الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

أعمال القلوب... سبيل المتقين

رمضان أعظم الفرص للإكثار من فعل الخيرات التي بها تزكو النفوس

أعمال القلوب... سبيل المتقين
نور الدين عيد
الثلاثاء ٢٣ يونيو ٢٠١٥ - ١٠:٠٨ ص
1321

أعمال القلوب... سبيل المتقين

كتبه/ نور الدين عيد

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فما من عمل أعظم ولا فضل أشرف من صحة السرائر وعبادات القلب، فهي التي بلغت بالسابقين ما بلغت بهم، وفيها تفاوت الناس كما بين المشرقين وأبعد، قال ابن القيم رحمه الله: "أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع ومكملة، وإنّ النيّة بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح ماتت، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح "بدائع الفوائد3/244.

فإن القلب محل نظر الله فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فذكر نحو حديث داود وزاد ونقص ومما زاد فيه « إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ». وأشار بأصابعه إلى صدره." رواه مسلم ، وهو أصل العمل قوة وضعفاً وقبولاً ورداً، فلا يلتفت للعامل الظاهر الذى تخلف الإخلاص عنه وابتعلا به وجه الله، فكم من باذل رد عليه عمله، وكم من مُضحٍ بنفسه ودمه لم يجنِ ثمرة عمله لتخلف عمل قلبه.

عن سليمان بن يسار قال: تفرق الناس عن أبي هريرة، فقال له ناتل أهل الشام: أيها الشيخ! حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال. نعم، سمعت رسول الله يقول: (إنّ أول الناس يقضى يوم القيامة عليه: رجل استشهد، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال: جريءٌ؛ فقد قيل. ثم أمر به؛ فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجلٌ تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالمٌ، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئٌ، فقد قيل. ثم أمر به؛ فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه، وأعطاهُ من أصناف المال كله، فأُتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيل تحبُّ أن يُنفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جوادٌ، فقد قيل. ثم اُمر به؛ فسحب على وجهه ثم ألقي في النار) رواه مسلم.

 فهذا الحال أفزع الأحوال وأشدها على العاملين، أن يأتي مؤملاً راجياً فيقال له: كذبت، إنما ظاهرك الصلاح ومحل النظر الطلاح والإعراض، فيا له من عذاب فوق العذاب، سحب على الوجه إلى المهانة والبوار، فلا ظاهر عمله نفع، ولا من قصد شفع، فلا تجمع عليك أُخَي عناء الدنيا وعذاب الأخرة بتخلف قلبك عن رضا ربك، إخلاصاً وحباً وشوقاً وإنابة وتوكلاً وإخباتاً وانكساراً وخوفاً ووجلاً، فما التذ عبد بمثل لذة مناجاته، ولا سكن قلبه بمثل مودته ومحبته، فما كثرة الأعمال إلا لإصلاحه وطهارته، قال الله تعالى :" وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) " الشعراء، فسلامته من شبهة مضلة أو شهوة محرقة هي سر ثباتك وأصل نجاتك.

 إياك أن تغتر بثناء الناس أو يثبطك ذمهم، فما هم بمالكي النفع والضر لأنفسهم فضلاً عن غيرهم، فله وحده الجأ، وبه اعتصم، وإليه اشكو، وبه اعتضد واستنصر، كما فعل المقربون من الأنبياء والمرسلين، قال الله عن يعقوب عليه السلام: "قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)" يوسف، فقلوبهم بالله متعلقة ، وله قاصدة، وفى غيره زاهدة، فنصرهم مالك الملك وجبر كسرهم، فجمع عليهم من لذة المناجاة، وقضاء الحاجات وقرة الأعين، فاقصد الله يكفك غيره، فكل الخلائق تحت قهره، ولا شيء ينفذ إلا بأمره، قلوبهم بيده، وأرزاقهم بأمره، فمن أخلص ما بينه وبين سيده أصلح ما بينه وبين عباده.

روي عن أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: "من خلصت نيته كفاه الله ما بينه وبين الناس".

فأكثر من أعمال السر، وأعمال القربات التي لا يعلمها أحد إلا الله، فإنها أعظم الصِلات، وأجل القربات، فاضرب بأسهم في خلوات تكن لك ذخراً في مشاهد العلن، كما روى الزبير مرفوعاً:" من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل " رواه الضياء و صححه الألباني.

قال الغزالي رحمه الله :" فاعلم أن ما ينال به الفضل عند الله شيء وما ينال به الشهرة عند الناس شيء آخر فلقد كان شهرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة وكان فضله بالسر الذي وقر في قلبه وكان شهرة عمر رضي الله عنه بالسياسة وكان فضله بالعلم بالله الذي مات تسعة أعشاره بموته وبقصده التقرب إلى الله عز وجل في ولايته وعدله وشفقته على خلقه وهو أمر باطن في سره".

ورمضان أعظم الفرص للإكثار من فعل الخيرات التي بها تزكو النفوس، وتطيب القلوب، وتحيا الأرواح، والله أسأل أن يطهر قلوبنا وأن يجعل سرائرنا خيراً من علانيتنا، والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com