الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

حزب النور .. مدرسة سياسية حديثة

كُلِّي ثقة بأن حزب النور سيخرج بنتائج نحسب لها حسابها بعيدًا عن أرقام الأصوات الانتخابية

حزب النور .. مدرسة سياسية حديثة
آدم الجماعي
الأحد ١٨ أكتوبر ٢٠١٥ - ١٠:٢٥ ص
1280

حزب النور .. مدرسة سياسية حديثة

كتبه/ آدم الجماعي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أوضاعنا في اليمن لن تلهي مثلي عن متابعة حزب النور في أدائه السياسي مع جولة انتخابية جديدة بعد الثورة المصرية وتحولاتها الخطيرة .. طالما ننتظر معها تحديث الفكر السياسي للحركة الإسلامية وتطوير أدائها أمام كل التجارب السياسية، والتي أثبت فيها "حزب النور" مدى اجتهاده الجاد في تقييمه لها، وتقديره لمعادلاتها، وهي مرحلة عصية استطاع أن يثبت بصلابة أمام الهجوم الكاسح على قياداته وقواعده، وواجهها بسمتٍ سياسي متزن، حتى لا تزل قدمه بعد ثبوتها.

*  *  *  *

قد خاض حزب النور جبهة العمل السياسي بتجربة سلفية مرنة، تكونت منها "مدرسة سياسية حديثة" نجح معها شعبويًا ووطنيًا، منفردًا ومتحالفًا، ونجح على المستوى السياسي عندما تجاوز الأزمة المصرية وتحولاتها الكبرى بعد عزل الرئيس مرسي -فرج الله كربه وكرب المسلمين-، ونجح في تطبيع العلاقة الحزبية والسياسية مع الدولة والكيانات الوطنية كحزب وطني له قاعدته النخبوية والجماهيرية، واستطاع أن يقدم برامجه وفعالياته بمستوى معقول من الوعي بمتطلبات المرحلة في جُل الاتجاهات.
بل يكفي أن حزب النور أفلح عندما لم يحشر الشعب في وجه الجيش بمصير مجهول خارج وظيفته الدينية والوطنية.

*  *  *  *

حزب النور يخوضها للمرة الثانية في انتخابات برلمانية بشكل أكثر دقة في الشعارات المرفوعة، والمنطق السياسي المصبوب على الرأي العام .. مستفيدًا من تجارب الآخرين والسِّنين.
وبدأ يصول ويجول بحركة أفقية واسعة في عمق الشعب المصري بعقلانية، وتلتف حوله تلك الحشود الشعبية بثقة .. ويتقدم في الساحة السياسية ليواجه معركتين:

الأولى: معركة كسر العظم:

تلك المعركة التي يمارسها تحالف أجنحة اليسار السياسي المتطرف بالتشويه المكثف بكل ما أوتي من آلات إعلامية ووسائل تظليل.

الثانية: معركة تدمير الجسور:

الدور الذي تمارسه أجنحة اليمين الإسلامي المخاصمة لحزب النور .. في محاولات مستميتة لسحب الثقة الشعبية عنه بين الشباب المحافظين، وإسقاط رمزيته ورموزه في ريادة العمل السياسي من الوسط الإسلامي. مع أن الخلاف الاجتهادي مع "النور" ما كان ينبغي أن يصل إلى حد التخذيل له أمام عتاولة العلمانية، وزبانية التغريب الفكري، في مجال يسعه أن ينافس فيه .. في حين أنهم قاطعوها بما لم يُجد سوى براءة الذمة! بينما "النور" اجتهد أن يأخذ بأسباب التدافع السياسي بالممكن والمتاح.

وأمام هاتين المعركتين ما زال حزب النور يراهن على وجوده السياسي وممانعة الفكر اليساري بعظام صلبة، وسيمد جسورًا جديدة إلى قلب الشعب بثقافته وخدماته وبرامجه الفاعلة.

*  *  *  *

لا مجال للتجديف لو قلنا بأن حزب النور أصبح يمثل الواجهة الإسلامية بمفرده، وصار المشروع المنافس في مصر بعد جمود وتعثر بعض الأحزاب الناشئة، وإعاقة البعض الآخر أو الإطاحة بها، أو إعلان المقاطعة .. لأية أسباب كان هذا قد نتفق معها أو نختلف، لكنا سنتابع باهتمام العضو المتحرك بالفعل السياسي بحجم قدراته وإمكانياته.
وكُلِّي ثقة بأن حزب النور سيخرج بنتائج نحسب لها حسابها بعيدًا عن أرقام الأصوات الانتخابية، وهي نتائج التجربة القابلة للتحديث بكسب المزيد من الثقة الوطنية ببقاء الدعوة فاعلة، وإيصال رسالة الهوية في الوقت الذي ينبغي أن تصل للرأي العام، وإصباغ الصورة المصرية عالميًّا باللون الإسلامي، واستغلال المساحة الإعلامية المفتوحة لطرح القضايا الإسلامية واستعادة هيبتها في وجدان المواطن العربي، والمحافظة على بقاء العامل الإسلامي مؤثرًا في العملية السياسية وفي صميم الإرادة الشعبية.

أيضًا لا تغيب عنا إيجابية إشراك الفصائل الوطنية بهمومها وآمالها وتطلعاتها من خلال القوائم الوطنية التي تخضع لضرورة الشراكة بالمصالح العامة.

*  *  *  *

في الأخير: سنتفق مع حزب النور أو نختلف معه، لأنه يخوض تجاربه باجتهاد سائغ، وسيجد نفسه أمام إشكاليات تتداخل فيها بعض مسائل الاعتقاد مع الفعل السياسي؛ لأن الواقع يخلق لها صورًا متعددة تتوارد عليها الاحتمالات ويبقى حُسن الاعتقاد وصدق النية.

وقد تتقاطع نظريات الفقه وقواعد الشريعة مع مجريات الأحداث ومتغيرات التطبيق، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
وشيخ الإسلام ابن تيمية يوازن بين صحة الفهم الذي يُوكل إلى أهل العلم، وبين الجانب العملي الذي يُرجّح فيه المعمول عند أهل الخبرة؛ لأنهم أدرى بما يصلح فيها، ويَعتذر لهم لو خالفوا أهل الفهم والعلم.

إن الاجتهاد في إيجاد الفعل واستكمال صورته في الواقع كالاجتهاد في الاستنباط والتصور الذهني له، والتطابق بين النظري والعملي صعبٌ في معترك العمل السياسي. والأسوة في هذا هم الخلفاء الراشدون. 
والله المستعان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة