الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

جواب في الإيمان ونواقضه -5

جملة ما يناقض حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله أمور...

جواب في الإيمان ونواقضه -5
عبد المنعم الشحات
الاثنين ١٢ أكتوبر ٢٠١٥ - ١٤:٤٨ م
1401

جواب في الإيمان ونواقضه (5)

عبد المنعم الشحات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا

إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له

وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أما بعد ،،،

شرعنا في المرة السابقة في الإجابة على سؤال ما يخرج به المسلم عن الإسلام بحيث يصير مرتد .

يقول الشيخ البراك حفظه الله : جماعه ثلاثة أمور :

الأول ما يضاد الإقرار بالشهادتين وتقدم الكلام عليها .

والثاني : ما يناقض حقيقة الشهادتين .

وما يناقض الإقرار بأن يرفض لفظ الشهادتين ويرجع ، فالكافر ابتداءاً يرفضهم فيصير كافراً ، والمسلم إذا عاد فرفضهم صار بذلك مرتداً ، يصير مرتداً بأن يجحد الشهادتين أو إحداهما تكذيباً أو شكاً أو إباءاً واستكباراً .

الثاني : ما يناقض حقيقة الشهادتين ، بمعنى أنه يظل مقر باللفظ ـ لا إله إلا الله ـ ثم يجحد معناه أو بعض معانيه ، وهذا النوع الثاني قسمه إلى أنواع ، فابتداءاً هو يتكلم على ثلاثة أنواع من الردة ، ما يناقض الإقرار بالشهادتين هذا نوع

والثاني ما يناقض حقيقة الشهادتين ، بمعنى أن يكون الإنسان ما زال يقر بالشهادتين من حيث الإجمال ويناقض بعض التفاصيل مناقضة صريحة بأن يكذب أو يأبى أو يستكبر .

الثالث : ما يلزم منه لزوماً ظاهراً ويدل دلالة ظاهرة على عدم الإقرار بالشهادتين . 

النوع الثاني له تفصيل لثلاثة . ما يناقض حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله فهذا قسم ، وما يناقض حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله فهذا قسم ، وما يناقضهما معاً هذا قسم ثالث .

فعندنا ثلاثة لكن منهم نوع منقسم إلى ثلاثة .

فكنا نتكلم فيما يناقض حقيقة الشهادتين .

النوع الأول منه ما يناقض حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله وتقدم ذكره .

النوع الثاني من القسم الثاني ـ ما يناقض حقيقة الشهادتين ـ ما يناقض حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .

فإذا ناقض ذلك ولم يقر بأن الله أرسله إلى جميع الناس بالهدى ودين الحق وأنه خاتم النبيين وأنه الصادق المصدوق في كل ما أخبر به وأن هديه صلى الله عليه وسلم خير الهدي وأن الإيمان به وطاعته ومحبته واتباعه واجب على كل أحد كفر .

فإن لم يقر بذلك يكون كفر والعياذ بالله .

وجملة ما يناقض حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله أمور :

جحد رسالته صلى الله عليه وسلم ، وهنا وضع الجحد رغم أن هذا في الحقيقة ظاهر في جحد الإقرار ، لأن الإقرار وكأنه درجة مبدأية ، وكل ما قيل في جحد الإقرار ممكن يأتي معنا في جحد الحقيقة ، لأن شهادة لا إله إلا الله أو معانيها المعنى المجمل وهو ما سميناه الإقرار ، لكن لها تفصيل أكثر ، أو يتصور أحياناً وجود من يجمع بين الإقرار وبين نفيه في آن واحد ، يقع لأن ليس كل الناس عقلاء ، فالبعض أحياناً يسأل في مسائل الباطن ويطلب أن يفهم !! ، كيف وهم اختاروا لأنفسهم هذا ؟! ، وكذلك أيضاً في دروس النصارى دائماً في آخر الدرس يأتي من يطلب منا أن نفهمه !! ، وهو أصلاً شيء غير مفهوم ، نحن غاية ما هنالك أن نحكي ما قاله الناس ، وفي النهاية لابد أن يكون هناك نقاط تعارض وتضاد لأنه باطل .

ومن الأمور المضحكة المبكية في ذلك أن بولس مؤسس الديانة المنصرانية المحرفة في رسالته المدرجة عندهم فيما يسمونه بالكتاب المقدس الذي يعتبروها وحي من الروح القدس ، ففي رسالته إلى بعض أتباعه يعيب عليهم أنهم رضوا بنقاش الناس بالعقل ، فقال لهم أن هذا الدين قائم على نفي حكمة الحكماء وفهم الفهماء ، وأنه إذا قيل لكم إنا هذا غباء قولوا لهم أن غباء الله أفضل من حكمة البشر ، وإذا قيل لكم أن هذا جهل فقولوا لهم أن جهل الله أفضل من علم البشر .

فهذا رجل صريح مع نفسه ، فلا تحاول تفهم كلامه ، فهو لم يجعل كلامه فيه حكمة ،لكن غاية ما هنالك تقول ماذا قالوا هم . فلابد وأنت تسرد أقوال الباطل أن تجد نقاط تعارض أصحابها لم ينتبهوا لها أو انتبهوا لها وقالوا كما يقول بولس تعالى الله عما يقول علواً كبيرا ، فهو يقول أن كلام الله غباء ـ والعياذ بالله ـ لكن هو من عند الله ، وكيف هو من عند الله ؟ فهذا موضوع آخر ، فأنت مضطر أن تصدقه أنه من عند الله ، وبالتالي الذي تقوله أنت حكمة لكنها حكمة البشر ، فعنده في حد زعمه أن غباء الله أفضل من حكمة البشر . وهذا تجده في أشياء كثير عندهم .

فهنا نذكر من جملة النواقض التي ترجع إلى الحقيقة جحد رسالته صلى الله عليه وسلم أو تكذيبه أو الشك في صدقه ، وهذا في الواقع نقض للإقرار إما أنه تكرار باعتبار أن الإقرار هو أول معاني الشهادتين أو أنه من الممكن أن يوجد من يقول الشهادتين وينقض حتى هذا المعنى الإجمالي المباشر جداً .

من ذلك جحد ختمه للنبوة : وهذه موجوده فعلا عند القديانية والبهائية وغيرهم ، ومن قبل عند أتباع مدعي النبوة مثل مسيلمة الكذاب وغيره في أنهم يقولون بالفعل أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم يقولون ولكنه ليس خاتم النبيين ، فنقول إذا أقررت أنه رسول الله فهو أخبر بالدليل القاطع في القرآن الذي أوحى إليه ربه { ولكن رسول الله وخاتم النبيين } وفي الأحاديث المشهورة المستفضة بأنه خاتم النبيين ، فمن أقر بنبوة نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم يعود أمره إلى تكذيبه لمحمد صلى الله عليه وسلم ، فهذا كفر من باب أنه جحد لخبر النبي صلى الله عليه وسلم .

وكل ما يدرج تحت هذا الباب من حيث المبدأ يتصور فيه الجهل . وإذا تصور الجهل احتاج إلى إقامة حجة ، لكن تصور الجهل ليس معناه وجوده في كل زمان ومكان ، بمعنى أنه يتصور وجود مسلم يجهل وجوب الصلاة ، لكن ليس معنى تصور حدوث ذلك أن كل من جحد وجوب الصلاة نقول أنه معذور بجهله ، لأنه يتصور وجود من يجهل وهذا لا ينفي وجود من قامت عليه الحجة ، فهذه التفاصيل التي هي راجعة إلى حقيقة الشهادتين من أنكر شيئا منها أو وقع فيما ينقض شيئاً منها ، فإن تصور وجود جهل أو تأويل عنده احتاج الأمر إلى إقامة حجة قبل تكفيره ، وإن لم يتصور كفر من ساعته ، لكن مما هو متفق عليه بين أهل العلم أن الإقرار بنبوة نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم كفر بالإجماع ، وهذه من الأمور المشهورة المعلومة التي لا يكاد يتصور الجهل بها إلا فيما ندر ، فإن تصور احتاج الأمر إلى إقامة حجة ، وإقامة الحجة في كل مسألة بحسبها ، بمعنى أنه يوجد مسائل ظاهرة جداً لو تصورنا أنه لا يعلمها أحد فقد تكون إقامة الحجة هي تلاوة الآية عليه ، وهناك مسائل مثل مسائل بدع المعتزلة وغيرهم فيها أخذ ورد وشبهات قد يصل الأمر فيها أنه بعد المناظرة نمتنع عن تكفيرهم ونكل أمرهم إلى الله ، لكن من فهم منهم وجحد فهو كافر عند الله ، لكن بالنسبة لنا كما قال ابن تيمية لما ناظر المعتزلة قال : " لو أني قولت مقالتكم لكفرت ولكنكم عندي جهالاً " ، هذا بعد المناظرة ، لماذا ؟ لوجود شبهات عندهم لم يقدر بعد المناظرة أن يقول أنهم كابروا وعاندوا ويستحقوا أن نحكم عليهم ظاهراً بالكفر ، مع أنه من كان كذلك في الباطن فشأنه شأن من أظهر الإسلام ابتداءاً وهو كافر في الباطن ، فمما يدخل في النواقض هنا جحد ختمه للنبوة أو دعوى النبوة بعده صلى الله عليه وسلم ، فمن الممكن أن يقول قائل أنه ليس خاتم النبيين ولكن لم يأت إلى الآن نبي آخر ، فهذا كفر ، فلو قال أنه يتصور مجيء نبي آخر بعد محمد صلى الله عليه وسلم فهذا يكون في حد ذاته كفر .

الثاني : أن يدعي النبوة وهذه أغلظ ، أو أن يصدق مدعيها ، فهو لا يقول أنه خاتم النبيين فحسب بل يقول جاء بعده فلان أو فلان .

أو الشك في كذب المدعي ، بمعنى طالما أنه عندك يقين بالقرآن فلابد أن يكون يقين بختم النبوة ، فلما يدعي النبوة أحد نوقن بكذبه دون أن نسمعه أو نراه ، والشك في كونه قد يكون صادقاً يساوي الشك في خبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد يكون كاذباً ، أو في القرآن .

من ذلك أيضاً جحد عموم رسالته صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك اعتقاد أنه رسول للعرب خاصة ، أو دعوى ذلك ، أو أن اليهود والنصارى لا يجب عليهم اتباعه ، أو أن أحداً يسعه الخروج عن شريعته صلى الله عليه وسلم  كالفيلسوف أو العارف من الصوفية ونحو ذلك ، من أتى بالإقرار مقترن به هذا الأمر يكون كافر أصلي ، بمعنى أنه من قال أشهد أن لا إله إلا الله  محمد رسول الله فمن قبل أن نحكم بإسلامه إذا ضاف إليها أي قيد من هذه القيود يكون كافر أصلي ، ومن قال الشهادتين ويدخل في الإسلام ثم يذكر أي اعتقاد من هذه الاعتقادات يكون مرتد ، ولو ادعى أن ذلك كان اعتقاده منذ اللحظة الأولى لم تقبل دعوته ، رغم أنه قد يكون كذلك ، فنحن نجري كل الأمور على الظاهر والله عز وجل أعلم بالسرائر ، فلو أن يهودياً أو نصرانياً بل على الراجح كل الكفار ما عدا المرتدين تقبل منهم الجزية ،فلما ينطق الشهادتين ويدخل في الإسلام ثم يقول أن عقيدته أن النبي صلى الله عليه وسلم رسول إلى العرب خاصة ، مع أنه يظل على إسلامه فيما يظن ويقول أنه متبع ومازال مسلم ، فرأيه أنه مسلم لأنه عربي مثلاً ، نقول له أن هذه ردة والمرتد ليس أمامه إلا الرجوع في الإسلام أو القتل ، فإن ادعى وقال أنه كان هذه العقيدة قبل أن يسلم وبالتالي يريد أن يعود إلى سيرته الأولى لا يقبل منه ذلك .

ـ إذا كان كافراً وملته التي هو عليها ليس فيها الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فإذا أقر جعل ذلك منه إسلاماً ولم يستفسر فإذا ادعى بعد ذلك أن عقيدته أن محمد صلى الله عليه وسلم رسول إلى العرب خاصة صار ذلك ردة وإن ادعى أن ذلك كان عقيدته منذ اليوم الأول من إسلامه ، أما الكافر الذي ينكر وجود الله تعالى أوينكر وحدانيته ، ثم قال للمسلمين لا إله إلا الله ، فهذه علامة على انخلاعه من دينه ودخوله في الإسلام وهو يقر بأن لا إله إلا الله ولكن لا يقر بأن محمد رسول الله نعتبر هذه ردة ، لأن شهادة أن لا إله إلا الله بالنسبة له كانت انخلاع من دينه ودخول في الإسلام ولم يظهر وقتها التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم فصار مسلماً ، فإذا أظهر التكذيب عاملنا حكم التكذيب من وقت إظاهره ، وإن ادعى أن تكذيبه قديم .

نفس الأمر لو أن ملته التي عليها فيها أن محمد رسول الله ولكن ليس للناس كافة فهو انتقل من كفر إلى كفر ، ثم أتى يسلم نقول له أن دينك البهائي فيه الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فنحن لا نريد الشهادتين فقط بل والتبرأ من البهائية التي أبرز صور كفرها ادعاء وجود نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذن البهائي الذي لم يكن في يوم من الأيام مسلم يعامل أنه كافر أصلي غير البهائي الذي كان مسلماً إما بالنطق بالشهادتين أو ولد لأبوين مسلمين ، هذا الذي كان مسلم عند انتقاله للبهائية يكون مرتد ، أما البهائي الذي لم يكن مسلماً ولا ولد لأبوين مسلمين كأن يكون مثلاً نصرانياً ثم بهائياً فهو ما زال كافر أصلي ، هذا عند إسلامه نطلب منه النطق بالشهادتين وتضيف إليهم تحديداً أن محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين وتكفر بالبهائية ، وأيضاً البهائي إذا ارتد سنستتيبه ، يستتيب بأن ينطق الشهادتين ؟ كيف وهو ينطق وهو بهائي ، حتى البهائي المرتد الذي كان في يوم من الأيام مسلم لأنه نطق الشهادتين قبل ذلك دون أن يضيف إليهم عقيدة البهائية أو ولد لأبوين مسلمين ، فلما يكون بهائي يكون كافر مرتد ، وفي كلا الأحوال البهائي الذي يدخل في الإسلام لن يقبل منه مجرد الشهادتين ،بل لابد أن يضيف إليها الكفر بكل دين يخالف دين الإسلام ، بل يفضل التصريح بسبب كفره القديم ، فيصرح بأن محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، فهنا عندما نتكلم على أن من النواقض جحد عموم رسالته صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك فلو أن هناك كافر اصلي لم يدخل في الإسلم أصلاً وقال الشهادتين ومعها هذا الكلام يظل كافر أصلي لأنه ليس إسلاماً ، وظل حكمه أنه كافر أصلي . والذي كان لا يظهر شيء من ذلك وكان دينه الأصلي المعروف عنه لم يكن فيه الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونطق الشهادتين يعتبر ذلك منه إسلاماً ، فإذا أظهر بعد ذلك جحد عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو شيء من ذلك يكون مرتد ، وعند توبته يكون مثله مثل البهائي البهائي المرتد مثل الذي لم يكن مسلماً أصلاً ، فتوبتهم واحدة ، لكن لو لم يتب هنا فرق بينهم :

الكافر الأصلي إن كان يهودي أو نصراني تقبل منه الجزية بالإجماع

المرتد لا تقبل منه الجزية بالإجماع

الذي هو ليس يهودي ولا نصراني ولا مرتد فيه خلاف ، والراجح قبول الجزية منهم ، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ، وطبعاً مذهب الشافعي وأحمد مشهور فيه أن الجزية لا تأخذ إلا من أهل الكتاب .

على أي حال يبقى أن المرتد هو أسوء أنواع الكفار ، لأنه لا تؤخذ منه الجزية بالإجماع .

الذي ينطق الشهادتين ومعهم شيء كفري مثل هذا يظل كافر أصلي ، بمعنى أنه مع أول نطقه شهد أن لا إله إلا الله وأن ومحمد رسول الله ولكن إلى العرب خاصة ، حتى لو هو عربي وقال أنه سيدخل في الإسلام لأنه عربي لكن عقيدته أن النبي صلى الله عليه وسلم رسول إلى العرب خاصة يظل بذلك كافراً ولا يعد ذلك منه دخول في الإسلام ،

جحد عموم رسالته صلى الله عليه وسلم ومن ذلك أنه رسول للعرب خاصة ، وهذه دعوى أضطر بعد أهل الكتاب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى القول بها لأنهم لم يتمكنوا من تكذيبه ، فالكفار أنواع : فهناك كفار عندهم درجة من الوقاحة والفجاجة يقدر يدعي أي ادعاء ، وهناك كافر مثل الوليد ابن المغيرة فخجل من نفسه فهو يحترم سمعته فهو كافر ولكن لا يريد أن يقال عليه أنه لا يميز بين أقوال السحرة وبين القرآن ، فهو لم يريد أن يكذب احتراماً لخبراته ، فهناك بعض أهل الكتاب كما حدث مع اليهوديين اللذان لقيا النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف فقبلا يديه ورجليه وقالوا نشهد أنك رسول الله فقال : ( ما يمنعكما أن تتبعاني ) قالا : إن الله قد عهد إلى داوود أنه لا يزال من نسله نبي فنحن ننتظره ، قال : ( كذبتما عدوا الله ) فهؤلاء كفار أصليين ، فلو دخلوا في الإسلام ثم قالوا ذلك فيكونون مرتدين ، فقول أن النبي صلى الله عليه وسلم رسول إلى العرب خاصة كان قول موجود .

ومن ذلك أن اليهود والنصارى لا يجب عليهم اتباعه وهذا قول موجود الآن ، بمعنى أن النصارى على وجه الخصوص يتلونون بعدة ألوان ، فكان في وقت من الأوقات كان الفاتيكان ينشر تعريف بالإسلام في مجلته فكان يقول أن المسلمين يعبدون القمر على أساس أن الحروب الصليبية كان النصارى يتخذون شعار الصليب وأمامهم شعار المسلمين الهلال فقال أنهم يعبدون القمر ، فكان هذا الكلام يقال بأن المسلمين وثنيين يعبدون القمر حتى فتحت الدنيا على بعضها وأصبحت قرية صغيرة ، فاضطر يقول كلام آخر .

في وج الثورة العلمانية في أوروبا التي بلغت قمة تطرفها في الشيوعية كان الفاتيكان يغازل المسلمين ويستخدم لفظ أديان التوحيد الثلاثة ، وهذا جزء من العقيدة النصرانية المحرفة التي قادها بولس ، كما ذكرنا إن شاء الله سنفرد في دروس النصرانية وقت واسع لدراسة شخصية بولس لكي ندرك تماماً كيف حرف كتابهم ، فبولس يحكي عن نفسه فعلاً وقولاً . قولاً : في رسالته لأتباعه يقول لهم أنهم يظهر نفسه أمام اليهود بأنه يهودي ومع أتباع الشرعية بأنه متبع للشريعة ومع غير أتباع الشريعة بأنه غير متبع للشريعة إلى غير ذلك ، فهو رجل في غاية التلون ، وتم له في النهاية أن له غرض وحيد وهو أن الناس تؤمن بالمسيح ، كيف تؤمن به وعلى أي هيئة ؟ لم يكن هناك فرق عنده مطلقاً . بمعنى أنه المهم أن يكون صاحب دعوة عريضة ، وكان يقدم الدين لكل ناس بلغة ، وهو نفسه لم يقف موقف واضح وصريح في أي وقت ، بل لما أتى اليهود يحاكمونه وكان اليهود قسمين الكتبة والفريسيون ، فنادى في مجلس التحكيم على الفريسيين بأنه فريسي ابن فريسي فنجا من المحاكمة ، ولما صلبه الرومان قال إني روماني ، فلم تكن العقيدة عنده مهمة مطلقاً ، وهو متشرف في عقيدة النصارى إلى يومنا هذا ، وبالتالي لو أن المصلحلة في أ،هم يقولون أن دين المسلمين حق يقولون ذلك ، وقد قيل ذلك في مرحلة من المراحل والكنيسة الشرقية قالت ذلك في مرحة من المراحل ، ولكن لا يمكن أن يصل إلى درجة أنه يلزم النصارى اتباعهم ، فهو عنده أن يكذب الدين الإسلام إلى درجة أنه يقول أن دين الإسلام حق ولكن لا يلزم النصارى اتباعه .

لماذا لا يلزم النصارى اتباعه ؟

إما يقول أنه رسول إلى العرب خاصة ، وإن كان هذا تكتيك لا يستخدموه  في وقت ملئ الإسلام فيه الكرة الأرضية ودخلت شعوب كثيرة فيه  ، فلما يريدون تخفيف وطئة المواجهة مع الإسلام يقولون أن الإسلام حق ولكن النصارى عندهم ما هو أولى منه وما هو أفضل ، وإن سألتهم ما هو الأفضل ؟ يقولون كما قال بولس أن غباء الرب ـ والعياذ بالله ـ أفضل من حكمة البشر ، فهذا هو الأفضل ، فعند بولس قالها بصراحة أن غباء الرب أفضل من حكمة البشر وجهل الرب أفضل من علم البشر ، لكن النصارى لما يدافعون على استمرارهم على دينهم ويقول أن الإسلام حق ولكن في ذات الوقت يتمسك بدينه يقول أن النصارى اطلعوا على أسرار حكمة الرب بما يجعلهم لا يرضون بها بديل . هذه الحكمة كما ذكرنا أن بوليس يسميها ... وطبعاً بلا شك غباؤه هو وغباء أتباعه .

فهذا الكلام موجود وقائل ذلك كافر بالإجماع ، لو قال هذا حال كفره لا يعد ذلك منه دخول في الإسلام ، فالذي يدخل في الإسلام ثم يقول هذا بعد دخوله في الإسلام يكون مرتداً .

هنا يقول الشيخ : أن الذي يقول أن محمداً رسول إلى العرب خاصة أو يقول أن اليهود والنصارى لا يلزمهم اتباعه ، وهذا الكلام يكاد يصرح به دعاة حوار الأديان ، وهو كلام في غاية الخطورة ، فهو لا يصل إلى هذه التصريح ولكن في النهاية تجد الإعلان التي تلي هذه المؤتمرات أن على أصحاب الديانات السماوية أن يوجهوا جهودهم لدعوة الوثنين ، وبمفهوم المخالفة أنك لا تدعي اليهودي وولا النصارى ، واليهودي والنصراني لا يعدوك ، مع أن واقع الأمر أنهم يدعون المسلمين ، فهذا الكلام في غاية الخطورة ولو صرح به يكون كفر .

أما من جهة التطبيق لا عهد لهم ولا ذمة ، وبولس علمهم ذلك ، واليهود عندهم أصلاً أن كل الناس حمير شعب الله المختار أو كلاب شعب الله المختار ، فهذه مسألة مفروغ منها ، على الأقل عند النصارى فيما يتعلق في باب الانتصار لعقيدتهم يكون هذا ديدنهم ، والذي وضع لهم هذه العقيدة علمهم هذا ، علمهم أن يقولوا عند الرومان أنهم رومانيون وعند اليهود أنهم يهود ، ولو أن اليهود فرقتين فعند كل فرقة يقول أنه تابع للثانية ، فكل شيء عندهم سواء في العقيدة أو الشريعة قابل للتغير من أجل الحصول على المكاسب ، فما هي المكاسب إذن ؟ مكاسب رجل الدعوة وأن دعوته تنتشر ، ولكن بولس اختزل دعوته بأن يؤمن الناس بالمسيح على أي شكل كان ، وبالتالي اخترع لهم مسيح وثني لأنه يأس من أن اليهود يؤمنوا به ، فهو فشل في دعوته في أوساط اليهود ـ في فلسطين وفي المدن الأوروبية التي زارها ـ فهو لما زال المدن الأوروبية كان يزور المدن الأوروبية التي فيها تجمعات يهودية ، فكانت دعوته لليهود أولاً ولكنه فشل في دعوة اليهود ، وهو يصرح أن الرب أرسله لليهود ولكن إذا رفضوا هدية الرب فسوف يتوجه بها إلى الأمم الأخرى .

فالمقصود أن النصارى من الممكن يلجأوا لمسألة حوار الأديان في بعض الأحيان وممكن يقولون كلام ظاهره أن دين المسلمين حق ، ولكن خط الدفاع عندهم أن دين النصارى أفضل منه ، والأفضلية في السر الذي لا يدرك بالعقل بل يدرك بالغباء كما يقولون هم ، لكن على أية حال سيدعون ذلك ، وهذا الإدعاء قابل للنسخ والتحويل والتحريف طلقائياً عندما تتغير الظروف أو أثناء الظروف ، كما في حدث مؤخراً في أحد مؤتمرات حوار الأديان مع أن بلاد المسلمين بما في ذلك البلاد التي لم تشهد جهود تنصير قبل ذلك كالسعودية مثلاً تشهد الآن أن متنصرين يعلنون عن نفسهم ، ومؤخراً كان هناك شاب أعلن تنصره وتم القبض عليه ثم أفرج عنه قبل مؤتمر حوار الأديان بيوم ثم أعيد القبض عليه ثم أفرج عنه ثانية في الأيام الماضية ، فمؤتمر حوار الأديان الذي يقول نوجه جهودنا ضد الوثنين يحاول وجود التنصير في قلب شعوب ليس فيها نصارى مطلقاً بل ولم تعرف ذلك قط ، فجهود التنصير مستمرة على قدم وساق مع أن الكلام المعلن يفهم منه أن دين المسلمين حق كما أن دينهم حق أو أن دينهم أعلى شأناً منه .

ومن ذلك ممكن يقول أنه لا يقطع بدخول غير النصارى النار ، رغم أن هذا مخالف لكلام بولس الذي يؤكد على أنه كل من لم يدخل في ملكوت الرب سوف يحرق أو غير ذلك ، لكنهم كدعوة يقولون أنه لا ندري ما الذي منع الناس من الإيمان فلم نحكم عليهم ، فهذا نوع من أنواع المداهنة .

على أي حال نحن نتكلم هنا على ما يخرج به المسلم من الإسلام ، لو أن مسلماً أقر بشيء من ذلك أنه يسع أحد أن يقول أن ديانة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بالعرب أو عامة باستثناء اليهود والنصارى . فكل هذا من الكفر والعياذ بالله .

أيضاً مما يدخل في ذلك عقيدة أن أحداً يسعه الخروج عن شريعته صلى الله عليه وسلم كالفيلسوف أو العارف من الصوفية ونحوهما .

أقصد الصوفية القائلين تقسم الدين إلى حقيقة وشريعة أو القائلين بسقوط التكاليف ، فكل هذه الأقوال كفر .

وكما ذكرنا أن الأمور المذكورة في هذا الباب تحتمل الجهل بها . واحتمال الجهل بها ليس معناه أن كل الدنيا تجهل بها ، بل وارد أنه في بلد معين أو زمان معين يقال أن هذا من المعلوم من الدين بالضرورة وهنا يكون تصور الجهل نادر ، فالأصل أن الحجة قائمة على كل أحد والاستثناء وجود الجهل ، فإذا وجد هذا الجاهل لم يكفر حتى تقام عليه الحجة . وهذه كانت فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في الصوفية القائلين بسقوط التكاليف . قال : " هؤلاء أكفر من اليهود والنصارى ، لأن اليهود والنصارى يتعبدون بشرع منسوخ وهؤلاء لا يتعبدون بشرع أصلاً " ، ثم قال " ومع أنه لو تصور وجود أحد من المسلمين لم يبلغه قط خلاف ذلك لم يمكن تكفيره حتى تقام عليه الحجة وكنت كثيراً ما أستدل على هذا الأصل بحديث الرجل الذي ذرى نفسه "

إذن هذه الأمور لما نقول أنه يتصور فيها الجهل لا نقول أن كل الناس جاهلة بها ، بل قد يكون في بعض الازمنة والأمكنة مما صار في هذا المكان أنه معلوم من الدين بالضرورة ، فكل من تكلم بهذا الكلام يكفر من ساعته ، فإن كان يتصور أنه ليس معلوم من الدين بالضرورة في هذا الزمان أو في هذا المكان أو من كانت ظروفه مثل هذا الشخص فحينئذ لا يكفر حتى تقام عليه الحجة طالما أنه أقر بالشهادتين إجمالاً ، ومع أن هذه التفصيل من أهم معاني الشهادتين لكن يحتمل الجهل ، كما أقمنا عليه الحجة بإجمال الشهادتين فأقر بهما نقيم عليه الحجة لكل تفصيل من التفاصيل فإن أقر قبل وإن جحد كفر .

من ذلك تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم وعيبه في شخصه أو في هديه أو في سيرته :

الاستهزاء والسخرية لا يتصور فيهما الجهل ، لأن الاستهزاء ضده التعظيم ، وسواء علم المستهزء أن الاستهزاء كفر أو لم يعلم وسواء علم الساب أن السب كفر أم لم يعلم فهذه مسألة قطعية من الناحية العقلية وهي أن المستهزء غير معظم والساب غير معظم ، فهذا كفر .

يتصور الجهل في أبواب الاستهزاء والسب في الجهل اللغوي أو في الخطأ .

فجهل أنه يستهزء ثم يقول أنا لا أعرف أنه كفر . نقول له ليست القضية أن تعرف أنه كفر ، بل القضية أنه هل فعلت الكفر أم لا .

لما يأتي من يسجد سجود تحية ، فهو سجد لكن فعله هذا ليس فيه نقد للشهادتين طالما تصور أنه سجود تحية . حتى نبين له أن السجود في شريعتنا لا يكون إلا عبادة . فلو سجد سجود تحية من الوارد شرعاً وعقلاً أن يكون قلبه في محبه وخوف وتعظيم ورجاء لا ينقصه شيء إلا أنه ظن أن سجود التحية نوع من تعظيم العلماء المأذون به ، فيحتاج الأمر إلى إقامة حجة .

أما السب الذي لا يعلم أن السب كفر ، فهل أثر هذا الجهل في المسألة ؟ لم يؤثر ، لأن الثاب ينافي التعظيم ، فهو لما سب علمنا أنه غير معظم ، فانتفى التعظيم أي انتفى الإيمان .

إذن فهو كافر ، والعلم والجهل في هذا الباب لم يغير من الأمر شيء .

لكن لو قال أحد أنه يقرأ في كتاب بلغة أعجمية عنه وقرأ السب دون أن يدري أو أخطأ كما في حديث الرجل الذي قال اللهم انت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح ، هنا متصور لأنه إذا تصورنا أن هذه الكلمة خرجت خطأً فمعنى ذلك أن الرجل عنده الإقرار والتصديق وعنده الانقياد ، وهذه الكلمة إذا كان هناك قرينة على أنها خرجت خطأً فمن المتصور أن يكون قلبه في كل أركان الإيمان من التصديق والإقرار والإزعان والانقياد ، لكن لو لم يكن متصور وجود الخطأ فهي تساوي جحود أو إباء واستكبار وأي شيء من نقض أعمال القلوب ، فالسب والاستهزاء يتصور فيه الخطأ ولا يتصور فيه الجهل .

والجهل بمعنى اللفظ إن أدرجته في الجهل كان بها . فهذا النوع من الجهل إذا تُصور كمن يقول كلام في حق الله أو في حق رسوله صلى الله عليه وسلم ثم ادعى أنه لم يكن فاهم ننظر بأي لغة قاله مثل أن يكون عربي ويقرأ من كتاب أعجمي أو يقول أنه كان يحكي حكاية عن الكفار كأن يقول حكاية عن النصارى أن الله ثالث ثلاثة أو كما كنا نحكي عن بولس أنه قال أن غباء الرب أفضل من حكمة البشر فلو قال أناس أننا سمعنا فلان يقول ذلك ، فإذا ادعى أنه كان يحكي فهو وارد ، فالأمر قابل أن يسمع ، لكنه لو قال لم أكن أعرف أنه كفر فلا يؤثر ، فلو قال أنه كان يمزح ؟ لا يؤثر بل بالعكس لأن كونه يجرأ على أن يجعل الله تعالى أو رسوله  صلى الله عليه وسلم  أو شيئاً من الدين مادة للسخرية فهذا يناقض التعظيم ، فادعاء أنه كان يمزح يزيد الأمر سوءاً ، فهنا لما نقول أنه لا يتصور العذر بالجهل في هذه المسألة لأن الاستهزاء إذا تم من القاصد لا يكون إلا انتفاء للتعظيم فلا يكون إلا كفر ، لذلك شيخ الإسلام ابن تيميه في رده على اعتذار المنافقين الذين استهزأوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك { قالوا إنما كنا نخوض ونعلب } يقول شيخ الإسلام : " وذلك أنه لا يشترط في الكفر أن يقصد المرء إلى الكفر وقل من يقصد إليه " أو كما قال رحمه الله ، لأن هناك فرق بين من يقصد الفعل وبين من يقصد الكفر . فلما نقول أن العذر بالخطأ نعني أنه قبل أن نحكم بإنسان بمقتضى فعل ما فلابد أن نتأكد من أنه اختار ذلك الفعل ، فهذا ينافي الخطأ والإكراه ، فوارد لو أن واحد قال نفس هذا الكلام إكراهاً فهو قدح في اختياره ، ولو قاله خطأً كمن قال اللهم أنت عبدي وأنا ربك فهذا يقدح في اختياره ، أما لو قال هو عامداً فبذلك يكون اختار الفعل . وبهذا الفعل يريد أن يكفر كمن يريد أن يعلن أن هذا الدين لا يلائمه فهذا اختار الكفر وهذا بإجماع أهل القبلة حتى المرجئة يقولون عليه كافر . فلو أن واحد اختار الفعل فقصد إلى الفعل ولم يقصد إلى الكفر وإنما قصد إلى الفعل على وجه الاستهزاء ، نقول له أنك ما دام قصدت إلى الفعل وهذا الفعل مما يدل بمجرده على انتفاء التعظيم فهو كفر وإن لم تكن أنت قد قصدت به الكفر ، فهذا هو الفرق بين القصد إلى الفعل والقصد إلى الكفر ، فلا نشترط أبداً في باب التكفير القصد إلى الكفر ، حتى العلماء الذين يكفرون بترك الصلاة دائماً هناك سؤال مشهور يقال وهو هل يكفر عندكم من ترك الصلاة وهو يجهل أنها كفر ؟ نعم ، طالما قالوا أن ترك الصلاة كفر فيكون عندهم تارك الصلاة كافر وإن لم يعتقد ذلك ، لأنه عندهم أن الشرع جعل الصلاة شرط لقبول الإيمان ، فهذا على قول البعض ، وعلى القول الذي يميل إليه شيخ الإسلام ابن تيميه أنه في أحوال مخصوصة يكون ترك الصلاة كالاستهزاء تماماً يدل على زوال الانقياد ، فعلى كلا القولين يكون تارك الصلاة إما مطلقاً عند من يكفره مطلقاً فقد شرط قبول العمل ، وعلى مذهب ابن تيمية يكون أتى بفعل دلنا دلالة قاطعة على انخرام باطنة . فالذين يكفرون تارك الصلاة لم ينظرون إلى اعتقاده هو ، لأن اعتقاده هنا غير مؤثر ، لأنه إما أن تكون عندهم الصلاة شرط لقبول العمل وإما يكون عندهم ترك الصلاة في أحوال دليل على انخرام الباطن ، إذا علمنا انخرام الباطن ففيما يجدي أن نعرف اعتقاد الرجل في المسألة ، فالذي يسب لا يفرق كونه سب قاصداً ليظهر الكفر وبين كونه سب قاصداً لأن يمزح ، لأن فعل السب إذا وقع ممن قصد إلى الفعل يدل على انتفاء التعظيم .

إذن تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم أو عيبه في شخصه أو هديه أو سيرته فهذا من ابواب الردة التي دائماً يقال فيها لا عذر فيها بالجهل ، وفهمنا وجهه ، لأن الذي يفعل ذلك يفعله إما إظهاراً للكفر وهذا كافر بإجماع المسلمين حتى المرجئة ، وإما يفعل ذلك استهزاءاً وسخرية وهذا كافر عند أهل السنة بنص القرآن في شأن الذين استهزءوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وهو من حيث المعنى ظاهر من أن هذا الفعل لا ينشأ إلا ممن  عند من يزول من عنده التعظيم .

هناك أمر آخر : وهو أن هذا عليه عقوبة وهي القتل ، وهذه العقوبة تنال الذمي والمعاهد وتنال المسلم الذي يرتد وقتها ، فلما يفعل ذلك ينقلب إلى مرتد وعقوبته تكون القتل .

بعض العلماء استشكلوا في ذلك وقالوا أن الذمي والمعاهد أقررناهم على دينهم الذي مقتضاه أنه عندهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كاذب . فكيف نعود فنقول إذا سبوه انتقد عهدهم ؟

أولاً : الشرع فرق ، فأقر هؤلاء على الذمة ثم من سبه من هؤلاء أهدر دمه ككعب ابن الأشرف والمرأة اليهودية التي كانت تحت الرجل الأعمى فسبت النبي صلى الله عليه وسلم فقتلها . فنحن ندور مع الدليل حيث دار .

وأما من جهة المعنى : يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول : " وفرق بين السب المجرد الذي يقصد منه الإيذاء وبين الاعتقاد وإن كان يتضمن سباً " ، هذا سواء في حق الله تبارك وتعالى أو في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، بمعنى أن اليهود عقيدتهم في الله سب ، قالوا يد الله مغلولة ونسبوا إليه التعب والنصارى ينسبون إلى الله تعالى الصاحبة والولد وينسبون إليه أنه أهين بيد البشر ، كما في هذا العيد الذي يحتفلون به أنه صلب ووضع على رأسه تاج من الشوق وبصق على وجهه وضرب على قفاه ، فهل هناك أفحش من ذلك ؟! ، لكنهم يظنون ذلك لا يقصدون بذلك السب ، فالشرع فرق بين من انطوت عقيدته على السب وهو يراه ليس كذلك وبين من يظهر السب لله عز وجل سواء كان ذمي أو معاهد أو مسلم فيرتد بذلك ، وكذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم .

فهي كمسألة حكمية أنه يجب قتل من سب النبي صلى الله  عليه وسلم إذا وجدت القدرة ، فلو لم يكن هناك قدرة لا يبدل أحد الحكم ، كمثل البعض الذي إذا عجز عن شيء بدله ، بل إذا عجز يقول أنه عاجز ، ويترك الحكم كما هو ، فيجب قتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار وممن كان مسلماً ويرتد بذلك ، ومع أنه يدعى إلى الإسلام قبل القتل ، فإن قدرنا عليه نقول له أنك ستموت الآن فتب بينك وبين الله ، فإن قال أنا تبت نقول له أن هذا حد وهذا الحد لا يسقط بالتوبة ، وأما ما كان من عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن من سبه من الكفار أو منافقين مظهرين للإسلام فهذا حقه هو ، فهذا حق جعل لحقه صلى الله عليه وسلم مثل حق الفرية فهو حق للمقذوف فبوسعه أن يسقطه ، فحد الفرية ثمانين جلدة ، أما حد سب النبي صلى الله عليه وسلم القتل ، ولا يملك أحد إسقاطه إلا النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا يملك أحد حق إسقاطه ، فإن كان هناك قدرة ينفذ ، وإن لم يكن فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، أما أن يقال كما قال هذا الرجل الذي قول أن أفضل شيء لمواجهة من يسب النبي صلى الله عليه وسلم الصفح الجميل ، مع أنه من أحد الناس لساناً ومن أكثرهم فحشاً ولا يكاد يختلف مع أحد إلا تكون ألفاظه سوقية وعما قريب احتفلوا بعيد ميلاده في نادي إليونس ويجلس مع هؤلاء النساء الذين هم أشبه الناس بنسوة يوسف عليه السلام ويسألوه عن شيوخ الفضائيات فيقول هم " شوية سمكرية " ، وطبعاً الآن الفضائيات فيها كثير من المآخذ لكن هل هو يصحح الدعوة في وسط هؤلاء النسوة ؟! ، ولما سُب النبي صلى الله عليه وسلم كان رأي قرينه الآخر قال الصفح الجميل ، وأحدهم قال " ليس من المروءة نقض الأموات " فلما شعر الثاني بالحرج قال : " لا يقال ذلك بل يقال أن أفضل ما نواجه به هؤلاء هو الصفح الجميل " . فسبحان الله .

الحاصل أنه كحكم يجب قتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو قدر عليه يدعى إلى الإسلام سواء كان كافر أصلي أو كان مسلماً فارتد بسب النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن الجائز عقلاً وشرعاً أنه فعلاً يتوب وإلا فالذين سبوا النبي صلى الله عليه وسلم فعفا عنه منهم من تاب وحسنت توبته ، ولكن القضية هنا في وجود حد ، وبالتالي هو يدعى للتوبة وإذا تاب قتل حداً وإذا لم يتب قتل ردة .

من ذلك أيضاً : تكذيبه صلى الله عليه وسلم في شيء مما أخبر به من الغيب مما يتعلق بالله ويتعلق بالملائكة والكتب والرسل والمبدأ والمعاد والجنة والنار ، وهذا من أكثر الأبواب حاجة إلى التروي قبل إسقاط الحكم على معين . فهو فعلاً من جهة الحكم أن تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم كفر ولكن إذا كان كذب أحد شيء مما ثبت في السنة كحديث الذبابة مثلاً ننظر في كلامه هل كذب النبي صلى الله عليه وسلم أم تشكك في الواسطة ؟ ، كما أشرنا عند كلامنا على حجية السنة بأن هناك لفتة مهمة لابد أن نبينها قبل أن نخوض في تفاصيل أقوال المعتزلة وغيرهم والمدرسة العقلانية الحديثة والقديمة وهو الإجماع على أن من سمع بأذنه قول النبي صلى الله عليه وسلم فكذبه فهو كافر ، لأنه محتمل ضياح الحجة مثل أن نقول أن حجية السنة مسألة مقطوع بها ، لأن ذلك ينافي حقيقة شهادة أن محمد رسول الله ، وهذا مهم جداً في بناء ما يلي ذلك ، فيكون كلامنا كله محدود في الواسطة ، لأن بعض المعتزلة والعقلانيين لا يقدر أن يقول أنه لو سمع الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم فيسعه تكذيبه ولكن قد يفهم من كلامه ذلك ، فلابد أن تتضح هذه القضية ابتداءاً ، فالذي يتكلم بهذا لو قال أنه وإن وثق في الواسطة فهو مكذب لهذا الخبر فهذا يكون تكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم ، لكن معظمهم يتشكك في الواسطة .

فباطناً : الله أعلم بما في قلوب العباد ، يعني ممكن وجود واحد يقول من داخله يرى أن الواسطة يوثق بها وبالتالي وقع في نفسه العلم بأن هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم فلما أراد أن يكذبه أمام الناس فلم يجرأ أن يكذب النبي صلى الله عليه وسلم فكذب الواسطة فلنا الظاهر ، أنه إذا تشكك في الواسطة لم نكذبه ، فإذا كانت الواسطة مما قبلها أهل العلم قديماً وحديثاً فحينئذ يكون تبديعه لا سيما من باب لوازم هذه البدعة ، كأن نقول له كيف تصلي وكيف تصوم وهذه الواسطة التي نقلت بها العبادات ونقلت بها سائر الأخبار ، فلو أنه يسع تكذيب أحد الأحاديث لأثر على تكذيب الباقي ، ولكن على أيّ فالمسألة كحكم : تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم كفر وردة ، حتى نفهما جيداً بالمثال الواضح جداً الذي لا يحتمل جدل أنه من سمع الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم بأذنه فكذبه فهو كافر بالإجماع .

فما الفرق بين الذي يسمع بالواسطة وبين الذي يسمع بالأذن ؟

نقول هل عند تكذيبه وفق في نسبة الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم كذبه ؟ فيكون مثله مثل الذي سمع بأذنه ، فإن تشكك في الواسطة وإن كان الواسطة مما يوثق بها فلا نكفره ولكن يكون مبتدع ، وأما عند الله فهو أعلم بما في قلوب العباد . فلو أنه من داخله فعلاً أنه وثق بالواسطة ومن ثم فتكذيبه في واقع الأمر تكذيب بالنبي صلى الله عليه وسلم فهذا يكون شأنه شأن من أظهر لنا الإيمان ابتداءاً وهو لم يكن كذلك ، فدائماً لا يزعجنا تصور وجود منافق لأننا تصورنا وجوده أولاً ، فإذا تصورنا وجوده في النطق بالشهادتين فيتصور وجوده في كل المسائل ، بمعنى أنه لو أن مسألة ظهرت لنا تكون كفر ووارد تكون موجوده عند البعض يبطنها ، فهذه ليس في طاقة البشر أن ينقبوا عن قلوب العباد ولا كلفهم الله تبارك وتعالى بذلك ، ومن ثم فيكون لنا الظاهر في هذا .

فبهذا قلنا أن الشيخ تكلم في النواقض على ثلاث أقسام ، منهم قسم فصله إلى ثلاث أنواع فرعية : النوع الأول ما يناقض الإقرار بالشهادتين ، والنوع الثاني ما يناقض حقيقة الشهادتين وهذا مقسم إلى ثلاث أنواع فرعية : وهو ما يناقض شهادة أن لا إله إلا الله وما يناقض حقيقة شهادة أن محمد رسول الله . فيبقى لنا من النوع الثاني أو من القسم الثاني النوع الثالث منه وهو ما يناقض حقيقة الشهادتين معاً . ويبقى أيضاً القسم الثالث كاملاً وهو ما يلزم منه لوزما ظاهراً أو يدل الدلالة الظاهرة على عدم الإقرار بالشهادتين باطناً .

فيتبقى لنا نوع من أنواع القسم الثاني والقسم الثالث ،

نستكملهم في المرة القادمة بإذن الله تبارك وتعالى .

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إلا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

الولاء والبراء -12
1564 ٢٧ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -11
1705 ١٨ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -10
2032 ١١ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -9
2028 ٠٤ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -8
1666 ٢٨ ديسمبر ٢٠١٥
الولاء والبراء -7
1429 ٢١ ديسمبر ٢٠١٥