الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

بين الانتصار والانكسار

إن الليل مهما طال وإن الباطل مهما انتفش فلابد من شعاع الفجر أن يأتي ويبزغ

بين الانتصار والانكسار
وليد محمد عبد الجواد
الخميس ١٩ نوفمبر ٢٠١٥ - ١١:٥٩ ص
1270

بين الانتصار والانكسار

كتبه/ وليد محمد عبد الجواد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

طريق الدعوة إلى الله تبارك وتعالى مثله مثل كل الطرق، به عثرات وانحدارات، وكذلك تكتنفه "مطبات"، وبالطبع لابد وأن يكون عليه إشارات وعلامات تهدي الساري وتسكن فؤاده، تجعله يتحمل ما يصيبه بنفس هادئة ومطمئنة، لأنه يعلم طبيعة هذا الطريق.

وإلى السائرين على الدرب نهدي هذه الإشارات والعلامات :-

(1)     أن طريق الأنبياء والمرسلين ودعوتهم لأقوامهم وإيصال الحق لهم لم تكن يوماً ما طريقا سهلة مفروشة بالورود والرياحين، وإنما كانت حافلة بالجهاد ومصارعة المخالفين، بها لحظات انتصار وكذلك انكسار، بها عثرات ويتخللها آلام، قال الله "إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ......." ولكنها سنة كونية من سنن الله فى بعثه لرسله قال الله "وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا......" لذلك قص الله علينا أخبار السابقين حتى تتضح هذه الحقيقة بجلاء، حتى لا ييأس الداعي ويصيبه الملل والإحباط.

(2)     حقيقة الأمر هو سنه التدافع بين الحق والباطل قال الله "ولَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ ..." وهذا الأمر ابتدأ منذ اللحظة الأولى للخليقة، وهو صراع أبدي سرمدي لا ينتهي إلي أن يرسل الله تبارك وتعالى ريحاً طيبةً تأخد كل من كان في قلبه مثقال ذرة من خير، ويبقى شرار الناس يتهارجون ويتمارجون، وعليهم تقوم الساعة، وقد كان هذا واضحاً منذ اللحظة الأولى لبعث النبي صلى الله عليه وسلم حينما تبدّى له جبريل في أول التنزيل وذهب إلى ورقة بن نوفل فقال له كما في الصحيح:  "لم يأت أحد قومه بمثل ما أتيت به إلا عودي"، وهذا التدافع يقتضي أيضا أن تكون الأمور سجال، فتارة يعلو الحق، وتارة يعلو الباطل وينتفش ويرتفع صوته حتى يظن الناس أن لا ظهور للحق مرة أخرى، فلا يكون ذلك سبباً لضعف الداعي أو فقدانه توازنه .

(3)     مقاييس الدعاة ورؤيتهم للإصلاح تنبع من صحة فهمهم ودقه قراءتهم لسير الأنبياء والمرسلين، وهي بالأحرى تختلف تماماً عن مقاييس باقي الناس فما يراه الناس انكساراً وخسارة أو فتحا وانتصاراً قطعا عند عرضه على مقاييس أهل العلم الربانين تختلف تماماً، فمثلاً في قصة الغلام والملك، كان النصر بقتل الغلام وظهور الإيمان وبيان الحق للناس، فعند الناس هذا إنكسار وضعف ورجوع وضياع للداعي، وعند الله تبارك وتعالي هذا فتح وظهور وتمكين.

(4)     كذلك من هذه الإشارات التي تجلي الطريق وتنيره للسائرين إلى الله علامة "إمش ولا تلتفت "، لأنك سوف تجد كثيراً من النقد والاستهزاء والغمز واللمز في كل النواحي والجهات، وصدق قول الله تبارك وتعالى "إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ" لذلك عليك أخي الكريم بعد التوكل على الله تبارك وتعالى ووضوح الرؤية بعدم الاكتراث والالتفات يمنة أو يسرة، حتى لا تصاب بالإحباط أو التشتيت .

 

(5)     كذلك من الإشارات على طريق الدعوة: عدم التهور والاندفاع أو الاغترار بالعواطف، وعدم النظر الجيد إلى مآلات الأمور، وقراءة الواقع قراءة جيدة، والنظر إلى المصالح والمفاسد، فكم من طامة كبرى أزهقت وأضاعت ثمرات الأعمار والسنين في الدعوة تحت دعوى السرعة في تحقيق النتائج ونصرة الدين، وهي في حقيقة أمرها دمار وضياع للجهود المبذولة، والواقع خير شاهد علي هذه الإشارة .

(6)     أيضا لا شك أن الداعي إلى الله تبارك وتعالى مأمور في كل وقت وفي كل حين بواجب العبودية إلى الله تبارك وتعالى، فإذا كانت الحالة رخاءً ونعمة وإنتصارًا كان الشكر والحمد، وإذا كان ذل وإنكسار وهزيمة يكون التضرع والإنكسار والخضوع إلى الله تبارك وتعالى واتهام النفس، وهي أحوال يحبها الله تبارك وتعالى من عباده المؤمنين، فلا يكون الجزع حين الإنكسارأو الاغترار حال النعمة والتمكين .

(7)     ومن الإشارات والعلامات: عدم الاغترار بالكثرة أو الزهد في القلة، فإن أغلب الكثرة في كتاب الله منعوتة بالبعد عن الحق والصواب، قال الله تعالى: "وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ... " وقوله "وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" وكذلك لما اغتر المسلمون بعددهم وكثرتهم في غزوة حنين وقالوا: "اليوم لا نهزم من قله"؛ وكلهم الله إلى أنفسهم، ولم يشفع لهم أن كان معهم رسول الله وخيرة أصحابه، وأصابهم ما أصابهم .

(8)     كذلك من الاشياء التي قد تصيب الدعاة باليأس والأحباط :-

بطؤ السير وقلة الأتباع، وربط الدعوه بالإجابة أوإعراض الناس، لذلك لابد من معرفة أن الدعاة مأمورون فقط بالإبلاغ ولا يسألون عن الإجابة، قال الله "مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ" ويأتي النبي يوم القيامه ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد، ومع ذلك لا يلام، فليس على الدعاة إلا استفراغ الوسع، والنتائج على الله سبحانه وتعالى.

أخيرا :

لا يشك مؤمن وصاحب دعوة أن الجولة الأخيرة والنصر الحقيقي لابد وأن يكون حليف المؤمنين، فإن الليل مهما طال وإن الباطل مهما انتفش فلابد من شعاع الفجر أن يأتي ويبزغ، كما قال الله "وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ" وقول النبي صلي الله عليه وسلم: "وليتمن الله هذا الأمر حتى لا يبقين بيت مدر ولا وبر إلا وأدخله الله هذا الدين ........." ونحن في انتظار موعود الله ورسوله، ولكن الفيصل في ذلك أن النصر لا يتنزل على طائفة لا تؤدي حق الله ولا تقوم بأمره، فإن وجود الإيمان قولاً وعملاً ودعوةً وتعليماً وتمكنه من قلوب الطائفة المؤمنة هو الميزان الحقيقي لنصرة هذا الدين .

قال الله "وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا.. .".

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة