الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مِن منافع الحج

كلمة منافع كلمة شاملة جامعة؛ فالحج منفعة لكل المسلمين؛ مَن حجَّ ومَن لم يحج

مِن منافع الحج
رضا الخطيب
الخميس ٠٨ أكتوبر ٢٠١٥ - ١٧:٤٥ م
1170

مِن منافع الحج

كتبه/ رضا الخطيب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

يقول الله عز وجل: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ (الحج: 27، 28).

عباد الله؛ الحج فيه كما قال الله عز وجل: ﴿مَنَافِع﴾، وكلمة منافع كلمة شاملة جامعة؛ فالحج منفعة لكل المسلمين؛ مَن حجَّ ومَن لم يحج.

وأولى هذه المنافع أن الحاجَّ منذ أنْ ينوي أداء هذه الفريضة ويُعِد نفسه لها إعدادًا ماديًّا، وإعدادًا نفسيًّا معنويًّا، فيحاول أنْ يُعيد حساباته من جديد، ويُصلح من نفسه ما كان فاسدًا، وينتهي عَمَّا كان يقع فيه من معصية الله، ويُصلِح ما بينه وبين الناس، إذن: يجري عملية صَقْل خاصة تُحوِّله إلى إنسان جديد يليق بهذا الموقف العظيم، ويكون أهْلًا لرؤية بيت الله والطواف به.

كذلك يتعلَّم الحاجُّ ما له وما عليه، ويتأدَّب بآداب الحج، فيعرف محظوراته وما يحرُم عليه، وأنه سوف يتنازل عن هِنْدامه وملابسه التي يزهو بها، ومكانته التي يفتخر بها بين الناس، وكيف أن الإحرام يُسوِّي بين الجميع.

وفي الحجِّ يتأدب الحاج مع الحيوان، فلا يصيده ولا يقتله، ومع النبات فلا يقطع شجرًا.

يتأدب حتى مع الجماد الذي يعتبره أَدْنى أجناس الكون، فيحرص على تقبيل الحجر الأسود، ويجتهد في الوصول إليه، فإنْ لم يستطِع أشار إليه بيده.

كذلك أنه يُذَكِّر الأمة كلها ليس الحجاج فقط بيوم القيامة؛ فهذه الحشود العظيمة وهذه الأعداد الغفيرة تُذَكِّر الناس بيوم الحشر العظيم وهذا المشهد المهيب حين يحشر الناس بين يدي ربهم عز وجل؛ فالشبه كبير بين الحج ويوم القيامة.

استحضار العبد لهذا المشهدالعظيم يدفعه إلى الطاعة والامتثال ثم الحساب، فلا يضيع لحظة من لحظات حياته ولأنفس من أنفاس عمره إلا في طاعة الله لعلمه أنه سيحاسب عليها.

إن معظم الفساد والإفساد والمعاصي والذنوب التي تحصل في الأرض؛ تحصل لأن الناس نسوا أن هناك يومًا اسمه يوم القيامة، أو أن هناك يومًا اسمه يوم الحساب، سيحاسب فيه كل واحد على كل عمل عمله في الدنيا، منذ أول لحظة من لحظات التكليف إلى لحظة الموت، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ (ص: 26)، لماذا ما هو سبب الضلال؟ ﴿بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ (ص: 26)؛ فنسيان يوم الحساب كارثة ومصيبة، ولو أن الناس تذكروه لحلوا كل مشاكل الأرض؛ لذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم مِن أول يوم نادى فيه بدعوته في مكة ذكر بهذا اليوم قال: «واللهِ لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن على ما تعملون، وإنها لجنة أبدًا، أو نار أبدًا».

فبالله عليك لو كنت تتذكر يوم الحساب فعلًا هل سيصير حالك هو حالك المعهود، أم أنك ستعيد النظر في ألف موقف مر بك؟ لا تتكلم بكلمة إلا في مراضيه، ولا ترفع قدمًا إلا فيما يرضيه؛ فالحج صدمة كبيرة تفيق الأمة كلها بسببه، وتوقظها من النوم وتذكرها بالذي نسيته كثيرًا، فلو أن واحدًا تذكر أنه سيحاسب هل سيرتشي؟ هل يتعدى ويظلم؟ هل سيسرق؟ هل سيختلس؟ هل سيغدر ويخون؟ هل سيتعدى على حقوق زوجته أو أولاده أو جيرانه أو أصحابه أو حتى الناس الذين لا يعرفهم؟ لا يفعل ذلك إذا كان عنده يقين بيوم الحساب، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾؛ فصلاح الأرض في تذكر يوم الحساب، بل صلاح العبادة كذلك بتذكر الآخرة والوقوف بين يدي الله.

يقول بكر المزني: إذا أردت أن تنفعك صلاتك فقل: لعلي لا أصلي غيرها .. لِمَ؟ لأنه يستحضر فيها ما لا يستحضر في غيرها مِن حُسن تدبر القرآن وحسن القيام والركوع والسجود والاجتهاد في الدعاء والذكر ما لا يستحضره في غيرها.

كذلك ترسيخ فكرة الأمة الواحدة عند المسلمين، فالحج مؤتمر إسلامي عالمي مهيب، يلتقي فيه المسلمون من كل أقطار الأرض، وهذا يزرع في المسلمين شعور الأمة الواحدة، وهذا بلا شك من أعظم منافع الحج، وبالذات في هذه الأزمان التي رأينا فيها التفكك الشديد بين المسلمين، نسأل الله عز وجل أن يوحد صفوف المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

كذلك الحج يربي الحجاج، ويربي الأمة كلها على اتباع أوامر الله عز وجل دونما جدل ولا اعتراض، فلا يشترط المؤمن معرفة الحكمة كي يتبع أمر الله عز وجل، لماذا الطواف؟ لماذا هو سبع مرات؟ لماذا تقبيل الحجر؟ لماذا الحلق؟ لماذا هيئة اللباس هكذا؟ لماذا الرمي بتسع وأربعين حصوة أو سبعين حصوة؟ فهذه تفاصيل قد لا تجد إجابة عن معظمها، المقصود فيها: أن تقول سمعنا وأطعنا، فالواجب عليك عندما تعود من الحج وكذلك بقية الأمة المؤمنة بالحج أن تتعلم أن تقول: سمعنا وأطعنا لكل أمر من أوامر الله سبحانه وتعالى، فإن قال لك: اترك الربا فقل: سمعًا وطاعة، وإن قال: اترك الرشوة فقل: سمعًا وطاعة، اترك الغيبة قل: سمعاً وطاعة، اترك الموالاة للكافر قل: سمعًا وطاعة، وهكذا مع كل أوامر الإسلام، ولو حملنا الأمة على تعظيم أوامر الله بالامتثال ونواهيه بالاجتناب في قلوب المسلمين فالحمد لله، هذه هي نجاة الدنيا ونجاة الآخرة .. نسأل الله أن يرد المسلمين إلى دينه ردًّا جميلًا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com