الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

المحكم والمتشابه

يطلق المحكم في لسان الشرعيين على ما يقابل المنسوخ تارة، وعلى ما يقابل المتشابه تارة أخرى

المحكم والمتشابه
أحمد فريد
الاثنين ١٦ نوفمبر ٢٠١٥ - ١٦:٢٧ م
1480

المحكم والمتشابه

كتبه/ أحمد فريد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الإحكام بكسر الهمزة لغة: الإتقان، والإجادة، والمنع، ووضع الشئ في موضعه، فيقولون: أحكم الأمر، أي: أتقنه وأجاده ومنعه من الفساد والمشابهة.

والتشابه لغة: المشاركة والمشاكلة المؤدية إلى الالتباس غالبًا، فيقولون: تشابها واشتبها، أي: أشبه كل منهما الآخرحتى التبسا.

ولقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على أن القرآن كله محكم في وضعه لفظًا ومعنى، بعيدًا كلّ البعدِ عن أي خلل أو فساد أو ما إلى ذلك.

قال تعالى: ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) (هود1).

وقال تعالى: (وإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) (41) لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (فصلت 41-42).

كما جاء فيه ما يدل على أن القرآن كله متشابه، يشبه بعضه بعضا في الصدق، والتحدي، وسمو المعنى، قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا) (الزمر 23).

والتشابه بهذا المعنى لا يقابله المحكم، بل يجامعه ولا يتناقض معه.

وجاء فيه أيضا ما يدل على أن القرآن بعضه محكم، وبعضه متشابه.

قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) (آل عمران (7)) وليس ثمة تعارض بين هذه الآراء المذكورة؛ لأن معنى إحكامه كلِّه أنه متقن لا يعتريه خلل ولا فساد، ولا يواتيه ريب، ولا يداخله شك، لا في لفظه ولا في معناه.

ومعنى كونه كلِّه متشابه أي: يشبه بعضه بعضًا في إحكامه، وبلاغته، وفصاحته، وبلوغه حد الإعجاز في ألفاظه ومعانيه، ومعنى أن بعضه محكم وبعضه متشابه: أن القرآن الكريم منه ما اتضحت دلالته على مراد الله تعالى، ومنه ما خفيت دلالته.

فالأول هو المحكم والثاني هو المتشابه.

المعنى الإصطلاحي: يطلق المحكم في لسان الشرعيين على ما يقابل المنسوخ تارة، وعلى ما يقابل المتشابه تارة أخرى.

فيراد به على معنى الاصطلاح الأول: الحكم الشرعي الذي لم يتطرق إليه نسخ، ويراد به على الثاني: ما ورد من نصوص الكتاب أو السنة دالاً على معناه بوضوح لا خفاء فيه (1).

 

وقال السيوطي: وقد اختلف في تعيين المحكم والمتشابه على أقوال:

فقيل: المحكم ما عرف المراد منه، إما بالظهور، وإما بالتأويل. والمتشابه ما استأثر الله بعلمه، كقيام الساعة، وخروج الدجال، والحروف المقطعة في أوائل السور.

 

وقيل: المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجهاً واحدا. والمتشابه ما احتمل أكثر من وجه.

وقيل: المحكم ما وضح معناه. والمتشابه نقيضه.

وقيل: المحكم ما كان معقول المعنى. والمتشابه بخلافه، كأعداد الصلوات، واختصاص الصيام برمضان دون شعبان. قاله المارودي

وقيل: المحكم ما استقل بنفسه. والمتشابه مالا يستقل برده إلى غيره.

وقيل: المحكم ما تأويله تنزيله، والمتشابه ما لايدرك إلا بالتأويل.

وقيل: المحكم مالم تكرّر ألفاظه. ومقابله المتشابه.

وقيل المحكم الفرائض، والوعد والوعيد. والمتشابه القصص والأمثال.

أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال:

المحكمات ناسخه، وحلال وحرامه، وحدوده وفرائضه، وما يؤمن به ويعمل به.

 والمتشابهات منسوخه، ومقدمه ومؤخره، وأمثاله، وأقسامه، وما يؤمن به ولا يعمل به.

قال الشيخ محمود عبد الحليم الرفاعي:

بعد التأمل فيما سبق من الآراء في كلٍ من المحكم والمتشابه تعلم تمام العلم أن منشأ التشابه إجمالًا هو خفاء مراد الشارع من كلام القرآن، وسواء أكان الخفاء  في  اللفظ أو المعنى أوفيهما معًأ.

أنواع المتشابهات:

الأنواع ثلاثة:

1ـ ما لا يستطيع البشر جميعًا أن يصلوا إليه، كالعلم بذات الله تعالى، أو صفة من صفاته، وكالعلم بوقت القيامة، ونحوه من الغيوب التي استقل علم الله تعالى بها ،قال تعالى (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ) 

وقال مِن سورة لقمان : ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ)

2ـ ما يستطيع كل إنسان أن يعرفه عن طريق البحث والدرس، وهي المتشهابات التي نشأ التشابه فيها.

3ـ ما يعلمه خواص العلماء دون عامتهم.

قال الراغب: المتشابه ثلاث أضرب :

1ـ ضرب لا سبيل إلى الوقوف عليه كوقت الساعة.

2ضرب للإنسان سبيل إلى معرفته كالآلفاظ العربية وغيرها.

3 ضرب تردد بين الأمرين، يخص بعض الراسخين في العلم، ويخفى على من دونهم، وهو المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل))

للمتشابه حِكَم كثيرة

ولكل نوع من الأنواع حِكَم يمكن الوقوف عليها عند تأمل كلِّ نوع من أنواع المتشابه.

وحسبنا في بيان الحكمة العامة لكلِّ هذا: الإيمان بقدرة الله سبحانه، وبأنه _جلَّ شأنه_ لا يخفى عليه شئٌ في الأرض ولا في السماء، وأنه أحاط بكلِّ شئٍ علماً، وأن في التشابه اعترافاً بعجز الإنسان عن إدراك مراد الله تعالى، وأنه مهما أوتي من العلم والمعرفة والبلاغة والفصاحة فلن يصل إلى مراد الله تعالى.

قال سبحانه (( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا )).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة