديمقراطية يعنى الموجودة فى اختيار الرئيس وغير ذلك من الأمور، أما أن نترك المشاركة من أجل هذا ونعتزل الحياة السياسية فهذا تمكين للأعداء من السلاح الذى يقتلوننا به ونكون مهمشين لا دخل لنا فى الحياة ولا نستشار وتصبح الكلمة للباغي وهذا ممنوع شرعاً.

الأمر الثانى: هو المحور الإعلامى وقد بدأت باكورة المحور الإعلامى بإنشاء المركز الإعلامى ووجود متحدث إعلامى باسم الدعوة وأنتم ترون الخير الكثير الذى ترتب على  وجود هذا المتحدث الذى تربى فى هذه الدعوة وأصبحت له قدرات بفضل الله، وصار من القوى التى تُهاب من العلمانيين وغيرهم، لكن سيكون هناك مدرسة مثل هذا المتحدث الإعلامى بإنشاء المركز الإعلامى، وهذا اتجاه إعلامى لنشر هذه الدعوة.

الأمر الثالث: هو المسلك السياسى, إذاً المسلك السياسى ليس هو الدعوة وإنما هو أحد أنشطة الدعوة، فالنشاط الأول والأصلى هو الدعوة وهذه روافد وفروع تقوى الدعوة وتمارس العمل الدعوى.

الأمر الرابع: هو العمل الاجتماعى

هل المشاركة هى رضا بالقوانين الوضعية؟ إن هذا لا يلزم منه الأخذ بتلك القوانين المخالفة ولا التزامها لكن الإنسان يصلح ما يستطيع وإذا لم يشارك فإن القوانين ستطبق عليه رضى أم أبى، فإما ألا يشارك وتزداد القوانين المخالفة للشريعة وإما أن يشارك ويقلل هذه القوانين المخالفة للشريعة، فهو لا يخرجه عن تلك القوانين عدم مشاركته بل إذا شارك سيقلل اضرر وإذا لم يشارك فالقوانين ستطبق عليه كما هى وهذا الأمر يعتبر من ارتكاب أخف الضريين، فإن شاركنا فى دفع الضرر ولم نستطع دفعه بالكلية فذلك يكون بارتكاب أخف الضرربن وتحقيق أعظم المصلحتين وكما سمعنا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

هل المشاركة ركون إلى الظالمبن؟ إن الركون المنهى عنه إنما هو مشاركتهم فى ظلمهم أو الرضا بما هم عليه وتزيين ذلك لهم، أم المشاركة لجلب النفع ودفع الضر والإنكار عليهم لا يكون من ذلك.
هل المشاركة إناطة التشريع بمن يكون داخلاً للبرلمان؟ أى تعليق التشريع على من يدخل البرلمان "المجلس التشريعى" الذى هو فى نفس الوقت تنحية شرع الله والقسم بالله على احترام ذلك الوضع والوفاء له، فإن الدساتير التى تنص على مرجعية الشريعة أو حتى أن الدين الإسلامى هو دين الدولة فيمكن من خلالها انتفاء هذه النقطة ولذلك المادة الثانية جاءت فى أول الدستور وكل ما بعدها يُفسر من خلالها.

هناك فتاوى جاءت فى دخول البرلمان نذكر منها فتوى الشيخ ابن باز -رحمه الله- كانت قد جاءت فى مجلة المجتمع الكويتية وأجاب فيها عن سؤال وُجه إليه حول شرعية الترشح للبرلمان وحكم الشرع فى استخراج بطاقة الناخب بنية انتخاب الإسلاميين ،فقال رحمه الله: إن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" لذا فلا حرج من الالتحاق بمجلس الشعب إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق وعدم الموافقة على الباطل، لما فى ذلك من نصرة الحق والانضمام إلى الدعاة إلى الله، كما أنه لا حرج فى استخراج البطاقة التى يستعان بها على انتخاب الدعاة الصالحين وتأييد الحق وأهله والله ولى التوفيق.

وقد سئل الشيخ محمد بن  صالح العثيمين -رحمه الله- عن حكم الانتخابات الموجودة فى الكويت، علماُ أن أغلب من الإسلاميين ورجال الدعوة فُتنوا فى دينهم، وما حكم الانتخابات الفرعية القبلية، فقال رحمه الله: "أنا أرى أن المشاركة فى الانتخابات واجبة يعنى أن نعين من نرى أن فيه خيراً ﻷنه إن تقاعس أهل الخير من يحل محلهم؟ أهل الشر أو السلبيون الذين ليس عندهم لا خير ولا شر اتباع كل ناعق، فلا بد أن نختار من نراه صالحاً فإذا قال قائل: اخترنا واحداً لكن أغلب المجلس على خلاف ذلك فنقول لا بأس، فهذا الواحد إن جعل الله فيه بركة وألقى كلمة حق فى وجه المجلس سيكون لها تأثير ولا بد، لكن ينقصنا الصدق مع الله نحن نعتمد على الأمور المادية الحسية ولا ننظر إلى كلمة الله عز وجل، ثم يقول ماذا تقول فى موسى عليه السلام عندما طلب منه فرعون موعداً ليأتى بالسحرة فواعده موسى ضحى يوم الزينة وهو يوم العيد ﻷن الناس يتزينون فيه فى رابعة النهار وليس فى الليل وفى مكان مستو فاجتمع العالم فقال لهم موسى عليه السلام ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فسيخطكم بعذابه وقد خاب من افترى كلمة واحدة صارت كالقنبلة وقال الله بعده: " فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى" طه62 والتنازع يفضى إلى الفشل وبمجرد إطلاقه للكلمة حدث الفشل فى هؤلاء، والنتيجة أن هؤلاء السحرة آمنوا بموسى عليه السلام، رغم أنهم قد اجتمعوا فى هذا الموقف ومعهم أعتى حاكم فى التاريخ ومع ذلك لم يهابوه وأسلموا من كلمة قالها موسى عليه السلام، فينبغى أن نتوكل على الله سبحانه ونعتمد عليه ونصدق الله سبحانه وتعالى"، فيقول رحمه الله: حتى لو فُرض أن مجلس البرلمان ليس فيه إلا عدد قليل من أهل الحق سينفعون بإذن الله ولكن عليهم أن يصدقوا الله عز وجل، أما أن البرلمان لا يجوز ولا مشاركة الفاسقين أو الجلوس معهم، فنحن لا نجلس لنوافقهم وإنما لنبين لهم الصواب.. بعض الإخوان من أهل العلم قالوا لا تجوز المشاركة ﻷن هذا الرجل المستقيم يجلس جوار المنحرف، هل هذا الرجل المستقيم يجلس بجوار الرجل المنحرف لينحرف أو ليقيم المعوج؟ نعم ليقيم المعوج ويعدل منه إذاً إذا لم ينجح هذه المرة نجح فى المرة التى بعدها.

وهناك سؤال موجه للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية يقول السائل: كما تعلمون عندنا فى الجزائر ما يسمى بالانتخابات التشريعية وهناك أحزاب تدع للحكم الإسلامى، وهناك أخرى لا تريده فما حكم الناخب على غير الحكم الإسلامى مع أنه يصلى؟.. تقول اللجنة وكان فيها الشيخ ابن باز والشيخ عبد الزاق عفيفى والشيخ عبد الله بن قاعود:” يجب على المسلمين فى البلاد التى لا تُحكم الشريعة الإسلامية أن يبذلوا جهدهم وما يستطيعون فى الحكم بالشريعة الإسلامية، وأن يقوموا  بالتكاتف يداً واحدة بمساعدة الحزب الذى يعرف عنه أنه سيحكم بالشريعة الإسلامية، أما مساعدة من ينادى بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية فهذا لا يجوز، بل يؤدى بصاحبه إلى الكفر لقول الله تعالى: "وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ. أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ” المائدة49-50، ولذلك لما بين الله كفر من لم يحكم بالشريعة الإسلامية حذر من مساعدتهم أو اتخاذهم أولياء وأمر المؤمنين بالتقوى إن كانوا مؤمنين حقاً فقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" المائدة57، وبالله التوفيق”.


هذه كانت فتاوى بعض أهل العلم فى تلك المسألة أى دخول البرلمان.. هذا ما يعنيننا فى هذا الأمر ونكتفى بهذا القدر، وأقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com