الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الحزبية بين المدح والذم

الحزبية ليست ممدوحةً أو مذمومةً مطلقاً لذاتها

الحزبية بين المدح والذم
خالد آل رحيم
الخميس ٢٠ أغسطس ٢٠١٥ - ١٠:٤٩ ص
3768

الحزبية بين المدح والذم

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ذُكرت كلمة الحزبية بمفرداتها في القرآن الكريم في مواضع كثيرةٍ، فقد وردت مفردة في ثمان مواضع في سور (المائدة, المؤمنون, الروم, فاطر, المجادلة أربع مرات)، وثُنيت مرة واحدة في (الكهف)، وكلها تدل على الطائفة أو الجماعة، وبصيغة الجمع وردت في أحد عشر موضعاً في (هود, الرعد, مريم, الأحزاب ثلاث مرات, ص مرتين, غافر مرتين, الزخرف) وجاءت علماً على سورةٍ مرة واحدة: (سورة الأحزاب) وحملت كلها المعنى السلبي للكلمة ولكن المفاجأة أن هذه الكلمة إن كانت بصيغة الجمع أو الإفراد لم ترد فى الشرع بمعناها الاصطلاحي المعاصر الدال على حزبٍ سياسي أو تنظيمٍ سياسي ولكن الكثير يدلس فى هذا الأمر فيسقط الكلمة بهذا المعنى على معنى الحزب السياسي لأنهم يعتمدون على أن الكثير من الناس لايقرأون ولا يهتمون بالبحث، والقرآن الكريم استخدم لفظة الحزب تارةً للمدح مثل: (حزب الله)، وتارةً للذم مثل: (حزب الشيطان)، وإذا وردت كلمة الأحزاب كانت للذم، وإن كانت مفردةً كانت للمدح والذمِّ وتارةً بشكلٍ مطلقٍ: "فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ" واستدل الكثير بهذه الآية تحديداً على حرمة التعددية الحزبية وعلى فكرة الأحزاب، وهذا قولٌ (فيه نظر)، ومن خلال النظر تجد أن هناك ثلاثة اتجاهات فى ذلك:- الأول: يرى حرمة إنشاء الأحزاب السياسية، الثانى: يرى مشروعية الحزبية وتعددها دون قيود، الثالث: يرى مشروعية الحزبية وتعددها بشروطٍ منضبطةٍ فى إطار الالتزام بالشريعة وعدم الخروج عليها، وهذا ما تبناه الكثير من الإسلاميين بعد ثورات الربيع العربي، وهناك فتاوى لكبار العلماء في ذلك، فقد سُئل العلامة ابن جبرين رحمه الله تعالى: ما حكم الاندماج في الأحزاب السياسية؟ فأجاب يُنظر في أعمال تلك الأحزاب؛ فإذا كانوا على الحق يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المُنكر ويُعلِّمون الناس ما يجهلونه فلا بأس بالاندماج معهم، فإن كانت تلك الأحزاب سياسيةً، يُقصد منها أمور الساسة الذين يتتبعون أهل الخير فيُذِلُّونهم ويعذبونهم ويتَّهمونهم بأنهم حزبيون أو إرهابيون أو نحو ذلك، فنرى أنه لا يجوز العمل في تلك الأحزاب، وسئل كذلك رحمه الله تعالى: هل الأحزاب والجماعات الإسلامية القائمة اليوم خارجة عن أهل السنة والجماعة أم أنها منهم؟ فأجاب رحمه الله: الأحزاب والجماعات القائمة اليوم فمن كان منهم على هذه العقيدة فهو من أهل السنة، ومن ليس على هذه العقيدة فليس من أهل السنة كالمنافقين الذين يأخذون من تعاليم الإسلام ما يناسبهم ويستبيحون ما لا يناسبهم كإباحة الربا أو الزنا أو سفور النساء أو ترك صلاة الجماعة أو حلق اللحى أو شرب الخمور ونحو ذلك، وكذا الذين يدعون أن الإسلام مقصورٌ على ما في المساجد ويبيحون لأهل الأسواق أن يتصرفوا فيما يريدون ويدَّعون فصل الدين عن الدولة ويُبيحون موالاة الكفار ومصادقتهم مع قول الله تعالى: "وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ"، وكذا القبوريين الذين يتوسلون بالأموات ويدعون الأولياء ويرفعون القبور ويتعبدون عندها، وكذلك الأحزاب الذين تفرقوا في العمل ولم يتفرقوا في الاعتقاد: فمنهم من فضل الدعوة للعامة للترغيب والترهيب وذكر فضائل الأعمال وتسموا بحزبٍ يخصهم، ومنهم من فضل السفر إلى البلاد النائية لدعوة المسلمين إلى التوحيد والعمل به ودعوة غير المسلمين إلى الإسلام وقالوا إن ذلك من الجهاد في سبيل الله، ومنهم من فضل الجلوس في البلاد والاشتغال بالتعليم في الحلقات وبث الوعي بين أفراد الأمة، ومنهم من فضل الدخول في أعمال الدولة ولو كانت الدولة لا تحكم بالشرع، إذا رأى أن دخوله يخفف من الشرور بحيث يتولى الإمامة والخطابة والقضاء والفُتيا والتدريس والدعوة، بحسب ما يمكنه من ذلك وما يقدر عليه من الصلاحية، فبعض الشر أهون من بعض، والله أعلم. (فتوى رقم: 10254)، وسُئلت اللجنة الدائمة عن جواز الدخول في أحزابٍ غير إسلاميةٍ فى أوروبا أو أمريكا فكان الجواب: من كان لديه بصيرة في الإسلام وقوة إيمان وحصانة إسلامية وبعد نظر في العواقب وفصاحة لسان، ويقوى مع ذلك على أن يؤثر في مجرى الحزب فيوجهه توجيهًا إسلاميًّا، فله أن يخالط هذه الأحزاب، أو يخالط أرجاهم لقبول الحق؛ عسى أن ينفع الله به، ويهدي على يديه من يشاء فيترك تيار السياسات المنحرفة إلى سياسة شرعية عادلة ينتظم بها شمل الأمة، فتسلك قصد السبيل، والصراط المستقيم، لكن لا يلتزم مبادئهم المنحرفة، ومن ليس عنده ذلك الإيمان ولا تلك الحصانة ويخشى عليه أن يتأثر ولا يؤثر، فليعتزل تلك الأحزاب؛ اتقاءًا للفتنة ومحافظةً على دينه أن يصيبه منه ما أصابهم، ويُبتلى بما ابتلوا به من الانحراف والفساد. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، وقال العثيمين رحمه الله تعالى: إن كان هناك أحزاب كافرة ملحدة سواء كانت تتسمى بالإسلام أو لا؟ لابد أن نقيم حزباً مضاداً لها من باب معالجة الشئ بضده, أما إذا لم يكن أحزاب، فلا يجوز أن نتحزَّب، إذن نخرج من ذلك بعدة أمور: أولاً:- كلمة الأحزاب في القرآن تعني الطائفة أو الجماعة وقد وردت في معرض الذم والمدح ولم يُقصد بها الحزب بمفهومه اليوم، ثانياً:- لاحرج في استعمال كلمة حزب لمن يقوم بعملٍ إسلامي كما قال ابن منظور: "ولا حرج فى استعمال كلمة حزب كعنوان لجماعة إسلامية تقوم بعمل إسلامي"، ثالثا:- جواز التحزب لمن ينصر الدين ويقيم الشريعة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، رابعاً:- جواز الدخول في أحزابٍ ولو كانت على غير المرجعية الإسلامية في غير بلاد المسلمين لتقليل الشر، كما أفتى الشيخ ابن جبرين رحمه الله تعالى، خامساً:- يمنع التحزب فى حالة عدم وجود أحزابٍ ويصير واجباً فى حالة وجود أحزاب تعادى الإسلام ولو كان من يقومون عليها مسلمون، سادساً:- عدم التحزب للحزب لمجرد أنه حزب ولكن لكونه الحزب الذى يدافع عن الدين والشريعة على قدر استطاعته لقوله تعالى: "فاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعتُم"، وختاماً: يقول الشيخ أبى الحسن السليماني:- إن الحزبية ليست ممدوحةً أو مذمومةً مطلقاً لذاتها, بل قد تكون محمودةً وقد تكون مذمومةً, والعبرة بالأمر الذى اجتمعوا عليه, وتعاضدوا عليه أو تناصروا من أجله, فإن كان ما اجتمعوا عليه حقاً، فهى حزبيةٌ محمودةٌ، وقد تكون واجبة, وإن كان ما اجتمعوا عليه باطلاً, فهى حزبيةٌ مذمومةٌ وقد تكون محرمة. (انتهى).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة