الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مِن أسباب زوال الهم والحزن عن القلوب

نحتاج إلى معرفة بعض الأسباب التي أتت بها الشريعة لإزالة الحزن والهم والغم عن النفوس

مِن أسباب زوال الهم والحزن عن القلوب
عبد القادر عمر
الثلاثاء ٠٩ يونيو ٢٠١٥ - ١٠:٥٧ ص
7175

مِن أسباب زوال الهم والحزن عن القلوب

كتبه/ عبد القادر عمر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الحزن أصبح سمة مِن سمات عصرنا الذي نعيش فيه، وقلما تجد مِن الناس مَن ينجو من هذا الداء العضال، ومِن هذه العقبة التي تؤخـِّر العبد في طريق سيره إلى الله، بل لربما أوقفته تمامًا عن السير.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "ولم يأتِ الحزن في القرآن إلا منهيًّا عنه، أو منفيًّا؛ فالمنهي عنه كقوله -تعالى-: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) (آل عمران:139)، والمنفي كقوله -تعالى-: (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:38).

وسر ذلك: أن الحزن موقِفٌ غير مُسَيِّر، ولا مصلحة فيه للقلب، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره، ويوقفه عن سلوكه، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) (المجادلة:10)، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الثلاثة أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث؛ لأن ذلك يحزنه، فالحزن ليس بمطلوب، ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وقد استعاذ منه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ) (متفق عليه)، فهو قرين الهم، والفرق بينهما: أن المكروه الذي يَرِدُ على القلب إن كان لما يُستقبل أورثه الهم، وإن كان لما مضى أورثه الحزن، وكلاهما مضعف للقلب عن السير، مفتِّر للعزم" (مدارج السالكين).

ولا شك أننا نحتاج إلى معرفة بعض الأسباب التي أتت بها الشريعة لإزالة الحزن والهم والغم عن النفوس، ولذلك نذكر بعضها -بتوفيق الله تعالى-، فمنها:

1- الإكثار مِن الصلاة فهي قرة عيون الموحدين:

قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (الحجر:97-98).

قال العلامة السعدي -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية: "أي أكثر مِن ذكر الله وتسبيحه وتحميده والصلاة؛ فإن ذلك يوسِّع الصدر ويشرحه، ويُعينك على أمورك" (تفسير السعدي).

وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، صَلَّى" (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني).

وقال الله -تعالى-: (إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا . إِلا الْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) (المعارج:19-23).

2- الإكثار من ذكر الله عمومًا "وأفضله قراءة القرآن":

قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28).

قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "أي يزول قلقها واضطرابها ،وتحضرها أفراحها ولذاتها" (تفسير السعدي).

وإليك بعض الأذكار التي تُقال عند الكرب والغم والحزن والهم:

- عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ: (لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ) (متفق عليه).

- وعن أنس -رضي الله عنه- قال: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: (يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

- وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ) (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني).

- وعن أسماء بنت عُميس -رضي الله عنها- قالت: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ -أَوْ فِي الْكَرْبِ-؟ اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي، لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني).

- وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: (أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

- ولا تفوتك دعوة نبي الله يونس -عليه السلام-: قال الله -تعالى-: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء:87-88)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

قال العلامة السعدي -رحمه الله- في تفسير الآية السابقة: "وهذا وعد وبشارة لكل مؤمن وقع في شدةٍ وغم أن الله -تعالى- سينجيه منها ويكشف عنه ويخفف لإيمانه كما فعل بيونس -عليه السلام-" (تفسير السعدي).

- والمتأمل لدعوة يونس -عليه السلام- يرى أنها اشتملت على: إثبات الألوهيه لله وحده ونفيها عمن سواه، وتنزيه الله عن كل نقص وعيب وآفة، واعتراف العبد بظلم نفسه وجنايته؛ فاستحضار هذه المعاني في القلب هام ونافع جدًّا.

3- الإكثار مِن الصيام:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ) (متفق عليه)، فالصيام جالب للفرح والسرور للقلب.

4- الإكثار مِن ذكر الموت؛ لتذكُّر حقيقة الدنيا، وأنها كلها إلى زوال:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أكْثِرُوا ذِكْرَ هاذِمِ اللّذَّاتِ: المَوْتِ، فإنّهُ لم يَذْكُرْهُ أحَدٌ فِي ضيقٍ مِنَ العَيْشِ إلاَّ وسعه عليه، وَلا ذَكَرَهُ فِي سَعَةٍ إلاّ ضَيَّقَها عَلَيْهِ) (رواه ابن حبان والبيهقي، وحسنه الألباني).

وأخيرًا: الاستعاذة بالله مِن الهم والحزن؛ فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله منهما، بل كان يكثر مِن ذلك، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو بِهَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) (متفق عليه).

فاللهم فرِّج كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

ربما يهمك أيضاً

فَثَمَّ الجَنـَّة!
1053 ١٤ نوفمبر ٢٠١٧
رضا ومغفرة ومحبة
1093 ١١ أغسطس ٢٠١٦
مِن فضائل الاستغفار
1739 ٠١ سبتمبر ٢٠١٥