السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواعظ رمضان (14) مجالس الذكر

في الدنيا جنة مَن لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، هي جنة الإيمان

مواعظ رمضان (14) مجالس الذكر
سعيد محمود
الثلاثاء ٣٠ يونيو ٢٠١٥ - ٠٩:٤٠ ص
1754

مواعظ رمضان... (مجالس الذكر) (14)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الكهف:28).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا), قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: (حِلَقُ الذِّكْرِ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني).

أخي... اعلم -رحمني الله وإياك-: أن في الدنيا جنة مَن لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، هي جنة الإيمان التي كان الواحد مِن السلف يقول لأخيه في شأنها: "اجلس بنا نؤمن ساعة!".

إنها مجالس الذكر...

- إنها المجالس التي يباهي الله بها الملائكة...

فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ، قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلا ذَاكَ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: (مَا أَجْلَسَكُمْ؟) قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ: (آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلا ذَاكَ؟) قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلا ذَاكَ، قَالَ: (أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي، أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلائِكَةَ) (رواه مسلم).

إنها المجالس التي يخرج أهلها بأعظم شهادة:

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ لِلَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَلائِكَةً سَيَّارَةً، فُضُلاً يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ، حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ، يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ، قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ، قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: لا، أَيْ رَبِّ قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ، قَالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا: مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ، قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا، قَالَ: فَيَقُولُونَ: رَبِّ فِيهِمْ فُلانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، قَالَ: فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ) (متفق عليه).

أخي... إنها المجالس التي تزداد بها فضلاً وأجرًا وشرفـًا.

قال لقمان الحكيم -عليه السلام- لابنه وهو يعظه: "يا بني، لا تجالس إلا الأخيار؛ فإنك إن كنتَ عالمًا زادوك علمًا، وإن كنت جاهلاً علَّموك، وإن نزلتْ عليهم مِن الله رحمة نزلت عليكَ معهم، ولا تجالس الأشرار؛ فإنك إن كنتَ عالمًا لم ينفعك العلم، وإن كنتَ جاهلاً زادوك جهلاً، وإن نزلت عليهم مِن الله لعنة نزلت عليكَ معهم".

قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:

أحب الصالحين ولستُ منهم      لـعـلـي أن أنال بهـم شفاعـة

وأكره مَن تجارته المعـاصي               ولو كنا سواء في البضاعـة

أخي... احرص على حضور مجالس العلم أينما وُجدتْ؛ ففيها الرحمة والسكينة.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلا حَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) (رواه مسلم).

يا أخي... إن حلق الذكر والعلم هي تركة النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن أراد أن يرثه.

مرَّ أبو هريرة -رضي الله عنه- بالسوق، فوجد الناس وقد كثر لغطهم وانشغالهم بالبيع والشراء، فقال: أنتم هنا وميراث النبي -صلى الله عليه وسلم- يوزع في المسجد؟! فأسرع الناس إلى المسجد، ورجعوا: فقالوا: ما وجدنا في المسجد إلا حلق العلم ومجالس الذكر! فقال: "هذا هو ميراث النبي -صلى الله عليه وسلم-".

فاللهم نسألك علمًا نافعًا، وأن تكتبنا عندك مِن الذاكرين الله كثيرًا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة