الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواعظ رمضان (19) العشر الأواخر... تاج الليالي

في العشر ليلة هي أم الليالي الأخيرة، تتغير فيها نواميس الكون في أحوال كثيرة

مواعظ رمضان (19) العشر الأواخر... تاج الليالي
سعيد محمود
الأحد ٠٥ يوليو ٢٠١٥ - ١٠:٥٨ ص
2938

مواعظ رمضان (العشر الأواخر... تاج الليالي) (19)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن ربنا -سبحانه وتعالى- يتفضَّل على عباده بنفحات الخيرات ومواسم الطاعات، فيغتنم الصالحون نفائسها، ويتدارك الأوابون أواخرها؛ ليالٍ مباركة أوشكتْ على الرحيل، ليالي شهر كريم، أبواب الجنان فيه مفتحة، وأبواب النار فيه مغلقة، والشياطين فيه مصفدة، العشر الأواخر منها تاج الليالي، فإنها أفضل الليالي وأعلاها قدرًا.

عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ" (متفق عليه).

أخي... إن في العشر ليلة هي أم الليالي الأخيرة، تتغير فيها نواميس الكون في أحوال كثيرة، خَلق عظيم ينزل مِن السماء لشهود تلك الليلة العظيمة؛ ليلة سلام وبركات على هذه الأمة، فهي ليلة البركات والخيرات، وهي عزيزة الساعات، القليل مِن العمل فيها كثير، والكثير منه مضاعف، قال الله -تعالى-: (ليْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر:3-5).

أخي... في هذه الليلة نزل كتاب ربنا العظيم: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر:1)؛ مما يدل على علاقة وثيقة بينها وبيْن القرآن العظيم، الذي مَن قرأ حرفًا منه له به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، إلى أضعاف كثيرة، وهو شافع لصاحبه يوم القيامة، وسبب رفعته في الدنيا والآخرة؛ فاجعل لتلاوة القرآن على لسانك في العشر الباقية طراوة، ولصوتك منه نداوة، لتظفر بشفيعين في الآخرة: "القرآن، والصيام".

والصلاة قرة عيون الصالحين، ومراحة أفئدة الخاشعين، وأفضل الصلاة بعد الفريضة: صلاة الليل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل مِن خير أصحابه وهو عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: (نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ) (متفق عليه).

فكيف وأنتَ في أعظم ليالي خلقها الله -تعالى-؟!

وقد بشَّرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمغفرة إذا قمتها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه). (إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا) أي: "تصديقًا بوعد الله بالثواب عليه، وطلبًا للأجر لا لقصد آخر مِن رياء أو نحوه" (فتح الباري).

أخي... اعلم -رحمني الله وإياك-: أن في كل ليلة مِن العام ساعة إجابة تفتح فيها الأبواب، والكريم فيها يمنح، تسأل فيها ما شئتَ؛ فكيف إذا انضاف إليها كونها في الليالي العشر بيْن هذا الحفل العظيم في السموات والأرض؟!

أخي... العبد مفتقر إلى محو أدران خطاياه، والانكسار بين يدي الله في هذه العشر المباركات؛ فارغب إلى ربك فيها، وداوم على ذكره وسؤاله، فما أكثر أوقات الإجابة في هذه العشر المباركة.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: "فضيلة الزمان إنما تكون بكثرة ما يقع فيه من الفضائل".

أخي... هذه أيام وليالي الفضائل والبركات؛ فأكثِر فيها مِن الطاعات.

أخي... إن مِن عظيم فضل الله علينا، أنه لم يحدد لنا ليلة القدر بليلة معينة، بل قال فيها نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا -أَوْ نُسِّيتُهَا-؛ فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الوَتْرِ) (متفق عليه).

أخي... هذه الليالي أكثِر فيها مِن طلب العفو عساك أن تفوز به، قالتْ عائشة -رضي الله عنها-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: (تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

وهنا لطيفة في سؤال يجيب عليه الإمام ابن رجب -رحمه الله-: لماذا سؤال العفو حتى بعد اجتهاد أيام العشر؟!

قال: "إنما أمره بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر؛ لأن العارفين يجتهدون في الأعمال ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحًا، ولا حالاً ولا مقالاً؛ فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصِّر!".

فيا مَن ضاع عمره في لا شيء... استدرِك ما فاتك في الأيام الباقية.

فاللهم أعنا على ذكرك، وعلى شكرك، وعلى حسن عبادتك.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة