الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفية ومناهج الإصلاح - 7

المناقشة مع التيارات التي ترى حتمية المواجهة العسكرية

السلفية ومناهج الإصلاح - 7
عبد المنعم الشحات
الخميس ٢١ مايو ٢٠١٥ - ١١:٥٤ ص
1380

السلفية ومناهج الإصلاح

الشريط السابع

عبد المنعم الشحات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أله وصحبه وسلم .

ثم أما بعد ،،،

ما زلنا في تدارس بحث السلفية ومناهج التغيير ، وشرعنا في المرة السابقة في الكلام على التيارات التي ترى حتمية المواجهة العسكرية التي تسمى بالتيارات الجهادية وذكرنا فيما يتعلق بمصر على وجه الخصوص أنه كان هناك تيارين كبيرين : جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية ، بغض النظر عن التطورات التي طرأت بأن الجماعة الإسلامية تراجعت عن هذا الخط تماماً ، وتراجع كثيراً من فصائل الجهاد .

نحن نذكر الفكر من أجل الفكر ، وكانت هذه رموز في أحد هذين التيارين يمكن أن يكون الكلام هنا منصب عليه أكثر لأن فعلاً طريقة تفكيره ومنهجه والذي يطرحه في طريق الإسلام هو المصادمة المسلحة مع الحكومات المعاصرة حتى يستولي على الحكم من خلالها سواء بانقلابات أو بغيره .

قلنا أن هناك قدر تداخل بينه وبين تيارات أخرى مثل الجماعة الإسلامية في مصر فتنظيرها لم يكن كذلك وأنها جماعة دعوية إلا أنها توسعت في إنكار المنكر باليد وفي الفترة التي نشير إليها وكانت فيها تمثل منهج صدامي توسعت في تغيير المنكر باليد مع عدم مراعاة المصالح والمفاسد والتي أوجدت صدام مع الشرطة أشبه الصدام الذين بين جماعة الجهاد والسلطة .

في واقع الأمر أصبح الصدام بعد ذلك لا يتفق مع أصول جماعة الجهاد ولا مع أصول الجماعة الإسلامية ، فجماعة الجهاد لم تكن ترى الصدام العشوائي وإنما تريد ان ترتب لانقلاب ولكنها في واقع الأمر اضطرت إلى سلسلة من الصدامات ، والجماعة الإسلامية لم يكن الصدام جزء رئيسي في منهجها بقدر ما أنها كانت تتصور أنه يمكن أن تصل إلى درجة من الدرجات التي تستطيع أن تفرض نفسها كأمر واقع تغير المنكرات باليد وتلزم العصاة الإلتزام بالشرع دون صدام مع السلطان ، ولكن حدث الصدام وانقلب أنه لم يعد هناك دعوة وإنما بقي الصدام فقط .

فقلنا أن القضية ليست قضية مصر فقط ، بل هذه الاتجاهات تقريباً موجود صور كربونية منها في كل بلاد المسلمين مع اختلاف المسميات .

أيضاً هذا الفكر ما زال يمكن أن تجد أنه يعيش في أذهان البعض وإن كان لم يعد له إطاره التنظيمي وجماعاته التي تدعوا إليه ولكن ما زال الفكر موجود .

نحن بدورنا ينبغي أن نظل دائماً نعنى بهذه القضية وبضوابطها حماية للمنتسبين إلى هذا المنهج خوفاً أن يتأثر بكتابات قديمة لبعض هذه الاتجاهات أو لكتابات حديثة لبعض الاتجاهات المشابهة حتى لو كان في بلدان آخرى .

ولكي نواصل دائماً دور الحماية  ، بفضل الله تبارك وتعالى ومن رحمة الله تعالى على هذه الدعوة أنها مثلت عبر تاريخها مقاومة داخلية داخل إطار الصحوة الإسلامية ضد تيارات الغلو لاسيما الغلو في التكفير والغلو في سفك الدماء ، فكان للدعوة دور كبير في إيقاف تيار التكفير وتيار التوقف وغيره من التيارات ، وأيضاً حصل نوع من أنواع الكمون في هذا الفكر ولكن لا يعني هذا أن نقصر نحن في معرفة رد هذه الشبهات ، لأنه لا يوجد فكر يموت كما ذكرنا ، ففكر الخوارج القدماء ظهر ثانية في جماعة التكفير والهجرة ، وفكر المعتزلة ظهر بصورة أو بأخرى في جماعات التوقف والتبين ، ولكننا نقول مهم جداً أن يظل لدينا الحصانة الكافية ضد تيارات الغلو في التكفير تيارات الغلو في الدماء والاستهانة بها .

المرة السابقة أعطينا هذا التمهيد في تاريخ وجزور الفكرة في الصدام .

اليوم نعود للبحث لنقرأ منه المناقشة التي ناقشها مع التيارات التي ترى حتمية المواجهة العسكرية .

في الواقع أن الكلام الذي في البحث هنا يكون أقرب أن يطبق على جماعة الجهاد وفق ما ذكرناه من أصولها ومنهجها وطريقتها في التغيير أكثر من كونه منصب على الجماعة الإسلامية أو ينصب على الجماعات التي ترى المواجهة العسكرية ابتداءا ًأكثر من كونه موجهاً للاتجاهات الدعوية التي تورطت في مواجهات عسكرية لحمالة الدعوة وفق تصورها .

وعلى أي حال يوجد طرح موجود لهذه القضية وتلك وهو طرح أوفى ، هناك رسالة صغيرة للشيخ ياسر برهامي بعنوان ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ وهذه أيضاً لعلنا إذا سمحت الفرصة أن تدارسها ، وكانت هذه من إحدى الرسائل التي كنا دائماً نحرص على تدريسها لإخواننا لاسيما في سن الشباب في فترة قمة المواجهات بين الجماعة الإسلامية وبين النظام لضبط هذه القضية ، هناك هذه الرسالة وهناك أيضاً بحث ـ فقه الجهاد ـ وهو نشر في أحد أعداد مجلة صوت الدعوة التي نتناول منها هذا البحث ـ السلفية ومناهج التغيير ـ

وعلى أي حال يمكن أيضاً الاختصار والإلمام بالقضية نقول أن قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقضية الجهاد قضيتان متاقربتين جداً حتى أن إحداهما يمكن أن تدخل في الأخرى ، فأنت لو وسعت مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيدخل فيه الجهاد لأن الجهاد نوع من أنواع تغيير المنكر باليد وإذا وسعت مفهوم الجهاد يشمل جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد أعداء الله في الخارج فيكون شامل بلا شك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والقضية في البابين رغم أن بينهما قدر من التمايز أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد كلاهما من حيث المبدأ حكمهما واحد ، فنحن نقول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وإلا أثم كل قادر ، وكذا الأمر على الجهاد وإن كان هذا ينطبق على جهاد الطلب أما جهاد الدفع ففرض عين ، هذه تفاصيل تختص بها قضية الجهاد ربما لا يوجد لها نظير في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن ابتداءاً من حيث الحكم يكون حكم القضيتان واحد .

الحكم الثاني أن الضوابط التي ينبغي مراعاتها في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي تقريباً نفس الضوابط التي ينبغي مراعاتها في قضية الجهاد لأن هذه أحكام وتكليفات تحتاج إلى عدة وإلى قدرة وها هنا القدرة يضادها العجز ، والعجز نوعان : عجز حسي وعجز معنوي

العجز الحسي لا يكاد يكون محل نزاع يبين أحد ، فكون إنسان عاجز تماماً كأن يكون مريض أو مقعد لن يخاطبه أحد بالجهاد ، ومثلاً إنسان أخرص لن يطالبه أحد بتغيير المنكر بلسانه وإن كان يمكن أن يغير بقلبه ويمكن أن يغير بيده أحياناً أو نحو ذلك .

على كل حال فالعجز الحسي يزول معه التكليف تماماً ، حتى الشيء المعجوز عنه حساً لا تقول أن هذا الشيء واجد أو مستحب أو حرام أو مكروه ، لأنه انتفت إرادة المكلف ، ومن شروط التكليف وجود الإرادة ، فإذن عندما نذكر الكلام على العذر بالإكراه ونقول أن هناك إكراه ملجئ إذا قيد الإنسان واستعمل كالجماد في جريمة أو معصية ، الآن الخطاب الشرعي موجه له فهل يفعل أو لا يفعل ؟ هذا الخطاب الذي يترجم بالمصطلح الفقهي إلى أنه واجب أو مستحب أو حرام أو مكروه أو نحو ذلك ، لا يوجد خطاب لأنه عاجز عن الامتثال وبالتالي صار هاهنا كالجماد ، وكذا إذا كان هناك طاعة فعلية ولكنه عاجز تماماً عن فعلها ، فالعجز الحسي ليس مجال أخذ ورد بين أحد ، ولكن الكلام إنما يكون في العجز المعنوي .

العجز المعنوي : هو أن يكون الإنسان قادراً على فعل الطاعة وعلى ترك المعصية ولكنه يلحقه ضرر .

أيضاً عندما نتكلم على العذر بالإكراه نقول أن هناك نوع من الإكراه يبقى لدى المكره إراده ويبقى لديه اختيار إما أن يفعل وإما ألا يفعل ، ولكن يوضع السف على عنقه ويقال له إما أن تشرب الخمر مثلاً وإما أن تقتل ، فصار هنا هذا إكراه ينبغي أن يخاطب المكره بأنه هل يجوز له أن يفعل هذا الحرام أم لا ، لأنه ما زال لديه اختيار وما زال عنده إرادة فحينئذ نقول أن العذر بالإكراه عذر معتبر في أحوال .

أيضاً عندما نقول أن إنسان يتمكن من إنكار المنكر لاسيما في قضية تغيير المنكر باليد بأن يستطيع أن يزيل المنكر ولكن إذا أزاله هناك تهديد موجود وهذا التهديد ممن لديه قدرة على إيقاع هذه العقوبة وممن لا يتخلف تهديده غالباً وهذه هي شروط العذر بالإكراه  .

لو أن هناك تهديد بالإكراه لمن تعرض لهذا المنكر ، فمن جهة القدرة يستطيع أن يفعل وليس لديه عجزاً حسياً ، ولكن نتيجة ترتب ضرر فهاهنا يكون عجز معنوي ، وباتفاق العلماء أن هذا الأمر معتبر وأنه ينقل الواجبات إلى درجة أقل ، ولكن إلى أي درجة ؟ ، نحن نتكلم على العذر بالإكراه على ترك طاعة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الجهاد ، وهذا الموضوع الذي نتكلم عليه أصالتاً أو على فعل معصية لأن الكلام على العذر بالإكراه أشمل من أن يكون هناك مجرد أن يكون هناك إكراه على ترك الأمر بالعروف والنهي عن المنكر أو إكراه على ترك الجهاد .

نقول أنه إذا وجد الإكراه المعتبر شرعاً نزلت الواجبات عن رتبة الوجود ، ولكن إلى رتبه ؟ هذه هي القضية ، فقد تنزل إلى الاستحباب أو إلى الإباحة أو إلى الكراهة أو إلى الحرمة .

هذه القضية التي ينبغي أن ينتبه إليها ، فإذا قلنا أن هناك عجز عن فعل طاعة ما بأدلة العذر بالإكراه العامة  { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } فهذا لا يعني إلا سقوط الوجوب عن فعل الطاعات المعجوز عنها ، وقلنا هنا العجز الحسي بأن يكون قادر على الفعل ولكن يلحقه عقوبة أو ضرر معتبر شرعاً ، فسقط الوجوب ولكن يبقى ماذا صار حكم هذا الشيء بعد أن انتفى الوجوب ؟ ، نقول في بعض الأحيان يكون فعل هذا الشيء مستحب وأحياناً يكون فعل هذا الشيء صار مباحاً أو مكروهاً .

وهذه المسألة يتكلمون عنها في الأصول في ـ الرخصة أفضل أم العزيمة ـ ومنها رخصة العذر بالإكراه فهل يأخذ بالرخصة أم بالعزيمة ، والصحيح أنه فيما لا نص خاص فيه فالرخصة أفضل ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب أن تؤتى رخضه كما يحب أن تؤتى عزائمه ) إلا أنه في القضية التي نحن بصددها فيها النص الخاص الذي يجعل العزيمة أفضل من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله ) وهذه كانت أكبر الشبهات التي تمسك بها إخواننا الذين كانوا أو مازالوا يتمسكون بهذه الشبهة ، فلو حتى هناك عذر بالإكراه في هذا الباب فالأخذ بالعزيمة في هذا الباب أفضل فنحن لا ننازع في هذا ، ولكن ننتبه أنه ليس دائماً القضية أنه إذا كان وجد عذر نقول أنه سقط أو انتفى وجوب الأمر بالمعروف طالما وجد ضرر متحقق غالباً وانتفى وجوب الجهاد ما دام أن قوة المسلمين أقل من نصف قوة العدو ، فإذا انتفى ذلك الوجوب انتقل إلى الاستحباب ولكن مازال هناك شروط ، ينتقل للاستحاب بشرط أن يكون الضرر قاصراً وبشرط أن توجد مصلحة ما ، فإن تعدى الضرر حرم وإن كان الأمر مفسدة محضة حرم .

نحن مازلنا نمهد للقضية وسنقرأ البحث ولكن نقرأ منه فقرة يسيرة نقلاً عن الإمام النووي توضح هذه الجزئية .

يقول الإمام النووي : " وإذا زاد عدد الكفار على مثلي المسلمين جاز الانهزام "

جاز الانهزام هذه بداية وجود الرخصة ، والأصل وجوب الثبات في القتال ولكن إذا قلت القوة وجعل الله عز وجل لها أمر ظاهر منضبط لكي يستطيع الناس أن يقيسوه فإذا قلت قوة المسلمين عن نصف قوة العدو جاز الانهزام .

ثم قال : " وإذا جاز الفرار "

هنا الجواز بالمعنى العام وليس المباح المستوي الطرفين

جاز الانهزام تساي أنه لم يجب الثبات ولكن ماذا سيكون الحكم ؟ المسألة ما زال فيها تفصيل ، وإنه إذا انتفى وجوب الثبات لم ينتقل إلى حكم واحد بل هناك أحوال مازال لابد من النظر إليها .

قال : " وإذا جاز الفرار نظروا ، فإن غلب على ظنهم أنهم إن ثبتوا ظفروا استحب الثبات "

إذن الثبات في الأصل كان واجباً ، فلما نزلت قوة المسلمين عن نصف قوة العدو لم يكن هذا الثبات واجباً ولكن إذا وجدت شروط أخرى سيكون مستحب ، فما هي ؟

أنه على الرغم من أن قوتهم أقل من نصف قوة العدو ولا يغلب على الظن أن ينتصروا ولكن يوجد ظن أنهم إذا ثبتوا ظفروا استحب الثبات وإن غلب على  ظنهم الهلاك ؟

فهو إذن يختار يثبت ويأخذ بالعزيمة ، ولكن هذه العزيمة أن يقتل نفسه ، فنفسه ليس ملكاً له ، ولكن إذا استحب له الثبات يجود بنفسه في سبيل مصلحة شرعية ، وأما إن غلب على ظنهم الهلاك ففي وجوب الفرار .

فإذن صار الثبات محرم وليس واجباً فقط ، نزل من الوجوب إل التحريم .

قال : " وإن غلب على ظنهم الهلاك ففي وجوب الفرار وجهان : قال الإمام إن كان في الثبات الهلاك المحض من غير نكاية وجب الفرار قطعاً ، وإن كان فيه نكاية فوجهان "

فإذن خلاصة المسألة وهو موجود في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وموجود في الجهاد نفس المسألة .

فإذا وجد أن هناك ضرر يغلب على الظن وقوع ضرر ، فهذا عذر في ترك هذا الواجب ، سقط ونزل هذا الواجب من رتبة الوجوب إلى أي رتبة ؟

هذا الباب من الباب الذي يستحب فيه العزيمة فلو نزل من الوجوب ينزل إلى الاستحباب ، ولكن الاستحباب مازال يحتاج إلى النظر في شروط معينة فإذا كان هو إذا ثبت وتحمل خصلت مصلحة بانتشار الدين وظهوره وتقوية أفئدة المؤمنين إلى ذلك صار هنا يستحب له أن يثبت ، ومعه شرط أخر وهو أن يكون الضرر غير متعدي ، لماذا؟ لأن عند الثبات مع علمه بأن الضرر متعدياً فيه إلزام لغيره بما لم يلزمه الله به .

فإذا كان الآن مجموعة من الناس في مكان واحد كأن دخلوا على سلطان ينصحونه أو في مسجد واحد فضلاً عن أن يكون في عموم بلدة وهو يعامل الجميع معاملة الواحد ، فلو كان هو يفرق بين من أخذ بالرخصة وبين من أخذ بالعزيمة ويوجد من يريد أن يأخذ بالعزيمة يستحب له ذلك ويتحمل الضرر ، ولكن إن علم أنه متى أخذ هو بالعزيمة عم الضرر الجميع ممن لم يرضوا أن يأخذوا بالعزيمة والشرع جعل لهم الخيار في المسألة وجعل لهم أنه يجوز لهم أن يأخذوا بالرخصة فإلزامهم بالعزيمة هاهنا إلزام بما لم يشرعه الله تبارك وتعالى ,

ولذلك هنا هذه القصة التي تدل على الفقه العظيم من عبد الله بن حذافة رضي الله عنه عندما أسره ملك الروم وحصل نفس القضية وأخذ رضي الله عنه بالعزيمة حتى أعلى درجاتها ، فهدده بالقتل بأن ينتصر وإلا قتله فرفض ، عرض عليه أن يأكل الخنزير ويشرب الخمر ، قال له : قد علمت أنه يحل لي ، وهذا مزيد في إظهار عزة الإسلام والأخذ بالعزيمة ، فهو يقول : قد علمت أنه  الآن يحل لي ولكن لم أكن بأشمتك بصحابة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهاهنا يبين لنا أهمية الأخذ بالعزيمة ، لماذا أخذ بها هاهنا ؟ إظهار العزة وكسر قلوب المشركين ، حتى وصل الأمر بذلك الملك إلى أن يعرض عليه أن يقبل رأسه ويطلق صراحه ومع هذا أخذ بالعزيمة في هذا الجانب ففضل أن يقتل ولا يقبل رأس كافر . فلما جاء الأمر إلى أنه إن قبل رأسه أطلق جميع أسارى المسلمين قبل رأسه ، لأنه ليس له هاهنا أن يأخذ بالعزيمة نيابه عن جموع الأسرى أو نيابة عن غيره .

فهنا نقول أنه إذا عجز أو إذا وجد ضرر متوقع لإنكار منكر ما وكذا في الجهاد انتقل الامر من الوجوب إلى الاستحباب بشرطين : أن يظل توجد مصلحة راجحة ، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر توجد حتى لو في ضرر سيظهر الأمر ويظهر الإنكار ، في الجهاد قد توجد وقد لا توجد ، وقد يحدث نكاية في الأعداء وقد يستأصلون استئصالاً يكسر قلوب المنؤمنين ، وهذا أيضاً فقه خالد ابن الوليد رضي الله عنه في غزوة مؤتة ، فقه القوات الثلاثة الذين أمرهم النبي  صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة

أولاً حينما ثبتوا رغم أنه لا تكاد توجد مقارنة مطلقاً بين عددهم وبين عدد المشركين ـ ثلاثة آلاف أمام مائتي ألف ـ ومع ذلك وجدوا أنهم إن ثبتوا بإذن الله يحدثون نكاية ويرعبون الأعدا ، فإذا كان هؤلاء ثلاثة آلاف يثبتون أمام هذا الجيش العرمرم ـ مائة ألف من الروم ومائة ألف من حلفائهم من العرب ـ فكان اختيار الصحابة رضي الله عنهم في أول الأمر الثبات لإحداث النكاية ، فلما قتل القواد الثلاثة واحد تلو الآخر وهذا القتل لا شك كان معه إرهاق شديد لعامة الجيش واقترب الأمر من الاستئصال التام وآلت الإماراة لخالد رضي الله عنه فانسحب بالجيش لأن هذا الانسحاب في حد ذاته هو عين النكاية في الأعداء ، وإلا لو استئصلوا لانكسرت قلوب المؤمنين ، وأما أن يستطيعوا رغم الثبات في أول المعركة أن يفروا من المعركة دون خسائر فهذا في حد ذاته انتصار كبير ، ولذا أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على خالد رضي الله عنه في هذه الموقعة وسماه سيفاً من سيوف الله ، وعندما عاتبهم ذووهم عندما رجعوا إلى المدينة وقالوا لهم أنتم الفرارون قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( بل أنتم العكارون )

الحاصل هاهنا أن القضية إذا انتقلت من الوجوب إلى الاستحباب إن كان هناك مصلحة وإن كان الضرر لازم لمن اختار الأخذ بالعزيمة ، فإن تعداه لمن لم يأخذ بهذه العزيمة لزم الآخرين أن يأخذوا معهم بالرخصة حتى لا يلزموهم بما لم يلزمهم الله تبارك وتعالى .

هذا تقريباً نفس القواعد التي تحكم باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي التي تحكم باب الجهاد ولأنهما كلمنهما يمكن أن يعتبر نوعاً من الآخر .

في قضية الجهاد تتفرع القضية معنا لمسائل أخرى منها على سبيل المثال تطبيق هذا الكلام في مراحل تشريع الجهاد لأن الكلام هنا في الجهاد أكثر عمقاً لأن الجهاد مر بمراحل وهذه المراحل فيها تطبيق لهذا الكلام الذي نقوله ، ولكن البعض يقرأها قراءة مخالفة فيحتاج الأمر لتوضيح هذا الأمر .

تبطيق قاعدة توقع الضرر في الجهاد إنما يكون مبناها على غلبة الظن بحدوث النصر أو بحدوث الانهزام على ما قرأنا من كلام الإمام النووي .

يقول في البحث هاهنا في توضيه هذه القضية : " يرى فريق آخر أن تغيير الوضع الحاضر للمسلمين لا يمكن أن يتم إلا من خلال الموجهة العسكرية المسلحة مع الحكومات المعاصرة ولابد من بث روح الجهاد في المسلمين للخروج على الحكام المرتدين "

ذكرنا تنظير جماعة الجهاد وأنه لكي تختصر الطريق تماماً فهي ترى ردة الحكام وكثير من المحكومين ، وهذا إما عن طريق قضية الحاكمية أو عن طريق عدم العذر بالجهل أو عن طريق التكفير بالمعصية ، والتكفير بالمعصية ربما يكون مقبول لدى بعض هذه التيارات ، المهم أنه في النهاية يكون ليس أمامه عائق أمام هذا الحرب ، وهذا يعتبر جزء رئيسي من التكونة الفكرية لهذه التيارات ، وبالتالي يحدث تزاوج بين رؤية الجماعة المسلحة مع رؤية التكفير بدرجات متفاوتة أشدها غلواً أن يكون رأيهم في قضية التكفير كالخوارج تماماً ويكفرون بالمعصية فضلاً عن الحكم بغير ما أنزل الله أو نحو ذلك .

وكثير منهم يتبنى طريقة نظرة جماعات التوقف والتبين أو غيرها ممن يرون أن عموم الناس لم يثبت لهم حكم الإسلام أصلاً وإن كان عندهم لوث في المسألة .

أمثلهم طريقة من يرى أن الناس مسلمين ولكن يكفر من وقع في أمر كفري منهم دون اعتبار لجهل أو تأويل ودون اعتبار لجهل وغير ذلك من الأمور ، وبالتالي أقل ما يقبلون به أن يكون هناك قول بعدم الجذر بالجهل ، لأنه في النهاية يريد أنه يواجه مواجهة المرتدين .

هذه كانت أحد النقاط الساخنة جداً في المناقشات الفكرية داخل هذه التيارات مع التيارات التي أشرنا إليها وأنها كانت من حيث الأصل جماعات دعوية دخلت في المواجهة كفرع على حماية الدعوة من حيث تصورهم ، ولأن الآخرين حينما خاضوا في مواجهة خاضوا في مواجهة من باب أنهم يواجهون طائفة ممتنعة لا من باب أنهم يقاتلون مرتدين ، وبالتالي كان تنظير هؤلاء أعدل بكثير في هذه الجزئية ، مع الإنكار عليهم في قضية مبدأ حمل السلاح ابتداءاً وإهدار نظرية المصالح والمفاسد وتطبيقها العملي على أرض الواقع إلا أنهم كانوا في النهاية يتحاشون القول بالتكفير بالعموم ويرون أن الصدام فرع على طائفة ممتنعة عن تطبيق كل أو بعض أحكام الشريعة وتمنع جماعات تغيير المنكر من تغير المنكر فهم يوجهونها .

وهذا التخريج الفقهي من حيث الأصل لا إشكال فيه ، ولكن الإشكال في عدم مراعاة ضوابط تغيير المنكر وعدم مراعاة قواعد تغيير المنكر وقواعد المصلحة والمفسدة ، بخلاف تيارات الجهاد التي كانت تتبنى القول بالردة لكي تواجه أقوى مواجهة دون ضوابط ودون موانع .

فكان هؤلاء يقولون لابد من بث روح الجهاد في المسلمين للخروج على الحكام المرتدين وإعداد العدة لهذ الأمر .

ويرى هذا الفريق أن هذا هو أولى أولويات العمل الإسلامي ، بل قد يذهب البعض بالحكم أن كل ما سواه خيانة للدين .

يقول : " ونحن نحب أن نقرر هنا جملة من الأمول : الأول : أن حب الجهاد فرض على كل مسلم لا يفقد من قلبه إلا بنقص الإيمان أو زواله بالكلية نعوذ بالله من ذلك ، وتذكير المسلمين به وبدورهم في إعلاء كلمة الله في الأرض كلها ومحاربة الشرك في الأرض حتى يظهر الإسلام من أهم الأمور التي يجب الاعتناء بها في إطار الأمة فإنها ما زلت إلا لمخالفة الشرع ومنه ترك الجهاد في سبيل الله "

هنا دائماً ننبه على عدم المزايدة على أمور هي من المسلمات ، بمعنى أن البعض عندما تنكر عليه تهوره في تطبيق أحكام الجهاد ، وبالتالي يكون قتال فتنة وهو يسميه جهاد ، تقول له هذا القتال التي تصنعه هرج ومرج وليس جهاداً فيكون المقابل لهؤلاء أنهم يمنعون الجهاد ويبدلون الشرع وقائمة اتهامات طويلة لا تليق بالمناقشة التي يرجى منها أن تثمر ، تجد أن العنف البالغ في التكفير ربما وصل إلى تكفير التيارات الإسلامية الأخرى التي تنصحهم بعدم التهور والتورط من باب أن هؤلاء ينكرون الجهاد .

بفضل الله تبارك وتعالى لا ننكر الجهاد ولا يسع أحد يؤمن بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم أن ينكر الجهاد ، نحن نقول أن الجهاد له صراطه وسبيله .

إذا كان يوجد من ينكر الجهاد فليتناقشوا معه في هذا الباب ، لكن لا يكون من الحكمة ولا من الإنصاف ولا من التجرد ولا من طلب الحق لا للأتبارع ولا للمخالفين أن يصور المخالف دائماً أنه لا ينكر أفعالهم إلا الذي مشروعية الجهاد . والبعض يقول أن هؤلاء الذين يخذلون المجاهدين ويطعنون المجهادين وينشرون أخطاءهم

أيضاً هذا كلام عاطفي رنان وإلا فكيف تقوم أفعال هؤلاء  إذا كان القضية ان كل تقويم سيقال أن هذا طعن في الجهاد وطعن في المجاهدين حتى ي التصورات التي ممكن تكون في ساحات ينطبق عليها أحكام الجهاد الشرعي كفلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها فيوجد تصورات تحتاج إلى نقد ، فإذا ما تكلمت في هذه الضوابط يقال أن هذا تخذيل للمجاهدين وطعن فيهم ورسول صلى الله عليه وسلم عندما مر في قتلى المشركين فوجد امرأة مقتولة فاشتد نكيره وقال : ( ما كانت هذه لتقاتل ، ما كانت هذه لتقاتل ) هذا تصويب لأفعال المجاهدين ، فهذا التصويب لا يقال عنه أنه تثبيط بل تصويب وعودة إلى الصواب ، إن كان هو يعترض على الكلام ذاته بأن هذا غير موافق للشرع لا بأس وليكن الكلام محصور في هذه الجزئية ولكن لا يحمل الكلام فوق ما لا يحتمل من أن هذا إنكار لمشروعية الجهاد أو أنه الغرض منه تثبيت المجاهدين أو غير ذلك .

نقول أن الجهاد أمر مشروع ، كون أنه يوجد أنواع من المواجهات نرى أنها ليست جهاداً ليس بأننا ننكر مشروعية الجهاد ، ولا أننا نقول أنهم قد رفع من الأمة ، بل هو ماض إلى يوم القيامة  .

كما يقول في الجزئية التي بعدها : " الجهاد ماض في هذه الأمة إلى يوم القيامة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من نواءهم إلى يوم القيامة ) "

ولكن يقول هنا هل هذا جهاد ؟

نقول بل هذا قتال فتنة ، وهنا قتال فتنة ، وهنا قتال فتنة ، وهنا جهاد شرعي .

إذن كل واقعة تقدر بقدرها حتى ولو كان أنه لا يوجد مكان يسمى جهاد شرعي أو مواجهة تسمى جهاد شرعي إلا مواجهة أو اثنين أو أكثر أو أقل أو لا يوجد ، فكان يوجد أوقات يكون المسلمون فيها مستضعفون لا يواجهون وليس هذا إسقاط للجهاد كما ذكرنا .

الثالث : أن الإعداد للجهاد والأخذ بأسباب القوة والقدرة واجب على الأمة بحسب الاستطاعة خاصة عند العجز عنه مع لوزوم تحديث النفس به والحزن على فواته ، قال تعالى  { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون } [التوبة/92]

فهو أحياناً يقول أنه إذا كان الجهاد معجوز عنه ونحن نسلم بذلك لماذا لا تعدون العدة ؟

فتقول له وما هي العدة ؟

يقول : تدريبات عسكرية ومعسكرات ، وهل هذا إلا هو عين الجهاد .

فإذا حمل الإنسان سلاحا ولو صغيرا دائما ما يسأل الجميع لمن يعد هذا السلاح ؟ ، وهذا الذي يحمل السلاح يحمله لمن .

فهؤلاء يقولون لا تجهاد ولكن عد العدة ، هذا هو عين فكر جماعة الجهاد .

فماذا حديث ؟

كل مواجهتها كانت دفاعاً عن إعداد العدة ، لأن إعداد العدة يساوي أنه دخل في المعركة ، فهو كان يعد العدة ويتدرب في الصحراء ويفعل كذا وكذا ، مع أن الأمر يحتمل تنظيرات كثيرة في كيفية الخروج من هذا المأذق ودعوة الناس حكاماً ومحكومين إلى تطبيق شرع الله تبارك وتعالى ، ولكن نفترض انه اختار طريق المواجهة ، وهي مواجهة معجوز عنها وهو أدرك هذا العجز ، فعندما أدرك ذلك العجز قال يأخذ بأسبابه ، مع أن الأخذ بأسبابه أخطر منه هو نفسه ، لأن من أخذ أسبابه الدخول فيه ، وما المواجهات عبر عشرين أو ثلاثن أو أربعين سنة ما هي ؟ المواجهات هي في الدفاع عن إعداد العدة ، وهذا الذي حول جماعة الجهاد أنها بعد فترة تتحول إلى جماعة تفجيرات مع أن هذا يخالف الأساس النظري الذي قاموا عليه .

تقرأ الكتب التي نظرت للفكرة ، والفكرة في رؤوس أصحابها وتاريخها ويقول حادث الفنية العسكرية وحادث كذا ولا نريد أن نعدد كل هذه الحوادث ، يقولون تعجل البعض وظنوا أن العدة قد تمت وأنه إذا سيطروا على مبنى الكلية العسكرية سوف يحصلون على السلاح الذي يسيطرون به على كذا ، كلها أمور أوهام في أوهام وعجلة في عجلة ، ولأنه طالما بدأ يتدرب فقد دخل في المعركة ، فإما أن يتعجلها هو وإما أن يدفع إلى تعجلها .

نقول إذا كانت المواجهة فيها سفك دماء وكذا وكذا وطبعاً يتغير الأمر تماماً عندما ينزل الكفار المعلنين بكفرهم وليس أن مسلم يرتكب كفر ثم تبحث في هل هو معذور أو متأول وما هي نظرة جميع الناس إليه وهذا الخضم المليء بهذه الأفكار وهذه الشبهات التي تجعلك لابد أن تحطاط ولكن عندما ينزل الكفار كاليهود في فلسطين والأمريكان في العراق وأفغانستان تجد أن الأمور تتضح وتجد ان القدرة على إعداد العدة موجودة ، وموجود الظهر الآمن ومن أن المسلمون يعاونون حتى المقصرين منهم والقاعدين عن الجهاد يعاونون إخوانهم المسلمين الذي سارعوا إلى الجهاد ، بخلاف المسألة عندما يكون بلاد المسلمين التي يعلو فيها اسم الإسلام ويتولى فيها من يتولى وهو يعلن أنه مسلم ، قضية الحكم بما أنزل الله وحكمها قضية لا تزال تحتاج إلى كثير من البيان وكثير من التوضيح لا يمكن معها أبداً أن تفترض أن هاهنا مواجهة بين مسلمين وكفار على الأقل من ناحية الأخذ بالأسباب ، لأنه عندما ينزل الكفار في بلاد المسلمين وينبري من يجاهد يجد الأعوان ويجد الدعم المادي ويجد الدعم المعنوي ويجد أنه ليس في حاجة إلى فتوى لكي يقاتل هؤلاء الكفار ، بينما القضية عندما يكون مسألة والجميع ينتسب إلى الإسلام ، فكما ذكرنا أن قضية العذر بالجهل لها عامل كبير جداً فيما تقدير أن من قامت عليه الحجة ومن لم تقم عليه الحجة لاسيما مع شيوع الجهل وشيوع التأويل بل خروج التأويل من علماء رسميين بل خروج هذا التأويل من داخل أصحاب الصحوة الإسلامية ، ولذلك كتب جماعة الجهاد وكتب الدكتور سيد إمام رغم أنه كما ذكرنا أنه في مراجعته الأخيرة كانت أضبط بكثير ، ولأن هذه الكتب عندما تقرأها لأن هو يريد أن يكفر الأنظمة ويجد أن بعض المشاكل في قضية الحكم لها تأويلات عند اتجاهات الإسلامية كالإخوان فكان ينص على تكفير جماعة الإخوان ، وهذه أحدثت أزمة كبيرة داخل جماعة الجهاد ، لأن القضية فيها شبهات عالية جداً ، فإما أن تعذر المنتسبين للصحوة الإسلامية ولا تعذر غيرهم وإما كحال الدكتور سيد إمام سابقاً بأنه يتعسف في تكفير الجميع .

فقضية وجود شبهات بأن الناس منتسبة إلى الإسلام ثم تقع في مخالفات في قضية الحكم أو في غيرها ، يفرق في الحكم الشرعي لوجود العذر بالجهل والعذر بالتأويل فتحتاج القضية إلى بيان وتوضيح ويفرق في الأسباب الواقعية عندما ينظر الناس بين ومن ومن تتم المواجهة ، المواجهة في بلاد المسلمين تتم بين مسلمين ومسلمين ، وعلى الأقل الكثير من الجنود الذين يمثلون وقود المعركة بالفعل لا يدرون شيئاً ولا يعرفون شيئاً ، والقضية بصفة عامة تحتاج إلى بيان وتوضيح وإقامة للحكة فلا يمكن أن عموم المسلمين يساعدون من يقوم ليقتل أبناءهم وإخوانهم ويحدث المفاسد في بلاد المسلمين وغيرها .

كما ذكرن يختلف الأمر تماماً عندما يأتي كفار كاليهود والأميركان وغيرهم ، فالأمر أن هؤلاء كفار فالقضية واضحة معهم غاية الوضوح وليس أنه منتسب للإسلام يرتكب فعلاً ولو كان كفرياً ، فالأمر يحتاج إلى إقامة حجة ونظرة عموم الناس لهذه المواجهة أنهم يوفرون الحماية اللازمة والدعم المادي والمعنوي لمن يجاهد في سبيل الله .

ولذلك كان من الغلو في الجانب المضاد تماماً أن بعض الدعاة يريد أن يكون منسجم مع نفسه فهو ينكر المواجهات المسلحة في بلاد المسلمين فيقال له عندما ينزل اليهود والأمريكان في أي بلد مسلم هل أنت تمنع نفس المنع ، تعلمون فلان وفلان فلان يصرح بأنه يمنع ويصرح بأن التيارات الجهادية في فلسطين وفي العراق وفي غيرها هؤلاء خوارج وأفسدوا وفعلوا كذا وأحدثوا فتن في الأمة ويطالب المسلمين بأن يدخلوا في طاعة الكفار صراحة مع قدرتهم على المقاومة ، حتى لو أنه هنا غير قادر فإنه يخاطبهم على أن ما يفعلونه على أقل أحواله الاستحباب إن لم يكن الوجوب .

والقضية هنا قضية واضحة فلا يوجد إراقة دماء ولا هرج ولا مرج ولا تداخل بين المسلمين والكفار ، غاية ما هنالك أن هناك ضعف يقل من استطاع أن يقاوم معها أن هذا سد عن الأمة ثغرة وفعل ما قدر عليه ، وأما أنهم سبب بلاء لسائر المسلمين فهذا لا يشهد له الواقع ، فالبعض يقول مثلاً أن صواريخ حماس هي التي تحرك اليهود لضرب الفلسطينيين مع أن الواقع يؤكد أن هذه قوة ردع وأنه عندما تقل هذه القوة الردعية يستأسد اليهود أكثر ويقتلون من المسلمين أكثر ويهدمون من المنازل أكثر وكذا نفس الحال في الأمريكان في العراق وفي أفغانستان ونحو ذلك ، فالبعض كأنه أجبر حب فكرة ما واقتنع بها ، نحن معه في منع الهرج والمرج الذي يتم في بلاد المسلمين والتي بفضل الله تبارك وتعالى اسم الإسلام فيها ظاهر وإن كان الحكم ليس به ولكن اسمه ظاهر وعامة الناس منتسبون إليه حكاماً ومحكومين ، ويوجد مادة خصبة للدعوة والبيان ويوجد شبهات عند المخالفين تقتضي المنع من تكفيرهم .

لكن أن يأتي ويطبق هذا على البلاد التي يكون فيه الكفار يسومون المسلمين سوء العذاب ويريودون هدم الإسلام شكلاً وموضوعاً ظاهراً وباطناً ويطالب المسلمين أن يتدينوا ، فهذا الأعجب لأن هناك فرق في أن تقول عندما يكون الأمر أمر اضطراري وبين أن يكون هناك تدين ، أن يتدين المسلمون بأنهم يطيعون من تغلب عليهم ولو كان كافراً ، فهذا أمر ينزعج منه حتى أصحاب الحكم المدني لأن هذا يهدم الأساس الذي يمكن أن تحدث به مقاومة لأي غزو خارجي ، لذلك العجب أن بعض العلمانيين في الصحف والمجلات وغيرها يفرحون بهذا الكلام جداً ، وهذا يضرهم حتى من الناحية الواقعة بأن يعرف الأعداء أن هذه البلاد لا ينوون المقاومة وأنه إذا أتاهم الكافر رحبوا به وفتحوا له صدورهم وأزعنوا له وأطاعوا ، فهذا كلام كنا نعتبره من مسبات الصوفية أنهم لم يقاموا الاحتلال الفرنسي وإن كان بعضهم قد قاوم وإن كان حركات الصوفية في بلاد المغرب العربي قاومت فكيف يأتي الآن من يتحدث باسم السلفية ويرى أنه إذا جاءنا الاحتلال وتغلب فإنه لابد أن يتغلب إذا كان أنت لا تقاوم وغيرك لا يقاوم ، فإننا سنتديين بطاعته ، هذا في غاية العجب ، لذلك القضية دائماً تحتاج إلى ضبط بلا إفراط ولا تفريط .

نعود ونقول أن القضية بأن حب الجهاد فرض والجهاد ماض في الأمة إلى قيام الساعة حيث شرع الجهاد حيث شرع القتال في مكان ما وكان هذا  القتال جهاداً شرع الأخذ بأسبابه من المادية من التدريب وغيره ، إذا وجب ضرر فالضرر الذي يلحق بالتدريب غيره أشد من الضرر الذي يلحق بالمواجهة ذاتها ، وبالتالي عندما نقول أن الاختيار هو المنع من المواجهة المسلحة مع الأنظمة المدنية المنتسبة إلى الإسلام الحاكمة في بلاد المسلمين فإذن يكون المنع من حمل السلاح ابتداءاً ومن التدريب عليه وأيضاً من الدخول على مواقع النت وهذه الآفة الأكبر الآن ، فيوجد شباب لا يجاهد ولكن قناعته الداخلية ربما تكون ما نبينه من أن المواجهة في بلاد المسلمين صدام سوف يكون قتال فتنة . وبالتبع لا يتضرر لأن الذي يحمل السلاح تكون هذه فكرته التي يدافع عنها وهي فكرة خاطئة ، والذي يتدرب هذه فكرته التي يدافع عنها وهي أيضاً خاطئة .

البعض الآن تستهويه الفكرة ويريد أن يعيش في أحلام وهو أول من يعرف أنها أحلام ، تجده يستهلك وقته على شاشات الكبيوتر يطالع المواقع التي تعرض الأسلحة وتصنيع الأسلحة اليدوية .. إلى غير ذلك ، فهل هذا هو واجب الوقت ، من كان في العراق أو أفغانستان أو فلسطين هذا سيكون جزء من واجباته الإسلامية وإن كان لا يلزم أن يكون الجميع متخصص في هذا الباب لكن أن يأتي إنسان يقول نحن الآن في مرحلة الدعوة والتربية والتصفية وبلادنا بلاد يعلو فيها اسم الإسلام نريد من خلال الدعوة والتربية أن يعلوها اسم الإسلام أيضاً ثم يأتي يقضي بالساعات الطوال يشاهد الأسلحة وتصنيعها وكذا وكذا ثم المشكلة أنه قد يرصد ويعاقب ويبتلى بالسجن ما شاء الله له أن يبتلى سنوات ، شباب من خيرة شباب المسلمين الآن جريمته الفضول للاطلاع على هذا النوع ، وهذا الفضول بلا شك لن يترك ، أنت لا تتصور أنه إذا كان رصد شخص عنده فضول سيترك إلى أن يتحول الفضول إلى عمل ، تجد عنده فضول هذا الفضول إذا رصد بطريقة أو بأخرى ويدخل إلى هذه المواقع وربما يدعوا غيره إلى أن يدخل إليها وتضييع لوقته وتضييع لواجب الوقت من التعلم والتربية وتعريض نفسه لفتنة بلا أي ثمن ، يعني هذا ربما يكون حاله أسوء من حال الذي كانت هذه فكرته ، لأن من كان هذه هي فكرته يقول يدفع ثمن ما يراه هو حقاً وبالتالي يحتاج الشباب لتوعية كبيرة جداً ، إياكم والفضول الذي يؤدي إلى مفاسد بلا أي ثمن نهائياً .

وعموماً هذا الفضول يوجد داخل جميع النفوس ولكن ينبغي على العاقل أن يقاوم هذا الفضول وأن يجبح جماحه حتى لا يضر نفسه ويضر إخوانه ويضر دعوته .

طالما أننا أشرنا إلى أنه يوجد أماكن المواجهة فيها جهاد مشروع لاسيما أن تكون المواجهة بين مسلمين وكفار ، فهذا في حد ذاته يوفر قدرة ويوفر أرض آمنة للتدريب والقتال ويوفر ظهر حماية وعمق استراتيجي للمواجهين .

لكن ننبه أن هذا الكلام لمن هو في هذه البلاد ، أما الذي في بلاد أخرى واجب الوقت فيها الدعوة فلماذا تترك ، فالبعض يقول إذا أنتم تقولون أن هناك جهاد في فلسطين فأريد أن أهذب وتقولون أن الجهاد في العراق فأريد أن أذهب .

في الواقع أن هذا أمر محرج جداً عندما تأتي للإجابة ولكن القضية أن المشكلة ليست في العدد في كل هذه المشاكل ، فالواقع الذي نعيشه أن الأماكن التي فيها جهاد هي أشبه ما يكون بما يسمونه بحرب العصابات ، الأعداء لديهم ترسانات أسلحة جبارة ويواجهون مجموعات من المجاهدين بأسلحة بدائية ، فالقضية ليست قضية عدد فلا يوجد أزمة عن الأماكن التي نقر أن فيها جهاد ، فلا يوجد فيها أزمة عدد حقيقية حتى تقول ندرككهم .

فكثير من وكالات الأنبياء أن شباب غير فلسطيني دخل غزة وأن حركة حماس نصحتهم أن يعودوا إلى بلادهم ، حتى لا تدخل في نوع من أنواع الاشتباك مع حكومات هؤلاء الشباب وهي ليست في حاجة إلى شباب ، الأمر الثاني وهو أن الذي هذه أرضه يجيد الكر والفر بينما الذي يأتيه من بلد أخرى يكون حمل وثقل عليهم فضلاً أنه لا يكاد يصل ممن يعزم على أن يذهب إلا واحد في الألف والآخرين يذهبون إلى حيث أن يدفعوا ثمن أنهم فكروا هذا التفكير دون أن يجنوا من ورائه أي فوائد ، بينما طاعة الوقت في أماكنهم أن يتعلموا وأن يدعوا إلى الله تبارك وتعالى .

فإن بلاد المسلمين كمصر والسعودية وغيرها فنقول أن الفتوى في هذه البلاد بأن واجب الوقت هو العمل والعلم والتربية والدعوة إلى الله تبارك وتعالى ، كيف يكون أثر هذا في جميع بلاد المسلمين بما في ذلك البلاد التي فيها مواجهات كأفغانستان وغيرها وكيف يكون أثر ذلك في أوروبا ذاتها وأمريكا وانتشار الإسلام فيها ونحو ذلك ؟ ، فلا يكون الإنسان يحقر من المعروف شيئاً لاسيما وإن كان هذا هو المتاح ، بمعنى لو أنه  يعيش في فلسطين لكان أمامه اختيارات فيكون ممن يساهم بأن يسد ثغرة العلم أو يسد ثغرة الجهاد أم يشارك مع هؤلاء بنصيب ومع هؤلاء بنصيب وهذا أكمل وأتم ، لكنه الآن أمامه ثغرات أخرى كثيرة أيضاً مثل ثغرات العلم والتعلم والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام على حقوق الفقراء والمساكين وأبواب الدعوة الكثيرة المتشعبة التي تأتي ثمارها بفضل الله تبارك وتعالى في العالم الإسلامي أجمع ، ويكون لها دورها في دعم الجهاد في المواطن التي فيها جهاد شرعي منضبط ويكون لها دورها في كل مكان بفضل الله تبارك وتعالى .

فإذن القضية أيضاً إذا كنت أنت في ثغرة ما لا تتركها إلى غيرها لاسيما إذا كنت لا تدري هل تصل إلى هذا الغير أم لا ،ولا تختار لنفسك أمور ليست في مجال الاختيار ، فيوجد إنسان طبيعته يتمنى لو وجد الجهاد ، وفطر الله تبارك وتعالى العباد على همم مختلفة واستعدادات متباينة وبهذا الاختلف الفطري يحصل التكامل بين المجتمع الواحد ، ولكن إذا كان الإنسان لديه ميل فطري معين لأمر ليس موجود ينبغي أن يجاهد نفسه ألا يطلب ذلك المفقود بطريقة تضره وألا يجعل نفسه كم مهمل ، بل يأقلهم نفسه على المتاح لأمر دين الله تبارك وتعالى وطاعة الله عز وجل والعمل على نصرة دين الله تبارك وتعالى .

إذن هذه النقاط التي كانت في غاية الأهمية في بيان أن القضية ليست قضية إنكار لمشروعية الجهاد ولا القول بأن الجهاد رفع من الأمة ، ومناقشة إحدى الشبهات مثل " إذا كان الجهاد معجوز عنه يتوجه الأمر إلى الأخذ بأسبابه " نقول أن الأسباب التي تعنونها من التدريب أو غيره هي في مفاسدها كالمواجهة بل أشد وأن حال بلاد المسلمين تحتاج إلى تكييف مختلف وقد أشرنا إليه ، بل حتى أن الانتقال من بلد غالب أهلها مسلمين واسم الإسلام فيها وهو الظاهر والاختيار فيها هو الدعوة والتربية لانتقال إلى بلد آخر قد لا يكون في كثير من الأحيان أو في كل الأحيان اختياراً صائباً بل الأصوب أن يكون الإنسان سداً للثغرة التي وجد فيها .

نعود مرة أخرى ونقول أن القضية أنه بعد توضيح ذلك يبقى أنه لابد من مراعاة القدرة والعجز ، وإذا كان العجز عجزاً معنوياً سوف نتطرق في تقديره إلى المصلحة والمفسدة ، هذا الكلام يقال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلغة ما تتناسب ، ودائماً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نتكلم عن إنكار آحاد المنكرات أما في الجهاد نتكلم عن الثبات والانهزان ومتى يجب الثبات ومتى ينتقل من الوجوب إلى غيره ثم الكلام على هل هذه الأحكام في الجهاد خاصة باقية بعد شبه الاتفاق بين جميع الطوائف على أنه كانت هناك مرحلة أمر فيها المسلمون بكف الأيدي وتحمل الأذى إلى غير ذلك ولكن هل جاءت الآن مرحلة أو ما استقر عليه التشريع أنه يجب الجهاد بلا هذه الضوابط التي قلناها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم لا ؟

وهذه ما يسمونها مراحل تشريع الجهاد والكلام عليها .

هذا نجعله في المرة القادمة إن شاء الله تبارك وتعالى .

ونتكلم على مراحل تشريع الجهاد على انها تفصيل أدق بعض الشيء فيما يخص قضية الجهاد خاصة في القواعد العامة في هذا الباب وهي مراعاة القدرة والعجز والمصلحة والمفسدة وتطبيق هذا على قضية الجهاد خاصة لاسيما أنها مرت بمراحل من مراحل التشريع .

نكتفي بهذا القدر .

سبحانك اللهم ربنا وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية