الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفية ومناهج الإصلاح -9

مراحل تشريع الجهاد

السلفية ومناهج الإصلاح -9
عبد المنعم الشحات
الخميس ٠٤ يونيو ٢٠١٥ - ١٢:٥١ م
1200

السلفية ومناهج الإصلاح

الشريط التاسع

عبد المنعم الشحات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أله وصحبه وسلم .

ثم أما بعد ،،،

كنا وقفنا في البحث عند هذه الجزئية

يقول : " مراحل تشريع الجهاد ، في السنة الثانية من الهجرة فرض الله القتال وأوجبه بقوله تعالى  { كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون } [البقرة/216] وقد مر الجهاد بعدة مراحل :

الأولى : الكف والإعراض والصبر عل الأذى مع الاستمرار في الدعوة ، مما نزل من الآيات في هذه المرحلة قوله تعالى  { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين } [الحجر/94] ـ اصدع بما تؤمر ولا تلتفت لأذى المشركين ـ

المرحلة الثانية : إباحة قتال من يقاتل من غير فرضية "

إذن ممكن نسمي المرحلة الثانية مرحلة مشروعية جهاد الدفع ، يعني بدأ يكون هناك جهاد دفع ولكن لم يكن واجب بل مستحب فقط ، كما في قوله تعالى  { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير } [الحج/39] هنا أذن والإذن فيه الإباحة ، ولكن قلنا أن الإذن بعد الحظر يعود الأمر لما كان عليه قبل الحظر ، فكان هناك { أعرض عن المشركين } فجاء الإذن بأنه يمكن أن تقاتل من يقاتلك مع وجود الأدلة الأخرى التي تبين أن الجهاد عبادة وطاعة وأنه ذروه سنام الإسلام ، فإذن كان ممنوعاً منه للمفسدة ثم جاء الإذن الذي يجعله حينئذ مستحباً  { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير } [الحج/39]  هذه المرحلة وقعت فيها واقعة بدر ، ولذلك استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، استشار لأن الجهاد لم يكن واجباً ولأن البعية التي تمت بينه وبين الأنصار أن يحمونها في المدينة لا خارجها ، ومن هنا جاء الاستشارة ولم يقدم على الجهاد إلا بعد أن تكلم نقباء القوم وعزموا على الجهاد .

الثالثة : وجوب جهاد الدفع ، فرض القتال على المسلمين لمن يقاتلهم فقط دون من لم يقتالهم ، كما قال تعالى  { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } [البقرة/190]  فهذا وجوب جهاد الدفع

الرابعة : قتال الكفار ابتداءاً وهي وجوب قتال الطلب  { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين } [التوبة/36] وهذه وجب فيها جهاد الطلب على أنه فرض كفاية على الأمة ينبغي أن تنتدب الأمة منها من يقوم به .

يقول : " وقد استقر أمر الجهاد على المرحلة الأخيرة التي ذكرت في سورة التوبة وهي قتال المشركين حتى يسلموا وقتال أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية مع الذل والصغار على الخلاف المشهور في جواز قبول الجزية من الكفار غير اليهود والنصارى والمجوس "

إذن هذه مسألة جانبية أخرى وهي متى ينتهي القتال بين المسلمين عندما يبدأ المسلمون قتال غيرهم؟

أولاً ينبغي أن يكون هذا القتال بعد الدعوة

ثم متى ينتهي ؟ إذا أسلم المخالفون بلا شك أو رضوا بدفع الجزية

هل موضوع الجزية مطروح لجميع الكفار ؟

هو بالإجماع غير مطروح للمرتدين ، ولكن بعض العلماء يقولون أنه خاص باليهود والنصارى والمجوس فقط ، والبعض يراه خاص لكل الكفار ماعدا المرتدين ، والمسألة فيها تفصيل فقهي ليس هذا مجاله .

فهذه هي مراحل تشريع الجهاد ، وطبعاً من نافلة القول أن نقول أن هناك معركة على صعيد آخر مع العلمانيين ومع المنصرين وغيرهم عندما يقولون أن الإسلام انتشر بحد السيف ، مما دفع البعض إلى إنكار أنه يكان في الإسلام يوماً ما جهاد طلب ويحالون تأويل الآيات مع أن الواقع والتاريخ يؤكد أنه ليس الفرس والروم هم الذين بدأوا بقتال المسلمين .

إذا تصور أن القتال الذي دار بين المسلمين وبين مشركي العرب في الجزيرة العربية بصفة عامة كان فيه نوع من التناوش أو قد يتوهم البعض أن كله جاء رد فعل مع أن بعضه كان جهاد طلب ، لا يمكن أبداً أن يتصور ولا ينكر أن المسلمين هم الذين بدأوا بقتال الفرس والروم .

يعودون مرة أخرى ويقولون أن الفرس والروم كانوا قد بدأوا من قبل الإسلام بنهب ثروات العرب والسيطرة العرب  ، وتجد الواحد منهم يحاول أن يصور الجهاد الإسلامي الذي شرع لتكون كلمة الله هي العليا فإذ به يصوره وكأنه جهاد لتحرير العرب من سلطان الفرس والروم ، فلماذا كان الحرب مع العرب ابتداءاً ، فإذا كانت القضية هي تحرير العرب من سلطان الفرس والروم كلام ليس له خطام ولا ذمام ، ولكن لأن الذي يقوله لا يقتنع به وإنما فقط يريد أن يتهرب من ما يذكره أعداء الإسلام من أن الإسلام انتشر بحد السيف ويعتبرون أن هذه سبة عظيمة ، يتمسك القول في مقال بهذا بقول { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } ثم بعد ذلك وياليتهم يقفون عندما صار لا يقال { الغي } فهم يقولون { لا إكراه في الدين } فحسناً ، أما باقي الآية.. ؟ ، فيقولون وكل الأديان لابد أن تحترم ، فأنت قتل { لا إكراه في الدين } وهذا في كتاب الله مع أنه لا يصح أن يفهم هذه الآية وحدها وإلا فأين { وقاتلوا المشركين كافة } ، فلابد أن يجمع بين هذه وتلك ، ولكن إذا تغاضيت عن هذا مبداءياً ، { لا إكراه في الدين } نعم هي في كتاب الله ولماذا تحذف بعدها { قد تبين الرشد من الغي } لماذا لا تقول لهؤلاء نحن تركناكم ولم نكرهكم على ترك دينكم ولكن بعد أن بينا لكم أنه دين غي وضلال وأن الرشد في اتباع دين الله ، هذا إذا كان البعض يفعل هذا في كتاب الله فإذن هذا يؤكد أنه لم يجعل كتاب الله إماماً بل يؤصل الأقوال التي تتفق مع هواه أو مع هوى الكفار ثم يأخذ من كتاب الله ما يوافق هواه ،  { لا إكره في الدين } لابد أن يضيف إليها { قد تبين الرشد من الغي }

الأمر الآخر : إذا كان الله تبارك وتعالى قال { لا إكراه في الدين } وهو الذي قال { وقاتل المشركين كافة } فلابد أن يكون الأمران حق ، نبحث ونتأمل في السنة العملية وفي معاني الآيات والأحاديث لنعرف ما هو وجه الجمع الذي خصلاته أنه إنما تقاتل الأنظمة الكفرية { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } فلابد من القتال حتى لا يبقى في الأرض شرك ظاهر مستعل على بقعة من الأرض ، هذه هي غاية جهاد الطلب فينبغي أن يظل إلى أن يزول عروش الكفر من وجه الأرض ، أماإذا دخل المسلمون بلداً وخيروا أصحابها بأن يقال لهم هذا دين غي وضلال والإسلام هو دين الحق والفطرة ثم يتركون وشأنهم فهذا هو الجمع بين الأمرين .

ستجد دائماً السؤال ، وما زال أن هذا الطرح الذي نقول فيه أن المسلمين يريدون أن يقولون لإزالة العروش الكفرية ولكنهم يخيرون آحاد الكفار الواقعين تحت حكمهم فيما يختارون من عقائد ، يقولون مازال أنت تعطي لنفسك حق لم تعطه للآخرين وأنت تريد أن تنشر هذا المنهج على الأرض كلها ؟ نقول لهم ابتداءاً أين نجد على ظهر الأرض منهجاً لم يستعمل نفس الأسلوب ؟ ، هذه الديمقراطية والشرعية الدولة التي يتكلمون عنها ألم تفرض بحد النووي وليس بحد السيف ؟ ألا يوجد قتال تحت مظلة ما يسمونه الشرعية الدولة وتقاتل شعوب مظلومة ويقولون هذه شعوب مظلومة يستولي عليها ديكتاتور وهذا الديكتاتور إن كان سيتقلص بجيشه وثروات شعبه وبالمدنيين من شعبه يقاتلون أيضاً وهذا الذي حدث في العراق وفي أفغانستان وغيرها ، أليس هذا فرض للديمقراطية بحد السيف بل بأسوء نوع من أنواع الحروب والقتال بما يعم ضرره وقتل النساء والأطفال الذين لم يقاتلون ؟ بماذا ؟ لأنه يريد أن يقتلع ما يسميه بالديكتاتورية وأن يضع ما يسميه هو بالديمقراطية . إذن هو يعتبر أن الديمقراطية قضية لا تقبل القسمة على اثنين ، نحن أيضاً نعتبر الإسلام أنه الحق الذي ينبغي أن يسود .

 إذن القضية تعود مرة ثانية إلى المربع صفر كما يقولون ومن يمتلك الحق ؟

هذه قضية مناظرة ومواجهة ، والإسلام بفضل الله يتلك أدلة صدقه الظاهرة البينة ، وعلى كل حال في النهاية هم يفرضون دينهم الأرضي الوضعي الذي يعرفون أنه أرضياً ووضعياً بهذا الأسلوب ، والإسلام لم يشرع قتال النساء ولا الأطفال ولا الرهبان المنقطعين في صوامعهم ، وهل هذا يمكن أن يتحول إلى ترك قتال المدنيين الرجال البالغين الذين لا أمل أن يشاركون في القتال ؟ هذا موضوع من الموضوعات المستجدة المعاصرة وإلا كان قديماً أن رجال القوم هم محاربوهم فجاء الإسلام فمنع قتل النساء والصبيان والرجال المنقطعين في صوامع وبيع وغيره ، وهذا الكلام كان كلاماً نظرياً وعملياً ، وأما الآخرون فحروبهم الحديثة نظرية تمنع من قتل النساء والأطفال والمدنيين وعندهم قائمة أسلحة محظورة وهم الذين يصنعونها وهم الذين يتاجرون فيها وهم الذين يستخدمونها ضد المسلمين ، فإذن هم يتشدقون بأمور لا يوفون بها .

وأما دين اليهود والنصارى فحتى من الناحية النظرية ليس في هذا الأمر ، ولذلك من الأشياء العجيبة أن تجد النصارى ودعاة التنصير يقولون أن الإسلام انتشر بحد السيف والقتال وعندهم في كتبهم التحريض على القتل وسفك الدماء وتدمير شعوب بأكملها بعد انتهاء المعركة ، يعني عندما ينتصرون يكون الاحتفال بالنصر هو قتل الجميع وقتل النساء والأطفال وهذا موجود في كتبهم وينسبونه بأن الله عز وجل أمرهم بهذا وموجود في يومنا هذا .

اليهود لا يحاولون أن يتجملون ولا يعيرون أحد اهتماماً ، إذا ما سئلوا عن ذلك لا يخوضون مناظرات ، اليهود دينهم ليس دين دعوي بل هو دين عنصري قائم على أن الذين يؤمن به لابد أن يكون يهودي الجنس ابتداءاً ، وبالتالي هم غير مشغولي بالدفاع عنه أو بيان ما فيه من باطل أو نحو ذلك وهذه الأمور تستهويهم وتروق لهم تماماً بأن تكون كتبهم ما زالت فيها هذه النظرة الاستعلائية العجيبة التي ينسبونها بأن الله عز وجل أذن لهم أن يفعلوا ما يشاءوا بل أمرهم وحضهم على أن يفعلوا ما يشاءوا في الشعوب الآخر لاسيما قتل النساء والأطفال وتقطيع العورات وقطع الزروع .. إلى غير ذلك .

أما النصارى فهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون ) وكلا الفريقين مغضوب عليه وضال ولكن النصارى وصف الضلال ألصق بهم ، ومن جملة هذا الضلال الحيرة ، بأنهم ورثوا ما كتبه اليهود دون تدبر لكي يثبتون أن عيسى عليه السلام هو امتداد لأنبياء بني إسرائيل ، وطبعاً من ضلالهم وحيرتهم عقيدتهم في عيسى عليه السلام فهل هو إله أو ابن إليه وهل هو إنسان أم ناسوت ولاهوت وهل هو يهدوي وهل هو جاء للهيود فقط وهل قال للمرأة الغير اليهودية ليس من الحكمة أن يؤخذ خبز البنين فيطرح للكلام لأنها ليست اسرائيلية فقالت له كما يزعم كتاب الأناجيل يا معلم والكلام أيضاً يأكلون من فتات خبز البنين فقال لها ما أعظم إيمانك يا امرأة ، إذن عندهم الإيمان أن كل من ليس يهودي جنساً إيمانه أن يرضى بدور الكلب ومع هذا هم جل من يؤمنون بهذا الدين وليسوا من اليهود جنساً .

دين النصارى مليء بالتناقضات العجيبة التي يستحيل على عقل بشري سوي أن يتصور وجودها جنباً إلى جنب وأن يكون القائمون بالدين ورموزه وكباره ليسوا من بني إسرائيل ويكون كتابهم الذي ينسبونه إليه يقول أن إيمان غير اليهودي لا يصح إلا إن رضي بدور الكلب .

نفس القضية هنا فهم ينسبون إلى عيسى عليه السلام أنه قال أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم .. إلى غير ذلك من العبارات ، وهم في ذات الوقت يؤمنون بأن ما يرثونه من اليهود ما يسمونه بالعهد القديم من عند الله وأن الإله الذي أرسل ابنه الوحيد ليقتل ويصلب ويبصق على وجهه ويوضع على رأسه تاج من الشوك ، كل هذه الأحكام المغلظة لأجل ذنب وقع من آدم عليه السلام ، وهو هو الذي أمر اليهود بأن يقتلوا جميع مخالفيهم وأن يمثلون بجثثهم وهو هو الذي يأمر بأن من ضرب على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ، كيف يؤمنون بهذه المتناقضات ؟!

ومع هذا يجدون الجرأة ليطعنوا في الإسلام ، فإذا قلت لهم العهد القديم وأنت تضعه فيما تسميه الكتاب المقدس وتقول أنه من عند الله ، وهذا شيء عجيب جداً  وأن المشاكل الموجودة في العهد القديم إذا احتججت عليهم بها يقولون أن هذا هو العهد القديم ، فماذا يعني أن هذا هو العهد القديم ؟ هل كان الإله في العهد القديم تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ظالماً .. إلى غير ذلك من الأوصاف التي يجعلونها من لوازم تشريع الجهاد ، لاسيما وأن جهادهم كان سفكاً للدماء بكل معاني الكلمة ؟ ونفس الكلام تقوله على مسألة تعدد الزوجات وعلى مسألة الطلاق لأنهم معترفون بأن هذا كان موجود في العهد القديم ، فإذا كان هذا كما يزعمون أنه من المفسدة بمكان وأنه يسب دين الإسلام لا لشيء إلا لأن فيه تعدد زوجات ، والعهد القديم فيه كذلك وأنبياء بني إسرائيل كانوا يفعلونه .

نقول أن لهم تعليلات عجيبة وأن بني إسرائيل لو لم يشرع لهم تعدد زوجات لاتجوا إلى الزنا وهذا كلام شنودة ، فاضطر الرب طالما أنهم سيزنون أن يعطيهم شيء هو أقرب ما يكون من الزنا ولكنه أقل من الزنا

يعني شرع لهم ورضي لهم وأمرهم بشيء هو كالزنا لأنهم كانوا سيزنون ؟ ومن الذين كانوا سيزنون ؟ فهل داوود  عليه السلام كان سيزني لو لم يشرع له أن يجمع بين مائة امرأة وسليمان عليه السلام وعامة أنبياء بني إسرائيل إلى غير ذلك ؟

كلام في غاي العجب .

إذن قضية أن الإسلام انتشر بحد السيف تكون قضية ساقطة شكلاً وموضوعاً .

على الأقل أنه على هؤلاء أن يرجعوا إلى ما ينسبونه إلى الله تبارك وتعالى قبل أن يعترضوا على الإسلام .

أما عقيدتنا نحن  لا نأخذها منهم ولا من غيرهم ولا نغير الأحكام الشرعية مجاملة لهم ، فنعم الإسلام شرع قتال الأنظمة الكفرية حتى وإن لم يبدأون بالقتال وهذا الذي استقر عليه تشريع الجهاد ، وعندما يدخل المسلمون بلداً ويحكمونها يقولون للناس { لا إكره في الدين قد تبين الرشد من الغي } ، وهذا الذي حدث في مصر عندما فتح عمرو بن العاص رضي الله عنه وخير أهلها وترك لهم كنائسهم وفق ما يكون في البلاد المفتوحة لاسيما ما افتتح منها صلحاً لأن بعض بلاد مصر فتح صلحاً وبعضها فتح عنوة ، فترك لهم شأنهم إلا أن معظمهم بفضل الله تبارك وتعالى دخلوا في دين الله تبارك وتعالى ، وهم الآن يحاولون تزييف التاريخ مرات ثم مرات ، يحاولون أن يتهربوا من إثبات أن الإمبراطورية الرومانية كانت تقتلهم رغم أنهم عندما يريدون أن يتباهوا بأنهم قدموا شهداء يقولون شهداء كانوا في الصراع بين الكنيستين الغربية والشرقية ، وكانوا يمارسون بين بعضهم البعض أقضى درجات الإكراه في الدين مع أنهم كانوا مذهبين في عقيدة واحدة ، وكان المتغلب منهما يقتل الآخرين ويجبرهم على تغيير مذهبهم ، جاء الإسلام وترك لهم الأمر من باب { لا إكراه في الدين } دخلوا في دين الله أفواجاً ولم يبق إلا الندر اليسير .

تعرفنا في مرة سابقة حتى مسألة أن هذا الندر اليسير وهؤلاء كانوا من سكان مصر الأصليين فهذا كلام غير صحيح تاريخياً ، فمصر دولة بحكم واقعها الجغرافي انصهرت فيها أجناس كثيرة جداً ولا يكاد يقال عن مكان في مصر أنهم جنس فرعوني النسب خالصاً إلا النوبة ، وهؤلاء كلهم مسلمون والحمد لله رب العالمين .

فإذن لو الكلام على سكان مصر الأصليين فكلهم أسلموا بفضل الله تبارك وتعالى ، ولكن الصفات الوراثية للعائلات النصرانية القديمة النسب في مصر يكفي نظرة واحدة على هؤلاء فتعرف فوراً أنهم يونانيين وليسوا مصريين ، لأن هؤلاء توطنوا في مصر فترة أو على الأقل هم هجين بين اليونانيين والمصريين ،وفي النهاية لا يختلف الأمر معنا في قليل أو كثير ، نحن ندافع عن أنه ينبغي أن يعم دين الله تبارك وتعالى الأرض كلها .

ولكن أن يأتي أحد ويبدل حقائق التاريخ فيكون هذا موضوع آخر .

فإذن لا ينبغي لأحد أن يخجل من شرع شرعه الله تبارك وتعالى بل نقول أننا نقدم خدمة للإنسانية .

العالم الغربي الآن يزعم أنه يقاتل بالأسلحة الفتاكة ليقدم خدمة للإنسانية ، فما هي هذه الخدمة؟ أن يقدم لهم الديمقراطية التي يعترفون أنها أفضل البدائل السيئة .

فهل الإنسان لا يمكن أن يجد بديلاً حسن يحكم به حياته ؟ !

منظري الديمقراطية يقولون أن الديمقراطية هي أفضل البدائل السيئة .

نحن نقول أننا أصحاب رسالة نزيل الأنظمة الكفرية ، والأنظمة الكفرية في أوروبا وأمريكا تمنع الناس من الاستماع للإسلام ، الناس الذين يدخلون في دين الله أفواجاً رغم الحرب الشرسة على الإسلام ومظاهر الإسلام وعلى المساجد وعلى النقاب ، ماذا لو أزيلت تلك الأنظمة ؟!

إذن فعلاً فطرة الإنسان تناديه أن يدخل دين الله تبارك وتعالى .

لو أن المسلمون يقومون بدورهم في الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله في الأرض لكان الأمر مختلف تماماً .

ترك الجهاد خيانة للأمانة .

نرجع بعد كل مناقشة إلى أن يقول ومن الذي أدراك أن الإسلام هو الحق وهو الذي تقدمه للبشرية وتقاتل هذه الأنظمة من أجله ؟

نقول من باب المناقشة ومن الذي أدراك أن الديمقراطية حق ومن الذي أدرى الآخر أن الاشتراكية والشيوعية حق ، وكلها مناهج أرضية تجريبية ؟

فليكن القضية المحورية في كل هذه القضايا أن ما هو دليلكم على أن الإسلام هو الحق ؟ ثم تكون كل الإشكالات التي تلي ذلك محلولة تلقائياً .

فلا ينبغي أن تفرع بنا الأمور إلى مسائل أخرى .

فنحن نتكلم على أن الجهاد مر بأربع مراحل :

الأولى : مرحلة الكف

الثانية : مشروعية جهاد الدفع

الثالثة : وجوب جهاد الدفع

الرابعة : وجوب جهاد الطلب .

المشكلة مع إخواننا أصحاب التيارات المسماة بالتيارات الجهادية ، أيضاً ربما أشرنا قبل ذلك تضطر أن تستخدم مصطلحات معينة فتقول ـ التيارات الجهادية ـ فيقولون اعترفت على نفسك بأنك وصفتنا بأننا تيارات جهادية وينبغي مراعاة أن أحياناً هناك مصطلح يقال لشيوعي ، فلا بأس ، نحتاط ونقول التيارات المسماه بالجهادية لأنه يرون أنواعاً من القتال جهادا ومن ثم يفعلونها ونحن لا نراها جهاداً ومن ثم ننمنع منها .

يتملك أصحاب هذه التيارات الموسومة بالجهادية بأن المرحلة الأخيرة من مراحل تشريع الجهاد هي وجوب جهاد الطب .

أيضاً لو أنه من ناحية الجدل سألتهم هلموا إلى جهاد الطلب وأين هو ؟

تجد الأمر لا يتعدى فرقعات هنا أوهناك .

فابتداءً الدعوة غير ثابتة وغير مستقرة .

طبعاً يأتي السؤال هل يلزم للجهاد إمام وراية وأرض ؟

نقول لكي تقول جهاد لابد أن تسبقه دعوة وإقامة حجة وقدرة على تخيير الخصم إما أن يسلم إذا كان في قتال الكفار وإما أن يعطي الجزية وإما أن يستمر القتال، أين هذا كله فيما تراه من نماذج فضلاً عما تراه في بلاد المسلمين التي سوف نشير إلى أن قتال المنتسبين للإسلام موجود مثل قتال البغاة أو الطائفة الممتنعة ولكن له شروط .

ابتداءً بغض النظر عن توصيف الطرف الآخر ، فهذا الذي يقول جهاد خائف مستتر ليس له أرض وليس له راية وليس له شوكة ، وهذه كلها من شروط القدرة ، نحن لا نشترطها اشتراط شرعي بأنه لابد من ذلك ، ولكن هذه من شروط القدرة الواقعية ، لا يمكن أن يوجد أحد عنده قدرة إلا عنده أرض يستقر فيها وينطلق منها ، سواء كانت أرض سهلية أو جبال أو مغارات ، ولن ينجح تجارب الجهاد إلا في الأماكن التي يتوفر فيها أرض وراية وشوكة ، سواء كما ذكرنا أرض منبسطة أو مدن وقرى ونحو ذلك أو كانت جبال وغالباً لا تنجح إلا في الجبال كأفغانستان وغيرها لأن موازين القوى مختلفة تماماً بين المجاهدين وبين خصومهم .

وجود هذه الأرض أحد العوامل التي جعلت تكييف الأمر في العراق وأفغانستان والشيشان بأنه في إحدى مقومات القدرة ، ناهيك على أن الطرف الآخر واضح الكفر وناهيك إلى أن وجود مصلحة حتى لو وجدت مفسدة كرد فعل من الكفار فهي مفسدة حاصلة فعلاً ، بخلاف بلاد المسلمين لأنه بالفعل يوجد استقرار وحفظ للدمار حتى ولو يوجد حكم بغير ما أنزل الله ومنكرات ظاهرة ولو يوجد تضيق على الدعاة إلى الله ، ولو يوجد أمور من الظلم في توزيع الأموال إلى غير ذلك ، ولكن في النهاية الناس آمنون على دمائهم وأموالهم ويستطيعون تعلم دين الله تبارك وتعالى ويستطيعون عبادة الله تبارك وتعالى ويستطيعون تصحيح ما يمكن أن يحدث من أخطاء .

بخلاف الأعداء من اليهود والأمريكان وغيرهم إنما يهلكون الحرث والنسل .

وسواء وجد الجهاد أو لم يوجد ، بل أن التجربة تقول أن الجهاد في مثل هذه البلاد يثمل قوة ردع كبيرة ضد الأعداء  ، عند عدم وجودها يستأسد الأعداء ، وهذا ما رأيناه من أنواع الفساد العظيم الذي أحدثه الأمريكان في العراق مثلاً قبل أن تتمكن فصائل المجاهدين من توجيه ضربات لهم قل قدر الفساد والاغتصاب والمخازي التي يفعلها الكفار في بلاد المسلمين .

يقول هؤلاء أن هذه المرحلة الأخيرة من مراحل تشريع الجهاد قتال المشركين كافة فلابد أن نثبت عنده ، ويقولون أن المراحل الأخرى منسوخة .

لذلك يقول هنا : " وقد فهم البعض القول بالنسخ فهماً غير صحيح فأنكر المرحلية بالكلية مع أن أهل العلم قد قرروه "

كنا نود أن ننتهي هذه المرة من الكلام على مراحل تشريع الجهاد ولكن استطردنا أكثر من استطراد منع من إتمام الأمر فنرجئها للمرة القادمة إن شاء الله تبارك وتعالى بحث تأخذ كل مسألة حقها من البيان والتوضيح

فنكتفي بهذا القدر ونستكمل في المرة القادمة إن شاء الله تبارك وتعالى .

سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية