الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الإنصاف غائب ننتظره

الإنصاف والعدل تَوأمان نتيجتهما علو الهمة وبراءة الذمة باكتساب الفضائل وتجنب الرذائل

الإنصاف غائب ننتظره
خالد آل رحيم
الجمعة ٣١ يوليو ٢٠١٥ - ١٤:٢٠ م
1386

الإنصاف غائب ننتظره

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

في وقت تكاثرت فيه الفتن والبلايا ونطق الرويبضة وصار الحق باطلاً وصار الباطل حقاً ندرت صفة عظيمة من صفات الرجال وهي الإنصاف , وصار كالغائب الذي ينتظر أهله عودته وقد عرف العلماء الإنصاف بتعريفات كثيرة نستطيع أن نجملها في الآتي: أن الإنصاف أن تعطي غيرك مِن الحق مثل الذي تحب أن تأخذه منه لو كنت مكانه، ويكون ذلك بالأقوال والأفعال، في الرضا والغضب مع مَن نحب ومع مَن نكره، قال المناوي رحمه الله: الإنصاف والعدل تَوأمان نتيجتهما علو الهمة وبراءة الذمة باكتساب الفضائل وتجنب الرذائل، والقرآن الكريم يقدم المثل الأعلى في الإنصاف لما قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾، وهذه دعوة صريحة مِن الله -عزوجل- لنبيه صلى الله عليه وسلم بالإنصاف، وروى مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس»، فقال عمرو: أبصر ما تقول, قال: أقول ما سمعت مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لئن قلت ذاك إن فيهم لخصالًا أربعًا: أنهم أحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة, وأمنعهم من ظلم الملوك؛ فلم يمنع عداوة عمرورضي الله عنهللروم أن يذكر بعض صفاتهم، وهذا مِن أرفع مراتب الإنصاف، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة ليخرص لهم الثمار، فأرادوا أن يرشوه، فقال عبد لله: يا معشر يهود؛ أنتم أبغض الخلق إليَّ، قتلتم أنبياء اللهعز وجل، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم، فقال اليهود: بهذا قامت السموات والأرض. (رواه أحمد). أي بالإنصاف وعدم الظلم حتى ولو كان لأبغض الخلق عند الله فما بالنا إذا كان الظلم وعدم الإنصاف مع أناس نحسبهم مِن العلماء والدعاة المخلصين، ومِن أهم آداب الإنصاف هو التثبت والتبين قبل إصدار الأحكام وذلك لقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾وهذا يدل على أن الإنصاف مطلوب حتى في أحلك الظروف، ولو كان في ميدان النزال، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾، وقد بيَّن تعالى أن عدم التثبت والتبين والذي يؤدي لعدم الإنصاف ستكون نتيجته التعدي على بعض القوم بالباطل والجهالة؛ فيؤدي ذلك للندم، قال الحسن البصريرحمه الله:«المؤمن وقَّاف حتى يتبين».اهـ.

وقال محمد بن عبد الوهابرحمه الله: «ومتي لم يتبين لكم المسألة لم يحل لكم الإنكار على من أفتى أو عمل حتى يتبين لكم خطؤه، بل الواجب السكوت والتوقف». اهـ.

وقد كان السلف يطبقون ذلك في واقعهم تطبيقًا عمليًّا؛ فهذا شيخ الإسلامرحمه اللهيتحدث عن المبتدعة فيقول: «كل مَن كان مؤمنًا بما جاء به محمد فهو خير مِن كل مَن كفر به، وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة سواء كانت بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية أو غيرهم». اهـ.

يقول هذا وهو من هو في الرد على هؤلاء المبتدعة، ويعلم الجميع كم حاربوه وآذوه، ولكنه الإنصاف، ويقول تلميذه ابن القيم رحمه الله تعالى: «أما أهل العدل والإنصاف فهم هؤلاء الذين أعطوا كل ذي حق حقه، ولم يحكموا للصحيح بحكم السقيم، ولا للسقيم بحكم الصحيح، ولكن قبلوا ما يقبل، وردوا ما يُرد». اهـ.

وقال أبو الزناد بن سراج: «إن العبد إذا اتصف بالإنصاف لم يترك لمولاه حقًّا إلا أدَّاه، ولم يترك شيئًا مما نهاه عنه إلا اجتنبه، وهذا يجمع أركان الإيمان». اهـ.

وأخيرًا نقول: اللهم إن الإنصاف قد غاب عن كثير مِن عبادك، فنسألك أن ترده إلينا، فهو الغائب الذي ننتظره، والله مِن وراء القصد.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة