الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

نفوس مشوهة.. ونفوس كبيرة

فارق كبير بين نفوس يملؤها الحقد على المجتمعات وتعمل بكل وسيلة لإفشالها، وبين نفوس يملؤها الحرص على المجتمعات ولا تألو جهدًا في العمل على إنجاحها

نفوس مشوهة.. ونفوس كبيرة
محمد إبراهيم منصور
الاثنين ١٧ أغسطس ٢٠١٥ - ١٣:٣٩ م
1651

نفوس مشوهة.. ونفوس كبيرة

كتبه/ محمد إبراهيم منصور

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

يا لها مِن نفوس مشوهة وعقول منحرفة؛ تلك التي تجاوزت كل الحرمات، فلم تردعها حرمة الأموال والممتلكات، ولا حرمة الدماء والأنفس والأرواح، ولم يقفوا عند ذلك فقط، بل تجاوزوا أيضًا حُرْمَة المساجد؛ فأصبحت المساجد ساحات لعملياتهم الإجرامية، تلك النفوس لا يمكن أن تكون إلا نفوسًا مشوهة تحركها عقول منحرفة غاية الانحراف، وإلا فما هو المبرر الشرعي أو الدافع العقلي لتلك الجرائم التي فاقت كل الحدود التي تجعل المصلي غير آمن في صلاته، بل المُحْرِم غير آمن في نُسكه في الحرم، بل الجندي الصائم في رمضان في الصحراء غير آمن أن يُطعن مِن الخلف بخسة وغدر منقطع النظير، بل تجعل المجتمع غير آمن في مسيرته أن تأتيه مصيبة من هنا أو مِن هناك.

كيف وصلت هذه الشخصيات إلى هذه الدرجة مِن الانحراف والقسوة والغلظة والحقد على المجتمع؟ وهل يُعقل أن يُنسَب هذا الانحراف إلى الدين أو يُنسب هذا الإجرام إلى أعمال الدعوة إلى الله؟! هل هذه النفسيات والعقليات تتأسى بما كان عليه الأنبياء والمصلحون؟ لا؛ لا لا يمكن أن يمت هؤلاء بأدنى صلة إلى شيء مِن دين صحيح أو عقل سليم أبدًا .. هل هذه النفسية المعقدة الحاقدة على المجتمع التي تتمنى له كل شر وضيق ودمار هي تلك التي كانت لدى نبي الله يوسف الذي سجن مظلومًا حين أبى أن يقع في الفاحشة واتُّهِمَ ظلمًا وظهرت براءته للقاصى والداني، لكنهم أبوا إلا أن يودعوه السجن دون جريرة إلا أنه أبى أن يستجيب لفتنتهم، فسجن مظلومًا في سجون دولة تؤله ملكها الظالم، ومجتمع كافر تروج فيه الفاحشة والظلم، فكيف كان ينظر إلى هذا المجتمع الكافر الذي يعبد ملكه الظالم الذي تسبب في سجنه؟ إنه كان ينظر بعين الشفقة والحرص على هذا المجتمع الذي هو محل دعوته وعمله الإصلاحي؛ فبعد أن بقي في السجن ظلمًا بضع سنين، وجاءه خبر رؤيا الملك، نصح للمجتمع بأعظم نصيحة ينصح بها إنسانٌ قومَه، فأخبرهم أن هناك سبع سنين قحط وجفاف ومهلكة لهم إن لم يستعدوا لها بتخزين المؤن الكافية مِن سنوات الرخاء، ودلَّهم على الطريقة المثلى للتخزين ﴿فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ﴾، ونصحهم بالاقتصاد في النفقة في سنين الرخاء؛ ليدخروا أكبر قدر ممكن لسنوات الشدة ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ﴾، ورسم لهم خطة اقتصادية ليست فقط خمسية، وإنما تمتد خمسة عشر عامًا؛ ليعبر بهم إلى بر الأمان مِن مجاعة محققة تنتظرهم إن لم يستعدوا لها، كل هذا وهو في السجن، ولا يظن أنه سيخرج منه، ولا يعلم أنه سيدعى ليشارك في الإصلاح العام للبلاد، لكنها النفوس الكبيرة التي تصلح للإصلاح والبناء لا للهدم والتخريب، ويرجع الرجل إلى الملك بتلك الخطة الإصلاحية العظيمة والنصيحة الخالصة التي أجبرت الملك على احترام هذا الرجل الناصح الأمين الذي لا ينتظر مقابل لنصيحته، بل ويتحمل ذلك الظلم الرهيب الذي طال بقاؤه تحت وطأته ولا يعلم متى سيرفع عنه؟

هذا التصرف النبيل أجبر الملك في لحظة صحوة عقلية راعى فيها الصالح العام أن يستدعي ذلك الرجل الصالح المصلح ليشارك في الإصلاح وإنقاذ البلاد من هلاك محقق إن لم تتضافر الجهود المخلصة للنجاة منه، وجاء رسول الملك مرة أخرى إلى السجن ليدعوا يوسف عليه السلام ليكون مستشار الملك ومساعده؛ للخروج مِن الأزمة، فما سارع صاحب تلك النفس الكبيرة إلى الخروج مِن السجن، وإنما رد رسول الملك إليه ليعلن براءته أولًا بشهادة الشهود؛ لأن العمل العام يؤثر فيه كثيرًا، فإن التهمة خاصة في الشرف والعرض، فقال لرسول الملك: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾، ليعود رسول الملك إليه، لتزداد لدى الملك القناعة أكثر وأكثر بهذه الشخصية العظيمة، ويزداد بها تمسكًا، لدرجة أنه يعلن براءته على الملأ بشهادة مَن اتهموه أنفسهم، حتى زوجة الملك نفسها التي كانت براءة يوسف إثباتًا للتهمة عليها لدى المجتمع ككل قالت: ﴿الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَن نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾، وما هذا إلا بفعل تلك النفوس العظيمة التي تجبر الجميع على احترامها، هذه هي النفوس التي تصلح للإصلاح والبناء، لا تلك النفوس التي تعمل ليل نهار على تدمير المجتمعات المسلمة والتضييق عليها وإفقارها وتعجيزها، وتصل في النهاية إلى تكفيرها واستحلال دمائها وتخويفها وإرهابها

بلا شك .. شتَّان بين تلك النفوس المشوهة وهذه النفوس العظيمة.

فارق كبير بين نفوس يملؤها الحقد على المجتمعات وتعمل بكل وسيلة لإفشالها، وبين نفوس يملؤها الحرص على المجتمعات ولا تألو جهدًا في العمل على إنجاحها.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com