الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواعظ رمضان (18) الاعتكاف

هو زيارة الله في بيته، والانقطاع إليه فيه

مواعظ رمضان (18) الاعتكاف
سعيد محمود
السبت ٠٤ يوليو ٢٠١٥ - ١٠:٥٠ ص
1498

مواعظ رمضان... (الاعتكاف) (18)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ " (رواه مسلم).

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك تحريًا لليلة القدر، حيث رغـَّب أصحابه في قيامها والاعتكاف لها، فقال: (وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).

والاعتكاف هو: حبس النفس في بيت الله تفرغًا للعبادة؛ فالاعتكاف هو زيارة الله في بيته، والانقطاع إليه فيه، وحق على المزور أن يكرم زائره؛ لذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف كلَّ رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه، اعتكف عشرين يومًا، وأكد الاعتكاف في العشر الأواخر تحريًا لليلة القدر.

فالمعتكف حَبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه؛ قد عكف قلبه وقالبه على ربه، وما يقربه منه، فما بقي له همٌّ سوى الله وما يرضيه؛ ولذا كان الإمام أحمد -رحمه الله- لا يستحب للمعتكف مخالطة الناس حتى ولو لتعليم علم وقراءة قرآن.

أخي... إذا كنتَ تشتكي قسوة في قلبك، أو ضعفًا في إيمانك، فهيا إلى كهف الاعتكاف ينشر لك ربك مِن رحمته، ويهيئ لكَ مِن أمرك رشدًا، فمنه تخرج خلقًا آخر.

مقاصد الاعتكاف

للاعتكاف مقاصد، مِن أعظمها:

1ـ تحري ليلة القدر: وهو المقصد الرئيس، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لما علِم أنها في العشر الأواخر، ترك اعتكاف العشرين الأخرى.

2ـ إصلاح القلب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ) (متفق عليه)، وأكثر ما يفسد القلب كثرة الشواغل؛ لذا فإن المعتكف ينقطع لشغل واحد وهو التعبد لله.

3- حفظ الصيام مما يفسده: فلا مجال في الاعتكاف لإطلاق بصر، أو مشاحنة خصم، أو شجار زوج، أو جرح لسان، أو صاحب سوء، أو سماع منكر.

4- تعلم الزهد: فالمعتكف ينام على الأرض ويأكل على الأرض، ويأكل ما قُدِّم له.

5- اختيار الإخلاص في العبادة: قال ذو النون المصري: "لم أرَ شيئًا أبعث لطلاب الإخلاص مثل الوَحدة، ومَن أحب الخلوة؛ فقد تعلق بعمود الإخلاص".

6- حب المكث في المسجد: إن الذي يتعود المكث في المسجد إنما يبذر في قلبه بذرة: (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ) (متفق عليه).

7- مدرسة الصبر: فالاعتكاف ترويض للنفس لتعلم الصبر... الصبر عما ألفه مِن أنواع الطعام والشراب، والصبر عما تعود مِن فراش لين، والصبر على مزاحمة الآخرين، والصبر عن شهوة الزوجة، وأكثر ملذات الدنيا.

أخي... هذه فرصتك؛ فأنت في خلوة مع ربك عشرة أيام كاملة.

أخي... إنك تستطيع أن تغتنم هذه الأيام في حفظ ما تيسر مِن كتاب الله -تعالى-، أو في الإكثار مِن الذكر الذي لم تكن تستطيعه في غيره.

أخي... هل تعلم أن هناك مَن حفظ القرآن كله في ستين يومًا فقط؟!

نعم... قال الشيخ عبد الرحمن الدوسري: "حفظتُ القرآن العظيم في ستين يومًا، انقطعتُ عن الناس، وأغلقت عليَّ مكتبي، ولم أخرج منه إلا للصلاة فقط!".

أخي... ونحن نرغـِّبك في الاعتكاف، نؤكد على ما ينبغي أن يكون عليه الاعتكاف، فالاعتكاف المنشود اليوم ليس الاعتكاف الذي يجعل في المساجد مهاجع للنائمين، ومجالس للمتزاورين، وموائد للأكل، وحلقات للضحك، ومرتعًا لفضول الكلام؛ فهذا اعتكاف لا يزيد صاحبه إلا قسوة في القلب وبعدًا عن الله.

أما الاعتكاف المنشود: فهو الذي تسيل به دموع الخاشعين، وترق به قلوب المشفقين، وترفع فيه أكف المتضرعين، إنه الاعتكاف الذي لا يُصرف منه لحظة في غير طاعة، ليكون بذلك علاجًا فعالاً لثلاثة أمراض تعتبر مِن أهم علامات موت القلب، وهي التي أشار إليها ذو النون المصري في قوله: "ثلاث مِن علامات موت القلب: الأنس مع الخلق، والوحشة في الخلوة مع الله، وافتقاد حلاوة الذكر".

أخي... الاعتكاف فرصتك في التغير والتغيير، وليس ذلك مستحيلاً، قال المنذر بن عبيد: "تولى عمر بن عبد العزيز بعد صلاة الجمعة؛ فأنكرتُ حاله في العصر!".

فكيف بك -أخي- وأنتَ ستكون عشرة أيام في كهف الإيمان، تتدبر القرآن، وتكثر مِن الاستغفار، وتقوم بالليل والناس نيام.

فاللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة