الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

النظام الانتخابي المصري قاتل للأحزاب

لا سبيل مطلقًا لتغيير مثل هذه القوانين السيئة بالمقاطعة

النظام الانتخابي المصري قاتل للأحزاب
جمال محمد متولي
الأربعاء ٠٢ ديسمبر ٢٠١٥ - ١١:٣١ ص
1285

النظام الانتخابي المصري قاتل للأحزاب

كتبه/ جمال محمد متولي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛

مع أن دستور 71 كان ينص على أنّ النظام السياسي قائم على التعددية الحزبية  فإن الواقع السياسي في النظام الأسبق - نظام مبارك - لم يكن يسمح بتفعيل حقيقي لدور الأحزاب، وكان دائمًا ما يتخذ من سياسات تمنع الأحزاب من تمتعها بحقوقها السياسية ، ولم يكن يسمح لها إلا بلافتة على مقراتها، وفي أحسن أحوال صدور صحيفتها التي كانت لا تخرج عن الخط المرسوم لها من قبل النظام، وليس من قبل حزبها، مع السماح لها بهامش نقدي ومعارض لايتجاوز هذا الخط ، مما أضعف الحياة السياسية المصرية تماما، ومع الأسف فإن النظام الانتخابي الحالي أيضًا يفرغ الحياة الحزبية من مضمونها، ويصيبها في مقتل.

مع أنّ الدستور الجديد أيضًا، ينص في مادته الخامسة على : أنّ النظام يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية، فإن الواقع  لا يضعف  الحياة السياسية والحزبية فقط، بل يقتلها قتلا .

ومع الأسف، البعض يرجع ذلك لضعف الأحزاب، ويخلي مسئولية النظام من ذلك تمامًا، وهذا غير صحيح، ولا نكابر في ضعف الأحزاب المصرية في مجملها، ولكن الحق أيضًا يدعونا للاعتراف بأن النظام السياسي منذ الخمسينيات وحتى ثورة 25 يناير- كما سبق وذكرنا- كان بالفعل يخنق الأحزاب وكل ذلك معروف.

ولو قلنا: إن الحياة السياسية منفتحة منذ الثورة المصرية المجيدة- 25 يناير 2011- وما منع أحد الأحزاب من تقوية بنيانها الداخلي، لابد أن نعترف أيضًا بأن تلاحق وتيرة الأحداث، وسخونتها، وأهميتها، كل ذلك لم يعط للأحزاب أية فرصة، لتقوية هذا البنيان  وكما أن النظام السياسي الحاكم لمصر- طوال العقود الماضية- كان خانقًا، ومضيقًا للأحزاب، وكانت التعددية الحزبية- بالنسبة له طوال تاريخه الحديث - مجرد مظهر ديكوري، يتزين به أمام العالم.

كان ينبغي على النظام الحالي أن يقوم بتفعيل الدستور الذي تبنى التعددية السياسية والحزبية عليه، ويتبنّى نظامًا انتخابيًا يسمح بالفعل بتقوية الأحزاب، وتمثيلها السياسي، ولكن الذي حدث هو العكس.

 تبنّي النظام نظامًا انتخابيًا، ثبت أن يعيد لمصر سياسة الإقصاء، والاستحواذ، واستعلاء المال السياسي تماما، كما كان في النظام السابق نظام مبارك.

ولو كان النظام الحالي جادًا في إقامة حياة سياسية سليمة، صحيحة، تزيد من وعي الشعب المصري، وترتقي به سياسيًا من ناحية، ومن ناحية أخرى تسعى لتمثيل شرائحه، وتعكس إرادته في اختيار نوابه، لاختار نظامًا انتخابيًا يحقق ذلك وخاصةً في نظام القائمة.

 وكان اختيار القائمة النسبية التي لاتهدر صوت الشعب وإرادته وتترجم هذه الإرادة التصويتية إلى تمثيل برلماني مما كان يعني توسيع رقعة التمثيل الشعبي الحقيقي بدلا من أحاديتها الحالية، وإلقاء نصف إرادة الشعب المصوتة في سلة المهملات، مع أن ألف باء فوائد القائمة هي ترجمة أصوات الناخبين إلى مقاعد برلمانية .

قد يقول قائل: إنّ فائدة القائمة المغلقة تمثيل الفئات الشعبية المهمشة .

 وهذه حجة مردود عليها تمامًا، إذ كان من الممكن أن ينص القانون على تمثيل هذا الفئات على راسم القوائم المفتوحة، وبذلك سنضمن تمثيلها من ناحية، وأخرى نضمن التمثيل الحقيقي للشعب الحريص على التصويت والمشاركة .

والعجيب أن النظام يتناقض مع نفسه تناقضًا فجًا، فهو يظهر بصورة المناصر للفئات المهمشة، والحريص على تمثيلها نيابيًا، وفي الوقت ذاته يلقي بإرادة نصف الناخبين في سلة المهملات بنظامه هذا.  

أمر آخر أنه ثبت عمليًا سوء هذا النظام الانتخابي، وتكريسه لقتل النظام الحزبي، وتعدديته،  بعدم نجاح أي حزب، ككيان سياسي بذاته بالبرلمان ، والقائمة التي نجحت تضم ما يزيد على خمسين حزبا متناثرة، بل متنافرة ، ومن الناحية العلمية ، فلدينا ما يؤكد أن النظام الانتخابي الخاص بالقائمة نظام قاتل للأحزاب السياسية.

 

وحتي لايكون كلامنا مرسلاً، فهو نتيجة استبيان قام به مركز البحوث الاجتماعية والجنائية، وهو من المراكز المحترمة علميًا، واستبيانه كان محايدًا تمامًا .

ومن الأسئلة التي كانت في هذا الاستبيان، وتوضح بشكل جلي سوء نظامنا الانتخابي، منها السؤال الأول : أسباب المشاركة السياسية بالانتخابات ؟

كانت إجابة العينة المبحوثة أن الدافع الأول للمشاركة بنسبة 1.64 % هو  (علشان البلد تمش).

 والسبب الثاني : انتخاب المرشح الذي يريده المواطن بنسبة 7 . 42% .

السؤال الثاني : معايير اختيار العينة المبحوثة لاختيار المرشح الفردي؟

 كانت الإجابة بنسبة 2 . 69 % للسمعة الجيدة.

 والسبب الثاني بنسبة 8 .50 % وجود برنامج انتخابي.

السؤال الثالث : من سمع عن التحالفات الانتخابية ؟

كانت الإجابة بنسبة 1. 49 %، لم يسمعوا عنها  في حين أن من سمعوا عنها نسبتهم 9. 37 % .

السؤال الرابع : رضا الباحثين  عن النظام الانتخابي وجعل الفردي أكثر من القائمة؟

اتّضح أن غالبية العينة غير قادرة على تحديد موقف من النظام الانتخابي، ونسبتهم 6 . 50 % ونسبة الراضين عنه 9 . 39 % .

 كما أن من أهم أسباب عدم الموافقة على نظام الانتخابات : اتساع مساحة دوائر القوائم بشكل كبير، مما يجعل الناخب يضطر لاختيار مرشحين لايعرفهم بنسبة 1 . 56 %، يليه إمكانية عودة الرشاوى الانتخابية - وهو ماحدث فعلا - بنسبة 2 . 31 % ، وزيادة فرص الفوز للمرشحين الأثرياء 7 . 30 %.

السؤال الخامس : معرفة العينة بصلاحيات البرلمان الجديد؟

تبين من إجابة نصف العينة تقريبًا أنهم لا يعرفون ما صلاحيات البرلمان بنسبة 1 . 49 %، في حين كانت نسبة من يعرفون 9 ‘ 31 %.

 السؤال السادس: كان دور نائب البرلمان في رأي ثلثي العينة ، هو تقديم خدمات خاصة لأهالي الدائرة بنسبة 5 .67 %، حتى قال السادة الباحثون للعينة مانصه: إن ذلك مما يوضح مدى انتشار الاعتقاد الخاطئ بين المواطنين، بين دور عضو البرلمان، وعضو المجلس الشعبي المحلي، يليه كشف الفساد 9 . 53 % ، ورأوا أن دور النائب مراقبة الحكومة بنسبة 4 . 40 %، ثم المشاركة في وضع القوانين بنسبة 4 . 29 % والموافقة على الموازنة العامة للدولة .

 لوحظ أن دور النائب هنا هو المناقشة قبل الموافقة، ولكن العينة قالت: الموافقة مباشرة، بنسبة 2 . 17%.

هذه بعض الأسئلة التي بحث بها هذا المركز العلمي المحترم ، والذي أيضا هو شبه رسمي  - بحكم أنه أحد مؤسسات الدولة -، مما يدلك بوضوح علمي على أن نظامنا الانتخابي يكرس الجهالة السياسية لدى الشعب.

 ولو أن نظامنا السياسي معني بتفعيل الدستور الذي ينص على التعددية السياسية الحزبية ولو كان أيضًا جادًا في زيادة وعي الشعب، ومشاركته السياسية  والانتخابية، ولو كان لديه نية أن يرتقي به سياسيًا، لكان بادر من تلقاء نفسه بعد هذا الاستبيان المحترم لتغيير نظامه الانتخابي.

فضلًا عن الاعتراضات الهائلة التي حظيت بما يشبه الإجماع على رفض قانون الانتخابات من غالب الأحزاب، والحركات السياسية المصرية، ولكن هناك – ولا شك – من يريد للشعب المصري أن يظل أسيرًا للجهل السياسي، ومن يريد قتل ارتقائه السياسي؟!

ومن المؤكد أن سيسأل ســـــــــائل، ولماذا يشارك حزب النور في العملية الانتخابية، في ظل هذا القانون السوء؟

والإجـــــــــــــــابة بوضوح وبشـــــكل مباشر :

إنه لا سبيل مطلقًا لتغيير مثل هذه القوانين السيئة بالمقاطعة ، ولكن لبذل الجهد حسب وبقدر اجتهادنا في المؤسسة التي يمكنها وحدها تغيير هذا الواقع، بتغيير أو تعديل التشريعات التي نراها تصب في مصلحة شعبنا وترعاه وتحفظ له إرادته.

 ونعمل مجتهدين لتحقيق طموحه بالوجود في قلب الصورة وليس خارجها .

والمجتهد المصيب له أجران، ونسأل الله تعالى أن نكون منهم، والمجتهد المخطئ له أجر، ونسأل الله ألا نعدم فضله - اللهم آمين-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة