الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواعظ رمضان (6) - رمضان شهر القرآن

كان النبي إذا جاء رمضان؛ أشعر أمته بأنه شهر القرآن، فكان يحتفي بالقرآن احتفاءً خاصًّا يتميز عن سائر السنة

مواعظ رمضان (6) - رمضان شهر القرآن
سعيد محمود
الاثنين ٢٢ يونيو ٢٠١٥ - ٠٩:٤٨ ص
1739

مواعظ رمضان... (رمضان شهر القرآن) (6)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة:185).

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أنزل القرآن جملة مِن الذكر، في ليلة أربع وعشرين من رمضان، فجُعل في بيت العزة"، وعنه -رضي الله عنه- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" (متفق عليه).

قال ابن رجب -رحمه الله-: "دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على مَن هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار مِن تلاوة القرآن في شهر رمضان".

وقال صاحب الظلال: "والقرآن كتاب هذه الأمة الخالد، الذي أخرجها مِن الظلمات إلى النور فأنشأها هذه النشأة، وبدلها مِن خوفها أمنًا، ومكَّن لها في الأرض، ووهبها مقوماتها التي بها صارت أمة، ولم تكن مِن قبْل شيئًا، وهي بدون هذه المقومات ليست أمة، وليس لها مكان في الأرض، ولا ذكر في السماء؛ فلا أقل مِن شكر الله على نعمة هذا القرآن بالاستجابة إلى صوم الشهر الذي نزل فيه القرآن".

يا أخي... كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جاء رمضان؛ أشعر أمته بأنه شهر القرآن، فكان يحتفي بالقرآن احتفاءً خاصًّا يتميز عن سائر السنة، حيث يدرس القرآن مع مَن نزل عليه به؛ جبريل -عليه السلام-.

وفي حديث ابن عباس -المتقدَّم- أن الدراسة بينه -صلى الله عليه وسلم- وبيْن جبريل -عليه السلام- كانت ليلاً؛ فيدل على استحباب الإكثار مِن التلاوة في رمضان ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، ويجتمع فيه الهم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر، كما قال الله -تعالى-: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً) (المزمل:6).

فيا أخي.. اعلم -رحمني الله وإياك- أن: تلاوة القرآن مِن أعظم أنواع التجارة مع الله.

ألم تسمع إلى قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر:29-30).

واعلم... أن تلاوة القرآن هي وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلو شأنك في الأرض وفي السماء: استمع إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الإِسْلامِ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ رَوْحُكَ فِي السَّمَاءِ، وَذِكْرُكَ فِي الأَرْضِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

أخي... كان السلف -رحمهم الله- إذا دخل رمضان أقبلوا على القرآن، وتركوا سائر العلوم.

ـ كان الزهري إذا أقبل رمضان يتوقف عن التحديث، ويقول: "إنما هو لتلاوة القرآن، وإطعام الطعام".

ـ وروي عن بعض السلف أنهم كانوا يختمون القرآن في رمضان ثلاثين ختمة!

ـ وأن بعضهم كان له ستون ختمة؛ وذلك لبركة الزمان، وإن كان الأولى موافقة هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاث) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، فهيا نقبل في رمضان على كتاب الله قراءة وتدبرًا وعملاً.

وإليك بعض آداب قراءة القرآن ليكتمل الفضل ويعظم الأجر:

- يستحب للقارئ أن ينظف فمه، ويستقبل القبلة ويجلس متخشعًا بسكينة ووقار.

- إذا أراد القراءة، تعوذ وجهر بها: قال الله -تعالى-: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (النحل:98).

- إذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر والخضوع، فهو المقصود، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب: قال الله -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) (ص:29)، وقد كان جماعة مِن السلف يردد أحدهم الآية جميع ليلته أو معظمها!

ـ ويسن تحسين الصوت بالقراءة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ) (متفق عليه).

ـ ويستحب البكاء عند القراءة مِن غير أن يتكلفه: قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً . وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (الإسراء:107-109).

- ويستحب ترتيل القرآن: قال الله -تعالى-: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزمل:4).

ـ ويستحب إذا مرَّ بأيه رحمة أن يسأل الله -تعالى- مِن فضله، وإذا مر بأية عذاب أن يستعيذ من العذاب أو من الشر ونحو ذلك؛ لثبوته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ـ ويستحب طلب القراءة مِن حَسَن الصوت والإصغاء إليها؛ لثبوته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

- استحب بعض العلماء افتتاح مجلس حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقراءة قارئ حسن الصوت ما تيسر مِن القرآن.

- ينبغي للقارئ أن يبتدئ مِن أول السورة، أو مِن أول الكلام المرتبط، ويقف على آخرها، أو آخر الكلام المرتبط بعضه ببعض.

- إذا ختم القرآن فيستحب له أن يكون في يومه صائمًا؛ فقد استحب جماعة من السلف أن يختم القراءة بالدعاء صائمًا، فقد ثبت عن أنس -رضي الله عنه-: "أنه كان إذا أراد الختم جمع أهله ودعا".

- فيا أخي... هيا بنا في شهر القرآن نغتنم الحسنات الكثيرة، ونُقبِل على القرآن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لا أَقُولُ: آلم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلْفٌ حَرْفٌ، وَلامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- هيا بنا في شهر القرآن، ننال عز الدنيا والآخرة بقراءة القرآن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ) (رواه مسلم).

- هيا بنا في شهر القرآن ننال حصانة القرآن يوم القيامة بتلاوة القرآن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ) (رواه مسلم).

- هيا بنا في شهر القرآن نأخذ بأسباب الرقي في الجنة يوم القيامة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارَتْقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَة تقرؤها) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة