السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفية ومناهج الإصلاح - 18

نستكمل الإشارة إلى بعض فتاوى العلماء المعاصرين ومناقشة من يرون عدم مشروعية العمل الجماعي

السلفية ومناهج الإصلاح - 18
عبد المنعم الشحات
الاثنين ٠٣ أغسطس ٢٠١٥ - ١٣:٠٥ م
1817

السلفية ومناهج الإصلاح

الشريط الثامن عشر

عبد المنعم الشحات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصبحه وسلم .

أما بعد ،،،

ناقشنا في المرات السابقة من يرون الاختصار على العمل الفردي وذكرنا أن معظمهم له موقف سلبي من قضية العمل الجماعي ثم بينا بعض أدلة مشروعية العمل الجماعي وعضدنا ذلك بمواقف عن السلف ومن أبرزها موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ،ونستكمل اليوم الإشارة إلى بعض فتاوى العلماء المعاصرين ومناقشة من يرون عدم مشروعية العمل الجماعية .

في الواقع للشيخ ابن باز رحمه الله وللجنة الإفتاء في السعودية برئاسته وبعضوية آخرين من العلماء المعروفين لهم فتاوى متعددة في مشروعية العمل الجماعي بل فيما أعمق من هذا وهو التعاون مع بعض الجماعات التي عندها انحرافات والتعاون معهم فيما عندهم من الحق .

هذه فتاوى كثيرة جداً منها مثلاً هذه الفتوى في مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمها لله :

يقول السائل : " هل يجب على كل مسلم أن يكون له فرقة إسلامية ويكون لها أمير جماعة مع أن هذا يؤدي إلى تفرق أمر المسلمين وتفتيت وحدتهم وتنازعهم "

فكان الجواب : الواجب على المسلم أن يتبع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً واعتقاداً وأن يحب في الله ويبغض في الله ويوالي في الله ويعادي في الله وأن يحرص على ان يكون أقرب الناس إلى الحق بقدر استطاعته وبالله التوفيق .

فإذن هنا السؤال رد السائل إلى مرجعية الكتاب والسنة وأن يكون أقرب الناس إلى الحق مع أن صيغة السؤال فيها قدر من التهييج ، يعني السائل وكأنه يقول له أن هناك جماعات ونزاع ونحو ذلك ولكن طالما التزمت بالكتاب والسنة فهذا هو الواجب عليك .

طبعاً هناك أسئلة أكثر توضيحاً وتفصيلاً منها هذا السؤال :

يقول السائل : أنا طلب جامعي أعيش في دوامة من الآراء والأفكار بين الجماعات ، كل واحدة منها تنسب لنفسها الأفضلية وتعمل كل ما في وسعها لكسب أنصار مثل جماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ صحابة الخروج أربعين يوماً أو أربعة أشهر وجماعة أنصار السنة المحمدية والجماعة الإصلاحية لعبد الحميد بن بديس ، وعليه أرجوا وأطلب منكم أن توجهونا إلى الطريق الصحيح الذي فيه سعادتها وسلامة الإسلام من كل ما يجعله يتأثر بالتيارات الخارجية التي تنهش عظامنا ونحن لا ندري ؟

فكان الجواب : الواجب عليك التزام الحق وما يشهد له الدليل دون التحيز لجماعة بعينها ، وأولى الجماعات بالتعاون معها من حافظ على العقيد الصحيحة التي كان عليها أئمة السلف رضوان الله عليهم والإلتزام بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونبذ ما حدث من البدع والخرافة .

أحياناً يكون السائل ركز بدرجة كبيرة على وجود عصبية وحزبية والتعصب للجماعة فتأتي الإجابة بالنهي عن العصبية والحزبية فالبعض يأخذ هذه الفتاوى ويظن أنها نهي عن التعاون على البر والتقوى .

كما أشرنا من قبل أن العلم الجماعي هو التعاون على البر والتقوى لا يلزم منه الحزبية ، لو كا ن لابد إذا وجد العمل الجماعي وجدت حزبية كان حينئذ لا بأس بأنه كلما سئل عن العمل الجماعي كانت الإجابة عن الحزبية ولكن يتصور عمل جماعية بحزبية ويتصور عمل جماعي بلا حزبية ، أتصور عمل فردي بحزبية وأتصور عمل فردي بلا حزبية ، بل اشرنا قبل ذلك إلى أن انتشار داء الحزبية في العمل الفردي أكثر بكثير من انتشار داء الحزبية في العمل الجماعي ، وهذا له ما يبرره ، أولاً هو مشاهد من حيث الواقع ، فتجد الآن مثلاً قناة فضائية منسوبة لداعية شهير خرج بعض الدعاة في هذه القناة وأخطأوا أخطاء فادحة جداً والمشرف على القناة مر يوم واثنان وأربعة وأسبوع وأسبوعان ولم يعلق فكان لابد من النصيحة ، والنصحية هنا غير متعلقة بالتي أخطأ وحده ، بل النصيحة متعلقة بكل هؤلاء السامعين ، فعندما نصح من نصح تجد الحزبية على أصولها بأن هذا هدم للإسلام وهذا طعن في أعراض الدعاة وهذا تحميل للمشرف على القناة ما لم يقله ، مع أنه من الممكن يكون الناصح طالب هذا المشرف بأنه يصحح أخطاء الآخرين ولم ينسب إليه الأخطاء ولكن ناشده أن يصحح أخطاء الآخرين وتجد حرب دروس ، وبعدها خرج المشرف على القناة واعتذر أن هناك أخطاء ، فصار الآن من كان يقول أنه لا يوجد أخطاء قال أرأيتم أن هناك أخطاء ولكن الشيخ تراجع عنها ، وهم أولاً كانوا يقولون لا يوجد أخطاء وهي ليست أخطاء بل هي مصالح ومفاسد ، فتجد درجة شديدة جداً من التمحور حول شخصية ويمكن في لموقف الواحد طالما أنه سكت إذن هو موافق إذن لا يوجد أخطاء !! ، ولو اعترض إذن يوجد أخطا ، والذي أنكر أولاً مخطئ لأنه يظن أن هناك خطأ ولو صبر وانتظر لكان الشيخ صحح الأمر بنفسه ، وهل التصحيح حكر على فلان أو فلان ، وإلا متى تنتظر إذا كنت انتظرت يوم أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو أسبوع وأسبوعين وثلاثة ، إلى متى تنتظر ؟ ، ولكن لما صار أنه اعترف الشيخ الذي يحبونه ،

وكما ذكرنا أن الحب في الله قضية لا تقبل النزاع فأنت تحب أهل الخير لاسيما من يسهمون في الإرشاد للناس وإرشاد الملايين ولكن نحن نتكلم عن داء الحزبية والعصبية ، ولابد أن يكون كلامه صح وإن كان هناك خطأ فهو الذي يصححه بنفسه وبالطريقة التي يراها ، فإذا رجعت وقلت أن الشيخ قال كان هناك أخطاء ونحن ننتظر منه تفصيل هذه الأخطاء .

قال : أنتم لا يعجبكم شيء ويكفي أن الشيخ قد اعتذر .

فهل يكفي في دعوة العوام الذي نقول أن القنوات الفضائية تخاطبهم لا يعرفون شيء عن دين الله وأدخل عليهم من مشايخ لهم وضعهم وتقديرهم ويقال أن الإسلام يحض على الديمقراطية ويحرص عليها وأننا لا نعادي اليهودي ليهوديته ولا النصراني لنصرانيته ونناشد المسئولين الذين اعتنوا بالمنتخب القومي حتى نصره الله أن يعتنوا بالقنوات الفضائية المصرية حتى ينصرها الله .

أمور من هذا كله ثم يكون التراجع عن ذلك أن يقال أن فلان وفلان أفلتت منهم عبارات نستغفر الله منها ونتراجع عنها ؟

هذا المشاهد هل عرف أي أخطاء ؟

المشاهد الذي يرى أن الإعلان الرسمي يقول نحن لا نعادي اليهودي ولا النصراني أصلاً ، فلا يمكن أن ينصرف ذهنه أن الخطأ أن الشيخ قال نحن لا نعادي اليهودي ليهوديته ولا النصراني لنصرانيته ، ولا الذي يجد الدنيا كلها تسبح بحمد الديمقراطية لا يمكن أن ينصرف ذهنه أن خطأ من أخطأ أنه قال أن رسالة القناة ترسيخ الديمقراطية والدعوة إليها .. إلى غير ذلك .

فإذا قلت أن هناك خطأ فسينصرف ذهن السامع إلى أنه لعله أخطأ في عبارة ولعله كذا وربما يظن أنه خرجت كلمة عنيفة فيكون هذا الخطأ ,

ولا يجزء في مقام الدعوة وفي مقام الخطأ العام إلا البيان والتوضيح ، وهناك أناس كثيرين يخلط بين الخطأ الشخصي وبين الخطأ المبدأي العام الدعوي ، سواء في مبدأ كيف يمكن أن تتم النصيحة أو سواء في مبدأ كيف يتم التراجع عن الخطأ ،لو أن إنسان كان يفعل منكرات لا حصر لها سواء رآه الناس أم لا ولكنها منكرات معروف أنها منكر فيكفيه أن يتوب ، وأنا لو وجدت إنسان يفعل منكر ستره الله عليه فالأولى أن أستره عليه وأنصحه فيما بيني وبينه إلا أن يكون قد تمادى ويحتاج الأمر إلى رفع الأمر إلى السلطان وليس إلى مجرد التشهير أيضاً ، وأما الخطأ المنهجي فلابد فيه ابتداءً أن يحتاج أن تنصحه ويحتاج أن تنصح من بلغهم هذا الأمر ، فكيف يمكن أن يختصر الأمر على نصيحة صاحب الخطأ ، لو أن الأمور تحتمل أن تصاحب صاحب الخطأ ويرجع بسرعة تفصيلياً بحيث لا تنسب أنت إلى الإقرار على منكر فلا بأس ولكن هذا لا يتأتى غالباً ، غالب الأحوال الأمر يحتاج وقت وبذل مجهود لإثبات أن هذا خطأ إذا كان ، وممكن البعض لا يتراجع ، فيرى أن عنده شبهة بأنه معذور وأنت لا ترى ذلك ، تلزم بهذه الرؤيا وتقر على منكر .

ليس هذا موضوعنا الآن ولكن الموضوع الذي نريد أن نشير إليه إلى أن داء الحزبية والعصبية داء يوجد في البشر عموماً وعلاجه التأكيد على مرجعية الكتاب والسنة  ، وهذا ما فعله الأئمة الكبار مع أتباعهم ، ومع ذلك لا يوجد التقليد الأعمى في الطبقة التالية للأئمة الكبار .

فتجد محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمهم الله تعالى يخالف إمام المذهب في ثلث المذهب تقريباً ، الأحناف المتأخرين في غاية التعصب للمذهب ويتعصبون ويقولون إذا كان رأي الإمام لا بأس أو رأي أحد صاحبيه فهذا مذهب وهذا مذهب ، فإذا كان ابرز تلاميذ الإمام أبي حنيفية ساغ لهم أن يخالفوه حتى صاروا وكأنهم أصحاب مذهب مستقل وصاروا يذكرون رأي الإمام أبو حنيفة كذا وأما رأي صاحبيه فكذا ، وربما ذهب كل واحد منهم إلى رأي ، فلماذا وصل المتأخرون من الأحناف إلى هذه الدرجة الشديدة من العصبية وغيرهم من المذاهب الأخرى .

الأئمة الأعلام حرصوا حرصاً شديداً على تأكيد مبدأ مرجعية الكتاب والسنة ،وفي ذلك القول المشهور للإمام مالك رحمه الله : " كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر " يعني رسول الله  صلى الله عليه وسلم .

إذا لم يتم معالجة الحزبية والعصبية في أي كيان ولو في مسجد صغير .

فمن الممكن تجد أحياناً مسجد صغير وله إمام وخطيب والذين يحضرون لا يرون من الدنيا إلا هذا الإمام وذاك الخطيب ، حتى الأمر غير مرتبط بالشهرة فقط .

فالأمر مرتبط بكيفية التربية ، وهذا المرض من ضمن الأمراض التي تحتاج إلى علاج والتأكيد على مرجعية الكتاب والسنة .

نحن نريد أن نؤكد على وجود انفصال بين قضية العمل الجماعي وبين قضية الحزبية .

لا يوجد أي ارتباط ، يوجد عمل جماعي بحزبية ويوجد عمل جماعي بلا حزبية ويوجد عمل فردي بحزبية ويوجد عمل فردي بلا حزبية .

والأمر راجع إلى القادة سواء كان عمل جماعي له قادة أم لا .

الشخص الذي يقوم بالعمل الفردي كيف يربي أتباعه وكيف يوجههم وعلى أي أساس يربي ولاءهم .

أيضاً عندما نأتي إلى المقارنة لابد أن تقارن النظرية بالنظرية والتطبيق بالتطبيق ، لأنه أحياناً يقال أن العمل  الجماعي يورث حزبية ويأتي بنماذج عملية ، نقول له هذه أخطاء نعالجها ونحتاج إلى علاج ، ونقول : وماذا عنك ؟ ، يقول : أنا دائماً ما أنبه على عدم الصعبية والحزبية ، نقول : أن المقارنة بهذا تكون عادلة لأننا أيضاً ننبه على عدم الحزبية والعصبية ، فأولاً ننظر حجم هذه القضية كنظرية هنا وحجمها هنا ، ثم ننظر مدى النجاح في التطبيق هنا ومدى النجاح في التطبيق هنا . سنجد أن العمل الجماعي إذا كان من أصوله عدم الحزبية فهي واضحة ولما تقارن بينها وبين العمل الفردي تجد أنها تقال وأحياناً لا تقال .

أما عند التطبيق نقول مما يعين على التطبيق في العمل الجماعي تعدد القيادات والكفاءات ، فهذا التعدد في حد ذاته يمنع من الذوبان في شخصية قائد واحد أو شخصية آثرة واحدة ، بخلاف العمل الفردي فإنه لا يكاد يوجد فيمن يتربون داخل بيئة فيها قائد واحد لا يكادون يتخلصون من داء الحزبية والعصبية ونحو ذلك ، حتى بعض الدعاة الذين ليس من طموحاته إطلاقاً قيادة أتباعه ، كالأستاذ عمر خالد مثلاً : فانظر حكم العصبية البالغة من أتباعه تجاه أي نقض موجه له ، رغم أن من ممكن أن يكون معظمهم حديث عهد بإسلام ولكن يعرف أنه مسلم يتعلم إسلامه من خلال فلان ، وظل طوال عمره أن فلان هو قائده وأستاذه وموجهه وسبب هدايته ... إلى آخر ذلك .

بلا شك أن العرفان أمر حسن ولكن هذا سوف يشجع على الذوبان داخل شخصية محددة

الشاهد هنا من هذه الاجوبة أن كلها تحيل إلى مرجعية الكتاب والسنة وتنصح السائل أن يتعاون مع أقرب الاتجاهات إلى الحق .

سؤال آخر في نفس القضية يقول : الجماعات والفرق الموجودة الآن أقصد بها جماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ وجماعة أنصار السنة المحمدية والجمعية الشرعية والسلفيين ومن يسمونهم بالتكفير والهجرة وغيرها قائمة بمصر ، أسأل ما موقف المسلم منها ، وهل ينطبق عليها حديث حذيفة رضي الله عنه : ( فاعتزل تلك الفرق كله ) ؟

فالإجابة : كل من هذه الفرق فيه حق وباطل وخطأ وصواب وبعضها أقرب إلى الحق والصواب وأكثر خيراً وأعم نفعاً من بعض فعليك أن تتعاون من كل منها على ما معها من الحق وتنصح لها فيما تراه خطئاً ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك .

في الواقع أن الأسئلة كثيرة ، وتقريباً أنها تدور في هذا المعنى .

منها : السؤال : في هذا الزمان عديد من الجماعات والتفريعات وكل منها يدعي الانطواء تحت الفرقة الناجية ولا ندري أيها على حق فنتبعه ونرجوا من سيادتكم أن تدلونا على أفضل هذه الجماعات وأخيرها فنتبع الحق فيها مع إبراز الأدلة ؟

الجواب : كل من هذه الجماعات تدخل في الفرقة الناجية إلا من أتى منهم بمكفر يخرج عن اصل الإيمان ولكن تتفاوت درجاتهم قوة وضعفاً بقدر إصابتهم للحق وعملهم به وخطأه في فهم الأدلة والعمل فأهداهم أسعدهم بالدليل فهماً وعملاً فاعرف وجهة نظرهم وكن مع أتباعهم للحق وألزمهم له ولا تبخس الآخرين أخوتهم في الإسلام فترد عليهم ما أصابوا فيه من الحق ، وإذا كان عندهم خطأ وصواب فلا ترد الصواب الذي عندهم بمجرد أن عندهم خطأ بل اتبع الحق حيثما كان ولو ظهر على لسان من يخالفك في بعض المسائل فالحق رائد المؤمن وقوة الدليل في أن يكون لها أصول علمية راسخة في قلوبنا .

أيضاً هناك موقف أوضح بكثير للشيخ ابن باز رحمه الله فيما يتعلق بجماعة الإخوان ـ فهناك جماعة سرية تسمى جماعة الإخوان أو كانت موجودة في وقت من الأوقات غير جماعة الإخوان المسلمين وهي جماعة أمر بالمعروف والنهي عن المنكر متطوعة ـ فكانوا يمارسون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ظل وجود هيئة أم بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية وكان في ذلك الزمان كان لها وضع أفضل بكثير من الآن ، وكانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحكومية كانت أفضل بكثير جداً من الآن ، ولكن وجدت هذه الجماعة المتطوعة جماعة حسبة موزية ، كانت تمارس دور أكبر وأشمل وتركز على المنكرات التي ربما تتغاضى عنها أو لا تصل إليها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الرسمية ، فكتب بعض الصحفيين رسالة في نقد هذه الجماعة وكان محور نقده أن وجود جماعة حسبة معينة من قبل الإمام يمنع من مشروعية وجود جماعة حسبة متطوعة ، وفي الواقع أيضاً الشيخ ابن باز كتب رد طويل جداً منشور في مجموع فتاواه في الرد على هذا الصحفي والدفاع عن هذه الجماعة وإنكار أن يكون مجرد وجود جماعة حسبة معينة من قبل الإمام مانعًا لمن أراد أن يتطوع من القيام بالحسبة من التطوع بها .

وهذا كلام في غاية القوة في ظروف كانت تحتمل الكلام الذي قاله الصحفي ، بمعنى أن هناك جماعة أمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائمة وموجدة وهذه الجماعة موازية وفي ذات الوقت نسب إليها شدة أكثر مما ينبغي ، والشيخ ابن باز كان خلاصة كلامه أنهم حتى لو أخطأوا يصوب لهم خطأهم ولا ينفى عنهم أصل المشروعية ولا يقال لهم بعدم المشروعية ، وبالتالي أن المشروعية العمل الجماعي أيضاً منفكة عن قضية شغور الزمان عن إمام ، وبلا شك أنها تتأكد ولكن في ظل وجود إمام عدل يوظف جماعة حسبة يشرع وجود جماعة حسبة متطوعة طالما أنها ملتزمة بالشرع ، وإذا كان الإمام مقصر ازداد الأمر خطورة وأهمية ، فإذا كان لا يوجد إمام شرعي سواء وجدت سلطة مدنية يترأسها مسلمون أو كان المسلمون يعيشون في ديار الكفر فالحاجة إلى العمل الجماعي اشد وأشد ، وفي الواقع ولعلنا تناولنا هذا الموضوع بتفصيل أكبر ، ونذكر بأهم ما سبق أن ذكرناه على أساس يكون عرضنا لقضية مناهج التغيير في قدر من البسط لمعرفة آراء الآخرين وكيف نرد عليهم ، ربما تعرضنا قبل ذلك في قراءة مقتطفات كثيرة من كتاب الدكتور بكر أو زيد حول الجماعات وهو أحد الكتب التي يستند إليها القائلين بعدم مشروعية العمل الجماعي ، وكنا بينا آنذاك أن الكتاب حجة عليهم لا لهم ، مع وجود قدر من الخلاف بيننا وبين الدكتور بكر أو زيد ، ولكن الخلاف في حالة نظرية وبالتالي لا يوجد خلاف عملي بيننا وبين الدكتور بكر أبو زيد رحمه الله ، لأن الدكتور بكر أو زيد يرى أنه في حالة وجود إمام يحكم بشرع الله ويدعو إلى السنة ويوظف علماء ومفتيين ودعاة وهيئات أ مر بالمعروف والنهي عن المنكر تدعو إلى السنة وتطبقها يقول : فإن وجود جماعات حسبة أو جماعات دعوة يحدث منه مفسدة تمزيق وحدة الأمة فلا حاجة إليها ، وله عبارة شهيرة يقول فيها : " إذا كان عندك السفينة الماخرة فلماذا اللجوء إلى الزوارق الصغيرة "

في الواقع نحن نقول أن هذا الكلام من الدكتور بكر أبو زيد يخالف ما ذكرناه عن الشيخ ابن باز في تأكيد مشروعية عمل جماعة حسبة في ظل وجود مرتب لجماعة حسبة ، وهذه كانت نقطة الخلاف الرئيسية بيننا وبين الدكتور بكر أبو زيد ولكن ليس هذا هو الواقع ، فلا توجد السفينة الماخرة وبالتالي إذا لم توجد إلا الزوارق الصغيرة فلا يمكن أن يغرق الإنسان ويقول لن أركب الزوارق الصغيرة ، فهذه هي القضية .

الدكتور بكر أبو زيد عندما ألف كتابه كان يرى أن الواقع السعودي يطبق فيه الشرع وجماعات حسبة موجودة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وأن التجربة أثبتت أن وجود جماعات دعوة تفتح باب للعصبية والحزبية وأن الصورة كما ذكر أن عندك سفينة ما خرة وعندك زوارق صغيرة فلا تترك السفينة الماخرة وتركب الزوارق الصغيرة .

لا ندري لو أن الدكتور بكر أو زيد طالت به الحياة إلى أن رأى الجامعة المختلطة في قلب السعودية وإلى أن وجد تمكين للفتاوى الشاذة التي تخرج كل يوم وإنشاء هيئة موازية لهيئة الإفتاء ، المستشار الديني في البلاط الملكي ،

مدرسة مختلفة تماماً عن مدرسة الإفتاء الموجودة هناك ، لعل المفتيين الذين نشتكي منهم في بلادنا أحسن حالاً كثيراً منهم ومن شذوذاته وآرائه الفجة  ، ومدعوم ويقول أنهم معين من قبل الإمام وأنه لا تمتلك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا هيئة الإفتاء ولا هيئة كبار العلماء أن تحاكمه لأنهم يكتسبون مشروعيتهم من نفس الباب الذي يكتسب هو منه مشروعيته وهو تعيين ولي الأمر ، وهذه خطورة الإحالة على قضية ولاة الأمور ، المشروعية تكتسب  من الكتاب والسنة وكل من خالفهما فهو مردود .

الآن هذا الرجل يشذ في العبيكان وغيره لأن ينضم إليه ويتعاون معه أحد القرأء الذين افتتنوا فجأة وترك ما أعطاه الله من قراءة القرآن وانضم إلى هذا الحزب العجيب .

الدكتور بكر أبو زيد كان وجهة نظره أن المجتمع السعودي فيه سفينة ماخرة فلا حاجة إلى الزوارق الصغيرة ، وهذه نقطة خلاف لكن غير واقعية لا يترتب عليها حكم في معظم البلاد الأخرى بل ولا في السعودية بعد التطور الذي حدث عندهم .

ثم قال الدكتور بكر أبو زيد أن البلاد الإسلامية الأخرى التي فيها علمانيين يدعون إلى العلمانية والقومية ونحو ذلك فلا بأس لأهل السنة في هذه البلاد أن يجتمعوا ويتشاوروا من أجل مواجهة هذا .

أيضاً يظل أن عبارة الدكتور بكر أو زيد فيها قدر من التحفظ ، فلا خسارة ولا يوجد سفينة ماخرة ويتركها الناس إلى الزوارق الصغيرة ، فليتحد دعاة السنة في مواجهة ذلك .

ثم رفع درجة أعلى ، قال : " وأما المسلمين الذين يعيشون في بلاد الكفر فعليهم أن يؤسسو الجمعيات الخيرية والهيئات التي تكفل لهم توفير إقامة الشعائر ونشر الدين ودفع الشبهات .. إلى غير ذلك .

وبالتالي فالشيخ بكر أبو زيد ليس له موقف الذي قد يتصوره البعض من قضية العمل الجماعي إذا حللنا موقفه من خلال الكتاب الذي عول عليه .

أيضاً الشيخ الألباني فتاواه كثيرة جداً لمن تتبعها ولكن المشكلة أن البعض يقتصر على الفتاوى التي فيها نفي الحزبية ونحو ذلك ثم يفهم هو من عند نفسه أن الحزبية تساوي العمل الجماعية والعمل الجماعي يساوي الحزبية بينما فتاوى الشيخ الألباني في النص على التفريق بين هذا وذاك موجودة في فتاوى كثيرة جداً أشرنا إلى بعضها في السلسلة التي أشرنا إليها .

لعل من أبرزها وأوضحها أنه دائماً ما يذكر من تاريخيه أنه كان يحكي في آخر حياته أنه تعاون مع الإخوان في سوريا والأردن كثيراً وأنه ما زال عنده استعداد للتعاون إذا كانوا يسمحون له بأن يكون ما يدين لله تبارك وتعالى به ولا يفرضون عليه أن يوافق ما يملونه عليهم .

وذكر أنه عاش دهراً طويلاً في سوريا يخرج معهم معسكراتهم ويتولى الجانب العلمي فيها ويدرس لهم المناهج العلمية ونحو ذلك وهذا أمر مشهور جداً من سيرته رحمه الله .

فهذا باختصار معظم كلام العلماء في هذا الباب .

نعرجع بسرعة كبيرة على أهم الشبهات التي يتمسك بها المخالفون :

وأهم شبهة أنهم دائماً يقولون فتاوى العلماء رغم أن مناقشة الدليل من المفترض أن تكون مقدمة على فتاوى العلماء وقد ذكرنا فتاوى العلماء في هذا الباب وأنها بحمد الله كلها متفقة على هذا الجانب .

في الواقع أن البعض يرى عدم مشروعية العمل الجماعي كحكم بغض النظر عن الحزبية أو العصبية أو غير ذلك ، يرى أن هذا بدعة لم يقل بها أحد من السلف .

والجواب : أنه قد قدمنا الأدلة على أنه مشروع وبالتالي سقطت هذه الشكوك .

الأدلة قوله تعالى  { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب } [المائدة/2]

وغزوة مؤتة

وفعل الصحابة رضي الله عنهم في زمن أئمة العدل والخير وفي زمن الخلفاء الراشدين بوجود من تصدى للتعليم والإفتاء وكان له تلاميذ وأعوان حتى مع وجود الإمام العدل الذي يقوم بالحقوق فكيف عند غيابه

وفعل الأئمة عند غياب أو تقصير الأئمة كفعل شيخ الإسلام ابن تيمية وفعل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وغيرهم ، فثبت من هذا أن هذه القضية عليها أدلة من الكتاب والسنة وفعل السلف والعلماء على مر العصور ، فلا يمكن الادعاء بأنها قضية بلا اصل ،

على أنه من باب التنزل في المناقشة نقول أن الراجح في قضية وسائل الدعوة أنها ليست توقيفية ولكن يقال أن الوسائل المباحة لها أحكام المقاصد فإذن كما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم اتخاذ الدواوين وكتابة أسماء الجند في الدواوين والعمل بالتقويم ونحو ذلك ووجد بعد ذلك ترتيب العلوم وتأليف الكتب ، ثم وجد في الأزمنة المعاصرة استعمال مكبرات الصوت ووسائل الاتصال الحديثة ، فكل هذه الأمور الأصل فيها الإباحة .

فإن أعانت على طاعة دخلت في الطاعات وإن أعانت على معصية دخلت في المعاصي وإلا بقيت على إباحتها ، فإذن حتى لو قلنا أنه لا يوجد دليل شرعي فالباب من لباب الوسائل لا من باب المقاصد ، والوسائل الأمر فيها واسع يشترط فيها الإباحة أو المشروعية ، يعني خطبة الجمعة وسيلة دعوية مشروعة بالنص أما توزيع الشريط أو الكتاب أو نشر الخطبة على الإنترنت فهذا كله من الأمور المباحة الأصل ولكنها لما أعانت على الطاعة دخلت في الطاعات ، وهذه الأمور لا تتم إلا بعمل وترتيب .

فإذن دعوة عدم وجود نص دعوة غير صحيحة ، والصحيح وجود النص ، ثم على فرض عدم وجوده فيبقى أن الباب من باب الوسائل والوسائل المباحة لها أحكام المقاصد .

البعض أحياناً يقول بل  : هناك نهي ، والقضية ليس أنه لا يوجد أمر ، بل يقول أنه يوجد نهي وهو حديث حذيفة رضي الله عنه الذي يقول في أوله : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، وذكر في آخره أنه قال لرسول الله  صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم الدعاة على أبواب جهنم، فقال : إنا كنا في جاهية وشر فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : ( نعم ) قال : فهل بعد هذا الشر من خير : ( قال نعم وفيه دخن ) قال : فهل بعد هذا الخير من شر ؟ ، قال ( نعم ، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ) يقول : قلت يا رسول الله ماذا تأمرني إن أدركتهم ؟ قال : ( فالزم جماعة المسلمين وإمامهم ) قال أرأيت إن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ ، قال : ( فاعتزل تلك الفرق كله ولو أن تعض على أصل شجرة فتموت وأنت عاض عليها ) .

فالبعض يرى أن هذا نص في النهي وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بوجود الجماعات ووصفهم بأنهم دعاة على أبوب جهنم وأن من أجابهم إليها قذفوه فيها وأمر باعتزال تلك الفرق كلها .

نحن نقول من باب الاختصار وإلزام المخالف بأن يطرد قوله في المسألة حتى يتضح أن هذا  القول فيه من الاضطراب ما فيه .

من يفهم هذا الحديث على أنه الآن هناك دعاة على أبواب جهنم وأن الواجب ( فاعتزل تلك الفرق كلها ) لماذا لم يعتزلها ؟ ولماذا لم يذهب إلى أصل شجرة ويلحق بشغاف الجبال ؟ .

إذن هذا يدل على أن تأويل هذا الحديث لا يفعله أحد بهذه الصورة ، فلا بد أن يكون هناك خلل في الفهم ، وإلا كان الواجب عليه إذا كان هذا هو زمان الدعاة على أبواب جهنم وأنه يعتزل فيعتزل الدعاة على أبواب جهنم فيعتزل العلمانيين والديمقراطيين أم يعتزل الدعاة الإسلاميين ثم يقول الديمقراطيين يدافعون عنا وهم الذين ينصرونا ، فهل هذا هو اعتزال تلك الفرق كلها ؟ أو يتصل بالبرامج العلمانية برامج تطعن في دين الله تبارك وتعالى فتجد رجل برنامجه زائع الصيت فبعض الدعاة إذا اتصل له في مداخلة يكيل له المدح والثناء ، لماذا هذه المداهنة ؟ لعله يسمح للدعاة يقولون كلمة حق في منبره ، هذه الكلمة ستقال مرة في العام  وتجد هذا الرجل بعد أن حل على ثناء من هذا ومن ذاك وأن برنامجه برنامج هادف الآن يقود حملة على صحيح البخاري ، هل من أثنو عليه على الهواء مباشرة ـ فهل هم الآن يشعرون بالخجل ويقودون حملة ضده لهذه الزندقة وهذه الحرب المعلنة على دين الله تبارك وتعالى وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

نقول فاعتزل تلك الفرق كلها ، أين الاعتزال ؟

فإذا كان الذي يتأول ذلك الحديث على الجماعات الإسلامية لا يعتزل الحاية فإذن هو لا يطبق الحديث وهذا واضح .

ولكن تأويل الحديث هو لم يطبقه لأن زمن الحديث لم يأتي ، فالحديث ذكر دعاة على أبواب جهنم ورغم وجودهم يمكن أن يوجد للمسلمين جماعة وأمام فإذا وجد فالزمهم بحيث أن جماعة المسلمين بقيادة إمامهم ترد هذا الباطل وتأخذ على أيدي هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم فإذا لم يكن لهم جماعة ولا إمام فلا تجد على الخير أعواناً فاهرب من هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم ولو أن تعض على أصل شجرة .

هناك حالة بين الحالتين وهي أن يوجد لهم جماعة بلا إمام ، ودور الإمامة يمكن الاستعاضة عنه بدور العلماء وهذه هي قضية شغور الزمان عن إمام التي ذكرها الإمام الجويني في بحثه القيم غياث الامم ، وهم يجعلونها منكراً من القول وزورا على أساس أنه يوجد إمام ، فإذا كان يوجد إمام لماذا تتطبق حديث حذيفة ؟ والحديث يقول : ( فإن لم يكن جماعة ولا إمام )؟ ، فالتناقد العجيب في فهم الحديث وفي إسقاطه على الواقع ، فالحديث يتكلم عن وجود دعاة على أبواب جهنم ، والحديث فيه حالتين والحالة الثالثة مسكوت عنها فإما أن تؤخذ من فحو الخطاب أو أن يرجع فيها للأدلة الأخرى ، مع وجود الدعاة على أبواب جهنم يمكن أن يوجد جماعة للمسلمين وإمام فتلحق بهم أو لا يوجد لا هذا ولا ذاك فتفر لأنه لا يبقى أمامك إلا الدعاة على أبواب جهنم فتفر إلى الصحاري والجبال ، وإذا وجد جماعة بلا إمام

غزوة مؤتة ، وفعل شيخ الإسلام ابن تيمية وفعل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وفحو هذا الخطاب وفحو حديث حذيفه أنه متى يكون الفرار لأن الأصل ليس الفرار ، فلما جعل الفرار أنه عند عدم وجود الجماعة ولا الإمام دل على أنه إذا وجدت الجماعة بلا إمام أمكن لهذه الجماعة أن تفعل كما فعلت جماعات أخرى عبر التاريخ فتستعيض بأهل العلم فيهم عن دور الإمام وهذا هو تأويل هذه الحديث ، وقد ذكرنا من فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله  عند سؤال عن الجماعات الإسلامية بعضها فيها بدع ولكنه ذكر أنهم لا ينطبق عليهم حديث حذيفة وهناك أكثر من فتوى ، وهناك فتوى منهم نفى أن يكونوا هؤلاء دعاة على أبواب جهنم وهناك فتوى حوار مفصل ذكر فيه أن تأويل هذا الحديث إنما ينطبق على دعاة القومية والعلمانية وغيرهم ، وهذا أيضاً ما صرح به هو في كتابه نقض القومية العربية حيث ذكر أن تأويل هذا الحديث إنما ينطبق على هؤلاء ، والعجيب الآن أن البعض بعد أن رفع راية " فاعتزل تلك الفرق كلها " أمام اتجاهات الصحوة الإسلامية والتي منها اتجاهات سلفية خالصة بفضل الله تبارك وتعالى ، ومنها اتجاهات فيها دخن ، فرفع أمامهم راية " فاتعزل تلك الفرق كلها " ثم هو يطرق أبواب العلمانيين والديمقراطيين ويثني عليهم ويثنون عليه وإلى غير ذلك من الأمور مما يدل على خلل في فهم هذه القضية .

فالذي يعنينا هنا أن حديث حذيفة رضي الله عنه لا ينطبق باتفاقنا واتفاقهم على حالة الأمة الآن  ، لأن منهم من يقول بوجود إمام ، ولأن معظم من ينكر العمل الجماعي أو كلهم لا نعرف أحد منهم اتبع شغاف الجبال واعتزل المجتمع كله على اعتبار أنه مجتمع لا أمل فيه استولى عليه الدعاة على أبواب جهنم ولم يبق للخير فيه داع .

أيضاً هناك البعض غير مسألة البدعية التي يقول أن العمل الجماعي بدعة لعدم وجود الدليل والتي أجبنا عليها وغير شبهة حديث حذيفة ، يقول : بدعة العمل الجماعي لابد وأن يكون معه أمور ، هذه الأمور محرمة أو ممنوعة فبالتالي نمنع منها

منها : الحزبية والعصبية

وقد ذكرنا عدم التلازم بين العمل الجماعي وبين الحزبية والعصبية

ومنها : البيعة

وقد ذكرنا عدم التلازم ، وذكرنا أنه إذا كان بعض الجماعات تأخذ بيعة كبيعة الإمام العام فهذا غير مشروع ، وأما إذا كانت بيعة خاصة كعهد التعاون على الطاعات فلا بأس بها والأولى عدمها لوجود مفسدة وسوء ظن ، وهناك فتوى عن شيخ الإسلام ابن تيمية في الصوفية وما يأخذونه من عهد وما يجعلون خرقة علامة على هذا العهد وما يأخذون من الأوراد والأذكار .

والسؤال يجعلك تقول قولاً واحداً أن هذا باطل وضلال ، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية بطريقته المعهودة أبى إلا أن يفصل بأن الأذكار والأوراد البدعية محرمة وأن اتخاذ شعار خاص محرم وأن هذه البيعة والعهد إذا كان للموالاة على العهد والباطل والنصرة في الباطل فمحرم ، وأما العهد الخاص على الطاعات والاجتماع على ذلك فأمر مشروع ، مع أنه تكلم على صورة مركبة الخلاصة أنها ممنوعة ومليئة بالمفاسد ، ولكن حتى لا يظن أن كل جزئية من جزئيات هذه الصورة المركبة ممنوعة ولو انفردت فصل الكلام فيها وقال : إذا كان كذلك فهو ممنوع وإذا كان كذلك فهو مباح .

فإذن لا تلازم بين الحزبية والعمل الجماعي.

والبيعة أيضاً لا يوجد تلازم .

السرية :

نحن دائماً ما نقول أن اختيارنا للعمل الدعوي في بلاد المسلمين التي فيها سلطات مدنية مستقرة أن الدعوة العلنية أفضل وأثمر وأن السرية لها مضارها ، السرية تجعل هناك شكوك ، والشكوك تساوي تعقب وابتلاء ومنع من الدعوة ، والدعوة الأصل فيها العلانية ، كلمة دعوة تساوي العلانية .

إذن السرية استثناء ، لا نقول من باب التخلص من التهمة أن السرية محرمة ، لماذا ؟ لأن الكلمة تبقى سنوات وسنوات والله أعلى من سينقلها وهل ستموت الكلمة بموت قائلها أو ستعيش سنوات أو دهوراً ؟

فهل المسلمين في روسيا أيام الحكم الشيوعي أكان يحرم عليهم حفظ القرآن سراً ؟

لم يبقى الإسلام في روسيا بفضل الله تعالى إلا بوجود أناس استسروا بإسلامهم ، وكان إذا أراد الرجل منهم أن يحفظ القرآن أو يحفظ الناس القرآن إما أن يذهبوا إلى أ حد الغابات يسيرون على الأرجل عشرات الكيلوامترات أو يصنعون مخابئ تحت الأرض في بيوتهم ، فهل تأتي أنت الآن بفضل الله في عافية وموجود في بلد شعارها الإسلام وحتى لو حدث قدر من التضييق على الدعوة لا يجعل أنت كرجل عاقل تريد لدعوتك أن تنتشر أن تسر بها ، حتى لو كان في أذى أو ابتلاء ، ففي الأصل أنت متمكن من نشر الدعوة ، وبالتالي نحن لن نسلك طريق السرية .

البعض يقول أنت الآن لا تختار السرية فلماذا لا تقول أن السرية محرمة ؟

الدين دين ولابد أن نفرق بين الحكم والفتوى ولا ينبغي أن نصدر حكم يلزم كل الناس في كل زمان وفي كل مكان ، القضية أن السرية لجأ إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا كانت العلانية صار أن من يستعلن سوف يستأصل وتموت الدعوة فيستسر حينئذ ، لكن طالما وجد متنفس للإعلان فالدعوة إعلان ، فلا يجوز اللجوء إلى السرية في هذا الأمر .

إذن لا يوجد تلازم بين العمل الجماعي والسرية .

أيضاً يقولون مثلاً الخروج على الأئمة ونحو ذلك :

ذكرنا أن موقفنا من السلطات المدنية المسيطرة على بلاد المسلمين المنتسبين للإسلام ويتكلمون باسم الإسلام مع أنهم لا يحكمون بالشريعة ، نحن ندعوهم إلى الحكم بالشريعة ونبين لهم أن الحاكم المسلم يجب أن يحكم بحكم الله تبارك وتعالى ، ونبين لهم خطورة الحكم بغير ما أنزل الله وأن حكمه يكون كفر أكبر إذا كان تبديلاً لشريعة الله تبارك وتعالى ، وقد يصل الصوت وقد لا يصل وقد توجد شبهات وقد يوجد من يظن نفسه مكرهاً وبالتالي نحن ننمتنع عن تكفير المعين ، ولكن يظل تقرير الأحكام الشرعية واضحة وصريحة لا نملك تغييرها ، ويظل أن التعاون على إتمام الممكن من الصالح الشرعية .

فالبعض يقول أنكم تقولون بعدم وجود الإمام ، ثم إنك عند ما تريد أن تجمع الناس لصلاة العيد تذهب إليه وتسلم له خريطة صلاة العيد .

نحن نقول أنه لا يوجد إمام ادعى أنه لا يحكم بالشرع ونحن نبين أن بشروط الإمام أن يحكم بالشرع وأن يتولى الإسم الشرعي ، وفي ذات الوقت نحن نتعاون مع من بيده الأمر فعلياً لتميم مصالح المسلمين الممكنة ، وبالتالي من الناحية العملية لا نحن نخرج ولا هم يخرجون ، ولكن أيضاً سيكون الفرق في التنظير ، نحن لا نملك الآن أن نغير شروط الإمامة ونجعل أنه لا يلزم أن الحكم بشرع الله أو نلزم أن الحكم بما أنزل الله أمر ثانوي أو لا نجعل الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر كما هو الإجماع الذي نقله ابن كثير وغيره ، فنحن لا نملك شيء من هذا ، ولكن نملك أن نطبق النصوص على الواقع وأن نفرق بين الحكم والفتوى وأن نجعل أن هناك تطبيق الحكم على المعين يحتاج إلى شروط أونحو ذلك ، وأن هناك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مع من هم مصرحين بالكفر : ( والذي نفسي بيده لا يعطونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها ) وبالتالي فمن الناحية العملية لا يلزم من العمل الجماعي الخروج على السلطات المدنية القائمة ، بل نحن نجعل من ضمن اختياراتنا الرئيسية في الظروف الحالية التي تعيشها بلاد المسلمين السلمية ولكن لا نجعله أصل نصدره إلى المسلمين في أفغانستان ولا المسلمين في فلسطين وإنما نحن نقول أن بلاد المسلمين التي تحكمها هذه السلطات المدنية التي يتولاها مسلمون عندهم جهل بمسألة تطبيق الشريعة وعندهم أعذار يذكرونها فهذا هو اختيارنا فيها وهي سلمة الدعوة ولكن لا يعني هذا أن نحذف الجهاد من الإسلام ، فلا نملك هذا ، أو نلزم به من يواجهون كفار مستعلنين بالكفر .

القضية لا تحتمل حينئذ ويستطيعون بفضل الله تبارك وتعالى أن يواجهوا هؤلاء كما سبق بيانه .

هذا بعض المناقشات مع من ينكرون مشروعية العمل الجماعي .

وبذلك قد انتهينا من مناقشة أصحاب اختيار الدعوة الفردية ، ونشرع في المرة القادمة إن شاء الله تبارك وتعالى في الكلام على رؤية الدعوة السلفية للتغير .

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك واتوب إليك .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية