السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بعذاب القبر ونعيمه -6

الأرواح في البرزخ متفاوتة في منازلها

من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بعذاب القبر ونعيمه -6
علاء بكر
الأحد ٠٦ ديسمبر ٢٠١٥ - ١٤:١٢ م
1377

من الإيمان باليوم الآخر

الإيمان بعذاب القبر ونعيمه (6)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ومما ورد في إثبات عذاب القبر ونعيمه ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤى في ذلك، ورؤيا الأنبياء حق. ومنها ما رواه البخاري في صحيحه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا؟". قال: فإن رأى أحد رؤيا قصها، فيقول: ما شاء الله. فسألنا يومًا فقال: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قلنا: لا، قال: لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة، فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كلوب من حديد يدخله في شدقه، حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا، فيعود فيصنع مثله. قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق. فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفهر -أو صخرة- فيشدخ به رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر، فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه، وعاد رأسه كما هو، فعاد إليه فضربه. قلت: من هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نارًا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة. فقلت من هذا؟ قالا: انطلق. فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم على وسط النهر ورجل بين يديه حجارة، وفي رواية: وعلى شط النهر رجل، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان. فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق. فانطلقنا حتى انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصبيان، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها، فصعدا بي في الشجرة وأدخلاني دارًا لم أرَ أحسن منها قط، فيها رجال شيوخ ونساء وصبيان، ثم أخرجاني فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل، فيها شيوخ وشباب. قلت: طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت، قالا: نعم، أما الذي رأيته يشق شدقيه فكذاب يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة، والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار، يفعل به إلى يوم القيامة، والذي رأيته في الثقب فهم الزناة، والذي رأيته في النهر آكل الربا، والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام والصبيان حوله أولاد الناس، والذي يوقد النار مالك خازن النار، والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء، وأنا جبريل وهذا ميكائيل، فارفع رأسك، فرفعت رأسي، فإذا فوقي مثل السحاب، قالا: ذاك منزلك. قلت: دعاني أدخل منزلي. قالا: إنه بقى لك عمر لم تستكمله، فلو استكملت أتيت منزلك".

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا نائم، إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلًا وعرًا، فقالا لي: اصعد حتى إذا كنت في سواء الجبل فإذا أنا بصوت شديد فقلت: ما هذه الأصوات؟ قال: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دمًا فقلت: من هؤلاء؟ فقيل: الذين يفطرون قبل تحلة صومهم. (رواه ابن حبان، صحيح الترغيب 995).

وفي نفس الحديث أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم انطلق بي، فإذا بنساء تنهش ثديهن الحيات، قلت: ما بال هؤلاء؟ قال: هؤلاء يمنعن أولادهن ألبانهن".

- وأهل السنة والجماعة يرون أن الروح بعد الموت منفصلة عن البدن، ومتصلة به، ويعاني البدن مما تعانيه الروح بكيفية لا نعلمها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعًا باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس وتعذب متصلة بالبدن، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين، كما يكون للروح منفردة عن البدن".

- والأرواح في البرزخ متفاوتة في منازلها:

فمن أرواح الشهداء أرواح في أجواف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل. وأرواح المؤمنين تكون طيورًا تعلق ثمر شجر الجنة، ولا تتنقل في الجنة. ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "إنما نسمة المسلم طير يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعها الله إلى جسده إلى يوم القيامة". (رواه أحمد وابن ماجه ومالك في الموطأ)، قال الألباني عنه في السلسلة الصحيحة: "صحيح على شرط الشيخين"، حديث رقم (995). فأرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح متنقلة في رياض الجنة، وأرواح المؤمنين في أجواف طير يعلق ثمر الجنة ولا ينتقل في أرجائها. أما أرواح العصاة فمنها ما يلاقي ما يلاقيه من العذاب، كالذي ورد في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم التي ذكرناها. أما روح الكافر فمع أرواح الكفار تعاني ما تعانيه في سجين، والعياذ بالله. يقول شارح العقيدة الطحاوية: "إن الأرواح في البرزخ متفاوتة أعظم تفاوت فمنها: أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، وهم متفاوتون في منازلهم. ومنها أرواح في حواصل طير خضر، يسرح في الجنة حيث شاءت، وهي أرواح بعض الشهداء لا كلهم، بل من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنة لدين عليه، كما في المسند عن عبد الله بن جحش: أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ مالي إن قتلت في سبيل الله؟ قال: "الجنة"، فلما ولى قال: "إلا الدين، سارني به جبرائيل آنفًا". (رواه أحمد والنسائي والطبراني في الكبير، وصححه الألباني).

ومن الأرواح من يكون محبوسًا على باب الجنة، كما في الحديث الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت صاحبكم محبوسًا على باب الجنة". (رواه أحمد وابن ماجه وأبو يعلى والبيهقي والطبراني في الكبير، وصححه الألباني في أحكام الجنائز). ومنهم مَن يكون محبوسًا في قبره، ومنهم مَن يكون في الأرض، ومنها أرواح تكون في تنور الزناة والزواني، وأرواح في نهر الدم تسبح فيه وتلقم الحجارة، كل ذلك تشهد السنة، والله أعلم".

فالروح تخرج عند الموت، وترفع إلى السماء، ثم تعاد إلى البدن، ثم تسأل، ثم تكون مع مثيلاتها من الأرواح، مع تعلق لها بالبدن واتصال، على غير المعهود من حال المخلوقات الدنيوية، والله تعالى أعلم.

والميت قد يسمع في قبره، فهو يسمع في حال دون حال. وقوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) (النمل: 80)، فالمراد به سمع القبول والامتثال، فجعل الله الكافر كالميت الذي لا يستجيب لمن دعاه، وكالبهائم التي لا تفقه معنى ما تسمع، كما قال تعالى: (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ) (الأنفال: 23). أما الميت فإن الله يسمعه ما شاء الله أن يسمعه متى شاء، كما ورد في الأحاديث:

ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، حتى أنه ليسمع قرع نعالهم ...) الحديث. (رواه البخاري). ووقف الرسول صلى الله عليه وسلم على قتلى بدر من المشركين بعد قذفهم في بئر من آبار بدر بثلاث ليالٍ فنادى: "يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا؟"، فقال عمر: يا رسول الله؛ ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ قال رسول الله: "والذي نفس محمد بيده؛ ما أنتم بأسمع لما أقول منهم". (رواه البخاري).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة