الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

من الإيمان باليوم الآخر.. الإيمان بعذاب القبر ونعيمه -3

عمدوا إلى التشكيك فيما ورد من آيات قرآنية في إثبات ذلك

من الإيمان باليوم الآخر.. الإيمان بعذاب القبر ونعيمه -3
علاء بكر
الاثنين ٠٩ نوفمبر ٢٠١٥ - ١٣:٣٤ م
1131

من الإيمان باليوم الآخر

الإيمان بعذاب القبر ونعيمه (3)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لم يكتفِ المشككون في عذاب القبر ونعيمه برد الأحاديث النبوية، بل عمدوا إلى التشكيك فيما ورد من آيات قرآنية في إثبات ذلك، رغم أن منها ما هو واضح وصريح في الدلالة على ذلك كما بيَّنا، فذكروا أن هذه الآيات القرآنية تعارضها آيات أخرى، محاولين بذلك ضرب الآيات بعضها ببعض، وهذا مِن سوء تصرفهم، وعدم إحاطتهم بالفهم الصحيح للقرآن الكريم. فمن شبهاتهم المتعلقة بالقرآن:

1- أن الله تعالى قال في أهل الجنة: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى)، قالوا: فليس بعد الموت في الدنيا موت آخر، إذ لو صاروا أحياءً في القبور لذاقوا الموت مرتين لا مرة واحدة.

والجواب: هذا إخبار عن نعيم أهل الجنة، أنهم لا يذوقون الموت في الجنة، بل يخلدون في نعيمها، ولا يمنع ذلك أن هناك حياة في البرزخ ليست كالحياة الدنيوية، ولا موت فيها كموت الدنيا، إذ موت الدنيا هو خروج الروح من البدن، أما في القبر فهناك اتصال ما بين الروح والبدن، فلا هي مفارقة بالكلية، ولا هي اتصال دائم، ويكون مع ذلك عذاب أو نعيم بكيفية لا ندركها، تصديقًا للآيات القرآنية وللأحاديث الواردة في إثبات ذلك، ومنها قوله تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ) ، وقوله تعالى : (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).

2- أن الله تعالى قال: (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)، قالوا: فتشبيه الكفار بالموتى في عدم السماع يُفيد أن الموتى في قبورهم لا يسمعون؛ أي أنهم ليسوا بأحياء.
والجواب: نفي السماع: إما نفي للسماع كلية, وإما نفي لسماع الاستجابة. فأما على نفي السماع كلية فيعني نفي استطاعة النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمعهم، لا نفي قدرة الله تعالى أن يسمعهم متى شاء، كما أسمع الله تعالى القتلى مِن كفار قريش في القليب يوم بدر، الذين كلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد إلقائهم في القليب، وقال لأصحابه: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يجيبون"، والحديث عند البخاري، فالله يسمع الموتى ما شاء متى شاء بكيفية في القبر لا نعلمها. أما على نفي سماع الموتى سماع استجابة لا السماع مطلقًا فلا إشكال فيه، فإن الكفار كانوا في الدنيا يسمعون كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وكلام الله تعالى الذي يتلوه الرسول عليهم، ولكنه ليس سماع استجابة، ولهذا أثبت تعالى هذا السماع الظاهر للكفار في قوله تعالى: (يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا)، ولو كان الكفار لم يسمعوا مطلقًا لا سماع الاستجابة ولا السماع الظاهر؛ لم يكن القرآن حجة عليهم إذ لم يبلغهم إذ لم يسمعوه.

ومدار فهم المسألة على إدراك أن عودة الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل إعادة تخالفها. يقول الشيخ ابن أبي العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية: "فالروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام:

أحدها: تعلقها به في بطن الأم جنينًا.

الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.

الثالث: تعلقها به في حال النوم، فلها به تعلق مِن وجه ومفارقة مِن وجه.

الرابع: تعلقها به في البرزخ، فإنها وإن فارقته وتجردت عنه، فإنها لم تفارقه فراقًا كليًّا بحيث لا يبقى لها إليه التفاوت البتة، فإنه ورد ردها إليه وقت سلام المسلم، وورد أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، وهذا الرد إعادة خاصة لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة.

الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه، إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتًا ولا نومًا ولا فسادًا، فالنوم أخو الموت، فتأمل هذا، يزح عنك إشكالات كثيرة".

وقال أيضًا: "وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلًا، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا نتكلم في كيفيته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته؛ لكونه لا عهد له به في هذه الدار، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، بل إن الشرع قد يأتي بما تحار فيه العقول، فإن عودة الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا". وقال أيضًا: "واعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكل مَن مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه، قبر أو لم يُقبر، أكلته السباع، أو احترق حتى صار رمادًا ونسف في الهواء، أو صلب أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه مِن العذاب ما يصل إلى المقبور".

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة