الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفية ومناهج الإصلاح - 13

إذا وجد طائفة ممتنعة ولا قدرة لأهل الحق بقتالهم ولا مصادمتهم فيكون حينئذ هذا القتال مما ينهى

السلفية ومناهج الإصلاح - 13
عبد المنعم الشحات
الاثنين ٢٩ يونيو ٢٠١٥ - ١٠:٣٨ ص
1544

السلفية ومناهج الإصلاح

الشريط الثالث عشر

عبد المنعم الشحات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .

ثم أما بعد ،،،

انتهينا في المرة السابقة من تدارس فتوى التتار لشيخ الإسلام ابن تيمية والتي أصل فيها بقتال الطائفة الممتنعة ، وهذه الفتوى كما أشرنا من قبل توظف في غير سياقها من جهات عديدة وقد يقرأها كل طرف بطريقته الخاصة والبعض يسقطها على واقع ليس مساو للواقع التي سيقت فيه ،

ولكي نتذكر قوام هذه الفتوى فإن شيخ الإسلام ابن تيمية نص كما ذكرنا أن هناك عدة فتاوى تتعلق بالكلام على التتار من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وهي فتاوى متقاربة في المعنى ذكر في إحداها على أنه لابد من معرفة الحكم الشرعي ولابد من معرفة واقع القوم المسئول عنهم ، وأما من جهة الحكم الشرعي فذكر الأدلة على أن كل طائفة امتنعت من تنفيذ حكم من أحكام الله تبارك وتعالى كانت ذا شوكة ومنعة بذاتها فإنهم يقاتلون عليهم ، وذكر الأدلة على ذلك والنماذج العملية من قتال أبي بكر رضي الله عنه من مانعي الزكاة وقتال علي رضي الله للخوارج وقبل ذلك الأدلة الشرعية في إيذان من لم ينتهي عن أكل الربا بحرب من الله ورسوله ، إلى آخر ما ذكرنا .

هذا ما ذكرناه في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فيما ذكره في الحكم الشرعي في الطائفة الممتنعة .

ثم تكلم على قتال التتار ووصف حال التتار ووصف حال المماليك الذين يقاتلون .

فوصف حال الممالك بأنهم وإن كان فيهم تقصير إلا أنهم يدافعون عن بيضة الإسلام عن أرض الإسلام وأمام التتار وغيرهم ووصف التتار بأنهم ممتنعون عن تحريم المحرمات وعن الإقرار أو الإلتزام بأن الجهاد لا يكون إلا لإعلاء كلمة الله بينما هم يقاتلون لإعلاء ملك التتار وإنهم لا يلزمون جندهم بالفرائض ولا يمنعونهم من المحرمات إلى غير ذلك .

إذن هناك شق يتعلق بالحكم الشرعي الذي يمكن أن تعتبره غير متعلق بالتتار ولا بغيرهم . ذكر توصيف للطائفة الممتنعة وأن هناك من يمتنعون عن أداء أو عن الإلتزام ولي عن الاعتقاد ، لأن الامتناع عن الاعتقاد فالأمور متواترة باعتقاد فرضية من الفرائض المتواترة المشهورة أو حرمة المحرمات ، هذا يكون ردة ويكون من ضمن قتال المرتدين ، وأما هنا الامتناع من الالتزام مع تعارض هذه الطائفة بعضها ببعض فهؤلاء يقاتلون وهذا هو الأصل الشرعي كما ذكرنا .

ثم طبق هذا على قتال المماليك مع التتار .

البعض يريد أن يأتي إلى طائفتين لو وصفت حال كل منهما لوجدت أن كلا منهما ممتنع عن تطبيق شرع الله ، ثم يقول  ننظر من أقرب إلى الحق ومن أقل شراً من الآخر، فيكون هؤلاء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية كأن هؤلاء الممالك وهؤلاء التتار فيجب القتال في صفوف الأقل شراً ضد الأكثر شراً فيقعون في إيجاب القتال تحت رايات جاهلية وتحت عصبيات جاهلية ، ويكون من باب القياس في مصادمة النص ، بل ليس قياس بل هو تخريج على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية يصادم به النص ، وهذا إغفال لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية بأن المماليك وإن كان فيهم ظلم إلا أنهم يقاتلون لحماية بيضة الإسلام والدفاع عن الأرض والراية راية شرعية وهي التي يقال فيها أن يقاتل مع كل بر وفاجر .

من صور الانحراف الأخرى أيضاً وهي كثيرة جداً أن البعض إذا قلت له حرمة الدماء وحرمة الأعراض إلى غير ذلك قالوا هناك قتال الطائفة الممتنعة وهؤلاء أمثلهم طريقة وإلا كما ذكرنا أن البعض يريد أن يختصر الطريق فيجعل أن أي معركة يخوضها هي من باب قتال المرتدين ، وذكرنا هذا ونحن نذكر الكلام على هذه المناهج ، لكن البعض الآخر إذا ما جئت أن تنكر عليه أمور يقول أن هناك قتال الطائفة الممتنعة ونسي أن القضية ليست مجرد وجود طائفة ممتنعة يساوي وجوب قتالها وأن هذا يسمى جهاد . لماذا ؟

لأنه يفتقر ابتداءاً إلى وجود طائفة مؤمنة أقرب إلى الحق من هذه الطائفة الممتنعة  تستطيع أن تقاتل هذه الطائفة ، فإذن يسقط شروط كانت موجودة ضمنياً في الفتوى ، فالفتوى تسأل عن بعض الجنود الذين في صفوف المماليك يتحرجون ويظنون أن القتال بين المماليك والقتال ، لأن التتار تكلموا بالإسلام قتال فتنة ينبغي أن يمسكوا عنه ، إذن لم تكن الفتوى تتعرض للكلام على أمور هي حاصلة بالفعل ، لأن التتار لهم شوكة وقوة ولهم أرض ينطلقون منها والجهاد قائم بالفعل ، ولكن كان السؤال هل هذا القتال فتنة لأنه بين فريقين منتسبين للإسلام ؟

وكانت الإجابة أن المماليك يقاتلون لإعلاء كلمة الله مع ما فيهم من ظلم والتتار يقاتلون لإعلاء ملك جنكيز خان وهذا يجعل هذه راية إسلامية فيها نوع من الخلل والأخرى راية جاهلية ، ويجعل من يقاتل تحت الراية الجاهلية ممتنع عن تنفيذ حكم الله تبارك وتعالى وعن التزام حكم عز وجل بأن القتال في الإسلام لا يكون إلا لإعلاء كلمة الله .

فالبعض يغفل هذا الجانب تماماً ويستدل بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية على إسقاط ما تطرق من وجود مراعاة القدرة والعجز والمصلحة والمفسدة مما سبق بيانه .

إذن إذا وجد طائفة ممتنعة ولا قدرة لأهل الحق بقتالهم ولا مصادمتهم فيكون حينئذ هذا القتال مما ينهى عنه لأنه يجر إلى الفساد ويجر على الاعتداء على الأموال والأعراض وعلى تضييع المصالح الشرعية .

وكما ذكرنا قاعدة مراعاة العجز والقدرة والمصلحة والمفسدة تستصحبها في كل أنواع المسائل وبالتالي ليست القضية فقط توصيف حال المخالفين إنما القضية توصيف حال أهل الحق  .

حتى أنه مما يكون في آخر الزمان عند نزول عيسى عليه السلام وينزل متبعاً لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم فإذا خرجت يأجوج ومأجوج أوحى الله تبارك وتعالى إلى عيسى عليه السلام أن حرز عبادي إلى جبل الطور فإني قد أخرجت أقواماً لا يدان لأحد بقتالهم فيحرز عيسى عليه السلام من معه من المؤمنين ثم يرسل رسولاً ينظر خبر القوم فإذا الله عز وجل قد أهلكهم ، فهذا مما يدل على أن الأمر ليس فقط فداحة الخصم أو توصيفه وهل هو مستحق للقتال أم لا . ولكن القضية توصيف حال المؤمنين أيضاً ، وهذا لأنه كما أشرنا قبل هذا أن بعضهم يقول إذا كنتم تتكلمون بميزان المصالح والمفاسد فليس بعد الكفر ذنب وليس بعض الكفر مفسدة وهو الآن لا يجري موازنة ، أو يجري موازنة وهمية وكأن الخيار بين حالين : حال فيها الكفر وحال سيزول فيها الكفر مع تحمل  بعض المضار فحينئذ يقال تتحمل هذه المضار ، وهذا ما يقوله أهل العلم في لماذا شرع الجهاد رغم ما يتضمنه من أنه ولابد أن يصحل فيه جراحات ويحصل فيه شهداء ، نعم يقال أن الجهاد شرع لحماية أهل الإسلام وتحمل هذه المفسدة بالإضافة إلى أنها مظنونة وليست مقطوع بها ، لا يلزم أن تحدث في كل مرة وهي أهون من مفسدة تسلط الكفار على بلاد المسلمين ، لكن أن يأتي في حالة يكون هناك الكفر وتستطيع أن تحرز المؤمنين وبين أن يخرج هؤلاء الطائفة المؤمنة  فيصطلمون ويستأصلون عن بكرة أبيهم ويبقى الكفر مستأسداً منتفشاً .

قد يأتي سؤال : إذن قتال الطائفة الممتنعة له صورة في غاية الوضوح وهي أن يكون هناك إمام شرعي يطبق الحدود ويدعوا إلى دين الله تبارك وتعالى وتأتي طائفة أهل بلدة نائية أو لأي سبب آخر وليسوا آحاداً متفرقين بل طائفة لهم شوكة يمتنعون من تنفيذ حكم شرعي قطعي ويشترط أن يكون قطعياً ظاهراً وقد لا يشترك أن يكون واجباً لأنه ربما قال البعض أنه إذا جاء أهل بلدة وامتنعوا عن صلاة العيد بغض النظر عن كونها واجبة أو مستحبة ولكنها معلوم أنها من شعائر الإسلام الظاهرة فلو تواطئ أهل بلدة على تركها شرع للإمام حينئذا أن يقاتلها ، فإذن هذه الصورة الموجودة التي كانت موجودة في قتال أبي بكر لمانعي الزكاة ، يوجد الإمام والأمر مستقر ويأتي طائفة يمتنعون من التزام شيء من أحكام الإسلام الظاهرة فيحملهم الإمام عليها فيمتنع بعضهم ببعض ويقاتلون الإمام فيقاتلهم حينئذ على ذلك .

ايضاً لو كانت الصورة أنه يوجد طائفة ممتنعة وهي المتسلطة والمسيطرة ولكن توجد طائفة تطبق شرع الله تبارك وتعالى لها شوكة ومنعة تستطيع بها أن تلزم تلك الطائفة الممتنعة أن تعود إلى التزام شرع الله تبارك وتعالى ، هذه الصورة الآخرى يمكن أن تجد لها نماذج في جهاد نور الدين محمود وصلاح الدين رحمهم الله تعالى للإمارات التي كانت موجودة في زمن الصليبيين ، الخلافة كانت موجودة اسمياً وانقسم العالم الإسلامي إلى إمارات كل إمارة منها ما هي إمارة عدل ومنها ما هي إمارة ظلم ، وكانت إمارة عماد الدين زنكي إمارة عدل في أطراف بلاد العراق في المنطقة الوسيطة بين العراق والشام ـ الموصل وما شابهها ـ فكان عماد الدين زنكي له دوره في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى من إنشاء المدارس العلمية وكانت هذه هي البداية ، ولعل هذا موضوع آخر وكيف لم يوجد أي تغيير حقيقي إلا  بدعوة وتربية وتعليم ، حتى عندما تكلمن على التجربة التركية والانبهار يزداد بها لاسيما ما حصل بالأمس من العدوان الإسرائيلي على قافلة الإغاثة وكان معظمها من الأتراك وبلا شك أنه شيء يبهج أن يعود الإسلام إلى بلاد الترك مرة ثانية وإلى بلاد العرب وأن يوجد من المسلمين من يكسرون أنف إسرائيل ويخبرونها أن تظهر بلطجتها الحقيقية أمام العالم ، بل وإن رد الفعل الرسمي التركي وإن كان ليس هو المطلوب بلا شك ولكن منذ زمن بعيد لم نر بلد إسلامي يتوعد  إسرائيل صراحة .

كل هذه الأمور مبهجة ولكن لا تنسى أنه ما زال البون شاسع ، ليس هذا الذي يتوعد كأولى قراراته منع بروتوكلات تعاون ومناورات عسكرية مشتركة ومباريات كرة قدم ودية مشتركة بمعنى أنه كان منغمس في صورة من صور التعاون ويقطعها لحدث عارض .

دائماً نحن ما نقول لا نمنع أنفسنا من فرح بيما يطرأ من تحسن على الوضع الإسلامي الراهن ولكن لا تظن أن هذا هو المطلوب ، وهذا دون المطلوب بكثير ومازالت القضية فيها لغط كبير في هذا الباب .

نقول أن البعض يعتبر كل ما يحدث من تطور على الساحة التركية هو نجاح للحل البرلماني ، واشرنا قبل ذلك أن وجود هؤلاء الساسة هو ثمرة دعوة وتربية لبديع الزبادي النقراسي وغيره وأننا نرى أنهم لو استمروا في منهج الدعوة والتربية لحققوا نتائج أفضل مما يحدث الآن على أرض الواقع ، لأن الذي يحدث الآن على أرض الواقع أنه كما ذكرنا أنهم يضطرون إلى التعاون مع الأعداء ويضطرون إلى تطبيق العلمانية مع وجود أمور بلا شك أفضل بكثير مما صبروا ، ولكن ماذا لو صبروا حتى تتكون القاعدة الإسلامية أكبر بحيث لا يضطرون هم إلى أن يخالفون إسلامهم بأيدهم .

فإذا وصفت حال القائمة التركية الآن هي طائفة ممتنعة ، طائفة ممتنعة عن الإلتزام بتحريم الزنا وعن البراء من اليهود والنصارى ولكن نحن نعذرهم بالتويل ونعلم أنهم ينتقلون من حال إلى أحسن .

ولكن كما ذكرنا أن كل التجارب عبر التاريخ تقول أن فقرات الضعف لابد أن يبدأ البناء بعدها بالتربية والتعليم وإعادة صياغة الشخصيات وإلا لا يمكن أبداً أن يحصل التغيير المنشود بشخصيات ورثت مخلفات عصر الضعف والانهيار .

أيضاً جهاد صلاح الدين رحمه الله وهذا هو أشهر مع أن البداية من عماد الدين زنكي وابنه نور الدين محمود ولك أن تتخيل في هذا الوقت الذي يدار الجهاد فيه على أشده أن يوجد أمير يوصي بأن يكون من يخلفه ليس من بني قومه أصلاً ، يعني عماد الدين زنكي وورثه نور الدين محمود رحمهم الله تعالى ، ولما وجد نور الدين محمود أن أنسب من يتولى الأمر بعده صلاح الدين أوصى به إليه ، إذن هذه تربية ونقلة نوعية مختلفة تماماً عن النوعية التي كانت موجودة .

عماد الدين زنكي كان له الإمارة وكان لها دور في حفظ السنة واستغابة شيعية صوفية باطنية هي التي مهدت الطريق للغزو الصليبي  والحملات الصليبية ، ولما نزل الصليبيون إلى بلاد الشام انتقل عماد الدين زنكي بمدارسه إلى بلاد الشام .

 الطبيعة السياسية والجغرافية في ذلك الوقت أتاحت لعماد الدين زنكي أن يشق لنفسه طريق وأن يوطء لنفسه موطئ قدم وأن يكون لإمارته مكان ينطلق منه في بلاد الشام أسس فيه المدارس العلمية في إحدى هذه المدارس تخرج صلاح الدين الأيوبي الذي قضى الشطر الأول من حياته كأي شاب في ذلك الوقت لا يجد من يأخذ بيده إلى طريق النجاه . ثم بدأ جهاده ضد الأمراء الذين يرفضون جهاد الصليبين . ما التكييف الشرعي لقتال عماد الدين زنكي ونور الدين محمود ومن بعدهما صلاح الدين لقتال هؤلاء الأمراء الذين يمتنعون من تطبيق شرع الله تبارك وتعالى ويمتنعون من نهي من تحت سلطتهم عن الخمر والزنا والفواحش التي كانت قد شاعت في ذلك الزمان ، كان هذا قتال من طائفة على الحق وإن لم يكن لها الإمارة العامة ولا الخالفة العامة ، كان قتال من طائفة على الحق تمتلق القدرة على القتال أمام فريق يستحق القتال لأنه ممتنع عن التزام شرائع الإسلام الظاهرة ، ومن ثم كان هذا القتال قتال لطوائف ممتنعة عن التزام أحكام الإسلام .

بعد هذا القتال كان الضرور لقتال الصليبيين بحيث يجد الصليبيون صفاً إسلامياً واحداً ولأن وجود هذه الإمارات كان يعطي للصليبيين فرصة كبيرة للمناورة بعضها عن طريق المباغتة العسكرية لإمارات مترهلة ليست لديها أي قدرة على التصدي أو عن  طريق البيع والشراء المباشر لبعض الإمارات أو بعض البلاد فيتخذ المسلمون منها قواعد .

فهذا نموذج  . وأيضاً من النماذج التي تمثل ذلك دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب فهو نشأ في بلاد نجد التي تمثل الآن الرياض وما حولها وتمثل منطقة صحراوية كبيرة ، لأنك لو نظرت إلى ما يسمى الآن بالمملكة العربية السعودية ستجد هناك إقليم الحجاز موازي لساحل البحر الأحمر ويضم بصفة رئيسية المدينة ومكة وما جاورهما ، وهذا الإقليم من الأقاليم المستقرة من قبل الإسلام وازاداد استقراره عبر عصور الإسلام المختلفة ، وكان لما تولت الدولة الإسلامية حكم العالم الإسلامي فرضت نفوذها على إقليم الحجاز وكان أمراء الحجاز يتولون باسم الخليفة العثماني .

أيضاً من الجهة المقابلة هناك الخليج العربي ودائماً السواحل البحرية تحتل مكانة خاصة لأنه يقوم حركة التبادل التجاري عليها . وكان في هذا الزمان ازداد ساحل الخليج العربي أهمية نتيجة أنه كان يمثل بدايات الغزو الغربي لبلاد الإسلام .

لأننا لآن ذكرنا عرضاً الحروب الصليبية والتي انتهت بخسارة مفجعة لأوروبا وعادوا بعدها ليقرروا أن الحرب القادمة لابد أن تكون مدروسة دراسة في غاية التأني ، وظهر حينئذ ما يسمى بالاستشراق ولعلنا تعرضنا حينئذ لهذا الموضوع من خلال رسالة الأستاذ محمود شاكر رحمه الله ـ الطريق إلى ثقافتنا ـ والتي حكى فيها قصة استشراق وكيف نشأ كرد فعل للحروب الصليبية وكيف أن هذا الاستشراق كان عنده نهم غير عادي لدراسة كل ما يدرسه المسلمون سواء من علوم دينهم أو من علوم الدنيا التي كان المسلمون حتى ذلك الوقت متفوقون فيها ، وعندما شعروا بقدر من الإطمئنان كانوا متواجدين في بلاد المسلمين على أيدي الدارسين ثم لما وجدوا الصحوة الإسلامية وكان أيضاً يزاملها صحوة مقاربة في بلاد اليمن وصحوة علماء الأزهر في مصر بدأوا يخاطبون العالم الغربي بأن الفرصة مواتية ومناسبة لكي يبدأوا الهجوم مبكراً قبل أن تستفيق بلاد المسلمين ، وكان بداية الأهتمام بأطراف بلاد العالم الإسلامي التي لم يكن فيها صحوة آنذاك ، ولاسيما أن هناك مصالح تجارية غربية في ذلك الوقت ، وبدأوا يقترون شيئاً فشيئاً ، وكان أول اقتراب لهم سواحل الخليج العربي ، وفي محاولة لإيجاد موطن قدم قريب من مركز الثقل في العالم الإسلامي ، فمنطقة الإحساء وهي أيضاً شريط ساحلي على ساحل الخليج العربي وكانت من المناطق التي يهتم الخلفاء بها والتي هتم الأعداء بها أيضاً ، تستطيع أن تقول أن نجد أقرب إلى الإحساء  ، ومن المراكز الرئيسية في نجد الرياض والضلعية ونحو ذلك وقريبة من منطقة الأحساء ، وأن صحاريها تمتد إلى قرب إقليم الحجاز .

شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب نشأ في إحدى هذه البلاد التابعة لإقليم نجد وكان في ذلك الوقت قد انتشرت الصوفية انتشاراً كبيراً في كل أجزاء العالم الإسلامي وبلغت وجه انتشارها في الجزيرة العربية في مكة والمدينة وفي نجد وفي غيرها ، وبدأ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يدرس ما ورثه في خزانات الكتب من الفقه الحنبلي كفقه ومن تراث ابن تيمية وابن القيم الذي يمثل تراث أوسع بكثير من أن يسمى فقهاً ، وانتبه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رغم أن أباه وقومه عموماً كانوا أهل علم يهتمون بدراسة الفقه الحنبلي ولكن لم يهتموا بجوانب الشاملة في فكر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أو في منهج الإسلام عموماً ، وبدأ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب الدعوة في بلده وهي تسمى حربلاء إلى أن أوذي فيها ولم يتمكن من استكمال دعوته  فانتقل إلى العيينية .

أيضاً كما ذكرنا اأن القضية ليست مواجهة اليوم الأول ولا مواجهة غير محسومة العواقب ولا مواجهة من أجل المواجهة كما قد يظن البعض ، هنا أنت أمام واقع مليء بالبدع مليء بالمنكرات مليء بالشركيات  ، جهاد الكلمة اوجب وأمضى ، لأن غايته أن الداعية يؤذى أو يسجن ، وهو لو احتسب أمره عند الله تعالى يجعل الله تعالى من أمره يسراً ، فإذا ماتركوه عاد مرة ثانية إلى الدعوة ، وغير ساحة دعوته من المكان المضيق عليه إلى مكان آخر فيه سعة ، وهذه ليست حال محمد بن عبد الوهاب وحده أو حال ابن تيمية وحده إنما حال جميع الدعاة ومن قبلهم حال النبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة الاستضعاف ، ولابد من الانتباه لأن البعض قد يفقز إلى حال معينة دون أن يدرس الأمور المواهنة لها أو الأحوال التي بناءاً عليها قال هذا العالم بهذا القول أو تصرف بهذا التصر .

إذن نقول أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بعد دراسة لكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومنارات العلم في ذلك الوقت في مكة والمدينة والبصرة عاد إلى بلده في حربلاء لكي يؤسس دعوة ويدعوا إلى نبذ المنكرات ، لما ضيق عليه انتقل من بلد إلى بلد .

القضية هنا نحن نحتاج إلى دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وقصص الأنبياء والمرسلين ونتعلم نهم كيف واجهوا الأحداث .

وأيضاً نحتاج إلى دراسة سير العلماء والمجددين لكي نتعلم كيف واجهوا الأحداث مع الفرق بأن الأنبياء معصومين وأن الدعاء قد يخطئون ولكن في الجملة انت تدرس أحوالهم وتتعلم من سيرهم ، ولكن لا تستطيع أن تجعل واقعك كواقع فلان .

وكان من الأشياء الطريفة التي كان يدلي بها البعض وليس على سبيل الدعابة ، فانتبه أن هذا الكلام كان يقال في معرض المناظرات في غاية الجدية ، إذا قلنا أن المرحلة مرحلة استضعاف وأنه لا يجوز أن يستجلب على الدعوة الأذى ونحو ذلك فيقول لا بأس نحن نوافق أنه كان يوجد مرحلة استضعاف وأحكامه قائمة متى وجدت ظروفه ثم يقول : مرحلة الاستضعاف كانت في مكة ثلاثة عشر سنة والصحوة الإسلامية في مصر وكل واحد له تأريخ مختلف لبداية الصحوة وعموماً على كل الاعتبارات مضت الثلاث عشرة سنة وانتقلنا من هذه المرحلة إلى ما بدعها ، كما ذكرنا لا تستطيع أن تنقل واقع ، يعني أنت تتعلم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لا تستيطع أن تقول أنه يلزم أن يزول الوصف وصف الاستضعاف بعد ثلاثة عشر سنة وكما زال عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثلاثة عشر سنة ، إذا كنت تنظر في عالم من العلماء ، فإذا كان هو يعلم في بقعة من الأرض كبيرة يسمى إقليم نجد ، هذا الإقليم له استقلالية كبيرة عن السلطة المركزية عبر تاريخه ، هو إقليم غير مشجع فهو مليء بالصحاري ونحو ذلك ويوجد فيه ثلاث أو أربع بقع صغيرة للحضر يقيم فيها الناس وهذه الموقع على رأس كل منها أمير فدعا في هذه البلدة فلما وصلت الأبواب أمامه وجد البلدة الأخرى تبعد عنها حوالي ثلاثين كيلوا فساتقبلته ، وبدأ دعوته ، إذن هو تصرف بما يراه الواقع أمامه ، ونقول أنه بدأ الدعوة وصبر على الأذى ولكن لما بدت أن الانتقال لمسافة ثلاثين كيلوا سوف يوفر له قدر من الأمان ولأن الدعوة لا ينبغي أن تستجلب البلاء لأسباب عديدة : منها أن استجلاب البلاء مدح للنفس لأن الإنسان يظن نفسه أن قادر على البلاء كما في الحديث : ( لا تتمنوا لقاء العلدو فإذا لقيمتوه فاصبروا )

الأمر الآخر أننا نتكلم على دعوة وتأصيل منهج فهذا لابد له من هدوء ، لا يمكن تأصيل منهج حت قعقة السيوف ، البعض أحياناً يفرح بالتضيق ، لماذا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من يحملني لأبلغ رسالة ربي ) فإذن عندما تتكلم عن دعوة وتأصيل منهج يكون من ضمن الأمور المطلوبة والتي يسعى إليها توفير بيئة آمنة لتبليغ الرسالة ، وطبعاً لن يكون هذا على حساب تحريف الرسالة ، لأن هذا يكون انحراف في الجانب الآخر ، والبعض لكي يصل إلى هذه الدرجة من الآمان يقول نترك كذا ونترك كذا ونرضي القوم بكذا ، فإذن هو لا يبلغ الرسالة ويجعلها مشوهة .

إذا وجدت الفرصة أن يوجد بيئة آمنة لتبليغ الرسالة فهذا هو الواجب .

هذه البئية الآمنة لتبليغ الرسالة تيسرت للنبي صلى الله عليه وسلم لما من الله عليه بإسلام من أسلم من مدينته المنورة ، حاول أن يجدها في الطائف لم يجدها ، وهو بذل الأسباب ، وهو موجود داخل مكة لم يكف عن الدعوة رغم وجود التضييق ونحو ذلك ، ثم وجد أن الطائف قد تكون مكان يوفر حماية جيدة لإبلاغ الدعوة ولكن لم يقدر الله تعالى ذلك وكتب الله عز وجل ذلك الفضل لأهل المدينة ، فلما وجد انتقل إليها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم تكون دائماً الظروف كما هي ، فضلاً عن التوقيتات الزمنية ، لأن البعض يقول لك أنتم تطالبون بعودة الخلافة ، نقول نحن ليس فقط نطالب نحن نثق ونوقن بأن الخلافة قادمة لأن هذا وعد الله تبارك وتعالى ولابد أن نثق به تماماً ، أقول إذن لابد لكل صاحب هدف من أن يضع خطة ولابد للخطة من جدول زمني ، فهذا الكلام في إدارة الشركات والمؤسسات ، أو في إدارة أي أمور جميع عاوملها الخارجية معروفة أو لها سنن كونية محددة ومع ذلك يحصل نوع من أنواع التغيير فهذا يحدد أن فرع الشركة الفلاني ينشأ في سنتين فينشأ في سنة ونصف أو ثلاث سنين ويعدل الخطة لكن عموماً كلها أمور خاضعة لأن تحسب وفق قياسات أغلبية يغلب على الظن أن الأمور تحتاج كم من الزمن وكم من النقود وسيوجد الأموال الازمة والوقت اللازم ، لكن لا تأتي في أمور تغيير قلوب العباد ،  هذا يمكن أن يحدث في لحظة ويمكن ألا يحدث ، وانظر إلى نوح عليه السلام مكث في قومه قريباً من ألف سنة ، وليس عليه إلا أن يمتثل أمر ربه تبارك وتعالى ويبلغ دعوة ربه ، يونس عليه السلام بلغ قومه حتى يأس منهم ثم أرسله الله إليهم أو إلى غيرهم على كلام المفسرين فآمنوا من أول وهلة ، لكي تعلم أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن .

فلا نستطيع أن نضع خطة ولا جدول ولا أي شيء من هذا القبيل ، فقد نحن نقول أننا نتعامل مع واجب الوقت ، واجب الوقت أن تبين وأن تدعوا وأن تحرص على الوسائل التي تؤمن بلوغ الحق إلى الخلق وألا تتعجل مواجهات ومصادمات لا معنى لها ولا ينتج عنها إلا أنواع من الفساد والإفساد .

 يقول كيف ستقوم الخلافة ؟

وما يدريك إذا استمر الدعاة هنا وهناك في أقطار البلاد الإسلامية المتفرقة الآن وظل كلمنهم يدعو والنظام قائم في كل بلد على أن هذه البلد بلد مستقلة وأن التشريع فيها قائم على قوانين موروثة من أيام الاحتلال الكفري ، فلا القوانين غيرت ولا الرغبة نقول كل هذا لا دخل لنا به لأنه فوق طاقتنا وفوق إدراكنا كيف سيغير الله تعالى هذ الأحوال ، فقط نحن ندعوا ربما تتغير القلوب .

نعود مرة أخرى في التجربة التركية ، فهناك شيء غامض وهو أن تركيا من البلاد التي ربيت تربية علمانية واضحة وليس أنه هناك كما هو الحال في سائر بلاد المسلمين قلة علمانية منحرفة ومعظم الناس يصلون وعلى الأقل يسمعون دروس العلم ، بل  كانت التربية جميع فئات الشعب والآن غير الله القلوب بوجود توجه إلى الناس وكبير اتجاه للإسلام وهناك صفات وخصائص للشعب التركي معينة ، هذه الخصائص تمثل ضغط ما يجعل القيادة التركية تتجه في اتجاه الإسلام ، والجيش حامي حمى العلمانية فيسكت رغم أنه كان لا يسكت قبل ذلك ، الآن يوجه توجيه عسكري لإسرائيل ، والجيش قبوله بمبدأ توجيه عسكري إسرائيل يكون تطور كبير جداً جداً في الجيش التركي ، كيف تغيرت القلوب وكيف تحولت ؟ هذا امر يكون بقدر الله تبارك وتعالى وبما يشاء الله تبارك وتعالى .

فأن تتعامل مع الواقع الذي أمامك .

الآن تعامل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب مع الواقع الذي أمامه فوجد أن أمامه بلدة أخرى على بعد ثلاثين كيلو من بلدته فيها نفس المفاسد وتحتاج إلى نفس الدعوة ولكنها قد لا ترفض دعوته بنفس الطريقة ، هاجر إليها . ذكرنا أن هناك مجازاً قلنا أن الجزيرة العربية فكان فيها ثلاثة أقاليم : إقليم الحجاز وهو موازي لساحة البحر الأحمر ، وإقليم العساء موازي لساحل الخليج العربي وبينهم إقليم نجد .

وكان أمراء الأحساء لهم اليد العليا على أمراء نجد والأحساء تابعة أسمياً للخلافة العثمانية ، ولكن كان لها قدر كبير من الاستقال .

بدأ هؤلاء يشعرون بالخطر ، والشعور بالخطر هذا الأمر أيضاً أمر لا تملكه ولا تملك متى يشعر الآخرون بالخطر ومتى لا يشعرون .

يعني كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يكن فيهاغ مصادمة لهؤلاء ولكن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب شعر بعض الشيء بأنه ممكن بعض الشيء بالعيينة نظراً لأن أميراها أطلق يدها فطبق الحد على امرأة زانية أتت تطلب أن يطبق عليها الحد لتطهيرها ، هذه أيضاً إحدى القضايا التي ينبغي أن يتوقف عندها ، يعني هذا امرأة جاءت تطالب بإقامة الحد عليها لتطهيرها ولكن من الذي غضب ؟ الآخرون الذين خشو أن يأتي يوم يطبق فيه الحد عليهم ، مع أنهم لم يطلبوا أن يطبق الحد لتطهيرهم ، هذه مسائل قد تثور في أماكن يوجد فيها دعوة ويوجد فيها انتشار بأن يأتي من يطالب بأن يقام عليه الحد ويطلب من إنسان غير ممكن ، متى يكون الإنسان مطالب بإقامة الحدود ؟ إذا كان ممكناً يستطيع أن يقيم الحدود على أهل المعصية قصراً ، فإذا كان لا يستطيع أن يقيمها على العصاة قصراً وجاء من يطلب أن يقيمها اختياراً فهو الآن غير ممكن وإقامة الحد إذا لم يبلغ السلطان الممكن جاز لمرتكب الذنب أن يتوب دون أن يقام عليه الحد ، وبالتالي تجد من ضمن الأمور التي قد تمثل فخاخاً أن يأتي  ، فالعاصي هو الذي يطلب إقامة الحد عليه ولكن إذا نظرت في مآلات الأمور تجد أن هذا قد يحرم أمور ، مع أن هذا العاصي كونه أتى تائماً كان النبي صلى الله عليه وسلم من أتاه تائباً يعترف بذنب حاول أن يلقنه التراجع لأن الحد أقيم للزجر وهذا قد تاب ، ولكن إذا استكلمت شرائط الحد لابد من إقامتها ، وهذا يخاطب به الإمام الذي يقيم الحدود .

ولكن أقام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب الحد على هذه الزانية وهذا حرك العصاة وأعوانهم إلى أن يمارس أمراء الأحساء ضغط على أمير العيينة لإخراج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب من عنده ، فخرج إلى الدرعية .

إذن شيخ الإسلام رحمه الله طوف بأكثر من مكان بحثاً عن المكان الآمن للدعوة ، فلما وصل إلى الدرعية وجد عناية ووجد حماية ووجد فرصة للدعوة أخذ فترة كبيرة يدعوا إلى الله تبارك وتعالى ويراسل أمراء الأحساء وأمراء العيينة وغيرها مراسلة الند للند ، يأمرهم بأن يطبقوا الشرع في أهل طاعتهم وأن يزيل مظاهر الشرك والقباب وغيرها من بلادها وأن يحيوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقيموا معالم التوحيد ويهدموا معالم الشرك ، ولما بلغ من وضوح الدعوة الغاية القصوى وتبين له عناد هؤلاء ووجد أن أمير الدرعية لديه العزم الكافي للقتال من أجل نشر دين الله تبارك وتعالى بدأ حينئذ قتال هذه البلاد ، هذا القتال توصيفه هو قتال لطائفة ممتنعة عن تطبيق أو عن إلتزام أحكام شرعية منها الالتزام بإزالة القباب وإلتزام بإزالة القبور وتطبيق الحدود والإلتزام بمنع الجند من إتيان المعاصي والفجور ، فهذا كان موجود في هذه البلاد فقاتلهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ونصره الله تبارك وتعالى عليهم  حتى استطاعت الدعوة بعد ذلك ، وطبعاً حصل أنواع من القتال والمناوشات مع الدولة العثمانية  ، وهناك خلاف كبير في رؤية شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب للدولة العثمانية .

 

البعض يقول أنه في المرحلة الأولى استبعد فيه الدولة العثمانية تماماً لأنها كانت غائبة عن هذه المنطقة من العالم الإسلامي ، ليست لها ولاية علها ولم تكن تلم مما يدور فيها إلى آخر ذلك مما يقال ، ولكن عندما يكون بوسعك أن تفعل ذلك ولكن لابد وأن تصتدم بأنه قد حصل في وقت ما مواجهة بين الدعوة والوهابية وبين الدولة العثمانية وأن الدولة العثمانية أرسلت جيوشها لقتال الجيوش الوهابيين على مراحل متعددة ، والظاهر والله أعلم من الخطابات المتبادلة بين شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وبين أمراء الحجاز وبالكلام الذي دار حول الخلفاء العثمانيين وغيرهم أنه أيضاً اعتبر هذه الجيوش العثمانية رغم أنها مرسلة من قبل السلطان العثماني أنها جيوش ممتنعة عن التزام الحق الذي يدعوا إليه وأنه قاتلهم ليردهم عن الدفاع عن وجود الانحرافات من وجود الأضرحة والقباب أو وجود المنكرات التي كانت موجودة في هذه البلاد ، ولشيخ الإسلام مراسلات كثيرة في هذا الجانب .

ننقل منها ما ذكره الدكتور علاء بكر في كتاب ـ ثلاثة قرون على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ وهو ينقل عن كتاب ـ حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب  ـ هذه الرسالة التي أرسلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب للشريف أحمد شريف مكة .

يقول له : " المعروض عليك أدام الله فضل نعمه عليك حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد أعزه الله في الدارين "

وكانت الخلافة العثمانية حريصة أن تترك حكم الحجاز لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم يلقبون بالاشراف وظل هذا الأمر إلى أن خضع الشريف حسين وانتزعت منه الدعوة الوهابية الحكم وبقي حكمه على الأردن والعراق وما شابهها ووعدته انجلترا بأنها تريد أن تعيد الخلافة إلى البيت النبوي لأنهم منزعجين جداً من أن يكون خليفة المسلمين عثماني وليس قرشي ، وهم يريدون أن يعيدوا الخلافة ليس إلى قريش فقط بل وإلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ومخازي تبكي عليها بدلاً من الدموع دماً وكيف خدع هذا الرجل نفسه وأحياناً يكون الأمر مغري جداً لدرجة أن الإنسان يصدق ما لا يصدقه عقل ،وكان حتى هذه اللحظة حكام الحرمين من الأشراف والدعوة الوهابية في أول أمرها لم يكن لها غرض أن تنزع الحرمين من الأشراف ولكن إصرار الأشراف على إبقاء مظاهر الانحراف في بلاد الحرمين دفعت الدعوة الوهابية إلى قتالهم كما قاتلوا من قبلهم وأخذوا منهم الحرمين .

يقول : " المعروض لديك أدام الله فضل نعمه عليك حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد أعزه الله في الدارين وأعز به دين جده سيد الثقلين "

هذا من فقه الدعوة ومحاولة استثارة كوامن الخير في المدعو وهي أمور واضحة جداً ولكن أحياناً يكون الطرف الآخر أغلق كل منافذ اتصال .

قال : " وأعز به دين جده سيد الثقلين صلى الله عليه وسلم  " الكتاب لما وصل إلى الخادم وتأمل ما فيه من الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأيد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية ومن تبعها وعداوة من خرج ، وهذا هو الواجب على ولاة الأمر ، وهو كان يعتبر بولايته على الحجاز ويرغبه في أن يكون الكلام الحسن الذي أبدى فيه قدر من المرونة من أنه يريد أن يطبق الحق الذي يدعوا إليه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب .

يقول : وقال في ختام رسالته : " فإذا كان الله تعالى أخذ ميثاق الأنبياء إن أدركوا محمد صلى الله عليه وسلم على الإيمان به ونصرته فكيف بنا أمته فلابد من الإيمان به ولابد من نصرته ولا يكفي أحدهما عن الآخر وأحق الناس بذلك وأولاهم أهل البيت الذي بعثه الله منهم وشرفهم على أهل الأرض به وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته صلى الله عليه وسلم وغير ذلك يعلم الشريف أعزه الله للملكة من جملة الخدام ثم أنتم في حفظ الله وحسن رعايته "

يعني كان هذا الخطاب الذي وجهه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لشريف مكة آنذاك يدعوه إلى امتثال دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وإقامة معالم دينه دون أن يحاول أن ينازعه الأمر ، ولكن الأشراف أجمعوا أمرهم على محاربة دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وحصل بعد ذلك قتال بين الأشراف وبين أتباع شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ودخل الوهابيون إلى الحجاز وأخذوا تعهد على شريف مكة بأن يلتزم شرائع الإسلام الظاهرة وأخذوا عليه العهد أن يعيدوه إلى سلطانه على أن يمنع ما كان موجوداً من المنكرات كشرب التبغ في المسعى وكلبس الحرير وعلى أن يبطل المكوس والمظالم وعلى أن يلازم الصلاة الجامعة وعلى أن يدفع الزكاة .. إلى غير ذلك وتعهد الشريف بالقيام بذلك كله فأعاده الوهابيون مكرماً ، وكان الوهابيون في هذه الفترة ما بين دخولهم الحرمين وما بين أعداتهم لشريف مكة قد أزالوا ما فيها من مظاهر الشرك ومنعوا البدع والمنكرات ورفعوا المكوس والمظالم عن الناس .

يقول : " ولكن شريف مكة لم يحافظ على ما تعهد به أمام الوهابيين وعاد إلى ما كان عليه من المظالم وسعى لاستعداء السلطان العثماني محمد علي باشا وقام بتسيير جيوشه إلى الحجاز وحصل القتال مرة ثانية إلى أن سيطر الوهابيون على الحجاز سيطرة كاملة كما ذكرنا .

هذه مراحل من مراحل الدعوة والقتال تبين أنه كيف يمكن أن يطبق قتال الطائفة الممتنعة في هذه الأحوال عندما يوجد طائفة تدعوا إلى الحق وتبينه وتستثمر كل الفرص في الدعوة إلى باب الحق وإظاهره ولا تتعجل المواجهات ثم في ذات الوقت يكون لديها قوة وشوكة تستطيع بها أن تلزم الطوائف الأخرى الممتنعة عند إلزام من تحت طاعتهم من شرائع الإسلام فتكون المواجهة حينئذ .

بهذا التطبيق العملي السريع أردنا أن نبين بعض الصور للتطبيق العملي لقتال الطائفة الممتنعة حتى لا يتهور متهور ويقول أن يطبق في كل ما يظنه أنها طائفة ممتنعة أنه يوجد قتال ، بل لابد من بقية أركان المسألة .

بذلك نكون قد انتهينا بفضل الله تبارك وتعالى من الكلام على مناقشة اتجاه المواجهة المسلحة ونشرع بإن الله تبارك وتعالى في المرة القادمة في الكلام على مواجهة أصحاب الحل الفردي .

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية