الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (27)

بداية التدخل الأمريكي الفعـَّال في القضية الفلسطينية في الأربعينيات

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (27)
علاء بكر
الأحد ٢٩ مارس ٢٠١٥ - ١٣:١٣ م
1272

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (27)

بداية التدخل الأمريكي الفعـَّال في القضية الفلسطينية في الأربعينيات

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد شهدت المدة ما بيْن نهاية الحرب العالمية الأولى وبداية الحرب العالمية الثانية احتضان بريطانيا للحركة الصهيونية، حيث مكـَّنتها مِن أرض فلسطين في ظل تغاضي دول العالم الغربي، وبرعاية "عصبة الأمم"؛ وهل كانت تستطيع الحركة الصهيونية الوليدة بمفردها مهما كان تطرفها أن تصل إلى تحقيق ما حققته بدون هذا الاحتضان البريطاني؟! لكن يحسب للحركة الصهيونية كيف أنها استطاعت توجيه السياسة البريطانية في هذه الفترة لتحقيق هدفها.

ولقد شعر زعماء الحركة الصهيونية أن بريطانيا بدأت تبدي تفهمًا لمطالب الفلسطينيين بعد ثورتهم في عام 1936م، خاصة مع دخول الحرب العالمية الثانية؛ لذا بدأ زعماء الصهيونية في الاتجاه نحو الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت صاحبة النفوذ الدولي المتزايد خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، خاصة مع تزايد الهجرة اليهودية إلى أمريكا في هذه الفترة، فعملت الحركة الصهيونية على دمج هذا الواقع في مخططاتها، وتنظيم الدور اليهودي في أمريكا، واستغلاله للوصول إلى صنـَّاع القرار فيها؛ لتأييد الصهيونية العالمية، وكسب التعاطف والتأييد الأمريكي لقيام دولتهم المنتظرة، وبناءً على هذا التوجُّه الجديد؛ عقدت الهيئة التنفيذية للوكالة اليهودية مؤتمرًا في مايو 1942م في فندق "بلتيمور" في نيويورك بإشراف "ديفيد بن جوريون".

وقد أعلن المؤتمر:

- رفضه القاطع للكتاب الأبيض الذي أصدرته بريطانيا في مايو 1939م، الذي يحد مِن الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ويقيِّد تملـُّك اليهود للأرض فيها.

- المطالبة بفتح أبواب الهجرة لليهود إلى فلسطين على أن تكون تحت مراقبة الوكالة اليهودية.

- إيجاد دولة يهودية في فلسطين تحمل بنية العالم الديمقراطي الجديد.

وقد وضعت الحركة الصهيونية لذلك برنامجًا رسميًّا باسم: "برنامج بلتيمور"، كما استغلت الحركة الصهيونية الاضطهاد النازي لليهود لكسر القرار البريطاني وفتح باب الهجرة اليهودية على مصراعيه، كما استغلت هذا الاضطهاد النازي نفسه لمد نفوذها داخل أمريكا بعد أن أدركت أن المستقبل لم يعد لبريطانيا، ولا لأوروبا، بل لأمريكا.

لقد أعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية دخول الولايات المتحدة الأمريكية على المسرح السياسي في العالم بعد أن كانت مكتفية بالعمل من وراء الستار، فجعلت نفسها طرفـًا في النزاع في المنطقة لتتكاتف جهودها مع جهود بريطانيا لقيام دولة لليهود في فلسطين، لقد قوبل اليهود "بتأثير نفوذهم" بعطف كبير مِن العديد من النواب والشيوخ الأمريكيين الذين طالبوا حكومتهم بالتوسط لفتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية.

وكما لم يستفد العرب من المبادئ التي دعا إليها الرئيس الأمريكي "ويلسن" عقب نهاية الحرب العالمية الأولى لوفاته سريعًا بعد مرض ألمّ به، فجاء مَن حوَّل سياسة أمريكا بعيدًا عن هذه المبادئ، فقد أظهر الرئيس الأمريكي "روزفلت" في الأربعينيات بعض التفهم لحق الفلسطينيين بعد لقاء بينه وبين الملك "عبد العزيز" بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنه ما لبث أن توفي بعدها بقليل، فحل محله الرئيس الأمريكي "هاري ترومان" الذي أظهر الميل الواضح للأهداف الصهيونية، حيث بعث "ترومان" بعد انتصار الحلفاء على النازيين برسالة في 31-8-1945م لرئيس وزراء بريطانيا -تعاطفـًا مع اليهود- يؤيد فيها فتح أبواب الهجرة لليهود النازحين من ألمانيا، ومؤيدًا نقل 100 ألف يهودي إلى فلسطين، وأمام هذا الضغط سمحت بريطانيا من نوفمبر 1945م بهجرة 1500 يهودي كل شهر إلى فلسطين دون الموافقة العربية، كما نص على ذلك "الكتاب الأبيض" الصادر من بريطانيا عام 1939م.

وفي مطلع عام 1946م شاركت لندن في لجنة التحقيق الأمريكية البريطانية لدراسة أوضاع فلسطين برئاسة القاضي الأمريكي "هتشون"، والتي انحازت للمطالب اليهودية حيث أوصت بـ:

- إلغاء القيود على حرية هجرة وتملك اليهود للأراضي في فلسطين.

- السماح الفوري بهجرة 100 ألف يهودي من ضحايا الاضطهاد النازي إلى فلسطين.

- استمرار الانتداب البريطاني على فلسطين، وألا تقام فيها دولة عربية أو يهودية، لحين الانتهاء من وضع اتفاق توضع بموجبه فلسطين تحت وصاية الأمم المتحدة.

وقد رحب "ترومان" بتقرير "اللجنة"، بينما طالبت الحكومة البريطانية بمهلة لدراستها.

وقد عقد مؤتمر دولي في لندن في الفترة من سبتمبر 1946م وحتى فبراير 1947م حول القضية الفلسطينية، طالبت فيه الدول العربية التي شاركت فيه بالمحافظة على وحدة فلسطين بأكثريتها العربية وإعلان استقلالها خلال فترة انتقالية وجيزة ينتهي بعدها الانتداب البريطاني على فلسطين، مع اتخاذ الضمانات لحفظ حقوق اليهود الدينية والثقافية، ومشاركتهم في البرلمان وفقـًا لنسبة اليهود الحاصلين على الجنسية الفلسطينية بعد مضي عشر سنوات على إقامتهم في البلاد على أن تخضع هجرة اليهود لفلسطين وتملـُّكهم فيها لموافقة الأغلبية الشعبية والبرلمانية.

ونظرًا للتعارض بين الموقفين العربي والصهيوني قامت بريطانيا بتقديم مقترحات توفيقية، لكنها لم تسفر عن تقدم؛ فأعلن وزير الخارجية البريطانية عرض القضية على "منظمة الأمم المتحدة" التي تم إنشاؤها عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية بديلاً عن "عصبة الأمم" دون تقديم بريطانيا لأي اقتراح مِن جانبها للمنظمة.

وقد أرسلت الحكومة الأمريكية في 17-1-1947م مذكرة رسمية إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية -ردًّا على رسالة الأمانة للحكومة الأمريكية في 4-12- 1946م- يتبين منها "وبوضوح" تأييد الحكومة الأمريكية للحركة الصهيونية الساعية لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، حيث جاء فيها: "إن الحكومة الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى عاضدت فكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين حكومة وشعبًا، فتصرفها اليوم جاء مطابقـًا لسياستها التنفيذية عندما تدعو إلى اتخاذ التدابير اللازمة لإبراز هذه الفكرة إلى حيز الوجود، وأما بشأن تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين مِن مناطق الاحتلال الأمريكية في أوروبا؛ فإن الكثيرين مِن هؤلاء المضطهدين يتطلعون إثر ما أصابهم من اضطهادات إلى فلسطين كملجأ".

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة