الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

من سمات العمل السلفي

المرجعية الشرعية، الضوابط أولًا، الثبات لا الجمود، المرونة لا الانحلال، الوضوح لا الغموض

من سمات العمل السلفي
علاء الدين عبد الهادي
الثلاثاء ٠٨ سبتمبر ٢٠١٥ - ١٢:٥٠ م
1571

من سمات العمل السلفي

كتبه/ علاء الدين عبد الهادي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن من بدهيات العدل والإنصاف أنك إذا أردت الحكم على جماعة من البشر لها خصائصها المميزة؛ فعليك مراعاة جانبين رئيسيين: أما الأول: فهو الحكم الموضوعي على منهج هذه الجماعة وعقائدها كما سطرتها هي وكما أثبتتها على نفسها، والثاني: هو استقراء متأني لسلوكيات أفراد هذه الجماعة عبر فترة  من الزمن غير قليلة، من غير تعميم متسرع ولا نظرة متحيزة.

ولما كان الجانب الأول قد تمت توفيته عبر عدة مقالات وكتب وبحوث وغيرها؛ أردنا في هذه المقالة أن   نركز على الجانب الثاني؛ ألا وهو استقراء مجمل مواقف السلفيين عبر عدة عقود من العمل الذي قاموا  وما زالوا يقومون به خلال حركتهم وسعيهم في دروب الحياة، وبيان السمات العامة التي يتحلى بها عملهم العام، وهي تمثل محاولة أولية لتوضيح بعض هذه السمات المستقرة في وجدان الأفراد الذين تشبعوا بالمنهج السلفي الأصيل وعبروا عنه فعلًا لا ادعاءً، فمن هذه السمات:

المرجعية الشرعية

فالعمل السلفي ليس نتاجًا لأفكار بشرية تبلورت في عقول البعض وتلقفها الأتباع ليحيوا بها، بل هو نابع أساسًا من منطلقات وتوجيهات شرعية من القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، فمن فهم هؤلاء السلفيين لطبيعة الحياة وأننا في الدنيا متعبدون لله مستخلفون لإصلاح الأرض، سمت هممهم لتعبيد الناس لرب العالمين والعمل على إصلاح دنياهم بدينهم، والسعي بهذا الصلاح والإصلاح لتعمير الآخرة، وأنه لا تعمير للدنيا والآخرة على الحقيقة إلا بالتوحيد وتطهير القلوب لله الواحد الأحد الصمد عن اعتقاد وجود شريك له في العبادة أو الحكم أو التصرف والتبرُّء كذلك من كل ما يخالف ذلك، وهذا في الحقيقة فهمهم لمعنى كلمة التوحيد "لا إله إلا الله".

فالمرجعية الشرعية هي الحافز الأول في عملهم الدعوي من ناحية البيان العام للناس أو من ناحية التزكية والتربية والاصطفاء للقيام بهموم الأمة، وهي كذلك الحافز الأول لدعوتهم لتكامل وجوه الإصلاح في العقيدة والسلوك والعلم والعمل في المجالين العام والخاص.

والمرجعية الشرعية هي الحافز الأول في العمل السياسي من باب إصلاح الدنيا بالدين وخدمة الدعوة إلى الله بمعناها الواسع، وهي الحافز الأول في العمل المجتمعي بمعناه العام من باب إقامة فروض الكفايات، وهي الحافز الأول في العمل الإعلامي من باب طرق الأبواب كلها لتبليغ كلام الله، وهي الحافز الأول لاحتمال عقبات الطريق والدفاع عن عقيدة الأمة والحلم على من جهل علينا وتعليم الجاهل وتذكير العالم والاجتماع على الخير ومد يد التعاون على البر والتقوى للجميع وتكثير الخير وتقليل الشر، وغير ذلك في كل التحركات الدءوبة.

الضوابط أولًا

ولأجل وجود هذه المرجعية كذلك، تجدهم يرجعون إلى هذه الشريعة الغراء يستضيئون بها ثم يستلهمون  منها مواقفهم، ولسان حالهم: إن أصبنا فتلك هداية الله، وإن إخطأنا فمن عند أنفسنا.

يضعون القواعد الشرعية والأخلاقية والإصلاحية أولًا، ثم ينسجون عليها مواقفهم التالية، بل بعض هذه المواقف –بعرف السياسة الأرضية- تفقدهم مكاسب قريبة أو ضيقة أو شخصية، ولكنهم يفعلون ذلك من أجل مكاسب أسمى وأبعد وأعم على الناس جميعًا، وما هذه التضحية لأنهم يعشقون ما يراه الناس خسارة وتضييقًا، ولكن من أجل "القواعد" التي يحاولون أن يرسوها في واقع الناس الذي يحيونه معهم.

فالعقيدة جلية، ولا إكراه في الدين، والهوية لا مساس بها، وحسن الخلق والتعايش والبر والعدل مع الجميع، والدماء والأعراض مصانة ولو اختلفنا، وأرض الله تسعنا جميعًا وفق شرعه، وتنافسنا شريف مع من خالفنا، والخير مقبول من كل أحد، والخطأ مردود على كل أحد، كل هذه المعاني وغيرها قد تم تأكيدها عمليًا وتم إثباتها بالفعل في عشرات المواقف والأحداث في الضيق والسعة، بل تم ترديدها إلى حد التواتر من أكثر من جهة من غير السلفيين بل ومن غير المسلمين كذلك.

وأما حال كثير من المناوئين لهم أنهم –بنفعيتهم- يكسرون كل يوم قاعدة قديمة ويحاولون إرساء قاعدة  جديدة من اختراعهم لتكسبهم مكاسب قريبة أو ضيقة و شخصية، وهلم جرا.

فهم يحاورونك بالشرع، لا تعظيمًا له، ولكن ليلزموك حجة برأيهم، ثم يحاورونك بالديموقراطية والحداثة   المزعومة ليجلوك عن الطريق، ويحاورونك بلغة الثورة ليركبوها، وبلغة رجال الدولة ليتمكنوا منها ثم ليمتصوا خيراتها.

الثبات لا الجمود

أما الثبات لدى السلفيين فهو العمل بالمبادئ والقواعد التي تم إرساؤها، والتمسك بالثوابت المستقاة من الوحي الإلهي أولًا –وليس من أهواء الناس وفهمهم- فالعقيدة لا تفاوض عليها ولا مجال لتطويعها لمصالح البعض أو تشويهها عن النهج الأول أو انحرافها عن الكتاب والسنة.

وكذلك القضايا المنهجية التي تمايز بها السلفيون عن الكثير من المنتسبين للعمل الإسلامي؛ فهي تمثل محور ثبات غير قابل للتنازل، وهي المنهج الإسلامي الذي ثبت بالوحي وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم أولًا ثم بثَّه أئمة الإسلام عبر القرون من منهج أهل السنة والجماعة في قضايا مثل:

مسائل الإيمان والكفر: وضوابطهما، والكفر الأكبر والأصغر، وتكفير الأنواع والأعيان، ونواقض الإيمان، وضوابط تكفير المعيَّن، والعذر بالجهل، وغير ذلك من مسائل تصوغ تصور السلفي للمجتمع من حوله؛ فلا تجعله معاديًا لبني جلدته، بل عاملًا على صلاحهم ونجاتهم ونجاته.

منهج الإصلاح الإسلامي: (السلفيون ومناهج الإصلاح، أو التغيير) وما يرتبط به من عمل جماعي إصلاحي منضبط، ومن التأصيل الشرعي لعدم اعتماد المنهج الصدامي مع الدولة والمجمع، ولا المنهج الثوري إن أفضى إلى فوضى، ولا المنهج المتلون بالسياسة غير الشرعية.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وضوابطهما التي تجعل السلفي ساعيًا للإيجابية ونشر الفضائل بطريقة فعَّالة ومعالجًا إصلاحيًا للخلل والرذائل التي تظهر في المجتمعات البشرية.

فقه الخلاف: السائغ وغير السائغ، وضوابط التعامل مع أهل كل منهما؛ بحيث لا يعالج السلفي -المتشرب للمنهج السليم- داءً بداءٍ أكبر، ولا يزيد هوة الخلاف بين المسلمين، ولا يضيق واسعًا ولا العكس.

فقه الجهاد: وأنواعه، ومتى يتعين؟ وكيف يتعين؟ وضد من؟ وكيفيته.

مناهج التلقي والاستدلال: وضبط المرجعية التي ينهل منها منهجه ويضبط عليها بوصلته.

ومسائل أخرى: تشكل دعامة واضحة في العقل الجماعي للسلفيين، مثل: مراعاة المصالح والمفاسد ودرء أكبر المفسدتين.

فهذا في نطاق العقيدة والمنهج، وأما في نطاق السلوك والأخلاق والشيم الكريمة، فهي ليست أيضًا محل شد وجذب أو مناورات سياسية أو تلون وتشكل بحسب الأحوال والقوة والضعف، أما الأهداف العظمى والعمل لصالح الدين والأمة والدولة والدعوة فهي أيضًا ليست محل مواءمات أو مفاوضات.

المرونة لا الانحلال

ولا يعني الثبات أن السلفيين جامدون على أوضاع معينة أبد الدهر، إدارية أو سياسية أو مجتمعية او خلاف ذلك، بحيث يستحيل التخلي عنها أو تعديلها أو مواكبة ركب التطور فيها، بل أثبت السلفيون خلال السنين المتعاقبة أن لديهم مرونة كبيرة في التعامل مع الواقع –من حيث كونه واقعًا- في سبيل تحسينه وفق القدرة والطاقة، وأن مرونتهم هذه لا تخالف المبادئ والثوابت، إلا في أذهان من لا يفقهها، ، وهم بهذه المرونة المنضبطة استطاعوا بفضل الله وحده أن يخوضوا غمار بحار هادرة عصفت رياحها العاتية ببلاد وأنظمة وكيانات وتنظيمات وجماعات وأحزاب. وخاضوا هذه المخاضة وسط أشواك قاسية تكاد تفتك بمن غفل عن ثوابته أو عن الموازين الواقعية.

وقد كانت هذه المرونة المنضبطة نابعة من مرونة الشريعة ذاتها وصلاحها في كل زمان ومكان "وما جعل عليكم في الدين من حرج"، فعلى سبيل المثال نجد في الشريعة الإسلامية أن الحكم الشرعي (الثابت) في مسألة ما قد يخالف الفتوى (المتغيرة) التي تجيء بعد استقراء الواقع متماشية مع الأقرب للصواب وفق ظروف هذا الواقع؛ ففتوى زمانٍ ما قد لا تناسب زمانًا آخر، وما يصلح لمجتمع أو بلد قد لا يكون صالحًا بالضرورة لمجتمع أو بلد مغاير. وضوابط الفتوى وقواعدها ما زالت مسطورة من قديم وتجدها في مظانها في كتب أهل العلم.

وهذه "المرونة المنضبطة" تكسب صاحبها بإذن الله وتوفيقه عافية في الدين والدنيا ومساحة للحركة والمناورة ومساحة كبيرة في مجال التفاعل مع الناس وقبولهم له شريكًا فاعلًا وعاملًا مؤثرًا، كما تكسبه قدرة على الفوز الكبير بعد خسارة أصغر وأن يخرج صاحبها بأكبر مكسب ممكن وأقل خسارة ممكنة.

وهذه المرونة لم تعن أيضًا بحال التفسخ والانحلال من الثوابت أو انحراف البوصلة عن الهدف والغاية، بل هي مراعاة ما راعته الشريعة من مقاصد عامة وغايات عظمى من حفظ الدين والنفس والعرض والعقل والمال، واتساق مع سماحة هذا الدين ويسره وصلاحيته لكل واقع وكل زمان ومكان، وتنزيل للدليل الصحيح على الواقع المناسب.

الوضوح لا الغموض

والسلفيون كذلك يتمتعون بقدر عال من الوضوح لدى القريب والبعيد والعدو والصديق على السواء، فمقالات السلفيين كانت من الوضوح بحيث بدت للبعض صادمة، وما ذلك –على قلته- إلا لوضوحها وعدم التباسها على عكس ما اعتاده الناس من فنون التمويه، وما ألِفوه من طرق التلبيس ومن أساليب لبس الحق بالباطل والهدى بالضلال.

ومن الوضوح كذلك أنهم لم يعتمدوا أسلوب العمل السري؛ إذ ليس لديهم ما يسرونه من عقائد، ولا  طغى لديهم الجانب التنظيمي على الجانب الدعوي، وعلانيتهم هذه نابعة من الحرص على تجلية الحق  وعدم إخفاء المقاصد والغايات ولا حجب الحقائق.

فعقيدتهم واضحة، وأدلتهم عليها لا تخفى على من طلبها، فهي كالشمس في رابعة النهار، وهم يتكلمون بها قديمًا وحديثًا، ومؤلفاتهم وإنتاجهم العلمي يتضافر أوله مع آخره، فلا تشويش، ولا ضبابية ولا مباني تحتمل عدة معاني، ولا إجمال في موضوع التفصيل، ولا تأخير في بيان الحق عن موضعه.

وقد أثر ذلك على تلاحمهم بالمجتمع واجتماعهم مع محيطهم في آمالهم وألامهم وأحلامهم وطموحاتهم، ولم يعرفوا يومًا طريقًا للتعالي على المجتمع ولا التأثر بالنزعة القطبية في ما يسمى بـ"العزلة الشعورية" ولا الانفصال عن محيطهم.

كذلك أولوياتهم واضحة في نشر الدعوة، المقدَّمة لديهم على الحصول على سلطة، فالدعوة أولًا وآخرًا، وبيان الحق للناس هو الغاية والهدف الذي يخدمه غيره ولا يخدم هو غيره، ثم إن الحفاظ على الأمة ومجتمعاتها يصب في هذا الهدف صبًا، ويؤدي إليه وينبني عليه، وكل هذا مقدم على مصلحة أي تنظيم أو تشكيل أو مجموعة تنسب نفسها إلى الإسلام وتعمل –في حقيقة الأمر- لصالح أعدائها وإن جهلت ذلك.

 

فهذه كانت بعض السمات والملامح التي نرى أن العمل السلفي قد اتسم بها خلال العقود الأربعة الماضية، وهو ما أكدته الأحداث الجسام التي مرت بها مصرنا الحبيبة بعد ثورة الشعب المصري في الخامس والعشرين من يناير 2011 وحتى يومنا هذا، ونسأل الله تعالى التوفيق لما يحبه ويرضاه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية