الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الحمد لله الذي أنقذه مِن النار

هكذا أيضًا ينبغي أن يكون حالنا مع مَن ندعوهم

الحمد لله الذي أنقذه مِن النار
عبد القادر عمر
الخميس ١٧ سبتمبر ٢٠١٥ - ١٢:٤٠ م
1137

الحمد لله الذي أنقذه مِن النار

كتبه/ عبد القادر عمر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن المتأمل في دعوة الأنبياء والمرسلين؛ يلحظ شفقة ورحمة وحرصًا بالغًا تجاه أقوامهم ومَن يدعونهم، فها هو نوح عليه السلام يدعو قومه إلى توحيد الله ونبذ الشرك؛ فقال تعالى: ﴿ولَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾، وتأمَّل معي أخي القارئ قوله: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾، نلحظ هنا شفقة وحرصًا مِن نوح عليه السلام على قومه مِن عذاب النار.
وها هو هود عليه السلام يقول لقومه نفس قول نوح؛ قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ . إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ . وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ . أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ . وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
وها هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم -المثل الأعلى في القدوة والأسوة الحسنة- يضرب مثلًا رائعًا في الشفقة والرحمة تجاه مَن يدعوهم، وقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم ، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه مِن النار».
وروى الشيخان (البخاري ومسلم) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك مِن يوم أحد؟ قال: لقد لقيت مِن قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا جبريل فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم.
قال: فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد؛ إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل أرجو أن يخرج الله مِن أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا».

وعلى نهج الأنبياء والمرسلين سار أتباعهم؛ فها هو مؤمن آل ياسين رضي الله عنه وأرضاه يدعو قومه إلى الله ويأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له واتباع المرسلين، وينهاهم عن الشرك، فما زال يدعوهم حتى جعلوا يرجمونه بالحجارة وهو يقول: «اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون».
فقيل له: ادخل الجنة، وذلك أنه قُتل فوجبت له، فلما رأى الثواب قال: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «نصح قومه في حياته بقوله: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾، وبعد مماته في قوله: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ
 . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾».

فانظر أخي القارئ إلى هذه الشفقة وهذه الرأفة والرحمة، كيف أنهم يقتلونه وهو يدعو لهم، بل يتمنى لهم الهداية والمغفرة، فما أعظم هذه الشفقة، وما أعظم هذه الرحمة في قلبه، انظر تفسير ابن كثير.

وهكذا أيضًا ينبغي أن يكون حالنا مع مَن ندعوهم، لا بد أن نشعر نحوهم بالشفقة والرحمة وحب الهداية لهم، وهذا يترتب عليه فوائد عظيمة ومنها:
1- حب الله لهذه الشفقة والرحمة واستجلاب رحمة الله: «إنما يرحم الله مِن عباده الرحماء».

2- تحمُّل الأذى والصبر على ما يجده الدعاة إلى الله مِن الناس.

3- الأثر العظيم في قلوب الخلق مما يؤدي إلى حب الناس للدعوة والدعاة، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.
فاللهم اهدنا واهدِ بنا واجعلنا سببًا لمن اهتدى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً