السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواعظ رمضان (15) وقفة مراقبة

هي أن يأخذ المسلم نفسه بمراقبة الله -تبارك وتعالى-، ويلزمها إياها في كل لحظة مِن لحظات الحياة

مواعظ رمضان (15) وقفة مراقبة
سعيد محمود
الأربعاء ٠١ يوليو ٢٠١٥ - ١٢:١٠ م
1385

مواعظ رمضان... (وقفة مراقبة) (15)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) (المجادلة:7).

وقال الله -تعالى-: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) (يونس:61).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الإحسان: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) (رواه مسلم).

أخي... إن النصوص المتقدمة تنطق بأن الله يعلم أعمالنا صغيرها وكبيرها، وهو مطلع علينا في كل أحوالنا؛ فهو علينا رقيب، وشهيد، وحسيب؛ ولذلك أمرنا -سبحانه وتعالى- بمراقبته وتقواه فقال: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) (النساء:131).

والمراقبة: هي أن يأخذ المسلم نفسه بمراقبة الله -تبارك وتعالى-، ويلزمها إياها في كل لحظة مِن لحظات الحياة، حتى يتم لها اليقين بأن الله مطلع عليها، عالم بأسرارها، رقيب على أعمالها، قائم عليها وعلى كل نفس بما كسبت.

ولله در مَن قال!

إذا ما خـلـوتَ الـدهـر يـومًا فـلا           تقل خلوتُ، ولكن قل عليَّ رقيب

ولا تحـسـبن الله يغـفـل ســاعـة           ولا أن مــــا تخفيــه عنه يغيـب

وهذا هو الطريق الذي درج عليه السابقون الأولون مِن سلف هذه الأمة الصالح؛ إذ أخذوا أنفسهم بمراقبة الله -تعالى- حتى تمَّ لهم اليقين، وبلغوا درجة المقربين!

وها هي ذي آثارهم تشهد لهم:

- فها هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في بستان مِن بساتين الأنصار، وأنس بن مالك -رضي الله عنه- يراقبه ويرقبه وهو لا يراه، وإذا بعمر -رضي الله عنه- يقف وقفة محاسبة ووقفة مراقبة مع نفسه، ويقول: "عمر أمير المؤمنين! بخ بخ، والله لتتقين الله يا عمر أو ليعذبنك الله!".

- عمر -رضي الله عنه- الذي يأتيه أعرابي وقد قرض الجوع بطنه وبه مِن الفقر ما به، ويقف على رأسه ويقول:

يا عمرَ الخيرِ جَزيتَ الجنة                  اكـُسـُـوا بـُـنــَيـاتي وأُمَهُـن

وكُن لنا في ذا الزمانِ جُنة                 أُقــســمُ بـالـلـه لـتـَـفـعــلـن

فقال عمر -رضي الله عنه-: وإن لم أفعل يكون ماذا؟

قال إذن أبا حفص لأمضين.

قال عمر -رضي الله عنه-: وإن مضيتَ يكون ماذا؟

قال: والله عنهن لتسألن، يوم تكون الأعطيات منة، وموقفُ المسئولِ بينهن، إما إلى نارٍ وإما جنةٍ؛ فلم يملك عمر -رضي الله عنه- إلا أن ذرفت دموعه على لحيته، ودخل ولم يجد شيئًا في بيته، فما كان إلا أن خلع رداءه، وقال: خذ هذا ليوم تكون الأعطيات منة، وموقف المسئول بينهن، إما إلى نار وإما جنة!

هكذا تكون مراقبة الله -تعالى-، وهكذا تكون تقوى الله -تعالى-...

- وها هو عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: وهو يلي أمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في يوم مِن الأيام يكسب أو يفيء الله على المسلمين فيئًا، وهذا الفيء تفاح فأراد أن يقسمه على الرعية، وبينما هو يقسم التفاح إذ امتدت يد صبي مِن صبيانه -طفل صغير أخذ تفاحة ووضعها في فمه- فما كان مِن عمر إلا أن أمسك بفيه وأوجع فكيه واستخرج التفاحة مِن فمه وردها بيْن التفاح والطفل يبكي ويخرج ويذهب إلى أمه ويحكي لها الحادثة فترسل غلامًا مِن البيت ليشتري لهم التفاح، ويقسِّم الفيء على المسلمين وينسى نفسه فلم يأخذ تفاحة واحدة، ويذهب إلى البيت فيشم رائحة التفاح في بيته فيقول: مِن أين لكم هذا؟! ووالله ما جئتكم بتفاحة واحدة، فأخبرته الخبر، فقالت: جاء ابنك يبكي فأرسلت الغلام وجاء بهذا التفاح، قال يا فاطمة والله لقد انتزعتُ التفاحة مِن فمه وكأنما انتزعتها مِن قلبي، لكني والله كرهتُ أن أضيع نفسي بتفاحة من فيء المسلمين يأكلها!

ـ وقيل للجنيد -رحمه الله-: "بمَ يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الناظر إليك أسبق مِن نظرك إلى المنظور له".

ـ وقال ابن المبارك -رحمه الله- لرجل: "راقِب الله يا فلان، فسأله الرجل عن المراقبة. فقال له: كن أبدًا كأنك ترى الله -تعالى-".

فاللهم املأ قلوبنا منك خشية تردنا بها عن معاصيك، وتأخذنا بها إلى طاعتك.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة