الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفرية الكبرى

... وكأن المسلمون متعطشون لسفك الدماء وإكراه الناس علي ما يريدون، والأمر ليس كذلك بل أرحم الخلق بالخلق هم أهل الإسلام ...

الفرية الكبرى
إيهاب شاهين
الأربعاء ٢١ يناير ٢٠١٥ - ١٢:٣٤ م
1338

الفرية الكبرى

   كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مما أثاره المستشرقون والمبشرون ونشروه بغرض الطعن علي الإسلام وأهله هذه الفرية الكبرى – أن الإسلام انتشر بالسيف – وكأن المسلمون متعطشون لسفك الدماء وإكراه الناس علي ما يريدون، والأمر ليس كذلك بل أرحم الخلق بالخلق هم أهل الإسلام – والذى يقرأ التاريخ تظهر له هذه الحقيقة جلية ، للرد على هذه الفرية نمر مرورا سريعا على بعض أحداث السيرة النبوية ، منها أن مدة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت ثلاث وعشرين سنة وهذا مما اتفق عليه المؤرخون من المسلمين والغربيين – فى الخمسة عشر سنة الأولى كانت الدعوة إلى الدخول في الإسلام بالحجة والبرهان والموعظة الحسنة وهذا مما اتفقوا عليه أيضا – إذًا الكم الهائل من البشر الذى اعتنق الإسلام فى هذه الحقبة الزمنية كان يدخل الإسلام طواعية مختارا.

ولما سأل هرقلُ أبا سفيان وكان يومئذ كافرا أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب،والحق ما شهدت به الأعداء.

 وليس معنى هذا الكلام إبطال جهاد الطلب الذى قال الله فيه "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " الأنفال39. لكن هذا الجهاد له غاية سامية يجهلها هؤلاء المرجفون الذين ظنوا أن الجهاد إنما شرع لأن المسلمين متعطشون إلى الدماء ويريدون إرغام الناس على الدخول في الدين ، وجهل هؤلاء أن هذا الأمر يخالف العقل والشرع.

أما من جهة العقل: فإنَّ مَنْ أُكرِه على شيء لا يلبث أن يتحلَّل منه إذا وجد الفرصة سانحة لذلك، بل ويُصْبِح حربًا على هذا الذي أُكره عليه إلاَّ أنَّ التاريخ لم يُثبت مثل هذا؛ وإنما ثبت أن من كان يُسلم لم يتوانَ للحظة واحدة في الدفاع عن هذا الدين الذي أَسَرَ لُبَّه بكل ما يملك.

ومن جهة الشرع : فقد قال الله تعالى لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ؛ قال ابن كثير رحمه الله: يعنى لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام ، فإنه بيِّن واضح جليُّ دلائله ، وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ، بل من هداه الله للإسلام ، وشرح صدره ، ونوّر بصيرته دخل فيه على بينة ، ومن أعمى الله قلبه ، وختم على سمعه ، وبصره ، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً.

 أما الغاية السامية منه – قد ذكرها بكلمات مختصرة جامعة رِبْعيُ بنُ عامرٍ في موقف فريد سأل رستُمُ - قائد الفرس- رِبْعيَّ بنَ عامرٍ رسولَ سعدِ بن أبي وقاص في القادسية ، عن سبب خروج المسلمين للجهاد في سبيل الله وقال له: ما جاء بكم ؟ قال : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم ـ فما تحركت جيوش الإسلام إلا لنشر العدل ، وإحقاق الحق في الأرض ، وإزهاق الباطل ، ونشر السلام بين الأنام  وليدفع عن المؤمنين الأذى والفتنة التي كانوا يسامونها، وليكفل لهم الأمن على أنفسهم وأموالهم وعقيدتهم - جاهد الإسلام ليقيم في الأرض نظامه الخاص ويقرِّره ويحميه، وهو وحده النِّظام الذي يحقِّق حرِّية الإنسان تجاه أخيه الإنسان ؛ حينما يقرر أنَّ هناك عبودية واحدة لله الكبير المتعال، ويلغي من الأرض عبوديَّة البشر للبشر بجميع أشكالها وصورها.

 فليس هنالك فرد ولا طبقة ولا أمة تشرع الأحكام للناس، وتستذلهم عن طريق التشريع. إنَّما هنالك ربٌّ واحد للناس جميعاً هو الذي يشرع لهم على السَّواء، وإليه وحده يتَّجهون بالطَّاعة والخضوع، كما يتَّجهون إليه وحده بالإيمان والعبادة سواء.

وإذا كانت القوى الغربية تسعى لنشر مذاهبها الإلحادية اشتراكية تارة ورأسمالية تارة وديمقراطية تارة وليبرالية تارة - بكل ممكن ومستطاع بالقهر والخداع والنووى واليورانيوم فلماذا ينقمون علينا نشر الحق الذى معنا  دون قهر أو خداع أو مكر.

 لذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أو جيش "أوصاه بتقوى الله في خاصة نفسه وبمن معه من المسلمين خيرا وقال إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال أو خلال فأيتها أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما على المهاجرين فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجرى عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم فإن أبوا فاستعن بالله تعالى وقاتلهم وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله تعالى فلا تنزلهم فإنكم لا تدرون ما يحكم الله فيهم ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم اقضوا فيهم بعد ما شئتم" صححه الألباني.

إذًا لم يحمل الإسلام السَّيف ليكره النَّاس على اعتناقه عقيدة؛ ولم ينتشر السيف على هذا المعنى الذي يصوره أعداء الإسلام! فالأمر كما يقولون رمتني بدائها وانسلت .

 إذا نظرت في جنبات الأرض تجد دماء المسلمين مراقة علي أيدي الحاقدين من غير المسلمين بكل أنواع الأسلحة الفتاكة شرقا وغربا وإكراها للمسلمين علي ترك دينهم وحربا علي الإسلام لإبادة أهله دون مراعاة لحق شيخ كبير أو طفل صغير أو امرأة ثكلي ، أما الإسلام فقد جاهد ليقيم نظاماً آمناً يأمن في ظلِّه أصحاب العقائد جميعاً، ويعيشون في إطاره خاضعين له وإن لم يعتنقوا عقيدته . والمتأمل للتاريخ والسير يظهر له بكل وضوح وجلاء أن غير المسلمين لم يعهدوا أمنا وأمانا إلا في ظل الإسلام المشتمل على العدل والإنصاف والرحمة . والحمد لله رب العالمين .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة