السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

ما الذي يحدث في مصر؟ "رؤية من خارج الدائرة"

(أستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى) في تصوري أن هذه الأحزاب لو انفردت بالبرلمان فسوف تسعى للذهاب بمصر إلى حيث ترك بورقيبة تونس أو إلى حيث تركت الأحزاب العلمانية تركيا قبل أكثر من عقد من الزمان وربما إلى

ما الذي يحدث في مصر؟ "رؤية من خارج الدائرة"
د.محمد بن إبراهيم السعيدي
الجمعة ١٦ أكتوبر ٢٠١٥ - ١٦:٢٣ م
1881

ما الذي يحدث في مصر؟

"رؤية من خارج الدائرة"

كتبه/ د.محمد بن إبراهيم السعيدي

(أستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى)

"السبت" يبدأ السباق المصري بين الأحزاب المشاركة في انتخابات مجلس الشعب الأول منذ عزل الرئيس محمد مرسي، فيما يختلف المصريون في توصيفه ثورةً أو انقلابًا، وأيًّا ما كان التوصيف الصحيح فإن النظام الجديد مضى عليه ما يقارب العامين والنصف وأوسط ما يُمكن أن يُقَيَّم به أداءه طيلة تلك الفترة ما بين انتقالية ورسمية أن يقال عنه "مستقر"، بالرغم من المحاولات القوية لزعزعته على شتى الصُعُد السياسية الخارجية والداخلية أو الأمنية أو الاقتصادية، إلا أنه ومع كل ذلك استطاع الخروج بهذا التقييم الذي لا يُمكن أن يختلف فيه خصومه ومؤيدوه "نظام مستقر"، نعم يستطيع المؤيدون والخصوم أن يختلفوا في كونه نظامًا ناجحًا أو غير ناجح، وسوف يدلي كل فريق بحجج قوية ومشاهدة على الأرض، إلا أن الاستقرار يبقى النتيجة التي لا يمكن أن يختلفوا فيها إلا من باب المُكابرة والإغراق في الجدل.

يُشارك في انتخابات مجلس النواب سبعة أحزاب ليس من بينها حزب ذو خلفية دينية سوى حزب النور، أما البقية فهي أحزاب ليبرالية ويسارية وقومية، ويشترك الكثيرون ممن يناصرون تلك الأحزاب إعلاميًّا بعداوتهم الشديدة للتدين، وربما للدين ذاته إلا أن حساسية الحديث عن الدين في مجتمع متدين كالمجتمع المصري تجعل عداءهم للدين يأتي في صورة نقد للفهم السائد للدين ليُمَرروا من خلال كلامِهم العائم طرحَهم المُغرق في الليبرالية والعلمانية وكثير منهم له مواقف في منتهى السوء من التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية.

هذه الصورة المُزعجة لهذه الأحزاب تجعلنا نتخيل صورة البرلمان المصري لو انفرد بعضويته مرشحو هذه الأحزاب، الصورة التي تظهر أمامي مظلمة جدًا فيما يتعلق بالتشريعات البرلمانية المتعلقة بالقِيَم والحياة الاجتماعية الطبيعية، لاسيما في زمن تجرأ فيه جميع مؤسسات الأمم المتحدة بحرب شاملة على الأخلاق والآداب والأسرة والديانات، كما هو مظلم على مستوى السياسة الخارجية، حيث يُنتظر من كثير من المرشحين الميل إلى انكفاء مصر على ذاتها والبعد بها عن محيطها العربي والإسلامي وقضايا الأمة البالغة الأهمية والتي لا يمكن تصور أي تقدم فيها ما لم تكن مصر حاضرة فيه.

كما أن الخلفية الرأسمالية لبعض داعمي الأحزاب ربما تذهب بالسياسة الاقتصادية لمصر لتجعلها خادمًا لرجال الأعمال وساعيًا في مصلحة الإقطاع وأهله، إضافة إلى أن من هؤلاء الرأسماليين من هو متهم على مستوى بعض وسائل التعبير عن الرأي العام المصري بشراء المرشحين واستقطاب الولاءات.

في تصوري أن هذه الأحزاب لو انفردت بالبرلمان فسوف تسعى للذهاب بمصر إلى حيث ترك بورقيبة تونس أو إلى حيث تركت الأحزاب العلمانية تركيا قبل أكثر من عقد من الزمان وربما إلى أبعد من ذلك، خاصة وأن الدستور يعطي البرلمان من اختصاصات الولاية العامة ما ليس لبرلمان آخر مر على مصر.

والمقلق جدًّا هو قيام عدد من قادة الطرق الصوفية بدعم هذه الأحزاب، الأمر الذي ينذر بخطر كبير، فالصوفية لها رواجها بين المصريين مما قد يتسبب بنجاح مرشحين يؤمنون بالخرافة والجبرية المفزعة فيزجوا بمصر في غياهب الجهالة ودعم الخُرافيين ويوقعوها في سياسات داخلية وخارجية تبني علاقاتها لا على مصالحها بل على التبعية للدول التي تفهم الإسلام فهمًا خُرافيًّا كما هو الحال الفكري لشيخ الطريقة العزمية والذي سخر اهتمامه بالسياسة على تمجيد إيران والعداء للسلفية.

إذًا مَن بقي؟

الجواب في نظري أن الأمل في اثنين بعد توفيق الله عز وجل:

الأول: في المترشحين المستقلين، وهؤلاء يُشكلون في هذه الانتخابات قرابة ثُلثي المترشحين لكن لا يَعرِف أحدٌ كم ستكون نسبتهم في البرلمان، إذ إن انتخاب الناس لهم يعتمد على أمور من الشهرة وإمكانية الإعلان عن الذات، وهي أدوات لا تتوفر في الغالب للمرشح المستقل، أما الذين تتوفر لهم هذه الأدوات من المستقلين فهناك إشارات كثيرة لاستقطاب العديد منهم من قِبَل بعض الأحزاب المشاركة وغير المشاركة في الانتخابات، وآخرون مُستقطبون من قبل رجال أعمال مؤثرين في الحياة السياسية، وهذه الأمور وإن كانت لم تثبت قطعًا إلا أنها لم تنتف قطعًا أيضًا، مما يجعل الاعتماد صعبًا جدًّا على المرشحين المستقلين في درء المفاسد التي ينطوي عليها استئثار الأحزاب اليسارية والعلمانية والرأسمالية، إضافة إلى كون المستقلين يندر بينهم التوافق في أكثر القضايا العامة والتشريعية والمحاسبية.

الثاني: حزب النور، وتنحصر حقيقة المشكلة معه في اختلاف الكثيرين وإياه في اجتهاده، حيث وافق على خريطة الطريق وأيَّد استحقاقاتها الثلاث والتي آخرها المشاركة في الانتخابات البرلمانية.

وحين أقول تنحصر المشكلة معه في ذلك، لأن احتماء غضب الْمُنَظِّرين وقيادات العمل الإسلامي والمنضوين وراءهم من عزل الرئيس مرسي جعلهم يُبالغون في تصوير مشاركة الحزب فيَخْرُجُون بها عن حقيقتها في كونها اختلافًا في اجتهاد في تصور الواقع والتعامل معه إلى اتهام للقائمين على الحزب بالعمالة والفسوق وربما وصل الأمر بالبعض إلى التصريح أو التلميح بتكفيرهم بهذا الاجتهاد.

لكن الاختلاف مع الحزب في اجتهاده قبل عامين ونصف لا ينبغي أن يكون حائلًا دون تفهم دور الحزب اليوم، كما أن تفهم دوره اليوم لا يلزم منه التراجع عن الاختلاف معه في اجتهاده بالأمس، فالأمس له ظروفه وملابساته، واليوم له ظروفه وملابساته.

لكن العجيب أن كثيرًا من الإسلاميين المخالفين لاجتهاد الحزب في التعامل مع خريطة الطريق لا يصرون فقط على الموقف ذاته من الحزب في الانتخابات القادمة، بل يقفون موقفًا صلبًا في محاولة تشويه الحزب وتنحية الناس عنه عبر قنواتهم الفضائية ومقالاتهم ومحاضراتهم، في وقت متزامن مع الحملة العلمانية الشعواء على حزب النور والتي وصلت لرفع دعاوى قضائية لإغلاقه، وكأن هؤلاء الإسلاميين بتزامن حملاتهم مع الهجمة العلمانية لا يعلمون أنهم يقولون للناس: اتركوا البرلمان لليساريين والعلمانيين.

هؤلاء الإسلاميون الواقفون مع العلمانيين ومع مخرفي المتصوفة والشيعة في حملات تشويه الحزب ومحاولة إسقاطه لا يجهلون أن القائمين عليه أصحاب خلفية دينية وسطية دعوية نشأت منذ السبعينيات الميلادية وجذورها الفكرية غائرة في تاريخ مصر أبعد من ذلك، ولا يجهلون أنهم منذ قيام دعوتهم في الإسكندرية حققوا نجاحات عريضة في مجال دعوة الناس في طول مصر وعرضها بل إن عددًا من هؤلاء المصادفين لحزب النور هم من نتاج دعوة القائمين عليه ومتخرجون من حلقاتهم ومدارسهم.

ولا يجهلون أيضًا المكانة العلمية للقائمين على الحزب سواء أكانت الشرعية أم المهنية، فكثير منهم في الأولى لهم مؤلفات تُدَرَّس في الفقه والحديث والاعتقاد، وفي الثانية جلهم أو كلهم أساتذة في الطب والهندسة والقانون والاستراتيجيات واللغات والثقافات الأجنبية.

فمصادرة هذا التاريخ العلمي والعملي من أجل خلاف في اجتهاد هو من مظاهر الظلم، وأعظم من ذلك ظلمًا أن يُصَوَّر هذا الخلاف على أنه خيانة وعمالة ووقوف مع المحايدين للدين.

رجال وصلوا استئناف أو قارنوها ومنهم من تجاوزها وهم أتقياء أنقياء أهل دعوة وفضل وعلم وخير يُصَوَّرُون فجأة بأبشع الصور وكأنهم لم يقوموا داعين في سبيل الله وفي سبيل نشر المعتقد الصحيح سنوات عجاف كان العمل الدعوي فيها جريمة لا تغتفر، ومع ذلك ساروا بين الأشواك إلى أن حققوا ما تقر به أعين المؤمنين من نتائج في الإصلاح الديني والمجتمعي.

رجال بهذا التاريخ لماذا لا يتم الوقوف معهم في مصلحة محققة لا ينبغي أن يختلف عليها عاقلان وهي الدخول في البرلمان صاحب السلطة التشريعية الأولى في مصر وعدم تركها لتوجه واحد يعرف الجميع نهاية مراميه؟

تعمدت أن لا أناقش في هذا المقال اجتهاد حزب النور في الدخول في خريطة الطريق والذي تم تصويره على أنه مشاركة في الانقلاب وغير ذلك من التصويرات الخاطئة، لأنني أرى تجاوز هذا الخلاف في هذه الظروف وعدم إكثار الجدال فيه هو الأولى للطرفين، وأرى النظر للواقع وحاجة مصر إلى برلمان لا يسيطر عليه اتجاه واحد يسوق مصر إلى حيث يشاء هو الأهم الآن، وإن قلنا بعذر كلا الطرفين في اجتهاده بعد خلع الرئيس مرسي، فإنني لا أرى الأمر هنا محلًّا للخلاف.

وفَّق الله مصر وأهلها لما فيه خيرها وخير الأمة جمعاء.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com