السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

عشرة أسباب تساعد على الصبر

اعلم أن للصبر أسبابًا تعين عليه وتقويه في النفوس

عشرة أسباب تساعد على الصبر
محمود قناوي
الخميس ١٥ أكتوبر ٢٠١٥ - ١٧:١٩ م
15386

عشرة أسباب تساعد على الصبر

كتبه/ محمود قناوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 200)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن النصر مع الصبر»؛ لاشك في أن الصبر من أقوى أسباب النصر والتمكين؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون﴾ (السجدة: 24) والصحابة رضوان الله عليهم كانوا يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم على الصبر في المعركة حتى الموت وعدم الفرار، قال النووي رحمه الله: «وفي رواية سلمة أنهم بايعوه يومئذٍ على الموت». (البخاري 2960، فتح الباري 6/117).

واعلم أخي: أنك لن تمكن حتى تبتلى وتصبر، فقد سُئِل الشافعي أَيُمَكَّن الإنسان أولًا أم يبتلى؟ فقال: لن يُمَكَّن حتى يبتلى، وقال الشاعر:

تريدين إدراك المعالي رخيصة *** ولابد دون الشهد من إبر النحل

فمِن سنة الله تعالى في عباده المؤمنين أنهم لم ولن يمكنوا إلا بعد الابتلاء وبذل الدماء وتناثر الأشلاء في سبيل رب الأرض والسماء، وصدق الشاعر:

نسي الناس طريق النصر *** حسبوه يأتي في يسر
أو مِن غير دماء تجري *** أين جهاد رسول الله
أنسيتم ياسر وخبيب *** أنسيتم عاصم وصهيب
أو من قتل بظهر الغيب *** وكذا الحمزة أسد الله

لذلك يجب عليك أن تتعلم الصبر؛ فإنما العلم بالتعلُّم، وكذلك يجب أن تتقن هذه العبادة القلبية.

واعلم أن للصبر أسبابًا تعين عليه وتقويه في النفوس، فإليك بعض الأسباب التي تعين على الصبر بإذن الله، والتي منها:

1- أن تتذكَّر أيها الصابر أجرك عند الله قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، وقال تعالى: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾؛ فكانت النتيجة ﴿فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ﴾ (آل عمران: 146- 148).

وذكر أبو المحاسن تغري في كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة أنه في سنة 560 هـ فتح الملك العادل نور الدين محمود زنكي بانياس عنوة، وكان معه أخوه نصر الدين، فأصابه سهم فأذهب عينه، فقال أخوه نور الدين: لو كشفت عما أعد لك من الأجر لتمنيت ذهاب الأخرى .. فحمد الله على ذلك.

وذكر المؤرخون أنه لما مثل بالمرأة البلجاء وقطعت يدها وأرجلها ما قالت حس وجعلت تعزي نفسها بالقرآن و تقول: ﴿وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ﴾، ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾، ثم قالت: «لئن كنت على بصيرة من أمري إن هذا لقليل في جنب ما أطلب مِن ثواب الله - ما تكلمت بغيرها حتى ماتت رحمها الله». (كتاب المحن لأبي العرب محمد 3/281).

فينبغي للعاقل ألا يحزن على أية بلية إن كانت في سبيل الله؛ كان صلة بن أشيم العدوي، زوج معاذة العدوية وهو مصري تابعي من كبار التابعين، قد قتل في بعض وقائع الهند هو وابنه، فجاء النساء إلى امرأته يعزينها فقالت: «إن كنتن جئتني تهنئنني وإلا فارجعن». (المحن 3/281).

وذكر أنه لما مات والد المعتمد واستقل بالملك قال ذو الوزارتين ابن زيدون يرثي المعتضد ويمدح المعتمد:

هو الدهر فاصبر للذي أحدث الدهر ** فمن شيم الأحرار في مثلها الصبر

ستصبر صبر اليأس أو صبر حسبه ** فلا تؤثر الوجه الذي معه الوزر

2- ومِن الأسباب المعينة على الصبر على البلاء أن تتذكر صبر الأنبياء والصحابة والتابعين والصالحين؛

قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.

ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح أروع الأمثلة في الصبر على البلاء من أجل الإسلام؛ فقد حوصر صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب ثلاث سنوات، وقتل أصحابه، وعذب أحبابه وهاجر أتباعه من بلادهم، وحاول الكفار والمنافقون واليهود قتله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، وسبوه وشتموه وآذوه وضربوه بالحجارة في الطائف، واتهمه المنافقون في عرضه، فصبر صلى الله عليه وسلم صبرًا جميلًا كما أمره الله عز وجل بذلك ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾.

هذا ما حدث لنبيك وكل الأنبياء والصالحين ابتلوا بلاءً شديدًا؛ ففي الأثر «أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل».

3- ومِن الأسباب المعينة على الصبر أن تشعر أيها المبتلى بمعية الله؛ قال الله تعالى: ﴿وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر؛ ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟».

قال الغزالي: «إذا رأيت الله يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد والبلوى؛ فاعلم أنك عزيز عنده، وأنك عنده بمكان، وأنه يسلك بك طريق أوليائه وأصفيائه وأنه يراك، أما تسمع قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾؟».

4- ومِن الأسباب المعينة على الصبر على البلاء أن تعلم أن الله سيجمع بينك وبين مَن ظلمك وسوف تقتص منه يوم القيامة؛ قال ابن العديم: قال محمد بن منصور البغدادي: «لما حبس الرشيد أبا العتاهية، جعل عليه عينًا له يأتيه بما يقول، فوجده يومًا قد كتب على الحائط:

أما والله إن الظلـــــــــم شــؤم *** ومازال المسيء هو المظلــوم

إلى ديان يوم الديـــن نمضي *** وعند الله تجتمع الخصــــوم

قال: فأخبر بذلك الرشيد، فبكى ودعا به فاستحله ووهب له ألف دينار».

وتذكر أيها المبتلى لسان الدين بن الخطيب عندما قدم للقتل ظلمًا فقال القصيدة المشهورة:

فقل للعدي ذهب ابن الخطيب وفات *** فسبــــــــــــحان مَن لا يفوت
فمَن كان يشمت منكم به *** فقل يشمت اليوم مَن لا يموت

5- ومِن الأسباب المعينة على الصبر على البلاء أن تتذكر أخي صبر الكفار على كفرهم والعياذ بالله؛ قال تعالى مخبرًا عنهم: ﴿وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ﴾؛ فأهل الكفر يصبرون في سبيل باطلهم، فحريٌّ بك أنت يا مسلم يا عبد الله أن تصبر في سبيل دين الحق.

هذا هو أحد أعضاء جماعة شهود يهوه الكافرة قبض عليه وضرب ضربًا شديدًا ليعترف على أصحابه، فلم يتكلم بكلمه إلا بهذه الكلمات: «المجد للرب في الأعالي وعلى الدنيا السلامة»؛ فيا عجبًا لصاحب باطل جلد صبور تسيل دماؤه من أجل كفره، وأعجب منه صاحب حق جبان حقير يسيل لعابه من أجل ظفره، وصدق من قال: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ . عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ . تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾.

ولاحظ كيف يتعب اليهودي والنصراني والوثني وكيف يتألم لصالح أمة الشيطان، وأنت لا تتعب ولا تتألم وأنت من أمة النبي العدنان، وترجو من الله ما لا يرجو أهل الطغيان ﴿إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجونَ﴾.

6- ومِن الأسباب المعينة على الصبر أن تعلم أن الفرج قريب؛ قال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾.

فالفرج قريب فلا تيأس:

ضاقت حتى إذا ما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج

وقال الشاعر:

إذا الحادثات بلغن النهى *** وكادت تذوب لهن المهج

وحل البلاء وقل العزاء *** فعند التناهي يكون الفرج

فالفرج قريب، فاصبر يا أخي:

يقينا سوف تُفرج يا يقين *** فمهلًا ريثما يأتي اليقين
ويُكشَف عن أبيك لباس خوف *** ويُكسى بعده أمنًا يزين
فقد قال النبي مقال صدق *** بلا حيفٍ ولا مَين يشين
بأن الكرب حيث أناخ ركبًا *** يكون رفيقَه فرجٌ قرين

والبلاء سينكشف فاصبر:

يا صاحب الهم إن الهم منفرج *** أبشر بخير فإن الفارج الله

وإذا بليت فثق بالله وارض به *** إن الذي يكشف البلوى هو الله

الله يجعل بعد العسر ميسرة *** لا تجزعن فإن الفارج الله

وصدق مَن قال:

اصبر قليلًا فبعد العُسر تيسير *** وكل أمر له وقت وتدبير

7- ومِن الأسباب المعينة على الصبر: أن تعلم أن كل بني آدم مبتلى؛ قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾.

هو الدهر لا يبقي على عائذ به *** فمَن شاء عيشًا يصطبر لنوائبه
فمَن لم يصب في نفسه فمصابه *** بفوت أمانيه وفقد حبائبه

فاحمد ربك على أن البلاء والمصيبة لم تكن في دينك؛ قال القاضي شريح: «إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات؛ أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو مِن الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني». (سير أعلام النبلاء 4/105).

ولما خلع المعتمد بن عباد عن مملكته بالأندلس وعلم أن المصيبة ليست في دينه قال:

الحمد لله على ما قضى *** ليس لمن يعقل إلا الرضى

8- ومِن الأمور المعينة على الصبر: أن يكون لك أخ صالح يُذَكِّرُكَ بالله، ويُخَفِّف عنك آلامك، فإنما المرء بإخوانه.

جاء في كتاب الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع في ترجمة الإمام الحافظ عمر بن علي الوادي آشي الشهير بابن الملقن ذلك العالم الذي صنف ثلاثة مائة مصنف، وكان عنده من الكتب ما لا يدخل تحت الحصر، فاحترقت كتبه فواساه أحد العلماء بهذه الأبيات:

لا يزعجنك ياسراج الدين أن ***  لعبت بكتبك ألسن النيران

لله قد قربتها فتقــــبلت *** والنار مسرعة إلى القربان

طلب الحجاج بن يوسف الزاهد إبراهيم التيمي، فلما أخذ إبراهيم التيمي أمر به إلى الحبس، فأدخل فيه، فإذا قوم يعلقون أيديهم إلى أعناقهم، فقال لهم إبراهيم: «يا أهل بلاء الله في نقماته، ويا أهل نعماء الله في بلائه؛ إن الله تبارك وتعالى رآكم أهلًا ليبلوكم فأروه أهلًا أن تصبروا، قال: فقالوا: والله لوددنا أنا كنا كذا حتى ينفخ في الصور ويموت إبليس».

9- ومِن الأمور المعينة على الصبر: أن ترضى بما قسم الله لك؛ فكل أمر رزقك الله به فهو خير لك، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ، وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ، إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ». (رواهُ مُسْلِمٌ).

فثِق بالله تعالى وارضَ بما قسم لك؛ فهو خير لك: جاء في كتاب (نفح الطيب) أن ابن سعيد وقفت على ذكر هذا الرئيس في كتاب تاج المعاجم، ووجدت صاحبه الشهاب القوصي قد قال: أخبرني بدمشق أنه قد كان عزم على السفر منها إلى مصر لأمر ضاق به صدره، فهتف به هاتف في النوم وأنشده:

يا أحمد اقنع بالذي أُعْطِيتَهُ *** إن كنت لا ترضى لنفسك ذلها
ودع التكاثر في الغنى لمعاشر *** أضحوا على جمع الدراهم ولها
واعلم بأن الله جل جلاله *** لم يخلق الدنيا لأجلك كلها

فانثنى عزمه عن الحركة، ثم بلغ ما أمله دون سفر.

10- ومِن الأمور المعينة على الصبر: تذكُّر الموت واستشعار حقارة هذه الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأنها سوف تنتهي وينتهي معها البلاء.

قال أحد السلف:

إن البلاء وإن طال الزمان به *** فالموت يقمعه أو سوف ينقطع

وقال آخر:

تَلَقَّ الأمور بصبر جميل *** وصدر رحيب وخل الحرج

وسلِّم لربك في حكمه *** فإما الممات وإما الفـــــــرج

أسأل الله عز وجل أن يرزقنا عبادة الصبر، وأن يجعلنا مِن الصابرين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة