الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الشريعة وحاجيات العصر الحديث

الله الذي أنزل هذه الشريعة وجعلها خاتمة وأنزل فيها أحكاما تناسب كل عصر

الشريعة وحاجيات العصر الحديث
إيهاب شاهين
الجمعة ١٣ مارس ٢٠١٥ - ٢٢:٥٥ م
1826

الشريعة وحاجيات العصر الحديث

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تسعي طائفة من الناس ممن يطلقون علي أنفسهم ( النخبة – المثقفين – التنويرين ) وغيرها من المسميات التي توحي بأنهم وحدهم من يمتلكون حق التثقيف للمجتمع وإخراجه من حالة الجمود إلي حالة التمدن والتطور ومسايرة الأحداث ، ويرومون إحداث حالة نفسية لدي باقي المجتمع من خلال إطلاق هذه المسميات بأن غيرهم ظلاميين وجهلاء ، حتي يتقبلون كلامهم بعين الإكبار والإجلال وإذا تكلموا هم يجب علي الجميع الإنصات ، تسعي هذه الطائفة إلي عولمة المجتمعات الإسلامية ، بل عولمة الأحكام والمعاملات الإسلامية. ولكي تنجح هذه الخطة زعموا أن الشريعة الإسلامية جاءت في حقبة زمنية معينة وكانت وقتئذ تناسب المجتمع الصغير البدوي، أما هذا الزمان الذي زاد فيه تعداد السكان وزادت حاجياتهم وظهرت فيه المخترعات وصعود الفضاء واكتشاف الذرة فلا تقوي هذه الشريعة أن تواكب هذه التطورات والاختراعات وتلبية حاجات المجتمع الكثيرة المتغيرة المختلفة ومن ثم قالوا أليس منَ الأحفظ للشريعة أن نصونها تراثا مقدسا نذكره بكل الإكبار والإجلال ، كظاهرة تاريخية فذة ثم ننطلق نحن نقيم بناءنا التشريعي المعاصر من وحي حاجتنا المعاصرة بعيدا عن التقييد بهذه الظاهرة التاريخية فنصون بذللك تراثنا من العبث ونحرر مسيرة تقدمنا من الجمود والأسر؟! ومما زعموه وادعوه أن جوهر الإنسان هو التغيُّر، وجوهر الشريعة هو الثبات، فكيف للقوالب التشريعية الثابتة أن تلبي حاجات الإنسان المتغيرة ، ولذلك سعوا إلي بديل يوفي بحاجاتهم فزعموا أنهم قد وجدوا بغيتهم في القوانين الوضعية المكتسبة من الدول الغربية المتقدمة الحديثة ، فقالوا إن هذه القوانين ترسي مبادئ عامة وهامة لطرق التعامل بين الأفراد والدول والمجتمعات وهذه المبادئ هي ( الحرية- المساواة – العدل – الشوري ) ، بادئ ذي بدء حتي يتم تفنيد هذه الشبهات يكون الخطاب علي شقين ، خطابا لمن يؤمن بالله ربا إلها حاكما لا يريد العسر بالناس ولا الظلم لهم ، والشق الآخر خطاب لهؤلاء العلمانيين بتفنيد شبهاتهم

أولا: الله الذي أنزل هذه الشريعة وجعلها خاتمة وأنزل فيها أحكاما تناسب كل عصر، قال عز وجل: ما فرطنا في الكتاب من شيء (الأنعام:38)، وقال عز وجل: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء "وقال عز وجل " ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ"

ثانيا: قولهم إنَّ جوهر الإنسان هو التغيُّر، وجوهر الشريعة هو الثبات يُعَدُّ في الواقع تغافُلاً عن حقيقة الشريعة وحقيقة الإنسان؛ فلا الشريعة ثابتة في كل أحوالها، ولا الإنسان متغيِّر في كل شؤونه، فالشريعة منها ما هو ثابت محكَم، وهو القطعيات ومواضِعُ الإجماع، ومنها ما هو متغيِّر نِسْبِيٌّ، وهو الظنيَّات وموارد الاجتهاد؛ بل إن منها منطقة العفو التي أحالت فيها إلى التجربة والمصلحة، في إطار من قواعد الشرع الكلية ومقاصده العامة. ولقد كان منهجُ الشريعة في ذلك كلِّه إجمالَ ما يتغيَّر وتفصيلَ ما لا يتغير، ولهذا فصَّلَتِ القول في باب العقائد، وباب العبادات، وأحكام الأسرة ونحوه، وأجملَتِ القول في كثير من المعاملات التي تتجدد فيها الحاجات، وتكثر فيها المتغيرات، واكتفت فيها بإيراد المبادئ العامة والأُطُر الكليَّة، تاركةً للخبرة البشرية أن تتصرف في حدود هذه الأُطُر بما يحقق المصلحة ويدفع الحاجة، ولهذا جعلت الأصل في العقود والشروط هو الإباحةَ إلا أن يأتي نصٌّ بالتحريم، في الوقت الذي قررتْ فيه أن العباداتِ توقيفيَّةٌ، وجعلتِ الأصل فيها هو المنعَ، حتَّى يأتيَ دليلٌ يدل على المشروعية .أما تغيُّر الإنسان، فإن ذلك ليس على إطلاقه؛ لأن من شؤون الإنسان ما هو ثابت، ومنها ما هو متغيِّر متجدِّدٌ؛ فالغرائز الفطرية والحاجات الأساسية للإنسان ثابتة مُحْكَمَة، وسيَظَلُّ الإنسان ما بَقِيَ الليلُ والنهار، ومهما تغيَّر الزمان والمكان في حاجة إلى عقيدة يعرف بها سِرَّ وجودِهِ واتصاله بخالقه، وإلى عبادات تُزَكِّي رُوحَه وتُطَهِّرُ قلبه، وإلى أخلاق تُقَوِّم سُلوكه وتُهَذِّبُ نفسَه، وإلى شرائعَ تُقِيمُ مَوَازِينَ القِسط بينه وبين غيره؛ فالَّذي يتغيَّر من الإنسان هو العَرَض لا الجوهر، الصورة لا الحقيقة، ولقد تعاملتْ نصوص الشريعة مع الإنسان على هذا الأساس؛ ففَصَّلَتْ له القول في الثابت الذي لا يتغير من حياته، وسكتتْ أو أجملتْ فيما من شأنه التغيُّر والتجدُّد .

ثالثا: دعوى أن الشريعة الإسلامية لا تصلح لهذا العصر وقد وجدنا بغيتنا في المبادئ التي أرستها القوانين الوضعية، دعوى عارية من الدليل؛ لأن الشريعة هي التي أرست المبادئ التي تنادي بها القوى الكبرى اليوم، من حرية ومساواة وشورى... إلخ . فمبدأ المساواة بين الناس ، في قوله عز وجل: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم (الحجرات: 13).

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى. وقد جاءت الشريعة بهذا المبدأ منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا، بينما القوانين الوضعية التي يفخر بها الجهلاء، لم تعرف هذا المبدأ إلا في أواخر القرن الثامن عشر، ولا تزال معظم الدول الأوربية والولايات المتحدة، تطبق هذا المبدأ تطبيقا مقيدا.

وقد قررت الشريعة من يوم نزولها مبدأ "الحرية" في أروع مظاهرها، فقررت حرية الفكر، وحرية الاعتقاد، وحرية القول، والنصوص في ذلك كثيرة منها قوله عز وجل: قل انظروا ماذا في السماوات والأرض (يونس: 101)، وقوله عز وجل: وما يذكر إلا أولو الألباب (آل عمران)، وقوله عز وجل: لا إكراه في الدين (البقرة: 256)، وقوله عز وجل: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (آل عمران:104).قال ابن كثير في تفسيره : في قوله تعالى" لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين "أي : لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام ، فإنه بيِّن واضح جليُّ دلائله ، وبراهينه لا تحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ، بل من هداه الله للإسلام ، وشرح صدره ، ونوّر بصيرته دخل فيه على بينة ، ومن أعمى الله قلبه ، وختم على سمعه ، وبصره ، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً .

ومبدأ الحرية بشعبه الثلاث لم تعرفه القوانين الوضعية إلا بعد الثورة الفرنسية، ولكن الجهلاء يسلبون الشريعة الإسلامية فضائلها، ويدعونها للقوانين الوضعية.

ومن المبادئ التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية مبدأ "العدالة المطلقة" وذلك في قوله عز وجل: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل (النساء: 58)، وقوله: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا (المائدة: 8) وقوله: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا (النساء: 135)، وهذا المبدأ الذي جاءت به الشريعة من يوم نزولها لم تعرفه القوانين الوضعية إلا ابتداء من أواخر القرن الثامن عشر.هذه المبادئ الثلاثة التي تقوم على أساسها القوانين الوضعية الحديثة، عرفتها الشريعة قبل القوانين بأكثر من أحد عشر قرنا، فكيف تصلح القوانين للعصر الحاضر ولا تصلح الشريعة وهي تقوم على نفس المبادئ؟!وجاءت الشريعة الإسلامية بمبدأ الشورى من يوم نزولها، وذلك في قوله عز وجل: وأمرهم شورى بينهم (الشورى: 38)، وقوله عز وجل: فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر (آل عمران: 159)، ولقد سبقت الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية بأحد عشر قرنا في تقرير هذا المبدأ، عدا القانون الإنجليزي الذي أخذ بالمبدأ بعد الشريعة بعشرة قرون.فالقوانين الوضعية حين قررت مبدأ الشورى لم تأت بجديد، وإنما انتهت إلى ما بدأت به الشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية جاءت من يوم نزولها بتقييد سلطة الحاكم، وباعتباره نائبا عن الأمة، وبمسئوليته عن عدوانه وأخطائه؛ فالشريعة تسري على الحاكم وغير الحاكم بمنزلة سواء، والحاكم مقيد في تصرفاته بنظرية المساواة.ولقد جاءت الشريعة بهذه المبادئ التي تقوم عليها الحكومات العصرية، قبل أن تعرف القوانين الوضعية هذه المبادئ بأكثر من أربعة عشر قرنا، فكيف يقال: إن الشريعة لا تصلح للعصر الحاضر؟!ولو تتبعنا المبادئ الإنسانية والاجتماعية والقانونية التي يعرفها هذا العصر، ويفخر بها أبناؤه لوجدناها كلها واحدا واحدا - في الشريعة الإسلامية على أحسن الصور، وأفضل الوجوه.

والعجيب أن تُتهم الشريعة بالجمود وعدم الصلاحية من قِبَل فريق من جِلْدَتِنا ويتكلمون بأَلْسِنَتِنا، في الوقت الذي نرى فيه من فلاسفة الغرب وأصحاب الرأي فيه مَن يُشيد بهذه الشريعة، ويشهد لها بالخلود والحيوية والتفوقومن ضمن هؤلاء:

1- بوفيس فانسون رئيس تحرير مجلة (تشالينجز) 4/10/1429هـ الموافق 5/10/2008.

ففي افتتاحية مجلة "تشالينجز"، كتب "بوفيس فانسون" رئيس تحريرها موضوعا بعنوان (البابا أو القرآن) أثار موجة عارمة من الجدل وردود الأفعال في الأوساط الاقتصادية.

فقد تساءل الكاتب فيه عن أخلاقية الرأسمالية؟ ودور المسيحية كديانة والكنيسة الكاثوليكية بالذات في تكريس هذا المنزع والتساهل في تبرير الفائدة، مشيرا إلى أن هذا السلوك الاقتصادي السيئ أودى بالبشرية إلى الهاوية.

وتساءل الكاتب بأسلوب يقترب من التهكم عن موقف الكنيسة ومستسمحا البابا بند يكيت السادس عشر قائلاً أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزرى؛ لأن النقود لا تلد النقود.

2- رولان لاسكين رئيس تحرير صحيفة (لجورنال دي فينانس) بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جراء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة.

وفي مقاله الذي جاء بعنوان: (هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟)، عرض لاسكين المخاطر التي تحدق بالرأسمالية وضرورة الإسراع بالبحث عن خيارات بديلة لإنقاذ الوضع، وقدم سلسلة من المقترحات المثيرة في مقدمتها تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية برغم تعارضها مع التقاليد الغربية ومعتقداتها الدينية. هذا وقد أعد التلفزيون الألماني قد أعد وعرض برنامجاً عن ذلك وعن صحيفة الفاتيكان الرسمية وأجرى مقابلة مع خبيرة الاقتصاد (لوريتا نابوليوني) قالت كلاماً كثيراً في الثناء الشديد على أنظمة الشريعة الإسلامية الاقتصادية وقالت بصريح العبارة بأن تلك الأنظمة الإسلامية هي الحل الوحيد للخروج من الأزمة ولا يوجد حل غيره أبدا وأن على السياسيين الغربيين التغاضي عن مواقفهم السياسية تجاه الشريعة الإسلامية وإلا واصل الاقتصاد الغربي انهياره. والحمد لله رب العالمين.

 

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً