الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواعظ رمضان (8) شهر الذكر الكثير

اعلم أن الذكر لم يقتصر على كونه عبادة الإنسان والملائكة والجان فقط، بل هو وحده عبادة جميع الكائنات

مواعظ رمضان (8) شهر الذكر الكثير
سعيد محمود
الأربعاء ٢٤ يونيو ٢٠١٥ - ١٣:٤٣ م
1734

مواعظ رمضان... (شهر الذكر الكثير) (8)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الأحزاب:41-42).

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إن الله لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدًّا معلومًا، ثم عذر أهلها في حال العذر، غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حدًّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه إلا مغلوبًا على عقله"، فقال: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) (النساء:103)، بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال" (تفسير الطبري).

وقال الله -تعالى-: (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً . هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) (الأحزاب:42-43).

ولذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ" (رواه مسلم).

فيا أخي... هل علمتَ أجر مَن كان مكثرًا مِن ذكر الله -عز وجل-؟

فإليك بعض ما جاء في أجره وفضله:

1- للذاكرين عند الله المغفرة والأجر العظيم: قال الله -تعالى-: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب:35).

2- للذاكرين علو فضلهم وذكرهم عند ربهم: قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ) (متفق عليه).

3- للذاكرين القرب مِن الله -عز وجل-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ) قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ) (رواه مسلم).

4- للذاكرين مِن العمل خيره وأزكاه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذهبِ والوَرِقِ، وخيرٍ لكم مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟) قَالُوا: بَلَى. قَالَ: (ذِكْرُ اللَّهِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ عَجَزَ مِنْكُمْ عَنِ اللَّيْلِ أَنْ يُكَابِدَهُ، وَبَخِلَ بِالْمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ، وَجَبُنَ عَنِ الْعَدُوِّ أَنْ يُجَاهِدَهُ، فَلْيُكْثِرْ ذِكْرَ اللهِ) (رواه الطبراني والبيهقي، وقال الألباني: صحيح لغيره).

5- للذاكرين أجر صدقة بغير مال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى) (رواه مسلم). (سُلامَى): قال النووي -رحمه الله-: "أصله عظام الأصابع وسائر الكف، ثم اُستعمل في جميع عظام البدن ومفاصله".

يا أخي... إن فضائل الذكر لا نستطيع أن نحصيها في مجلسنا هذا، وإن شئت فارجع إلى كتب أهل العلم في هذا الباب فستجد ما ذكروه في ذلك قد بلغ ما يقرب المائة في عدِّ فضائل الذكر.

ـ يا أخي... اعلم أن الذكر لم يقتصر على كونه عبادة الإنسان والملائكة والجان فقط، بل هو وحده عبادة جميع الكائنات مِن أرض وسماء، وشجر ومدر، وجماد ونبات، قال الله -تعالى-: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (الإسراء:44).

فالسموات تسبِّح، والأرض تسبح، والجبال تسبح، والطعام، والنمل، والحيتان في البحر، والخيل والطير... الكل يسبِّح ويذكر الله -تعالى-.

- فأما "السموات والأرض" فقد قال الله فيهما: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (الجمعة:1)، وقال: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا).

- وأما "الجبال" فقد قال الله -تعالى- في حقها: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء:79)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إِلاَّ لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِن حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

- وأما "الرعد" فقد قال الله -تعالى-: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) (الرعد:13).

- وأما "الطعام" فقد قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ" (رواه البخاري).

- وأما "الحيتان" فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ، وَمَنْ فِي الأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْبَحْرِ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

- وأما "النمل" فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- وأما "الخيل" فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَسٍ عَرَبِيٍّ إِلا يُؤْذَنُ لَهُ مَعَ كُلِّ فَجْرٍ يَدْعُو بِدَعْوَتَيْنِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَوَّلْتَنِي مَنْ خَوَّلْتَنِي مِنْ بَنِي آدَمَ، فَاجْعَلْنِي مِنْ أَحَبِّ أَهْلِهِ وَمَالِهِ إِلَيْهِ، أَوْ أَحَبَّ أَهْلِهِ وَمَالِهِ إِلَيْهِ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

- وأما "الطير" فقد قال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) (النور:41).

- وها هو "الهدهد" يغضب لله ويدعو لتوحيده: قال: (أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) (النمل:25).

- أخي... هيا إلى أحب الأعمال وأحسن الخاتمة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أحبُّ الأعْمالِ إِلَى الله أَن تَمُوتَ ولِسانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ الله) (رواه ابن حبان، وحسنه الألباني).

- أخي... هيا إلى أحب ما يأخذه الإنسان مِن الدنيا للآخرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلا ذِكْرَ اللَّهِ، وَمَا وَالاهُ، أَوْ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا) (رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني).

- أخي... هيا إلى إنقاذ قلوبنا مِن الموت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ) (متفق عليه).

- أخي... هذا موسم شريف، يحتاج منك إلي عمل شريف، وإن الذكر لأشرف الأعمال.

فاللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة