الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلوك بين الشرع والعاطفة

رُبِّي الرعيل الأول مِن هذه الأمة على مخالفة الهوى وتقديم الشرع عليه

السلوك بين الشرع والعاطفة
حسام عبد الجواد
الأربعاء ٠٥ أغسطس ٢٠١٥ - ١٠:٤٥ ص
1631

السلوك بين الشرع والعاطفة

 

كتبه/ حسام عبد الجواد

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾، وقال عز وجل: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أَخْوَف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى»، ورُوِي عنه صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به»، ولقد رُبِّي الرعيل الأول مِن هذه الأمة على مخالفة الهوى وتقديم الشرع عليه، وكانت تلك وصيتهم للأمة مِن بعدهم، فقال علي رضي الله عنه: «إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فيُنسي الآخرة»، وقال عطاء: «مَن غلب هواه عقله وجزعُه صبرَه افتضح»، فإن الهوى إن طغى، وتملك مِن الإنسان؛ أذهب عقله، وجعله كالمجنون لا يميز، فيقع في الشر مِن حيث لا يدري، قال الشعبي: «وسُمِّيَ هوى؛ لأنه يهوي بصاحبه»، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحكم بين الناس حال الغضب، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان»، ولذلك لما سأل رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم الوصيةَ وقال له: أوصني، قال له صلى الله عليه وسلم: «لا تغضب»، فردد مرارًا، فقال: «لا تغضب»، ولأجل هذا امتدح النبيُّ صلى الله عليه وسلم أشجَّ عبد القيس وقال له: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة»، والحلم والأناة صفتان ضابطتان لعاطفة المرء ومقيدتان له مِن اتباع الهوى وترك الشريعة، والهوى مُفسد لكل ما دخل فيه، قال الإمام ابن القيم في مفاسد الهوى: أن يعلم أن الهوى ما خالط شيئًا إلا أفسده؛ فإن وقع في العلم أخرجه إلى البدعة والضلالة وصار صاحبه مِن جملة أهل الأهواء، وإن وقع في الزهد أخرج صاحبه إلى الرياء ومخالفة السنة، وإن وقع في الحكم أخرج صاحبه إلى الظلم وصده عن الحق، وإن وقع في القسمة خرجت عن قسمة العدل إلى قسمة الجور، وإن وقع في الولاية والعزل أخرج صاحبه إلى خيانة الله والمسلمين حيث يولي بهواه ويعزل بهواه، وإن وقع في العبادة خرجت عن أن تكون طاعة وقربة؛ فما قارن شيئًا إلا أفسده، ومما ابتُلي به بعض المسلمين -اليوم- طغيان العاطفة وثورتها حتى صارت تحكم عقل المرء، وتفسِد عليه دينه باتباعه ما حرم الله تعالى! فتعجب مِن فرحة الفرحين بمظاهر القتل والتفجير التي تفشت وصارت وبالًا على الأمة، مع مخالفة هذه المظاهر لدين الله تعالى! وتجد أولئك المفتونين حين تحاورهم، تحركهم عاطفة شديدة طاغية، أبعدتهم عن اتباع نداء الدين وداعي العقل، وعمد رءوس ضلالات التكفير والتفجير إلى استغلال هذه العاطفة فخاطبوا أتباعهم بها، ولعبوا على وتر المشاعر وهيجوا أفئدة الناس لتشتاق إلى الجهاد والشهادة، حتى إذا امتلأت نفوس تابعيهم رغبة في البذل والتضحية، استغلوا غياب عقولهم وطغيان حماستهم، فلبسوا عليهم وأرشدوهم إلى بدعتهم فيقعون فيها ويفسدون في الأرض ويكفرون المسلمين ويستحلون الدماء، وهم يحسبون أنهم مهتدون، وكثير مِن هؤلاء الواقعين في بدع التكفير ساقه إلى ذلك الوقوع حماسته ورغبته في نصرة دينه مع جهله بالسنن الكونية والحكم الشرعية، فيجزع مِن الواقع ولا يصبر كما أمره الشرع، ويستعجل النصر ورفع راية الدين، وتضعف عن نفسه عن السير في طريق الدعوة ويستطيله، ولا يعرف أن الطريق طويل، وأنه لا بد مِن البلاء والصبر عليه لحدوث التمكين، وأن المرء لا يمكن حتى يبتلى، وقد قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾، قال بعض أهل العلم: «بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين»، وجهل هؤلاء التاريخ وتغافلوا عن رؤية ما جرته الحماسة الغير المنضبطة بالشرع مِن مفاسد وويلات على رأس الأمة، وأن هذه الأفعال صارت سببًا للتنفير مِن الدين ومِن الدعاة، وفتحت الباب لكل دعاة الكفر والإلحاد للطعن في الدين بما هو بريء منه ومن أصحابه.

 

وليعلم أولئك أن نصرة الدين ليست مبررًا لمخالفته ولا لإتيان ما حرم الله، فإن الدين حق لا ينصر إلا بالحق، وأما ما يفعله البعض مِن نسبة الباطل إلى الشرع فهو مِن تلبيس الشيطان عليهم وإغوائه لهم ليميلوا عن طريق الحق، وإن كان زعم أولئك أن الظلم قد طغى وأن الأمة مستضعفة وأن الوضع سيء لا يصلح فيه ضبط العاطفة، فهو زعم باطل مردود، فالنبي صلى الله عليه وسلم أتاه رسول مسيلمة الكذاب برسالة فيها كذب على الله تعالى، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك»، وليس أشد على النبي صلى الله عليه وسلم من رؤية الكفر والكذب على الله عز وجل وهو الرسول المنزل بالحق، ولكنه صلى الله عليه وسلم حكم فيه الشرع فترك قتله، وفي الحديث عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة مِن جهينة قال: فصبحنا القوم فهزمناهم، قال: ولحقت أنا ورجل مِن الأنصار رجلًا منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله. قال: فكف عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «يا أسامة؛ أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟» قلت: «يا رسول الله؛ إنما كان متعوذًا»، قال: «أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟»، فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.

 

ونختم بهذا النقل للإمام ابن تيمية، قال: «جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين، فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولًا حتى يخرج إليهم، فمَن قهر هواه عز وساد، ومَن قهره هواه ذل وهان وهلك وباد».

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة