الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

جواب في الإيمان ونواقضه -1

جاءت إجابة عن سؤال حول ما عرف مؤخراً باسم مسألة تارك جنس العمل

جواب في الإيمان ونواقضه -1
عبد المنعم الشحات
الاثنين ١٤ سبتمبر ٢٠١٥ - ١٢:٣٤ م
2820

جواب في الإيمان ونواقضه (1)

عبد المنعم الشحات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا

إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له

وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أما بعد ،،،

نشرع بإذن الله تبارك وتعالى في تدارس أبواب الشيخ عبد الرحمن البراك بعنوان جواب في الإيمان ونواقضه

وهي منشورة على موقعه على الإنترنت

سبب اختيار هذه الفتوى للدراسة أنها جاءت إجابة عن سؤال حول ما عرف مؤخراً باسم مسألة تارك جنس العمل ، وكنا قد تعرضنا لها في ثنايا مسائل الإيمان والكفر إلا أنه يكثر الكلام واللغط الكثير حولها وهذه الفتوى وضعت الأمور في نصابها ، لا من حيث ما رجحه الشيخ ولكن من حيث الإبراز موطن الاتفاق عند أهل السنة التي لا يجوز أن يخالفها أحد ومواطن الاجتهاد .

وبغض النظر في ماسئل الاجتهاد ، فما الذي رجحه الشيخ ، وإن كان هو رجح نفس ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وسيأتي مناقشة ذلك تفصيليًا ، ولكننا نقدم الرسالة باعتبارها فيها نص واحد وصريح على مواطن الاتفاق ومواطن الخلاف ، وهذا الذي نعنا به ، يعني لما تكلمنا في القضية التي أثارها بعض المعاصرين من مسألة ما سموها بتكفير تارك جنس العمل أو غيره ، تكلمنا على عدة أمور يأتي بيانها :

أهمها ادعاء الإجماع وتبديع كثير من العلماء الدعوة السلفية قديماً وحديثاً بمقتضى هذا الإجماع ، بل ربما ذكرنا وقتها أن ادعاء الإجماع على مسألة مثل مسألة الإجماع على تكفير أيا من المباني الأربعة لا يكاد يدع على وجه الأرض سلف من ذلك ، لأننا لما تكلما على المعاصرين قلنا أن الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين يكفرون  تارك الصلاة ولا يكفرون تارك الزكاة ، ولو كفروا تارك الصلاة ينصون على أن المسألة خلافية ، فإذن لو ادعينا أن المسألة من المسألة القطعية يكون مجرد قبولهم للخلاف فيها خلل ، وإن كان معظم القائلين بهذا القول يعتبرون أن خصمهم في المسألة أن العلماء المعاصرين البارزين ـ الشيخ الألباني ـ لكن لو نظرت في مقتضيات باقي الكلام تجد أنه تخطئة لعلماء السلف قديماً وحديثاً .

وكانت مسألة ادعاء الإجماع على المسائل الخلافية  هي مسألة في غاية الخطورة وتمزق صف السلف ، فلو كان الناس يسعون طلباً للوحدة وغير ذلك حتى وصلت للتقريب بين السنة والشيعة ، ونحن لا نقر ذلك بلا شك ، لكن ليس في المقابل أننا نأتي داخل الدائرة السلفية ونمزق فيها أشلاء وأجزاءاً على مسائل وسع السلف فيها الخلاف .

فكان من المهم جداً النص على مواطن الاتفاق ومواطن الخلاف ، وإذا كان ذلك من سقط في حزم الشيخ البراك ، وطبعاً الشيخ البراك من أقران الشيخ العثيمين ، ولو قرأت ترجمة الشيخ العثيمين تجدها ترجمة مشابهة إلى حد كبير جداً لترجمة الشيخ العثيمين ، وهو من متأخري تلامذة الشيخ محمد بن إبراهيم الذي تتلمذوا عليه فترة ولكن استكملوا التلمذة على يد الشيخ ابن باز ثم برزوا كمدرسين وعلماء مع افتتاح المعهد العلمي في الرياض الذي درس فيه العلامة الشنقيطي ونحو ذلك ، فخرج هذا الجيل الذي تحول بعد ذلك إلى مدرسين في المعهد نفسه أو في المساجد أو في الجامعات بعد انتشهارها ، ثم منهم من انضم إلى هيئة كبار العلماء ومنهم من كان له دور آخر ، فالشيخ البراك كان هو مفتي الرياض عندما يغادرها الشيخ ابن باز ، وكان يغادرها كثيراً والشيخ ابن باز مفتي عام المملكة وقد ينتقل في فصل الصيف من الرياض إلى الطائف أو غيرها ، فكان ينوب عنه الشيخ البراك .

والشيخ البراك كما ذكرنا من أقران الشيخ ابن عثيمين وله جهود كبيرة جداً قريبة من جهود الشيخ ابن العثيمين أيضاً في التدريس والإفتاء وله تلامذة كثيرون وله إشراف على عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراة ، ويكاد يكون الآن من أبرز الموجودين بعد وفاة معظم رموز جيله والجيل الذي سبقه ، فهو الآن من أبرز الموجودين في الديار السعودية .

أهمية هذه القضية بالنسبة لنا كانت أهمية عكسية بمعنى أننا لم نبتدأ الكلام في المسألة ولا الدندنة حولها ولكن عندما وجدنا من جعل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي نص عليه أنه ترجيحه ، هو نص على مواطن الاتفاق وتكلم على مواطن الخلاف ورجح ترجيح ما  ، فظن البعض أنه إسماع من السلف ، التقف الأمر الجميع وصار فتنة ، فهذه جزئية

الجزئية الأخرى : أن البعض من أجل الدفاع عن هذه الفكرة استعمل طرقاً في الدفاع في غاية الخطوة ، فقد يكون الكلام نفسه في دائرة الخلاف السائغ ثم كانت خطورة أن جعله البعض موطن إجماع

والخطورة الأشد أن الكلام ذاته قد يكون مقبول ولكن يدلل عليه البعض بطريقة في غاية الخطوة ، بمعنى أنها لو أخذت ـ ولو هذه ليست لو بل هي حدثت أو كانت حاصلة ثم ازداد ظهوراً ـ

مثال :

وليس هذا ما حدث بالضبط ولكن تبسيط :

نقول أن أهل العلم اختلفوا قديماً وحديثاً في مسألة تارك الصلاة ـ هل هو كافر كفر أكبر مخرج من الملة أم كفر أصغ ـ فلو أتى قائل وقال أن تارك الصلاة عاصي والمعصية كفر ، يكون هذا الكلام في حد ذاته تأصيل لمبدأ الخوارج ، ولم تكن المسألة مسألة ترك الصلاة ، فرغم أنك تظل تقول أن ترك الصلاة مسألة خلافية ، لكن هذا الكلام لا يمكن أن يمر ، ولابد في هذه الحالة أن تعتني بالمسألة ولا تعينها أنها مسألة خلافية طالما أن الاستدلال بهذه الصورة ، وهكذا .

وبالتالي كانت تحتف بالمسألة عدة أمور ، هذه الأمور في غاية الخطورة ، فمثلاً قد يترجح للبعض هذه المسألة ولكن يلزمه أنه يبين لماذا ترجحت إليه مع وجود أدلة في الجانب الآخر ، فإذا كان جوابه عن الأدلة التي في الجانب الآخر أنها من مجموعة أدلة يجب تأويلها لأنها تعارض أصلاً كلياً أو بأنها وقائع أعيان لا عموم لها مع أنها أقوال لها صفات العموم وليست وقائع أعيان صار الأمر هنا أخطر بكثير ، لأن هذه طريقة معروفة عند كثير من أهل البدع في الاستدلال في أبواب أشد خطورة من ذلك ، وبالتالي المسألة في حد ذاتها كما ذكرنا أنها قد تقبل الخلاف فيها ولكن طريقة تعامل البعض معها تجعلها في غاية الخطورة .

سنتدارس الرسالة على ما هي عليه بمعنى أن الرسالة لم تشب إلى أسماء لا من قريب ولا من بعيد فهذا أفضل ، وإن كان سنذكر في ثنايا الكلام تفصيل لبعض المبررات التي تجعل طريقة تناول البعض للمسألة طريقة تحتاج إلى وقفة وتحتاج إلى معالجة .

طبعاً الجميع يعلم أن من أكثر الكتب التي دافعت عن هذه المسألة ـ كتاب ظاهرة الإرجاء للدكتور صفر الحوالي ـ مع الاعتراف بفضل الدكتور وجهوده الدعوية قديماً وحديثاً وكلٌ يؤخذ من قوله ويترك وكما ذكرنا أن المسألة قد تكون هينة ولكن طرق الدفاع عنها قد تجعلها في غاية الخطوية .

ومن الأشياء أيضاً الطيبة أن هناك فتوى مختصرة للدكتور صفر على موقعه ذكر فيها خلاصة أو ما يقارب كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في أن الخلاف مع مرجئة الفقهاء قريب من اللفظ ، وهذا يخالف الروح العامة التي كتبت بها رسالة ظاهرة الإرجاء والتي كان فيها حملة شديدة جداً على مرجئة الفقهاء على اعتبار أنهم المرجئة ولا مرجئة غيرهم وعلى اعتبار أن القول بعدم تكفير تارك جنس العمل جزء من إرجاء الفقهاء ، فالأمور أحياناً لم تأخذ حظها من الدراسة والأخذ والرد ، ويتفهم كل طرف ما يعنيه الطرف الآخر ، ربما كثير من الإشكالات قد تكون للحدر .

فنسأل الله تبارك وتعالى أن لا يكون هناك أخذ ورد كثير في قضايا وسعت السلف وأن يكون مكانها دورها الطبيعي في الدراسة ،

فهناك مسائل كثيرة نقول أنه كان من المفترض أن لا يسمع عنها طالب العلم إلا بعد دراسة العقيدة ، ويدرس عقيدة شاملة تشمل جميع مسائل الإيمان وفي كل باب يسمع مسألته ، فتكون كل مسألة أخذت حصتها وحجمها الطبيعي ، خلافاً عندما يكون هناك جدل وأخذ ورد ، فتكون أحياناً البعض يلتزم فيجد قضية ما مشتعلة ، فيكون هذا حظه من دراسة العلم ودراسة العقيدة إلى غير ذلك .

فنحن نتمنى أن كل مسألة توضع في نصابها الصحيح .

يقول الشيخ البراك حفظه الله : " الحمد لله الذي منّ على من شاء بالإيمان وصلى اللهم وسلم على عبده ورسوله وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً

أما بعد ،،

فقد سأل بعض طلاب العلم عن مسألة كثر فيها الخوض في هذه الأيام ، وصورة السؤال هل جنس العمل في الإيمان شرط صحة أو شرط كمال ؟ وهل سوء التربية عذر في كفر من سب الله أو رسوله ؟

والجواب :

ـ طبعاً السؤال مع أنه ذو شقين : شق في مسألة جنس العمل ، وشق في مسألة هل هناك عذر في مسألة سب الدين أم لا أو سب رسوله ، إلا أن الشيخ إجمالاً كانت إجابته تصلح أن تكون رسالة مختصرة في قواعد هذا الباب ، وبالتالي نتعامل مع هذه الرسالة من هذا المنطلق ونحاول نعتبرها أنها دراسة جديدة مختصرة نوعاً ما للقضية وقد درسناها قبل ذلك بشيء من التفصيل ـ

يقول الشيخ حفظه الله والجواب : أن يقال دل الكتاب والسنة على أن الإيمان اسم يشمل :

1 ـ اعتقاد القلب : وهو تصديقه وإقراره

2ـ إقرار اللسان

3ـ عمل القلب : وهو انقياده وإرادته وما يتبع ذلك من أعمال القلوب كالتوكل والرجاء والخوف والمحبة

4 ـ عمل الجوارح واللسان من الجوارح ، والعمل يشمل الأفعال والتروك القولية أو الفعلية  "

ـ هذا باختصار حقيقة الإيمان وما يشتمل عليه ، يشمل هذه الأمور الأربعة ، قول القلب وقول اللسان وعمل القلب وعمل الجوارح .

يذكر بعض الأدلة على ذلك نقرأها معاً ثم نعود إلى تفصيل هذا :

يقول : قال الله تعالى  { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا } [النساء/136] فهنا في أمر بالإيمان الذي ينصرف إلى الذهن منه التصديق والإقرار والانقياد ، فهذا فيه إشارة إلى أن الإيمان يشمل اعتقاد القلب وتصديقه .

وقال تعالى  { فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير } [التغابن/8]

وقال تعالى  { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله  } [البقرة/285] 

فإذن هذه النصوص فيها أمر بالإيمان وظاهر منها أنه أول ما يدخل في هذا الأمر هو التصديق والانقياد ، فهذا شاهد أن الإيمان مما يشمله اعتقاد القلب وتصديقه .

وقال تعالى  { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم  } [الأنفال/2]

فهذه الآيات فيها ذكر بعض أعمال القلوب وبعض أعمال الجوارح ، فدل على دخول عمل القلب وعمل الجوارح في مسمى الإيمان .

وقال تعالى  { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } [البقرة/177]

وجاء عن أبي بكر رضي الله عنه تفسير البر هنا بالإيمان ، فيكون البر هنا في الآية هو الإيمان والإيمان يشمل كل هذه الأمور المذكورة من أعمال القلوب والجوارح .

وقال تعالى  { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم } [النحل/106] فدل هذا على أن الإيمان يكون في القلب ويكون باطمئنان القلب واطمئنان القلب من الإيمان .

وقال تعالى  {وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم } [البقرة/143] أي صلاتكم إلى بيت المقدس بإجماع المفسرين ، وهذه الآية نزلت لما غيرت القبلة وحزن الصحابة رضي الله عنهم على إخوانهم الذين ماتوا قبل أن يصلوا إلى الكعبة ، فظنوا أن صلاتهم غير مقبولة فأنزل الله تعالى { وما كان الله ليضيع إيمانكم } أي صلاتكم .

وطبعاً الآية من القواعد التي أخذنها في أصول التفسير أن الآية قطعية الانطباق على سبب نزولها ، أو سبب النزول قطعي الدخول في الآية .

وبعد ذلك نطبق قاعدة  " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب "

فهنا العبرة بعموم اللفظ { وما كان الله ليضيع إيمانكم } أي من أدى طاعة لأن الطاعات كلها من الإيمان بحسب الممكن والمستطاع ، وممكن نأخذ منها قاعدة وشيخ الإسلام يتكلم عليها كثير جدا أنه كل من أدى العبادة بالممكن والمستطاع في حينه فهي مقبولة عند الله تبارك وتعالى ولا يطالب في الدنيا بإعادة { وما كان الله ليضيع إيمانكم } ، لكن هنا لو أن هناك منازع في دخول العمل في مسمى الإيمان نحتاج نبين له أن المسألة ليس فيها دور ، بمعنى أن نقول له العمل داخل في الإيمان وافهم من الآية أنه الصلاة ، بل نقول له نحن متفقون على أن الآية نزلت بسبب تحويل القبلة وأن المقصود هنا هو الصلاة فتكون جزماً الصلاة من الإيمان ، لأن الآية تتكلم على الصلاة ، والراجح أنه داخل معها طالما أنه لم يقل وما كان الله ليضيع صلاتكم ، وعندما أدلة أخرى تقول أن الإيمان أعم من الصلاة ، لأن الإيمان يشمل الطاعات كلها فتظل هذه الآية لها الدلالة عندنا أوسع من مجرد عدم إضاعة الصلاة أو حتى الصلاة المخصوصة التي نزل عليها الكلام وهي صلاة من صلى إلأى بيت المقدس قبل أن تحول القبلة ولكن لابد أن يعترفوا بأنه طالما هذه الآية نزلت بهذا السبب فتكون الصلاة إيمان ،

وإلا فلا يصح عندما يسألنا من يسأل عن الصلاة نأتي له بإجابة لا تتعلق به البتة ، بل إما أن نجيب بلفظ مساوي كأن يقول هذه الصلاة مقبولة ؟ نقول له نعم هذه الصلاة مقبولة ، أو بلفظ أعم كأن يقال هي وغيرها مقبولة ، فهنا يكون بمعنى الآية .

يقول : والآيات في هذا المعنى كثيرة

وفي الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد القيس لما أتوا إليه قال : ( من القوم ، قالوا: ربيعة ،قال : مرحباً بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا نداما ، قالوا  : يا رسول الله إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مدر فمرنا بأمر فصل نخبر به وراءنا و ندخل به الجنة ، وسألوه عن الأشربة فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع ، أمرهم بالإيمان بالله وحده ، قال : أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس ، ونهاهم عن أربع عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت ربما قال المقي.. وقال : احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم )

الشاهد هو تفسير الإيمان بهذه الأعمال الظاهرة ، فدل على أن الأعمال الظاهرة من الإيمان

والسؤال الآخر كان عن الأشربة لأن العرب كان عندهم مياه جوفية والمياه الجوفية مالحة فكانوا يحسنون طعم الماء بأن ينبذوا فيه ثمر الذبيب والتمر لكي يحلوا ، فهذه مسألة النبيذ وهو أن نيبذوا الثمر في الماء لكي يحلوا ، لكن العرب كانوا يشربون الخمر فربما تعمدوا في وفق اعتقادهم في الجاهلية أنه من الممكن الحصول على فائدة مزودجة وهي أن طعم الماء يحلوا ويكون في ذات الوقت أشبه بالخمر المخفف فيتعمدوا ترك الأمر إلى أن يدب فيه الإسكار ، فلما جاء الإسلام نهى عن الانتباذ في أول الأمر ثم نهى عن انتباذ مخصوص ـ الانتباذ هو نبذ الثمر في الماء ليحلوا ، والانتباذ المخصوص الانتباذ الذي يمكن أن يكون الإسكار فيه سريع ، فالآنية المصنوعة من أشياء عضوية مثل جزع النخل فيكون في داخله مكونات عضوية قابلة أنها تساهم أو غلاف الدباء وهو القرع فيكون سميك أو نحو ذلك ـ فنهاهم عن هذه الأواني ، وما عدا ذلك ينبذوا ،

وهناك مسألة يسأل فيها كثير أيضاً وهو أنه من ضمن الأشياء أنه نهاهم عن النبذ أكثر من ثمرتين في إناء واحد والبعض يسأل عن حكم ذلك ؟

الراجح أن الأمر في النهاية استقر على أنه الإذن بالانتباذ على ألا يكون مسكر ، فاستقر الأمر على ذلك ، مع أن معظم العلماء ذهب إلى كراهة نبذ ثمرتين في إناء واحد وإن كان الأمر استقر على ألا يشرب مسكراً إلا أنه يبقى الاحتراز من الأشياء التي تسرع في ذلك ، والظاهر الذي يحدث في زماننا هو نوع من وضع الثمر المجفف في الماء ثم شربه في ذات الوقت وهذه مسألة غير مسألة النبيذ ، بمعنى أنه صار الآن في حكم المقطوع به أنه لا يصل إلى الإسكار ، إنما كان الأمر في هذه الأحوال ، لاسيما أنه لا يوجد نهي ، وعلى الراجح أن النهي نُسخ ، فقط بألا يصل الأمر إلى حد الإسكار ومنه من سينبذ ثمر في الماء ويتركه فترة فالأولى أن ينبذ ثمرة واحدة والأولى ألا يبقى هذا النبيذ عنده أكثر من يوم أو ليلة ، كما كانت عائشة رضي الله عنها تنبذ للنبي صلى الله عليه وسلم بالليل فيشرب منه بالنهار ثم تريقه وتنبذ له بالنهار ليشرب بالليل فلا يبقى أكثر من ذلك .

حصل هنا الحكم الآخر في الحديث وهو متعلق بموضوع غير موضعنا ، متعلق بموضوع الأنبذة وهناك نهي عن هذه الأواني التي تساهم في سرعة إسكار النبيذ فنهي عنها ، ونهي أيضاً عن أمور أخرى ثم انتهى الأمر بالإذن في الانتباذ على أن يحطاط وألا يكون قد وصل إلى حد الإسكار .

يقول : وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان )

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أفضل فقال : ( إيمان بالله ورسوله ، قيل ثم ماذا ، قال : الجهاد في سبيل الله ، قيل ثم ماذا ، قال : حج مبرور )

وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) فجعل إنكار المنكر على درجات وجعل الأخيرة منها أضعف الإيمان ، فهذا يدل على أن الأولى منها أقوى الإيمان ، فدل على أن إنكار المنكر من الإيمان ،ودل أيضاً على أن الإيمان يزيد وينقص .

قال : وقد استفاض عن أئمة أهل السنة مثل مالك بن أنس والأوزاعي وابن جريج وسفيان الثوري وسفيان ابن عيينة ووكيع ابن الجراح وغيرهم الكثير قولهم الإيمان قول وعمل ، وأرادوا بالقول : قول القلب واللسان ، وبالعمل عمل القلب والجوارح

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية : " ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل ، قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح "

يقول : فظهر أن اسم الإيمان يشمل كل ما أمر الله به ورسوله من الاعتقادات والإرادات وأعمال القلوب وأقوال اللسان وأعمال الجوارح أفعالاً وتروكاً ، سيدخل في ذلك فعل الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات وإحلال الحلال وتحريم الحرام ، وهذه الواجبات والمحرمات بل والمستحبات والمكروهات على درجات متفواتة تفاوتاً كبيراً .

فهو كأنه انتهى من تقرير القاعدة الأولى من قواعد الباب قبل أن يخوض في الإجابة على السؤال أصلاً

القاعدة الأولى من قواعد هذا الباب أن الإيمان قول وعمل

في الواقع كما رأيتم أن الأدلة التي ذكرها الشيخ والمذكورة في عاملة كتب أهل السنة في هذه العقيدة ليس فيها تصريح بلفظ الإيمان قول وعمل من الإيمان ولا من السنة وإنما هي كلام أهل العلم ، كلام أهل العلم تلخيص للأدلة التي قرأناها من الكتاب والسنة.

لو أخذنا النص النبوي في المسألة ، نقول أن النص النبوي في المسألة يقول أن الإيمان بضع وسبعون أو قال الإمام بضع وستون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الإذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الإيمان . هذا النص النبوي في بيان أن للإيمان شعب متعددة ، وهذه الشعب أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ومنها الحياة ، فهذا في هذا الحديث ، وباقي النصوص فيها الحب والخوف والرجاء والتوكل ومنها الصلاة والزكاة والصوم والحج ، فعلم أن هذه شاملة لكل شعب الدين .

فإذا كان الأمر كذلك ـ أن الشرع بين دخول أعمال القلب وأعمال الجوارح في مسمى الإيمان وبين أنه بضع وسبعون شعبة  ـ فلماذا قال العلماء أن الإيمان قول وعمل ؟

هذا نوع من الاصطلاح أو نوع من الترتيب لهذه الشعب ، وكأننا جمعنا هذه الشعب كلها في شعبتين كبيرتين ـ شعبة القول وشعبة العمل ـ وكما ذكرنا أن الغرض من ذلك أن بعض هذه الشعب متساوية في الحكم ، لذلك القضية ليست دائمة على الكلام على مسائل الإيمان والكفر ومتى يدخل العبد في دين الإسلام ومتى يخرج منه ، بل الكلام له فوائد أعظم من ذلك .

فلما نتكلم عن الإيمان كاسم شريف يخاطب به المؤمن وفي مجال الدعوة والتربية ، مهم أن يعرف أنه بضع وسبعون شعبة ويعدهم مع نفسه وينظر إلى شعب الإيمان التي حققها وما هي شعب الإيمان التي لم يحققها .

فإذن الخطاب النبوي غلب عليه مخاطبة الجانب التربوي وجانب العقيدة في حالة البناء ،

نحن دائماً نتكلم عن الدفاع عن العقيدة ، ومعظم الكتابات في العقيدة طريقتها في الترتيب والتوبيب متأثرة بوجود خصم ، فأنت تعبر التعبير الذي يغلق الباب أمام الخصم حتى لا يحرف العقيدة ، وهذا بلا شك غرض شريف وصار عليه العلماء من القرون الأولى ،

ونحن نقول أن الإيمان قول وعمل وهذا أحد الأمور التي تأثرت الصياغة فيها بوجود خصوم ووجود مخالفين ، ولكن الصياغة النبوية كانت أن الإيمان بضع وسبعون شعبة ، والمتبع للكتاب والسنة لو افترضنا بعدم وجود الخوارج والمرجئة  نعرف أن كل هذه الأشياء داخلة في الإيمان ، وأنه حتى يكون مؤمن الإيمان الذي يكرم أصحابه الكرامة العليا عليه أن يجمع هذه الشعب كلها ويعدها وينظر ما وجد منها وما لم يوجد .

وهناك خصال منها يستصغرها البعض فجاء التنبيه عليها ـ أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز ـ هذا الخطاب التربوي فيقول أن هناك أربعين خصلة من خصل الإيمان يمكن أن تستصغرها لأن أعلى واحدة في الأربعين أنت تمنح عنز صغيرة للجار يحلبها ، يعني بمقدار نص كيلوا لبن أو أقل ،

يقول : أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز ، فهذا إرشاد إلى أن هناك شعب من شعب الإيمان أو خصال من خصاله تدق في أعين الناس ، المؤمن الحريص على إيمانه يبحث عنها ويعدها ، لأننا نقول أن الإيمان بضع وسبعون شعبة حتى يحرص الإنسان على البحث في هذه الشعب ما الموجود وما الذي لم يوجد منها .

لكن لما أتى الكلام على أن بعض أهل البدع أخرج قسم من الإيمان منه وقصر الإيمان على القول فبدأ السلف بالرد قائلين أن الإيمان قول وعمل ، فمقولة " الإيمان قول وعمل " للرد على المرجئة صياغة للأدلة التي سبقت للرد على المرجئة .

ومسألة المرجئة والخوارج لابد أن نفهمها لنعرف كيف أتت هذه الصياغة :

فنحن نقول أن هذه الصياغة ـ قول أهل السنة الإيمان قول وعمل ـ كان الغرض منها الرد على المرجئة .

ثم تفريع الشعبتين الكبيرتين ـ القول والعمل ـ من أول العنوان يتميز كلام أهل السنة عن كلام المرجئة .

يقولون أن القول قول القلب وقول اللسان ,العمل عمل القلب وعمل الجوارح ،ولما دخلوا في جزئية الرد على المرجئة والخوارج في آن واحد

فإذا كان الإيمان بضع وسبعون شعبة أو الإيمان قول وعمل فإذا فقد العبد بعض هذه الشعب بماذا يحكم عليه ؟ فوجدوا أن قول القلب شبه متفق على أهيمتها وأثرها في الإيمان بصورة أو بأخرى ، كذلك قول اللسان ، وأعمال القلوب معظم الناس أعطتها حكم واحد وأنها فعلاً متشابهة فمنهم من أدخلها ومنهم من أخرجها لكنها عموماً حكمها متشابه وأعمال الجوارح حكمها متشابه فقالوا نقسم الإيمان إلى أربع شعب كبيرة أو شعبتين كبيرتين ينقسموا إلى أربعة بعد ذلك ، وهذا هو إعادة ترتيب للبضع والسبعين أو البضع والستين شعبة على أربع شعب كبار .

لو لاحظت هنا أحياناً يقولون اللسان فيكونون خمسة ، يقولون قول القلب وقول اللسان والعمل عمل القلب واللسان والجوارح

لكن الشائع عندما تكلم المتكلمون في مسائل الإيمان والكفر قالوا واللسان جارحة من الجوارح ، فقالوا عمل القلب والعمل اللسان مع الجوارح .

فمن الذي يهتم بإفراد اللسان ؟

علماء السلوك ، وجدوا أن اللسان جارحة يؤلف فيها المؤلفات ، عباداته ، وسواء الأمور المأمور بفعلها أو المنهي عن فعلها والمأمور بتركها ، فاللسان جارحة عظيمة القدر ، فيحتاج يفصل في الكلام .

لكن هنا في مسائل الإيمان والكفر فصلنا قول اللسان وهو النطق بالشهادتين في شعبة وحده ، وهذه العبادة القولية التي في شبه اتفاع على أن لها وضع خاص فيما يتعلق بمسائل الإيمان .

أما سائر أعمال اللسان وهكذا هي من ضمن الجوارح ، فيكون في النهاية استقر الاصطلاح لخدمة الفكرة الإصلية أو تعبير عن الأمور الواردة في الشرع بطريقة تخدم الفكرة وتبين وتميز الحق من الباطل ، وانتهينا فيها أن الإيمان قول وعمل . فالقول قول القلب وقول اللسان والعمل عمل القلب والجوارح .

السؤال الذي لم جيب عنه وهو أثر ترك شيء من هذه الشعب على الإيمان ؟

فنترك هذه الرسالة حتى نمهد بتمهيد سبق وقلناه لما درسنا المسألة بالتفصيل ولكن لكي نفهم هذه القضية .

نقول أنه في اللغة بل وفي العقل في كل لغات الدنيا أنه يوجد شيء مكون من أشياء وله أبعاض ، فكون وجود شيء له أبعاض فهذا موجود بكثرة ، نقول هذا في كلام أهل اللغة تجاوزاً وإلا فهو ليس مختص بلغة العرب ، بل كل اللغات موجود فيها هذا الكلام ، بمعنى أن هذه المسألة عقلية منطقية يعبر عنها بألفاظ سواء بالعربية أو بغيرها .

نقول مثلاً الشجرة ، فما نقول شجرة ينصرف ذهنك إلى هذه الذات المعروفة المكونة من أبعاض ـ جزر وساق وأوراق وثمار ـ فكل هذا اسمه شجرة .

ولما نقول الإنسان ينصرف ذهنك إلى هذه الذات المعروفة والمكونة من أعضاء ظاهرة وباطنة معروفة من أعضاء الإنسان .

وعلى هذا فقس

فإذن في عرف الإنسان وفي القواعد المستقرة بالضرورة وفي عرف الآدميين أنه يوجد أشياء مكونة من أبعاض وأنهم إذا أطلقوا الاسم انصرف الذهن إلى الهيئة بكل أبعاضها .

السؤال :

إذا تخلف بعض هذه الأبعاض أو فقد ما أثر ذلك على بقاء الاسم على الباقي ؟ ـ بمعنى أنه لو إنسان بتر منه عضو فهل مازال يستحق لفظ إنسان أم أنه أصبح شيء آخر ؟

فهنا المحك ، وأن البعض أحياناً يأتي بمثال ثم يعممه ، فيكون المثال صح لكن من أين له بالتعميم ، المسألة في غاية الأهمية يفعلها أناس كثيرون بقصد وبغير قصد ، وهذا يتكرر كثير جداً خاصة في مناقشات النصارى ، المقصود أنه في المناظرات تجد الكثير من أساليب الاستدراك بهذه الصورة فيأتي بمثال صح ثم يعممه أو يقول وكذلك الحال هنا وكأنه ينبغي أن نسلم لذلك ، بل المثال ما هو إلا وسيلة لتقريب فكرة بعد أن نفهمها لابد أن نتأكد أنها منطبقة على الحالتنا ، لأنه ممكن أن يكون الفكرة صحيحة وموجودة لكنها ليست منطبقة على الحالة التي نتكلم عليها  .

هناك أمثلة قديمة مذكورة في مسائ الإيمان خاصة

مثل مثال الشكل الهندسي وهو المثلث متكون من ثلاث أبعاض لو حزفت منه عضو لن يستحق الباقي اسم مثلث ، بل يكون زاوية ، فإذن هذا مثال ومثال صحيح في ذاته ، هل يصح أن يقول وبالمثل لو أن إنسان بترت يده يكون مات ؟ لا .

فإن الصورة العامة في الحياة أن الشيء المكون من أبعاض إذا زال بعض هذه الأبعاض فمن المتصور أن يكون الباقي مازال يستحق الاسم أو لا يستحقه .

الصورة الأعم نقول أن الشيء المكون من أبعاض سوف نجد بعض أبعاضه متى فقدها هذا المجموع صار الباقي لا يستحق الاسم مثل أن نقول القلب في الإنسان فلو نزع سيموت الإنسان أو مثل الساق في الشجرة أو الأعمدة في البناء القائم على أعمدة ... إلى غير ذلك

فإذن الشيء المكون من أبعاض تكون الصورة العامة أن نجد بعض هذه الأبعاض يزول الشيء بزوالها ، أو بحيث يبقى الباقي لا يستحق الاسم .

فلو أتى إنسان بورقة شجرة وقال إنها شجرة ناقصة جزر وساق وثمار ، فلا تكون شجرة مع أنها جزء من الشجرة ، لكن عندما نزعنا منها الجزر والساق صارت ليست شجرة ، فإذن الشيء المكون من أبعاض تكون بعض هذه الأبعاض إذا زالت زال الشيء بالكلية أو لم يستحق الاسم

وهذه بلغة الفقهاء يسمونها أركان أو شروط وسيأتي تعليق على كلمة شروط لأنها أيضاً مما دارت حولها معارك تأسف أن تدور معارك على لفظ بهذه الصورة مع أن المعنى واضح ومفهوم . والشيخ هنا علق عليها أيضاً .

فإذن الشيء المكون من أبعاض متصور أن بعض هذه الأبعاض إذا زالت زال الشيء بالكلية أو لم يستحق الباقي الاسم وهذه تسمى بلغة الفقهاء أركان أو شروط أو نحو ذلك .

إذن هذه مثالها في الحياة عندنا أوراق أشجار أو ثمار أو نحو ذلك لكن لا يوجد الأجزاء ، مثل غصن قطع من شجرة ليس له ساق أو جزر ، فهو مادام فقد الساق والجزر فهو لا يسمى شجرة

مثاله كإنسان نزع قلبه أو توقف فصار ميت ... وهكذا .

ـ في المقابل هناك أبعاض إذا زالت بقي الشيء وإن كان ناقصاً ، فمثله الأوراق في الأشجار والأعضاء التي لا يكون في فقدها موت للإنسان ولكنه يحتاج إليها في معاشه .. وهكذا ، فهذه تسمى واجبات بحيث تاركها أو فاقدها عنده نقص

هناك أشياء إذا وجدت كانت فضلاً لصاحبها وإذا فقدت لا تعتبر ذنباً ، وهذه بلغة الفقهاء تسمى مستحبات ، وكأن هذا الإطار العقلي العالم للشيء المكون من أبعاض ، بعض أبعاضه أركان وبعضها واجبات وبعضها مستحبات .

نأتي لمثال مثل مثال المثلث فما هي أبعاضه التي هي أركان وواجبات ومستحبات ، نجد أن كل أبعاضه أركان ، وهذا بحكم تعريفه أنه مثلث نجد أن كل أبعاضه ضرورية لو نزعت منها شيء لا ينطبق تعريف المثلث عليه ،

والأملاح الكميائية التي يمثلون بها دائماً فأنت لو نزعت شق منها فالثاني لا يستحق الاسم . فهذا مكون من أبعاض وهذه الأبعاض كلها أركان ،

ومثال الشجرة فيه أركان ووجبات ومستحبات

ومثال السيارة أو الحجرة أو البيت والإنسان ، كل هذه أمثلة تجد فيها أبعاض فقدها يساوي أن الشيء لا يستحق الاسم أو أشياء مهمة ولكن فقدها لا يؤدي إلى إزالة الشيء بالكلية وما زال يستحق الاسم وهناك أشياء يتفاضل به البعض على البعض .

فلما يأتي قائل يقول عن الإيمان ، نقول له كما عرفنا كل هذه الأشياء فنعرف الإيمان ، ولكن أين تعريفه ؟ في اللغة أم في الشرع ؟ في الشرع ، فيقول إن الله تبارك وتعالى قال { إنا أنزلناه قرآناً عربياً } فنقول أن لغة العرب التي نزل بها القرآن تتيح لأهل عرف معين أو فن معين أو علم معين أن يقيدوا استعمال اللفظ في اللغة فيصير أخص من استعماله الأول ، وهذا شائع في لغات العرب وفي غير لغات العرب ، والشرع تصرف في كثير من الألفاظ اللغوية بحيث صارت في خطاب الشرع أخص من خطابها الأصلي كلفظ صلاة وزكاة والصوم والحج وغيرها ، وكذلك الإيمان ، فالقاعدة أننا نرجع في تفسير الألفاظ الواردة في الخطاب الشرعي أولاً إلى الشرع ، هل وجد تفسير وتفصيل لهذا اللفظ أم لا ؟ فإن كان فلابد من الرجوع إليه ، وإلا رجعنا إلى لغة العرب لأن الشرع خاطب الناس بلغة العرب ، فإن أراد استعمال لفظ بمعنى خاص بينه وإلا فإن فكان لم يأت له ببيان خاص فهو يحلهم إلى فهمه إلى لغة العرب ، ولفظ الإيمان كما تروا أن الأدلة في الكتاب والسنة لا تحصى كثرة في بيان معناه فيرجع فيه للمعنى الشرعي .

رجعنا للمعنى الشرعي فوجدناه بضع وسبعون شعبة ووجدناه قول وعمل ، فنرجع للشرع الذي أخبرنا بأن لفظ الإيمان مكون من أبعاض وأن الإيمان يشمل مجموعة من الشعب لنعلم أثر غياب أي شعبة من شعبة على بقاء مسمى الإيمان فسنجد أنه وفق الكلام الذي زكرناه كقاعدة عقلية عامة فالطبيعي أن نجد بعض الشعب أركان وبعض الشعب واجبات وبعض الشعب مستحبات وبالفعل إذا تتبعنا الخطاب الشرعي سنجد أن الأمر كذلك . فبعد أن عرفنا أن الإيمان بضع وسبعون شعبة يلزمنا معرفة أي هذه الشعب يمكن أن يقال عنها أركان في الإيمان وإيها يقال عنه واجبات وأيها يقال عنه مستحبات .

بتتبع نصوص الشرع سنجد أن الشعب التي نفى الشرع الإيمان عن تاركها نفياً تاماً وأخرجه من الإيمان فتكون أركان التي يستحق صاحبها الذم وإن لم يخرج من الإيمان فيكون هذه واجبات التي يتفاضل بها أهل الإيمان دون أن يذم تاركها وتكون هذه من المستحبات .

والشيخ لم يفصل هذه القضية وإنما تأثراً بأن الأمر هو إجابة سؤال واستحضاراً بأن السائل لا يسأل هذا السؤال إلا وهو لديه قدر من الدراية بالمسألة أجابه على جزئية أي هذه الشعب تعتبر أركاناً أو شروطاً بعد أن بين أن الإيمان بضع وسبعون شعبة  أو كما ورد عن السلف أنه قول وعمل ـ قول القلب وقول اللسان وعمل القلب وعمل الجوارح ـ قال : وهذه الواجبات والمحرمات بل والمستحبات والمكروهات على درجات متفواته تفاوتاً كبيراً وبهذا يتبين أنه لا يصح إطلاق القول بأن العمل شرط صحة أو شرط كمال بل يحتاج إلى تفصيل .

ـ كلمة العمل أشمل من عمل الجوارح ـ قال : فإن اسم العمل يشمل على القلب وعمل الجوارح ويشمل الفعل والترك ويشمل الواجبات التي هي أصول الدين الخمسة وما دونها

ففي جانب الفعل قال يشمل الفعل والترك ، وفي جانب الفعل أفعال أعلى من غيرها وعلى رأسها واجبات الدين الخمسة وهي أركان الإسلام ، وفي الترك أعلى التروك شأناً التي يجب تركها هو ترك الشرك والكفر ، وترك سائر الذنوب والمعاصي .

يقول : فأما ترك الشرك وأنواع الكفر والبراءة منها فهو شرط صحة لا يتحقق الإيمان إلا بها

ــ انتبه لأن أحياناً يؤلف البعض مؤلفاً كبيراً هو عبارة عن نقول مترادفة في معنى واحد ، فالبعض عن احتجاجه بهذه المسألة يأتي بالنقول التي كفر فيها السلف غلاة المرجئة الذين قالوا أن يلزم المسلم أن يقول الصلاة واجب ولكن لا يلتزم الصلاة ويقول أن الدين حرم الزنا ولكن لا يلتزم تركه ، وكأن المطلوب فقط التصديق والإقرار ، فهؤلاء وصلوا إلى الاستحلال فكفرهم السلف ، فأحياناً البعض يناقش في جزئية مثل هذه ثم يأت بمئات النقول في جزئية واحدة وهي نقول مترادفة وربما عن العالم الواحد أكثر من نقل ــ

فهنا بين الشيخ أن من ضمن العمل الذي هو ركن ترك الشرك وأنواع الكفر والبراءة منه ، فهو شرط صحة لا يتحقق الإيمان إلا به ، وأما ترك سائر الذنوب فهو شرط لكمال الإيمان الواجب ،

ـ في جانب الفعل قال " وأما انقياد القلب وهو إزعانه لمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وما لابد منه لذلك من عمل القلب كمحبة الله رسوله وخوف الله ورجائه فهذا هو انقياد القلب أو عمل القلب ، وإقرار اللسان وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو كذلك شرط صحة لا يحقق الإيمان بدونهم " ــ .

إذن ما شرط شرط صحة أو ركن ؟

في جانب التروك : ترك الشرك

وفي جانب الأفعال : قول القلب وقول اللسان .

يقول : وأما أركان الإسلام بعد الشهادتين فلم يتفق أهل السنة على أن شيئاً منها شرط لصحة الإيمان ، بمعنى أن تركه كفر بل اختلفوا في كفر من ترك شيئاً منها .

وسيذكر الشيخ مواطن الاتفاق على أن أهل السنة اتفوا على أن ترك الشرك بالتروك وعلى أن قول القلب وقول اللسان في جانب الأفعال شروط في صحة الإيمان ، واتفقوا أيضاً على أن ترك سائر الذنوب ليست ذنوباً وفعل سائر الطاعات ليست شروطاً إلا ما كان في أركان الإسلام الأربعة بعد الشهادتين .

قال : لم يتفق أهل السنة على أن شيئاً منها شرط لصحة الإيمان بمعنى أن تركه كفر بل اختلفوا في كفر من ترك شيئاً منها وإن كان أظهر وأعظم ما اختلفوا فيه الصلوات الخمس لأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ولما ورد في خصوصها مما يدل على كفر تارك الصلاة كحديث جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) أخرجه مسلم في صحيحه

وحديث بريده ابن الحصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )

وأما سائر الواجبات بعد أركان الإسلام الخمسة فلا يختلف أهل السنة أن فعلها شرط لكمال إيمان العبد وتركها معصية لا تخرجه من الإيمان .

فهنا لا يذكر الشيخ فيما اتفق عليه أهل السنة شيء يسمى جنس العمل أو غيره ، وإنما ذكر وجود الخلاف في الأركان الأربعة بعد الشهادتين ، فإذن المتفق عليه بين أهل السنة واضح وأيضاً المختلف فيه واضح كما تبين .

وهذا كلام واضح أيضاً في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وإن كان أحياناً طول الكلام يكون فيه قدر من التداخل إلا أنه من تدبر فيه اتضح له وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى .

فهذا هو الحاصل في المسألة فهي إجابة بينة في مواطن الاتفاق ومواطن الخلاف .

وهنا يأتي التنبيه أيضاً ، يقول : وينبغي أن يعلم أن المراد بالشرط هنا معناه الأعم وهو ما تتوقف الحقيقة على وجوده سواء كان ركناً فيها أو خارجاً عنها كما قيل هو أنه شرط من الإيمان هو من الإيمان .

فالبعض يقيم الدنيا ولا يقعدها لخلاف لفظي لمن قال بين العلماء أن أعمال الجوارح شرط كمال أو قال أن قول القلب وقول اللسان شرط صحة لا يقصد أن الشرط ليس كالوضوء مع الصلاة وأن يكون خارجاً عن المهية ، وإنما يقصد الشرط بمعناه اللغوي أي يشترط لكي يكون هذا مؤمناً أن يكون قد أتى بكذا ، العبض يحاول ينسج معارك في خياله وأن الذي قال كلمة شرط يريد أن يصل إلى قول مرجئة الفقهاء ، نقول لو أنه يريد الوصول لهذا لقال ، فلا يكون لواحد ينكر قول مرجئة الفقهاء ثم قال عبارة يريد أن يبطن داخلها قول مرجئة الفقهاء .

ما هو قول مرجئة الفقهاء ؟

نحن ضرنا مثال للإيمان بالشجرة ، فلما نطبق هذا على الإيمان لابد أن نتأكد أن المثال منطبق وفق وصف الشرع للإيمان فيكون كل

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

الولاء والبراء -12
1564 ٢٧ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -11
1705 ١٨ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -10
2032 ١١ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -9
2028 ٠٤ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -8
1667 ٢٨ ديسمبر ٢٠١٥
الولاء والبراء -7
1429 ٢١ ديسمبر ٢٠١٥