الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

من أسباب الثبات في الفتن

نحتاج في مواجهة هذه الفتن الأخذ بأسباب الثبات والعض عليها، ولذا أذكر طرفًا منها

من أسباب الثبات في الفتن
عبد القادر عمر
الأحد ٠١ مارس ٢٠١٥ - ١٤:٤٢ م
1616

من أسباب الثبات في الفتن

كتبه / عبد القادر عمر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإنه كلما اقترب الزمان مِن نهايته كلما ازدادت الفتن، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ) (رواه مسلم).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

 بل تكثر الفتن على المؤمن في آخر الزمان حتى يتمنى الموت، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْرِ فَيَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلا الْبَلاءُ) (رواه مسلم).

وتعظم الفتن وتكثر إلى أن تأتي أكبر فتنة على الإطلاق "فتنة الدجال": فعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ) (رواه مسلم).

فنحتاج في مواجهة هذه الفتن الأخذ بأسباب الثبات والعض عليها، ولذا أذكر طرفًا منها؛ تذكيرًا لنفسي أولاً ولإخواني:

أولاً: الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم السلف -رضوان الله عليهم-: عن أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ)، فَلَمْ يَسْمَعْهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: أَلا تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالُوا: مَا قَالَ؟ قَالَ: (إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ)، قَالُوا: فَكَيْفَ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: (تَرْجَعُونَ إِلَى أَمْرِكُمُ الأَوَّلِ) (أخرجه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني).

وكلما تمسك العبد بالكتاب والسنة -علمًا وعملاً- كلما ازداد ثباتًا وهداية: قال الله -تعالى-: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:102).

قال العلامة السعدي -رحمه الله-: "فلا يزال الحق يصل إلى قلوبهم شيئًا فشيئًا، حتى يكون إيمانهم أثبت من الجبال الرواسي" (تيسير الكريم الرحمن).

ثانيًا: فعل الطاعات والعبادات "من واجبات ومستحبات" وترك المنهيات "من محرمات ومكروهات": قال الله -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) (النساء:66).

قال العلامة السعدي -رحمه الله-: "فإن الله يثبت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به مِن الإيمان الذي هو القيام بما وعظوا به، فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الأوامر والنواهي والمصائب" (تيسير الكريم الرحمن).

ثالثًا: دراسة سير الأنبياء والمرسلين: قال الله -تعالى-: (وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود:120).

قال العلامة السعدي -رحمه الله-: "ويتأيد الحق بذكر شواهده وكثرة مَن قام به" (تيسير الكريم الرحمن).

رابعًا: لزوم صحبة الصالحين وعدم مفارقتهم: قال الله -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف:28)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الذِّئْبَ يَأْكُلُ الْقَاصِيَةَ) (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني).

خامسًا: الانشغال بالعمل الدعوي "والذي يشمل النصيحة والخطبة والدرس والدعوة الفردية و... ": وهذا مِن أعظم أسباب الثبات؛ فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.

سادسًا: سؤال الله الثبات والتعوذ من الفتن: فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر مِن دعاء الله بتثبيت قلبه؛ بل كان هذا أكثر دعائه -صلى الله عليه وسلم-، فعن شهر بن حَوْشَب قال: قُلْتُ لأُمِّ سَلَمَةَ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ: (يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

وقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بالتعوذ من الفتن: فقال -صلى الله عليه وسلم-: (تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) (رواه مسلم).

فاللهم ثبِّت قلوبنا على دينك، واعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على محمد، والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً