الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

جواب في الإيمان ونواقضه -6

ما يناقض حقيقة الشهادتين جميعاً

جواب في الإيمان ونواقضه -6
عبد المنعم الشحات
الاثنين ١٩ أكتوبر ٢٠١٥ - ١٣:٥٩ م
1459

الشريط السادس

عبد المنعم الشحات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا

إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له

وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أما بعد ،،،

ما زلنا في الكلام عما ما يخرج به المسلم من الإسلام ، وقد ذكر الشيخ ثلاثة أمور :

الأول : ما يناقض الإقرار بالشهادتين

والثاني : ما يناقض حقيقة الشهادتين

والثالث : الأقوال والأفعال التي تدل أو يلزم منها لزوما ظاهراً عدم الإقرار بالشهادتين باطناً ولو كان مقراً ظاهراً .

والأمر الثاني وهو ما يناقض حقيقة لا إله إلا الله قسمه إلى ثلاثة مسائل فقسمه إلى :

ما يناقض حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله : وتقدم الكلام عليها

وما يناقض حقيقة أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم : وتقدم الكلام عليها

وبقي من هذا الأمر الثاني القسم الثالث وهو ما يناقض حقيقة الشهادتين جميعاً :

قال : ويشمل أموراً :

1ـ التكذيب أن القرآن من عند الله أو جحد سورة أو آية أو حرف منه ، أو القول بأنه مخلوق ، أو أنه ليس كلام الله .

فهنا ما يناقض حقيقة الشهادتين منه التكذيب بالقرآن ، لأن التكذيب بالقرآن قد يكون تكذيب الله تبارك وتعالى أو تكذيب بالرسول صلى الله عليه وسلم أنه أتى من عند الله ، أو جحد سورة أو آية أو حرف منها ، أو القول بأنه مخلوق ، لأن القول بأنه مخلوق ينافي القول بأنه كلام الله ، ولذلك قال ـ أو القول بأنه ليس كلام الله ـ وهنا نقول أو أنه مخلوق أو أنه ليس كلام الله ، والفتوى صوتية مفرغة ، ولعل الأدق حتى لا يكون هناك لبس " أو القول بأنه مخلوق " ، فالذي يدخل في النقض القول بأنه مخلوق وليس إنكار أنه مخلوق ،وهذا واضح جداً ، وإن كان السياق يقول أن التكذيب بأن القرآن من عند الله أو جحد سورة أو آية أو حرف منه أو أنه مخلوق ، فنقول او القول بأنه مخلوق ، أو القول بأنه ليس كلام الله أو القول بأنه ليس كلام الله .

طبعاً من الممكن أن يقول أنه ليس كلام الله ولا يقول أنه مخلوق ، وإن كان واقع الأمر الذي وجد أنه وجد بدعة المعتزلة القائلين بأن القرآن مخلوق .

وسبب المسألة أن المعتزلة ينفون الصفات ويثبتون أسماء كأنها أعلام أجميعة فيقولون أنه سميع لا بسمع وعليم لا بعلم ، يعني سميع عندهم ليست صيغة مبالغة من كلمة سمع ، بل هي علم أعجمي على ذات الله تبارك وتعالى ،لأنهم لا يثبتون الصفات ، ومنها بطبيعة الحال صفة الكلام بل هي من أشدها لأن نفاة وهم ينفوها بأحد اعتبارين :

اعتبار يشمل الصفات كلها وهي توهمهم أن إثبات الصفات يقتضي التشبيه ففروا منه إلى التعطيل ، فهم لا يفهمون من الكلام إلا كلام البشر ولا من الضحك إلا ضحك البشر ولا من الاستواء إلا استواء البشر ، وقالوا حيث أنه معلوم أن الله تعالى ليس كمثله شيء فلابد أن تنفى هذه الصفات وإن أثبتها الكتاب والسنة ، وأهل السنة يؤمنون بأن الكتاب والسنة يصدق بعضها بعض ، وأنه طالما أن الوحي جاء بأن الله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير إذن في القضية محسومة .

القضية أنه يمكن الجمع بين القول بأن الله ليس كمثله شيء وبين إثبات الصفات .

فهم عندهم اعتراض يتوجهون به على الصفات كلها وهي توهمهم أن الإثبات يقتضي التشبيه وهو يجب أن يفر منه إلى التعطيل ، فهناك أمر آخر خاص بالصفات التي تحدث آحادها مرة بعد مرة ،والتي اصطلح عليها العلماء بمصطلح صفات الفعل ، بأن الله تعالى يتكلم إذا شاء ،فالمعطلة يرون أن في هذه الصفات مشكلة أخرى فقالوا أن الله تبارك وتعالى له الكمال المطلق باتفاقنا واتفاقكم فإذا اكتسب شيئاً جديداً فلابد أن يكون كان قبل اكتساب هذا الشيء أنقص منه قبل أن كتسبه . فأهل السنة يجيبون على هذه الشبهة ويقولون أن الله تبارك وتعالى منذ الأزل موصوف بأنه يتكلم إذا شاء ، وكمال الكلام أنه يكون يتكلم إذا شاء ، فصفات الأفعال نقول عليها قديمة النوع حادثة الآحاد . حتى نرد على شبهة أن إثبات صفات الفعل الذي يقولون عليه المتكلمون أنه يلزم منه أننا بذلك نكون قد اعتقدنا أن الله تبارك وتعالى محلاً للحوادث ، فنقول لا بل هو منذ الأزل موصوف بكل صفاته ولكن هناك صفات لا تفارق ذاته أبداً وهناك صفات يفعلها إذا شاء ولا إشكال في هذه ولا تلك .

فأهل البدع عندهم في صفة الكلام مشكلتين :

أنها صفة فعل فهم عندهم مشكلة في الصفات ككل

ومشكلة خاصة أخرى في صفة الكلام .

فلما قيل لهم ما تقولون في القرآن ؟ أليس القرآن هو كلام الله ؟ مع أن المفترض أن الذي يفاجئ بشيء مثل هذا يراجع معتقداته ، لكن معظم أهل البدع يعالج الأمر بما هو أطم منه ، فأصروا على بدعتهم وقالوا القرآن كلام الله أي كلام خلقه الله وليس كلام تكلم به الله ، وقالوا أن الله تبارك وتعالى يخلق الكلام على لسان الرسول الملكي أو عندما كلم موسى عليه السلام خلق الكلام في الشجرة إلى غير ذلك مما قارب عقيدة النصارى .

وعندما نتكلم في دروس النصارى ذكر بعض الأخوة أنهم استدلوا عليه بكلام المتعزلة على أنه كلام جموع المسلمين وكان الأخ ليس مدركاً أن الكلام الذي احتجوا به كلام المعتزلة . فكان الكلام من النصارى أن المسلمين يقولون أن الله تعالى كلم موسى عليه السلام من الشجرة ، رغم أن المعتزلة لم تقل هذا كلنهم وجدوا فرصة في كلامهم ، المعتزلة قالوا أنه خلق كلاماً في الشجرة فقالوا جعلتم الإله تجسد في شجرة ونحن نقول الله تجسد في إنسان ، إلى غير ذلك من الكلام . لكن عموماً عقيدة النصارى أن الكلمة تجسدت ، أي أن كلمة الرب تحولت إلى مخلوق فهناك شبه كبير جداً بين عقيدة النصارى في مسألة أن الكلمة تجسدت وبين عقيدة المعتزلة الذين يقولون أن القرآن مخلوق .

القول بأن القرآن مخلوق من حيث النوع كفر ولكن كما قدمنا أن الشيخ الإسلام ابن تيمية لما ناظر المعتزلة قال لهم : " لو أني قلت مقالتكم لكفرت ولكنم عندي جهلاً " فإن المسائل التي يبقى العزل فيها بالجهل رغم وجود الحجج لكثرة منا وجد في المعتزلة من حجج منطقة وزخارف عقلية قد تسيطر على عقل الدارس له مع أنه كما قدمت أن الله تبارك وتعالى أعلم بما في قلوب العباد وأنه لو وجد أحد نشأ معتزلي ثم اطلع على كلام أهل السنة في مسألة عقدية كهذه تتعلق بكلام الله تبارك وتعالى ففهمها ومع ذلك أصر على منهج المعتزلة عناداً واستكباراً يكون كافر عند الله .

لكن عندنا نقول أن هذه المسألة مع الطرح الغامض الذي طرحه المعتزلة لها صارت مما يصعب أن تقول أن الحجة قامت على أحد . ونحن يستحل أن نفهم هل فهم أم لم يفهم إلا إن أخبر هو عن نفسه ، فالذي يقول أنه فهم وما زال مصر فتكون المسألة انتقلت إلى الاستكبار الصريح الواضح ، لكننا عموماً نقول الضابط عندنا في هذه المسألة أن تقام عليه الحجة وتبلغه الحجة بطريقة يفهمها مثله ، لأن الأحكام تجري على الظاهر ، والظاهر لنا بأن نقول بهذا يكون فهم فتكون قامت ، فيكون فهم بناء على معرفة بأحوال الناس ، أو نقول أنه وارد أنه لم يفهم بعد  فالحجة لم تقع .

فهذا نوع من أنواع النواقض التي تتعلق بالشهادتين جميعاً .

المثال الثاني الذي يذكره في هذا النوع من أنواع النواقض التي تعود إلى حقيقة الشهادتين جميعاً : تفضيل حكم القانون الوضعي على حكم الله ورسوله أو تسويته به أو تجويز الحكم به ولو مع تفضيل حكم الله ورسوله .

هذا مخلص فتوى الشيخ محمد ابن إبراهيم ، وهي الآن صار حولها شغب كثير ،والبعض حصر المسألة كما لو كان الشيخ محمد بن إبراهيم شذ وحده ، والبعض يحاول يثبت أن الشيخ محمد ابن إبراهيم تراجع وتكون بهذا المسألة انتهت .

فتوى الشيخ محمد ابن إبراهيم انتشرت لأنها فصلت وإلا فالكلام موجود في كلام العلماء قديماً وحديثاً وفي الكتاب والسنة ابتداءاً ، لكن هنا القضية في الكتاب والسنة وجود اتفاق على أن من يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ، ولكن يبقى الخلاف هل هو أكبر أم أصغر ، فلو قلت أدلة من القرآن يقولون أن الأدلة تحتاج نص في كونها أكبر أم هي أصغر . مع أن معظم من يتبنى القول بأنه كفر أصغر يصل في النهاية إلى المنع في الكلام في المسألة أصلاً ، وبعض أخواننا يكون كل غرضه أن يثبت أنها كفر أصغر ولو تسامحت معه وانتهيت لهذا تجد أن إنكار أي منكر يفعله من له وشبهة ولاية ولو من بعيد يعد هذا من باب الخروج ، فإذن أين الكفر الأصغر وأين بيان ذلك .

على أية حال الكلام ليس كلام الشيخ محمد ابن إبراهيم وحده ، بل الكلام ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما بأنه قال : " ليس بالكفر الذي تذهبون إليه ولكنه كفر دون كفر " وورد التفصيل في كلام أهل العلم قاطبة ، وهم لم يختلفوا معنا في مبدأ وجود تفصيل ،ولكن الخلاف في الحالات التي تجعلها أكبر والحالات التي تجعلها أصغر .

نقول عندنا إجماع نقله ابن كثير على أنه من فعل كفعل التتار وليس هذا في التتار حتى لا نأتي للتتار بمكفرات أخرى غير الياسق . فهو ذكر الياسق وقال من فعل أمر الياسق فهذا كفر بإجماع المسلمين .

إذن هناك إجماع على الإتيان بشريعة وإلزام الناس بها يكون كفر بإجماع المسلمين .

نقل هذا العلامة الشنقيطي والشيخ أحمد شاكر رحمهم الله أجمعين .

فهنا مسألة :

لو قلنا أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر إذا كان يدل على نقض ـ في الحالات التي فيها جحود أو لحالات التي فيها استحلال ـ يكون كون كفر أكبر وفيما سوى ذلك يكون كفر أصغر ؟

فسبق الكلام على هذا الأمر وقلنا : لو كان المراد الجحود أو الاستحلال أو غيرها فأي نقض لعمل القلب فالراجح عندنا أن كل الصور التي حكم الشرع بكفر فاعلها وخروجه من الملة فلابد أن يكون مستلزمة لنقض الإيمان الباطن ، كما قال تعالى  { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم } [النحل/106]

وإن أراد بالجحود التكذيب فقط قيل أن هناك كثير من صور الكفر ليست تكذيباً ، وإن أراد به أن ينسب الأمر إلى الشرع فقط ـ إبليس لم يكذب ولم يذكر أن الله استثناه من أمر السجود بل اقر بأمر الله وأقر بأن هذا هو الشرع وأبى واتهم الشرع بعدم الحكمة ، فقال لم أكن لأسجد لمن خلقت طيناً ، فاتهم أمر الله تعالى بعدم الحكمة ـ فالكفر لا ينحصر في التكذيب ولا ينحصر على الكذب على الشرع ، لا التكذيب به ولا الكذب عليه ، لأن بعضهم يقول لو أنه قال أن الشرع لم يكن فيه حد للزنا فيكون كافر كفر أكبر ولو قال أن الزنا مباح في الشرع يكون كفر أكبر ولو قال أن الزنا مباح في شريعته هو أو استحسن أن يحكم بين الناس بشريعة أو بقانون فيه أن الزنا مباح فهنا يقولون هو هنا لم يكذب بالشرع ولا كذب عليه بل أعرض عنه وفضل غيره عليه . نقول أن عندنا صور ما يشمل نقض الإيمان الباطن فهي كفر أكبر وما لا يشمله يكون كفر أصغر .

متى يتصور أنه لا يشمله ؟

الأول نتكلم على الفرق بين التشريع العام وبين القضية المعينة :

هنا كما يقولون عليه في الأصول الفرق بين الحكم والفتوى والحكم القضائي شبيه الفتوى .

الحكم الشرعي بأن نقول أن الزنا حرام وأن عقبوته الرجم إذا كان الزاني محصن والجلد إذا كان بكر وأنه يثبت الاعتراف أو بشهادة أربع شهود .

الفتوى : سائل يسأل

الحكم القضائي :واقعة معروضة على قاضي

الفتوى والحكم والقضائي يشتركان في أننا نتكلم على واقعة معينة ، هذه الواقعة المعينة يلزمها أن تتوصف من حيث الواقع ، وننظر للمتهم بالزنا هل هناك اعتراف أو عدمه ، ولو لم يكن اعتراف ننظر هل هناك أربع شهود أم لا ، فلو لو يكن فتكون التهمة غير ثابتة ، فلو ثبتت تكون هذه التهمة جريمة ثبتت وعقوبة الزنا الرجم وهكذا .

فهذا في تشريع عام وفي قضية معينة ، قضية معينة لا يعنى بها عدد ،لأن ابن القيم رحمه الله ذكر الكفر الأصغر في القضية المعينة فالبعض توهم أنه لو جار في قضية يكون كفر أصغر ولو زال الحكم يكون كفر أكبر ، بالأمر ليس كذلك .

ولكن هنا فرق بين التشريع العام وبين القضية المعينة التي هي فرق بين الحكم والشرعي والحكم القضائي في واقعة معينة .

فعند كلامنا على الحكم بما أنزل الله لابد أن نرجع لنفك الارتباط الزهني بالواقع المعاصر بوجود سلطة تشريعية وسلطة قضائية ، فالآن القاضي ليس أمامه إلا تنفيذ قانون لم يضعه هو ، ولكن هذا القانون من أين أتى ؟ ، لكن الكلام بصفة عامة أشمل ، ففي العرب مثلاً من يتحاكم إليهم تجدهم يخيروه بأن يحكموا فيه بالشرع أم بشريعة أولاد علي ، فهنا هو قاضي وعنده تشريعين ويختار ، وأحياناً لا يحكم إلا بالشرع والحمد لله ، وأحياناً لا يحكم إلا بشريعة أولاد علي أو غيرها .

فلو قلنا هنا مثلاً موضوع الزنا بأن يعرض الزاني على القاضي وهذه القاضي يكون ملتزم بالقانون الفرنسي بغض النظر عن من ألزمه به ، فيقول ما ثم تهمة بل هي حرية شخصية أو يراجع الحالات التي هي جرائم في القانون الفرنسي يجدها حالات محدودة وليس مطلق الزنا ، زنا المتزوج في فراش الزوجية وزنا المرءة المتزوجة إلا أن يكون برضا زوجها والزنا بمن دون الثمانية عشر عاماً ، فهذه هي الحالات المجرمة ، فعندما لا يجد هذا يقول ما ثم تهمة ، ويقول بمراجعة القانون الذي هو يلتزم به يقول ما ثم جريمة . وهناك من يقول أن الزنا جريمة تثبت بالاعتراف أو شهادة أربع شهود وعقوبتها الرجم أو الجلد ، ثم يحقق في الواقعة فيدعي أن الشهود غير عدول رغم أنهم عدول لأن له هوى في تبرءة المتهم فيقول أن الزنا عندنا جريمة ولكن هذا لم يثبت على هذا المتهم فيحكم ببراءته ، وقاضي يحكم عليه ويثبت عليه التهمة بثبوتها بشهادة الشهود العدول ويوقع عليه العقوبة أو يأمر بإلقاء العقوبة .

فالقاضي الأول حكم بغير ما أنزل الله

والثاني حكم بغير ما أنزل الله

والثالث هو الذي حكم بما أنزل الله د

ولكن ما زال هناك فرق بين الأول والثاني : فالأول بدل الشرع وأتى بتشريع يصادم هذا الشرع ، فهذا بعينه هو فعل التتار الذين حكموا بالياسق ، كما ذكرنا كلام ابن كثير رحمه الله لم يتكلم على حكم التتار كتتار بل هو تكلم على الياسق خاصة ، وقال بعد أن وصف شأن هذا الياسق قال : " وهذا كفر بإجماع المسلمين "

فهنا القضيه أنه من يأتي بشريع عام يعد من النواقض .

لعل في زمن العلامة محمد ابن إبراهيم بدأ الكلام في أن هذا لم يكذب على الشرع ولا كذب به ، فقال لهم الشيخ ست أنوا كفر أكبر ونوع كفر أصغر

وفي الست أنواع كفر أكبر كان يحاول الشيخ يستوعب الدوافع التي تدفع أحد إلى أن يشرع تشريعاً عاماً يخاف الشرع ، بمعنى أن الستة التي عند الشيخ محمد بن إبراهيم عائدة إلى التشريع العام أو التبديل ،فقال أن من أتى بشرع وقال أن الزنا مباح إما أن يقول أن الله تبارك وتعالى لم يحكم وليس له تشريع في أمر الدماء والأعراض وغيرها ومن ثم فالناس يمكنهم أن يشرعوا لأنفسهم ما شاءوا ، فهو جحد حكم الله في المسألة ، ويقول الشرع تركنا وشأننا فجعل هذا نوع ،

انتبه للست أنواع من الشرك الأكبر تجده يتكلم على من أتى بقانون نظري مخالف للشرع ، وهذا أقل من التشريع العالم ، فهو مجرد أن يدعوا ويعتمد أي قانون نظري مخالف للشرع ، وفي صورة الشرك الأصغر أتى من هو قانونه النظري موافق للشرع وعند التطبيق خالف لرشوة أو لهوى . 

فمثلاً كنموزج : من قال أن الزنا مباح أو في أي مسألة مثل هذه ، إما أن يقول أن الله تبارك وتعالى ليس له حكم في المسألة أصلاً وإما أن يقول نعم لله حكم وهو تحريم الزنا ولكن الدراسات وكذا وكذا أثبتت أن هذا أفضل .

فهو يرى أن حكم غير الله أحسن من حكم الله ، وهو أتى بحكم آخر يدعوا إلى تطبيه فضلاً أن يلزم به ، نقول له ما أتيت به له حكم في الشرع ؟ يقول لا يوجد ، فهذا نوع من الكفر لأنه جحد حكم الله المعلوم من الدين بالضرورة .

فإن قلت له لما عدلت عن حكم الله إلى هذا الحكم ؟ يقول لم أعدل بل لا يوجد حكم أصلاً .

فهذا نوع ، أما النوع الثاني : يقول أنه عدل عن حكم الله إلى حكم غيره لأن حكم الغير أفضل ، إذن هذا واضح أن هذا انتفى عنده الانقياد والتعظيم .

وهناك احتمال آخر بأن يقول أن حكم الله يحقق بعض المصالح وحكم الغير يحقق مصالح أخرى وأن كل أمة وظروفها . فهنا اعتبر أن حكم الغير مساوي لحكم الله .

وهناك احتمال آخر بأن يقول أن حكما لله أفضل وأحسن في كل زمان ومكان ولكن الله لم يلزمنا به فلو أن الناس ترى في أي مسألة شيء مخالف يأخذون به .

لا يمكن عقلاً تصور من يدعوا نظرياً إلى حكم في مسألة لله فيها حكم ولا يكون واحد مما سبق .

فهو إما أن يجحد حكم الله في المسألة

وإما يقول أن الحكم الجديد أفضل أو مساوي أو أقل ولكن يجوز الحكم به .

كل هؤلاء فعلوا شيء واحد وهو أنهم بدلوا الشرع ولو في مسألة واحد . بمعنى لو أنه حكم بالشرع في كل الأمور ولكن عند الزنا قالوا أنه مباح ولا يعاقب من يزني .

فهم بأي اعتبار كفر أكبر .

أضاف الشيخ محمد بن إبراهيم لهؤلاء الأربعة حالتين هم في الواقع ليسوا مستقلتين ، بل هو واحد من الأربعة ولكن لم يكن عنده قانون مكتوب ، لأنه قد ينصر ذهن القارئ للقانون المكتوب فقط ، بل هذا واحد من الأربعة ولكنه يحكم بقانون غير مكتوب .

قال الشيخ : السادس وهو أعظمها معاندة للشرع وهو الإلزام بذلك .

ففي واقع الأمر عندنا في حالة التبديل أحد أربع دوافع ، وقد يضاف إلى أي منها إلزام الناس بهذا الشرع المبدل .

بمعنى أن لو واحد مفكر كما يقولون يدعو إلى إباحة الزنا أو الخمر ولو تحت دعوى أنه لا يجب تعقب من يفعل ذلك وأنه يترك للتزام الناس ، فهذا يدعوا لأمر مناقض لحكم الله تبارك وتعالى ، ولكنه يمكن أن يلزم الناس بما زاد على ذلك فهذا أعظمها معاندة للشرع .

فحالة تبديل الشرع كفر أكبر بالإجماع ، وأما حالة وجود الشرع قائماً مع المخالفة أثناء التطبيق في قضية أو أكثر فهذا كفر أصغر .

في الواقع أن الشيخ الألباني رحمه الله يطرح صورة وإن كان معظم تلامذته تجاوزوا هذه الصورة :

فقال الشيخ الألباني : أن الحاكم الذي ورث شرعاً مبدلاً وإذا كلم في تطبيق الشرع وعد خيراً  ، يتضع أن هذه الصورة خاصة جداً وقبل أن نتكلم عليها لابد أن نتكلم على عموم الاحتمالات كلها ، وعلى أي فإن هذا الذي ذكره الشيخ الألباني قد يصلح أن يكون مانعاً من تكفير المعين إذا توهم أنه مكره ، وهو لو مكره فعلاً فلا إثم عليه ، أما توهم الإكراه فقد يكون من التكفير لاسيما مع وجود شبهات في المسألة ، وإذن كان يسع الشيخ الألباني أن يفرق هاهنا بين الحكم والفتوى ، أما في مسألة الكلام على الذي يحكم بغير ما أنزل الله يبين الحكم ثم يقال لا يطبق هذا الحكم على المعين لاسيما مع وجود شبهات وتلبيسات ومع وجود توهم الإكراه وغير ذلك إلا بعد إقامة الحجة وقد تحل المسالة .

وفي الواقع يقول الشيخ الألباني بذلك تقريباً ، وفتواه مشهورة في هذا الباب وهي التي قال فيها بتوصيف حال الحاكم الذي ورث شرعاً مبدلاً وقانواً مبدلاً ثم يعد خيراً بأنه كفر أصغر من حيث الحكم ، وكان الشيخ العثيمين علق ، والشيخ الألباني يرى أن الحكم بغير ما أنزل الله يكون كفر أكبر في حالة الاستحلال وكفر أصغر في غيره ، وكما ذكرنا أن كلمة الاستحلال لو حملناها على معناها الشامل أي نقض لعمل القلب سيدخل فيها المبدل جزماً ،وأما لو قصرت على أن يكون أن هذا يكذب على الشرع أو يكذبه فهنا يكون الإشكال .

وهذا كان كلام الشيخ الألباني وعقب عليه الشيخ ابن العثيمين رحمه الله بتعقيبين :

أحد هذين التعقيبين كان تعقيب والآخر كان تأييد .

فأما التعقيب : فقال الشيخ ابن عثمين اعترض على قيد الاستحلال ، لأن هذا دائماً نقوله في كفر المعاصي لا يكفر فاعلها إلا إذا استحله ، لأن فعل المعصية لا ينشأ إلى من ضعيف الإيمان ، لكن لا يكون فعل هذه المعصية دليل على نقض الإيمان .

أما كونها متى تتحول إلى دليل على النقض ؟ لو أنه استحلها .

لكن الأمور الكفرية التي حكم الشرع أنها كفر لا تحتاج إلى قيد الاستحلال ، لأنها في داخلها شرح الصدر بالكفر . وكل من يتجرأ على مناقضة معنى الشهادتين أو حقيقة الشهادتين فهذا يكون دليل على انخرام باطنه ، فبالتالي ذكر الاستحلال يكون تحصيل حاصل . ومع هذا لو كان تحصيل حاصل لا يكون الخلاف كبير ، لكن المشكلة من يقوله وهو يعني ما يقول ، بمعنى أننا لو قلنا أن المستهزء بالقرآن لا يكفر إلا إذا استحله ، فالذي يقول ذلك يفهم من كلامه إمكانية وجود مستهزء بالقرآن غير مستحل فلا يكفر . بينما لو حملنا الاستحلال على نقض عمل الباطن نقول لا يمكن أن يستهزء إلا إذا انخرم باطنه ، ولو وافقنا على ذلك يكون الخلاف صار لفظي وإن كنت عبارته ليست دقيقة , وهذا الذي كان بين الشيخ ابن عثيمين أنه اعترض على قيد الاستحلال .

قال : ومع ذلك فلا يتصور أن يبدل إلا إذا كان مستحلاً ، وكان الشيخ الألباني من باب التنزل في المناقشة مع المخالف فتكلم على ثمرة الكلام الكثير في تكفير الحكام ، فقال : لو أننا تسامحنا معهم وقلنا أنهم كفار ماذا انتم فاعلون بهذا الكلام وما المصلحة في ذلك . الشيخ العثيمين اعترض على قيد الاستحلال ثم دعم وبقوه كلام الشيخ ناصر في مسألة أن الكلام على المعين يجر إلى مفاسد ، ثم لما بلغ هذا الكلام الشيخ الألباني قال رحمه الله : " لا أجد كبير فرق بين ما قلت وما قاله الشيخ العثيمين " .

إذن نقول أن كلام الشيخ الألباني كان يحتاج إلى ضبط يسير في اللفظ وأنه وافق على المعنى لاسيما وهو كان دائماً يتكلم على نوع خاص جداً وهو من ورث شرعاً مبدلاً فوعد خيراً . فهو يتكلم على فتوى ونحن نتكلم على حكم ينطبق في كل العصور والأزمان ، فلابد أن نفرق بين الأكبر والأصغر وما نطبق على المعين نقول هذا الذي ورث شرعاً مبدلاً فوعد خيراً لماذا لم يفعل الخير الذي وعده ؟ يقول الظروف الضغوط فنقبل منه على الأقل أنه متوهم أنه مكره ، وهذا في حد ذاته يكون مانع من التكفير .

قلنا أن فتوى الشيخ البراك التي نتكلم عنها إجابة عن سؤال عن مسألة تكفير تارك جنس العمل التي كثر الكلام حولها ، فتكلم على تعريف الإيمان وتكلم على نواقض الإيمان ، وحسناً فعل أنه تكلم في النواقض على مسألة تحكيم القوانين لأنه من العجب العجاب أن بعض الناس يرى ويتشدد جداً في قضية تكفير تارك جنس العمل ثم يتساهل جداً في ترك الحكم بما أنزل الله ، رغم أن هذه ترك وهذه ترك ، فهذا يترك تكاسلاً فيما يبدوا لنا ويقول أنا لست متكاسلاً ، أما الذي يترك ويلزم الناس بالترك ويحرم عليهم الفعل .

فنحن هنا نتكلم في مسألة هل استحل أم لا ، فتجد أن الواقع تحريم الحكم بما أنزل الله بحيث يصير الحكم بما أنزل الله جريمة لأنه خالف ما ألزم به وإن كان مخالف لشرع الله تبارك وتعالى ، فتجد تناقض عجيب في طريقة معالجة القضايا ، وبعض هؤلاء الناس يقول أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض تعليقاً على أننا رحبنا بهذه الفتوى رغم أنها مخالفة لما نراه في مسألة تكفير تارك جنس العمل لأنها بينت حدود الخلاف السائغ وهذا ما نود أن نبينه لدرء الفتنة بين أهل السنة ، فيقول أنتم قلبتم كلامه في حدود الخلاف السائغ وغير الخلاف السائغ ثم تركتم كلامه في أنه يكفر تارك عمل الجوارح بالكلية ؟

نقول كل يؤخذ من قوله ويترك ، لكننا وجدنا أن في بيانه لحدود الخلاف السائغ أمر لو أنتبه إليه كل من يخوض في هذه القضية لدرءت الفتنة وعممت المسألة كسائر المسائل الخلافية ، ولسنا ملزمين بأن نقبل أحد كله وإلا نكون ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض ، فهذا ليس هو الكتاب ، وأهل السنة ليس لديهم إمام معصوم إما أن يقبلوا بكل آرائه وإما أن يقال لهم أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ، ولكن لو عكسنا المسألة وسألناهم أنتم الذي أخذتم من كلام الشيخ من مسألة تارك جنس العمل وأنه يرجح ذلك ثم تركتم ما بين من حدود الخلاف السائغ وغير السائغ ، رغم أن هذا من مذهبه بل هو يبين قول السلف ، فكان أولى بالاتباع أن تعرف أن المسألة خلافية بين العلماء ، ونقول أنتم تركتم قوله في قضية تحكيم القوانين .

نحن لا نلزمهم بقوله على نفس طريقتهم ، بل هذا يلزمهم هم لأنهم يرون أنك لابد أن تأخذ الكلام كله أو تتركه كله ، فلو بهذا كانوا أخذوا قضية الحكم غير أنه هذا يرد على أن بعضهم يسلك نفس المسلك ، إذا افتنع بقول وقد يكون هذا القول شاذ وقد يكون معتبر ، ولكن على أية حالة نسف كل ما عداه ، فهذا هو الواقع هنا أنهم يقولون أن الشيخ لم يقل ولو قال يكون ليس قصده ولو قصده فهو تراجع ولو لم يتراجع فإخوانه العلماء ردوا عليه !! ، بل أن الشيخ قال هذا الكلام ولم يتراجع وكان موافقاً لعلماء سبقوه إليه ووافقه بعده غيره منهم الشيخ البراك ومنهم الشيخ العثيمين رحمه الله ، فلا يحاولون أن ينسفوا القول من كتب أهل العلم ويمحوه بأيديهم ، بل يثبت الكلام لقائله ثم يبيبن ولن نقل له اتؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض ، بل نقول له هذا كلام أهل العلم بأدلتهم ، فإن كنت ترى كلام الشيخ ناصر بأدلته فدافع عن الأدلة ، إذا كان تراجع الشيخ ناصر هو الثابت فعلاً ومدون في حياته . فلو رجعنا لكلام السلف فيكون الكلام القائم الذي نتناقش فيه الآن ، والسلف تكلموا في الآية في وقت كان فيه نوع واحد فقط وهو الخلاف في القضايا المعينة بمعنى أن يكون الشريعة مطبقة والقاضي فاسق بأن يأخذ رشوة فيقول أنه لم يثبت عليه بالزنا وهو زاني ، أو الوالي من الأول يعرف أن هناك أناس تشرب الخمر ولم يتحرك وهذه أهون من أن يحكم ببراءتهم ، ولكن كان العلماء يدركونها من ضمن الحكم بغير ما أنزل الله التي اعتبروها من صور الكفر الأصغر بالحكم بغير ما أنزل الله وهو أن الحكام لم يتحركوا لإنكار بعض المنكرات لأنهم يعلمون أن الذي فعل ذلك جنودهم وحاشيتهم إلى غير ذلك ، فلم يكن غير هذه الصورة ، فلكي نقول هذه الصورة لابد أن ننظر إلى كلام العلماء التي وجدت هذه الصورة في عصرهم ، وكان هذا الكلام ابتداءاً في عصر التتار ، وكلام ابن تيمية وكلام ابن كثير وكلام المعاصرين الذين رأوا القوانين الوضعية بصورتها الفجة ، لو اتفقوا على كلمة فلو اتفقوا على كلمة يكون بها ونعة ، وإن اختلفوا فنوازن بين الأدلة ، ولا يكاد يوجد لدى المخالفين إلا كلام الشيخ الألباني وادعاء أن الشيخ محمد بن إبراهيم تراجع ، بينما أن الشيخ الألباني هو الموافق للشيخ العثيمين تصريحا على كلامه ، فالأولى نقرر أن الشيخ الألباني هو الذي تراجع ،وهناك بعض العلماء كلامهم يحتاج إلى ضبط كالشيخ ابن باز مثلاً وكلامه في نقض القومية العربي في غاية الوضوح موافق تماماً لكلام الشيخ محمد ابن إبراهيم ، وبعض فتاويه الأخيرة تحتاج لضبط ، فلو قلنا تراجع فرأيه مع الجماعة أحب إلينا من رأيه منفرداً .

لكن لو تراجع عالم يجعلون الدنيا كلها تراجعت !! ، مع أن كلام الشيخ ابن باز الأخير معظمه كلام صوته وهو شريط الله أعلم به فيه شد وجزب ونقضوا به كلامه المكتوب ، أيهما أصح المكتوب أم شريط كان في جلسة واضح أنها كانت في زيارة شخصية وحصل تجازب لأطراف الحديث ، ومعلوم أن المتكلم لما يكلم شخص يتكلم بفتوى وليس بحكم ، وهذا الأمر بعينه قاله الشيخ أحمد شاكر في أثر أبي مجلد لما بين أنه لما قال أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أصغر كان يتكلم في فتوى لأن السائلون من الخوارج وأتوا ليكفروا أمراء بني أمية فأصر على أنه كفر دون كفر .

فملا تنظر في حال السائل والمسأول تجد أن لنفس المسأول كلام قاله مبتدءاً ، فالكلام الذي قاله مبتدءاً أضبط إجابة للسؤال إن احتمل الأمر أن يكون حكم وفتوى وتفصيل ، فربما لم يقل هذا التفضيل لعلمه بفتنة ما أو لخوفه من فتنة ما قد يثيرها هذا السائل أو نحو ذلك .

ولو أننا من باب التنزل في المناقشة ، فمن الذي قال أن هناك أحد مهما علت منزلته يجب أن يكون الناس تبعاً له؟ ، من المعاصرين من يزال يفتي الناس بكلام الشيخ محمد ابن إبراهيم رحمه الله .

في الواقع الشيخ ذكر هذا الموضع عدة مرات ، فذكر هنا قضية تفضيل حكم القانون الوضعي على حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو تسويته أو تجويز الحكم به ولو مع تفضيل حكم الله ورسوله .

الحالة الثالثة : هو كأنه أراد أن يغلق الباب لأن البعض يظن أنها واحدة ، فقال تحريم ما أحل الله والرسول وتحليل ما حرم ، أو الطاعة في ذلك ، رغم أن هذه أحدى صور تحكيم القانون الوضعي ، نحن نقول أن تحكيم القوانين المخالفة للشريعة إما تبديل للقانون أو مخالفة عند التطبيق . التبديل له أحد أربعة دوافع :

منها :أن يقول أن الزنا مباح ، وعند سؤاله عن ذلك يقول أن الله ليس له شرع ، أو يقول هذا هو شرع الله . وهذين هما الكفر الأكبر فقط عند المخالفين بأنه يكذب بالشرع أو يكذب عليه وينسب عليه الحكم الذي أتى به . فهذه حالة مستقلة وسواء كانت على هيئة قانون أو غيره ، فتحكيم القوانين يدخل فيها ، بمعنى أنه يبدل ويكون دافعه للتبديل أن ينسب الحكم الجديد إلى الشرع .

ــ نحن قلنا أن الشيخ قال النواقض ثلاث أنواع وقسم النوع الثاني إلى ثلاثة ونحن الآن في القسم الثالث من النوع الثاني ـ والنوع الثالث هو ما يلزم منه لزوماً ظاهراً أو يدل دلالة ظاهرة على عدم الإقرار بالشهادتين باطناً ولو أقر بهما ظاهراً ، فهذا ما لم نأخذه ولكن سنأخذ منه المثال الثاني منه ـ المثال الثاني من النوع الثالث ـ والشيخ يقول فيه : أن يضع الوالي قانوناً يتضمن أحكاماً يناقض أحكام قطعية من أحكام الشريعة معلومة من دين الإسلام بالضرورة ويفرض الحكم به والتحاكم إليه ويعاقب من عاقب بحكم الشريعة المخالف له ويدعي مع ذلك الإقرار بوجوب الحكم بالشريعة شريعة الإسلام التي هي حكم الله ورسوله .

فهنا قال حالات : وهي : أنه يقول على القانون الوضعي هو أحسن أو مساوي أو جائز الحكم به ، فهنا أتى بالصورة التي أظرها عناداً وجعلها فيما يدل دلالة قاطعة لأن معها إقرار ظاهري ، وهو وضعها في النوع الثالث لأن معها إقرار ظاهري بلسانه أن حكم الله أفضل وأحسن وأولى وهو اللازم ، أتقول هو اللازم ثم تقول أنه يجب على الناس أن يلتزموا غيره ومن فعله عوقب ؟!!  فهذا فعل ظاهر معه إقرار باللسان مقبول لكن الفعل نفسه ينافي هذا الإقرار تمامًا فيدل دلالة قاطعة على انخرام الباطن .

قلنا في هذه الحالات نتصور الإكراه أو نتصور دعوى الإكراه ، فلو أنه إكراه لا ذنب على فاعله ، أما دعوى الإكراه في غير محلها فكما نقول الجهل مع أنه يمكن أن يتعلم نعاقبه على الجهل وليس على الكفر ، ولما نعلمه ويصر فيكون ذنبه صار الكفر ، فهذا الظن بأنه مكره دون أن يتعلم أحكام الإكراه أو نحو ذلك فيكون بذلك عذر مانع من التكفير ، ولكن لا يمنع من مطلق العقوبة ، وأمور الكفر الأكبر التي يعذر فيها بالجهل صارت من حيث الأحكام تكافئ الكفر الأصغر وبالتالي لا بأس ، وإن كان أحياناً هذا يسبب قدر من اللبس فالأولى تجنبه ، لأن في بعض الأحوال يقولون على  الحالة أنها كفر أكبر وفي حق فلان كفر أصغر ، فهذا لأنه مقصر ولكنه لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها ، فيصير الأمر بالنسبة إليه كفر كالكفر الأصغر بل هو كفر أصغر .

إذن هذا بالنسبة لهذه المسألة .

فنحن تقريباً أتينا بالأمثلة التي ذكرها على القسم الثالث من النوع الثاني من ما يكفر به المسلم .

ووضع موضوع تحريم ما أحل الله وموضوع تحكيم القانون الوضعي فيما يناقض الشهادتين لأنه في الواقع له تعلق بالشهادتين ، له تعلق بالإلهية ـ شهادة أن لا إله إلا الله ـ بأنواع التوحيد الثلاثة :

الربوبية : لأن من معاني الرب السيد الآمر الناهي الذي له حق الطاعة

الإلهية : لأن من معاني الطاعة التحاكم إلى المطاع

الأسماء والصفات : لأن من مقتضيات اعتقادنا أن الله عليم حكيم أن نتحاكم إلى شرعه .

المخالف إما يخل بالكل أو ببعضهم ، فيكون مسألة تحريم ما أحل الله أو تفضل حكم القانون الوضع تتعلق بشهادة أن لا إله إلا الله باعتبارات أنواع التوحيد الثلاثة ، تتعلق بشهادة أن محمد رسول الله لأن هذا الشرع جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله وأمر تحكيمه وأمر بالامتثال إليه .

هنا في آخر هذا الكلام على النوع الثاني وهي الأمور التي تنافي حقيقة الشهادتين ، تكلم على العذر بالجهل لأن النوع الأول الذي يتكلم على الإقرار بالشهادتين يكون هذا الإقرار الإجمالي ، فهناك عذر بالجهل لكن قبل دخول في الإسلام يكون كافر معذور إن لم تبلغه الشهادتين فإذا بلغته صار كافر غير معذور إلا أن يدخل في الإسلام ، لكن قضية العذر بالجهل التي فيها أخذ ورد المسلم الذي يجعل بعض مقتضيات لا إله إلا الله ، فهنا يطول الكلام على العذر بالجهل ، فتكلم على أن بعض هذه الأمور الراجعة إلى حقيقة الشهادتين يتصور فيها الجهل وفيها ما لا يتصور ، لعلنا نزد هذا الأمر توضيحاً المرة القادمة

سبحان اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

 

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

الولاء والبراء -12
1566 ٢٧ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -11
1707 ١٨ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -10
2034 ١١ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -9
2036 ٠٤ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -8
1669 ٢٨ ديسمبر ٢٠١٥
الولاء والبراء -7
1429 ٢١ ديسمبر ٢٠١٥