مع القرآن هكذا ينبغي أن نكون
كتبه/ رضا
الخطيب
الحمد لله، والصلاة
والسلام على رسول الله، أما بعد؛
القرآن -وبعد أكثر مِن
أربعة عشر قرنًا- كتاب مفتوح ومنهج قويم يستمد منه أهل هذا الزمان ما يقوِّم حياتهم
-لو هدوا إلى اتخاذه إمامًا-، ويلبي حاجاتهم كاملة، ويقودهم بعدها إلى عالم أفضل، وأُفُق
أعلى، ومصير أمثل، وسيجد فيه من بعدنا كثيرًا مما لم نجده نحن؛ ذلك أنه يعطى كل طالب
بقدر حاجته، ويبقى رصيده لا ينفد، بل يتجدد.
إن آيات القرآن الكريم
في غاية الدقة والإحكام، والوضوح والبيان، أحكمها حكيم، وفصَّلها خبير، وسيظل هذا
الكتاب معجزًا مِن الناحية البلاغية والتشريعية والعلمية والتاريخية وغيرها إلى أن
يرث الله الأرض ومَن عليها، لم يتطرق إليه أدنى شيء مِن التحريف؛ تحقيقًا لقوله تعالى:
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر).
فالدنيا كلها لم تظفر
بكتاب أجمع للخير كله، وأهدى للتي هي أقوم، وأوفى بما يُسْعد الإنسانية، مِن هذا القرآن
المجيد، الذي قال الله فيه: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا
كَبِيرًا﴾ (الإسراء: 9).
هذا القرآن الكريم أنزله
الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليُخرج الناس مِن الظلمات إلى النور، قال
تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (إبراهيم).
ففتح الله به أعينًا
عُميًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبا غلفًا، وضمن للمسلمين الأمن والسعادة في دنياهم وأخراهم،
إذا هم تَلَوْه حقَّ تلاوته، وتفهموا سوره وآياته، وتفقهوا جمله وكلماته، ووقفوا عند
حدوده وَأْتَمَرُوا بأوامره، وانتهوا بنواهيه، وتخلَّقوا بما شرع، وطبقوا مبادئه ومُثُله
وقيمه على أنفسهم وأهليهم ومجتمعاتهم.
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾
(البقرة).
قال ابن عباس: «يتَّبعونه
حق اتباعه؛ يُحلون حلاله، ويحرمون حرامه، ولا يحرفونه عن مواضعه». وقال قتادة: «هؤلاء
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، آمنوا بكتاب الله، فصدَّقوا به؛ أحلوا حلاله، وحرموا
حرامه، وعملوا بما فيه».
نعم لقد ضرب الجن المثل
في حسن إنصاتهم وسماعهم وتجاوبهم مع القرآن؛ فتأثرت به الجن لما سمعوه، وامتلأت قلوبهم
بمحبته وتقديره، وأسرعوا لدعوة قومهم إلى اتباعه ﴿فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا
عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا
* وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا ﴾ (الجن:
1-3).
وقد أخبر الله في القرآن
الكريم عنهم أنهم: ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ
بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ
مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ
مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ (الأحقاف).
مِن أجل ذلك كله فاق
هذا الكتاب المبارك كل ما تقدمه مِن الكتب السماوية، وكانت منزلته
فوق منزلتها، قال تعالى:
﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ (الزخرف).
فلْنَعِشْ مع القرآن
الكريم؛ تلاوة وفهمًا، وعملًا وحفظًا؛ فمعايشة القرآن مِن أجَلِّ الأعمال التي يتصف
بها المؤمنون.
موقع أنا السلفي
www.anasalafy.com