الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدولة وصراع الهوية والتغريب

هذه الدعوة تحتاج - لاسيما في هذه المرحلة - إلى ظهير يحميها، ويوفر لها ما يمكن من أسباب التواجد والحضور والتأثير

الدولة وصراع الهوية والتغريب
محمد خشبة
السبت ٢١ فبراير ٢٠١٥ - ١٤:٢٢ م
1322

الدولة وصراع الهوية والتغريب

كتبه/ محمد خشبة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لا شك أن تيارات العلمنة والتغريب تشن الآن أقوى هجماتها ضد كل ما يحمل نكهة إسلامية ويحاول الحفاظ على هوية هذا البلد، مستغلة في ذلك تداعيات زلزال 30 يونيو لفرض واقع إقصائي لمن يسموهم الإسلاميين من جميع مواقع التأثير الدعوي والسياسي والمجتمعي.

ولا شك كذلك أن الحالة الرخوية للدولة ومرحلة إعادة تشكيلها هي الفرصة المثالية التي ينتظرها هؤلاء لفرض تصوراتهم، وأنهم يضغطون على الدولة بقوة - بما لهم من نفوذ مالي وإعلامي وخارجي - من أجل أن تميل إليهم وتتبنى توجهاتهم، مستغلين في ذلك حالة العداء التي بين الدولة وبين معظم الفصائل التي تنسب نفسها للاتجاه الإسلامي، ومستغلين كذلك أخطاء قطاع كبير ممن ينتمون إلى هذا التيار، وإصرارهم على الانفصال عن الواقع والانعزال عن المجتمع والوقوف في خندق العداوة له..

لكن هناك فارق كبير بين أن تكون العلمانية والحرب على ثوابت الإسلام هي التوجه الرسمي للدولة، وبين أن تتبنى الدولة البراجماتية المجردة في هذه المرحلة، وتسعى إلى إحداث توازنات معينة بين الأطراف المتصارعة، وإلى إرخاء الحبل لهذا تارة ولهذا تارة، في سبيل الوصول إلى ما تراه مصلحتها، في ظل ظروف متشابكة وتجاذبات معقدة وضغوط داخلية وخارجية مركبة، وفي ظل محاولة تدجين الجميع، وإضعاف وإفزاع الجميع بالجميع، وفي ظل فكرة غير سلفية - بالتأكيد - عن الإسلام، ومحاولة إيجاد البدائل الأكثر توافقا مع شكل الدولة الذي يعاد تشكيله الآن.

وهذه النظرة هي - وحدها - ما أستطيع به تفسير - وليس تبرير- تحركات الدولة في الاتجاهات المختلفة - وربما المتعارضة -، وما أستطيع به تفسير الانتقاد والضغط العلماني القوي على الدولة لتوجيهها إلى وجهة معينة، وكسب نقاط أكثر في الصراع، وتابع (ابراهيم عيسى) مثلا لترى نموذجا واضحا لذلك.

أما النظرة العوراء التي يريد بها البعض إثبات فكرة معينة عند السُذَّج لتحقيق مكسب سياسي، من خلال التركيز على مواقف بعينها للدولة - كترك المجال الإعلامي مفتوحا إلى حد كبير أمام الأفكار العلمانية مثلا - فإن هذه النظرة ستعجز عن تفسير مواقف أخرى كثيرة في الاتجاه المقابل، من أهمها ما رأيناه من ضغط الدولة الجديدة في اتجاه الحفاظ على مواد الهوية في الدستور، وكذلك ما نراه من ترك الساحة الدعوية مفتوحة -إلى حد كبير- أمام العاملين فيها، وحتى أمام بعض من لهم توجهات سياسية معارضة معروفة للجميع، والأمثلة على ذلك لا تُحصى كثرة.

فالدولة مازالت تتأرجح بين الأطراف، وتُعمِل التوازنات بنظرة مصلحية بحتة، وتترقب لترى صاحب الحضور والتأثير الأكبر والأقوى لتميل معه، ولست أحسب عاقلا يرى أنه من المصلحة ترك الساحة الآن ونحن في أوجه، و(إلقاء الفوطة) والتراجع طوعا عن مواقع التأثير المتاحة لنا، وإلقاء الدولة في أحضان العلمانيين بالإصرار والتأكيد على أن الدولة تتبنى العلمانية، فهذا غاية ما يريده العلمانيون، وعندها سنكون قد أرحناهم من الصراع، وأرحنا الدولة من التردد.

ونحن ندرك أن طريقنا الوحيد في مواجهة هؤلاء - بعد الاستعانة بالله وصدق اللجوء إليه - هو طريق الدعوة والتربية، لكن هذه الدعوة تحتاج - لاسيما في هذه المرحلة - إلى ظهير يحميها، ويوفر لها ما يمكن من أسباب التواجد والحضور والتأثير، ولا معنى لأن نتخلى عما يسره الله لنا من الأسباب المشروعة لذلك، وإلا فلن نجد نحن بعدها -من مساحات التواجد والتأثير الدعوي والمجتمعي والسياسي- إلا الفتات، بل ربما لا نجد حتى الفتات!!!

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة