الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفية -4

السلفية والمذاهب الأربعة

السلفية -4
عادل نصر
الاثنين ٠٢ نوفمبر ٢٠١٥ - ١٢:٢٩ م
1229

السلفية (4)

كتبه/ عادل نصر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

السلفية والمذاهب الأربعة

وإذا كانت السلفية المباركة تعظم اتباع الدليل مِن الكتاب والسنة، وترد كل قول يخالف نصوص الوحيين؛ فإن هذا لا يعني أنها ‏تمنع التقليد مطلقًا -كما يتصور البعض- أو تمنع الاستفادة مِن اجتهادات أهل العلم لا سيما الأئمة الأربعة.

إن الأمر بخلاف ذلك، فإن السلفي الحق هو الذي يُجلّ أهل العلم وينزلهم منازلهم اللائقة بهم والتي أنزلهم الله إياها في كتابه‏، وبخاصة علماء السلف أهل الفقه والنظر والخبر والأثر.

فإننا نفهم نصوص الوحيين بفهمهم، ونتفقَّه على مذاهبهم، ونستفيد مِن اجتهاداتهم، ونرد ما أشكل علينا إليهم، بيد أننا لا ‏نتعصب لأحد منهم؛ لأنهم بشر يصيبون ويخطئون، فما أصابوا فيه قبلناه، وما أخطئوا فيه رددناه مع إثبات الأجر لهم على كل ‏حال؛ في الصواب لهم أجران، وفي الخطأ لهم أجر، مع الحذر الشديد مِن الطعن فيهم أو التنقيص مِن شأنهم؛ إذ لحوم العلماء ‏مسمومة، وعادة الله في هتك أستار آكليها معلومة، ومعلوم أن خطأهم مغمور في بحور علمهم، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل ‏الخبث.

وموقفنا هذا إنما هو تنفيذ لوصاياهم التي ذكرناها من قبل، ونود أن ننبه هنا أن موقف السلفية مِن التقليد وسط؛ فالعالم ‏القادر على الاستدلال وفهم الأدلة ينبغي له أن لا يقلد أحدًا، بل يتبع الحق بدليله، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وَأَمَّا مِثْلُ ‏مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَسُفْيَانَ، وَمِثْلُ إسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه وَأَبِي عُبَيْدٍ؛ فَقَدْ نَصَّ –يَعْنِي الإِمَام أَحْمَد- فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ‏لِلْعَالِمِ الْقَادِرِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ أَنْ يُقَلِّدَهُمْ .. وَيَنْهَى الْعُلَمَاءَ مِنْ أَصْحَابِهِ كَأَبِي دَاوُد وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ وَإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ، وَأَبِي ‏بَكْرٍ الْأَثْرَمِ وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ السجستاني وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمْ: أَنْ يُقَلِّدُوا أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَيَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْأَصْلِ ‏بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ".

وأما إن عجز في مسألة أو أكثر فإنه يقلد أهل العلم، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "فَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ‏التَّقْلِيدُ؟ هَذَا فِيهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ حَيْثُ عَجَزَ عَنْ الِاجْتِهَادِ: إمَّا لِتَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ وَإِمَّا لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ الِاجْتِهَادِ وَإِمَّا ‏لِعَدَمِ ظُهُورِ دَلِيلٍ لَهُ؛ فَإِنَّهُ حَيْثُ عَجَزَ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ مَا عَجَزَ عَنْهُ وَانْتَقَلَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ التَّقْلِيدُ".

ويقول أيضًا: "وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَقَدْ اتَّبَعَ فِيهَا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّ ‏قَوْلَ غَيْرِهِ أَرْجَحُ مِنْ قَوْلِهِ فَهُوَ مَحْمُودٌ يُثَابُ لَا يُذَمُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُعَاقَبُ".

أما العاجز أو ما يعرف بالعامي وهو كل مَن لم يتأهل لاستنباط الأحكام مِن أدلتها، فهذا سبيله سؤال أهل الذكر وتقليد العلماء؛ ‏إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وَمَتَى أَمْكَنَ فِي الْحَوَادِثِ الْمُشْكِلَةِ مُعَرَّفَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ‏الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَانَ هُوَ الْوَاجِبُ؛ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ عَجْزِ الطَّالِبِ أَوْ تَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ ‏يُقَلِّدَ مَنْ يَرْتَضِي عِلْمَهُ وَدِينَهُ".

ويقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله: "أما التقليد الجائز الذي لا يكاد يخالف فيه أحد من المسلمين فهو تقليد العامي عالمًا ‏أهلًا للفتيا في نازلة نزلت به".

ولكنه إذا ظهر له دليل يخالف قول عالمه ينبغي عليه الرجوع إلى القول الصواب مِن غير تعصب لشيخه أو إمامه، يقول ‏الأصفهاني: "وظيفة الجاهل بمعاني الكتاب والسنة إذا نزلت عليه النازلة، أن يفزع إلى العالم بالكتاب والسنة، فيسأله عن حكم ‏الله تعالى ورسوله في هذه النازلة، فإذا أخبره عالم بحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم‏ في هذه النازلة، يعمل بما أخبره متبعًا لكتاب الله ‏وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‏ في الجملة، مصدقًا للعالم بهما في أخباره في الجملة، وإن لم يكن عالمًا بوجه الدلالة فلا يصير بهذا المقدار مقلدًا، ‏ألا ترى لو ظهر له أن ما أخبره العالم غير موافق لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‏ لرجع إليها ولا يتعصب لهذا المخبر، بخلاف المقلد ‏فإنه لا يسأل عن حكم الله ورسوله، وإنما يسأل عن مذهب إمامه، ولو ظهر له أن مذهب إمامه مخالف لكتاب الله وسنة رسوله ‏لم يرجع إليهما، والمتبع إنما يسأل عن حكم الله ورسوله ولا يسأل عن رأي آخر ومذهبه ولو وقعت له نازلة أخرى لا يلزمه أن ‏يسأل العالم الأول عنه، بل أي عالم لقيه، ولا يلتزم أن يتعبد برأي الأول؛ بحيث لا يسمع رأي غيره، ويتعصب للأول وينصره؛ ‏بحيث لو علم أن نص الكتاب أو السنة خالف ما أفتاه به لا يلتفت إليه، فهذا هو الفرق بين التقليد الذي عليه المتأخرون وبين ‏الاتباع الذي عليه السلف الصالح الماضون. والله تعالى أعلم".

دراسة الفقه على المذاهب الأربعة

لقد تصوَّر البعض أن السلفية تمنع مِن دراسة الفقه على مذهب من المذاهب الأربعة، وهذا تصور خاطئ، فإن السلفية لا ‏تمنع من دراسة الفقه على مذهب مِن المذاهب، بل تحبذه شريطة عدم التعصب، وإليك كلام أحد أكابر أئمتها المعاصرين ‏وهو الشيخ الألباني رحمه الله؛ حيث يقول فيما نقله عنه الشيخ محمد عيد عباس في كتاب (بدعة التعصب المذهبي): "ومن ‏الجدير بالذكر أن هذا هو رأي أستاذنا حفظه الله نفسه، فقد ذكر أكثر من مرة أن الواجب على الناس في زماننا هذا أن يبدءوا ‏بتعلم الفقه على طريق أحد المذاهب الأربعة، ويدرسوا الدين من كتبها ثم يتدرجوا في طريق العلم الصحيح بأن يختاروا كتابًا ‏من كتب مذهبهم ككتاب (المجموع) للنووي عند الشافعية، وكتاب (فتح القدير) لابن الهمام عند الحنفية، وغيرها مِن ‏الكتب التي تبين الأدلة وتشرح طريق الاستنباط، ثم يتركوا كل قول ظهر لهم ضعف دليله وخطأ استنباطه، ثم يتدرجوا خطوة ‏ثالثة بأن ينظروا في كتب المذاهب الأخرى التي تناقش الأدلة أيضًا وتبين طريق الاحتجاج بها ويأخذوا مِن هذه الكتب ما ظهر ‏لهم صحته وصوابه، وهكذا".

فيرى شيخنا أن هذا هو السبيل الصحيح الممكن سلوكه في هذا الزمان؛ لأن سلوك السبيل الواجبة التي كان عليها السلف ‏الصالح طفرة غير ممكن اليوم؛ لأنه لا يوجد في الناس علماء مجتهدون يعلمونهم فقه الكتاب والسنة، ولذلك فليس أمام ‏الناس إلا أحد سبيلين؛ فإما أن يتركوا دون تعلم ولا تفقه ويخبطوا في دينهم خبط عشواء، وإما أن يتعلموا دينهم ويتفقهوا في ‏أحكامه عن طريق أحد المذاهب الأربعة، ولا شك أن هذا الطريق هو أخف ضررًا وأقل شرًّا مِن الطريق الأول، ولذلك ‏ننصح به ونؤيده".

ويقول الشيخ العباس في موضع آخر: "والخلاصة أننا لا نمانع في الوقت الحاضر من دراسة الفقه على الطريقة المذهبية، ‏ولكن بشرط واحد وهو عدم التعصب؛ فالتعصب المذهبي هو الذي نحاربه ونكرهه".

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة